رفائيل هواويني

رفائيل هواويني

مؤسس أميركا الأرثوذكسية


سامر جورج عوض

ولد رفائيل هواويني ابن مريم جرجورة في 8/20 تشرين الثاني من عام 1860, كان أبواه تقيين ورعين ، أنجبته والدته في بيروت لهربها من دمشق أثناء الأحداث حينها ولكنها عادت الى دمشق ربيع 1861 مربية إياه على الإيمان والأدب.

في عمر السادسة أرسله والده ليتعلم في المدرسة البطرياركية في قسمها الإبتدائي ودرس القراءة على يد منصور شامية وفي العاشرة رقي إلى القسم المتوسط حيث درس مبادئ الصرف والنحو والحساب على يد الياس شامية وفي الثانية عشر رفع إلى القسم الثانوي حيث برع في اللغة العربية والتعليم الديني والحساب والتاريخ والجغرافيا …………. ومبادئ اللغتين التركية واليونانية، وفي مبادئ الموسيقى الكنسية.
كان ذكياً شجاعاً فأعجب أساتذته به وقد مثَّل دور البطل في مسرحية المعرفة والجهل بعد أن أختارته لذلك إدارة المدرسة نهاية العام الدراسي لسنة 1973 ، وفي نهاية سنة 1974 حاز على الجائزة الدراسية الأولى.
وقد حث الشماس أثناسيوس عطا الله ( مطران حمص لاحقاً ) البطريرك إيروثيوس على قبول رفائيل تليمذاً في البطريركية لإعداده للكهنوت ولما قبل البطريرك انتقل إلى البطريركية التي أقام فيها وأتم علومه في مدرسة البطرياركية الكبرى، وفي 14 أيلول 1874 رسم قارئاً ولما أنسى منه أساتذته حدة الذكاء عينوه سنة 1877 أستاذاً يقوم مقام معلمه أثناء غيابه، وفي سنة 1878 عين رسمياً معلماً للصف الخامس للغتين العربية والتركية، وفي 29 آيار منه رسمه غبطته راهباً وعينه مرافقاً ولأن الخدمة الجديدة تتطلب التواجد الدائم مع البطريرك ترك التعليم.
أخبر الأرشمندريت خريستوفورس جبارة المعتمد الأنطاكي في روسيا البطريرك الأنطاكي أن البطريرك القسطنطيني يواكيم الثالث يعرض على البطريرك الأنطاكي إرسال شاب على الأقل ليدرس اللاهوت في خالكي وبعد أخذ ورد وبمؤازرة ديمتري شحادة الدمشقي المقيم في استانبول توجه من دمشق رفائيل في 6 تموز ووصل استانبول 18 منه.
قد عانى قليلاً في مصاريف السفر والإقامة و الدراسة إلا أن يد الله قد مدت إليه فساعدته وفي 8 كانون الأول سنة 1885 رسم الراهب رفائيل شماساً إنجيلياً في كنيسة مدرسة خالكي اللاهوتية يوضع يد بروكييوس مطران ملانيكون في مكدونيا وأحد أبناء المدرسة عليه ، وفي 6 تموز نال شهادة اللاهوت من الدرجة الأولى فتقلد لقب معلم الإلهَيات وعنوان أطروحته التقليد المقدس وسلطاته.
ولما عاد بعد ذلك إلى سوريا لازم مطران عكار خريستوفورس صليبا الذي ساعده أثناء تعلمه في استانبول ولما زار البطريرك جراسيموس الأبرشية طلب إلى المطران أن يأذن لرفائيل كي يرافقه في جولاته وأن يكون مبشراً وخطيباً ومعلماً في المدرسة البطريركية التي صمم البطريرك على أنشائها فكان ذلك وعاد رفائيل إلى دمشق مع البطريرك في 13 آيلول سنة 1887.
بقي شغفه بالعلم متقداً فطلب من البطريرك أن يلتمس من المجمع الروسي قبوله في إحدى أكاديميات روسيا اللاهوتية على أن يعود إلى دمشق ويكون سكرتير التحرير في اللغة الروسية فقبل البطريرك وأرسل المجمع فجاءت الموافقة على قبوله في أكاديمية كييف اللاهوتية التي وصلها في 5 أيلول وآخرى امتحاناً باللغة اليونانية لعدم معرفته بالروسية، وما إن جاء الامتحان النهائي حتى طلب البطريرك من رفائيل أن تسلم المركز الأنطاكي في روسيا خلفاً للإرشمندريت خريستوفورس جبارة وفي 4 حزيران سنة 1889 رسم قسَّاً في كنيسة الأكاديمية بناء على رغبة البطريرك وذلك بوضع يد الأسقف سلفستروس عميد الأكاديمية ثم ذهب إلى موسكو ليتولى منصبه الجديد، وفي 16 تموز رسمه الميتروبوليت إيوانيكوس أرشمندريتاً بناء على طلب البطريرك الأنطاكي وأقامه رئيساً للمركز الأنطاكي في موسكو رسمياً.
ساهم في تحسين الوضع المعيشي للأنطاكيين في روسيا وأوفى من خلال سنتين ديون الكنيسة هناك والتي كانت تقدر بـ 65000 ليرة روسية، جاهد في سبيل تحسين الوضع الثقافي للأنطاكيين من خلال فتح أبواب دور العلم في روسيا لكي ينشؤوا على الإيمان الأرثوذكسي والأدب المسيحي فخلال ثلاث سنين استقدم خمسة وعشرين طالباً من مناطق الشرق الأوسط وأدخلهم إلى مدارس روسية في أوديسا، موسكو، تولا، روستوف، خاركوف.
للوكيل الأنطاكي في روسيا رفائيل دور كبير ومحوري في الدفاع عن حق العرب في استلام وترأس الكنيسة, في المجلات هناك عن الحق العربي والوضع السائد من تعسف وبذخ إكليريكي، وقد انتصر على وكيل الكنيسة اليونانية في روسيا الإرشمندريت أرسانيوس من خلال مناظرة كتابية جرت بينها ولكن آثر رفائيل على عدم الإعتراف بمطران ثابور القبرصي اليوناني المنتخب بطريركاً لأنطاكية في شهر تشرين الثاني سنة 1891 وانتهى به الأمر بعد أخذ ورد بتسليم منصبه في المركز الأنطاكي إلى الرئيس العام لأديار موسكو الإرشمندريت سيرجيوس الروسي وتابع بعد عزله نشر المقالات في الصحف اليونانية ضد اليونانيين فطالب بطاركة القسطنطينية ، الإسكندرية ، أنطاكية، أورشليم من القيصر منع الصحف من نشر المقالات فسدت الأبواب أمام نضال الإرشمندريت الوطني ، ولكن لم ينقطع رجاؤه فجمع المقالات في كتاب وترجمه إلى العربية تحت اسم لمحة تاريخية عن أخوية القبر المقدس باسم مستعار هو (الشيخ عبد الأحد الشامي)واصفاً الوجود اليوناني بنير الإستبداد على اليونانيين، ساءت العلاقات بين رفائيل والبطريرك فأنتهى به الأمر إلى المصالحة شريطة البقاء في روسيا على أن يتسلم المركز الأنطاكي فيها ملاتيوس.
التمس رفائيل من السيد فلاديمير سابا معاون الوكيل الإمبراطوري إتاحة فرصة كي يخدم في الكنيسة الروسية فعرض عليه منصب اللغة العربية في موسكو ولكن بعد أن تبين اشتراط البطريرك الأنطاكي إقامته في كييف أو كازان وافق على تعيينه أستاذاً للغة في أكاديمية كازان، وبعد توجيه معاون الوكيل الإمبراطوري الاستفادة القصوى من الإرشمندريت رفائيل فعينته الأكاديمية أستاذاً للغة العربية وللحوار المسيحي الإسلامي، فلإتقانه اللغة العربية سيتمكن من نقل النصوص الإسلامية الأساسية إلى الروسية، ولأنه يجيد اليونانية فيمكنه أن يترجم عن اليونانية الكتاب المقدس إلى لغات الإمبراطورية الروسية، ولاتصاله بالشرق الأوسط يمكنه تأمين كتب لمكتبة الأكاديمية اللاهوتية، وبجهوده الحثيثة أوصى مجلس الأساقفة رئيس الأساقفة تعيين رفائيل أستاذاً مساعداً للأستاذ ماشانوف وبأن يتخذ من الأكاديمية مقراً له وقد أشار المجلس إلى أن رفائيل قدَّم خمسة مجلدات من كتبه إلى المكتبة، وبذلك ترك رفائيل مركز الكنيسة الأنطاكية رسمياً والتحق بالكنيسة الروسية ولكنه تابع مراسلاته مع أصدقائه في دمشق و المطارنة الأنطاكيين خصوصاً أثناسيوس عطا الله مطران حمص، وفي عام 1894 طلب إليه مؤسس الجمعية الأرثوذكسية الروسية الفلسطينية إنشاء مدرسة في سوريا بعد أن رفض أساقفة فلسطين اليونانيين فكان ذلك بالتعاون مع مطران حمص.
وفي ربيع 1895 تلقى دعوة من الجمعية الخيرية الأرثوذكسية العربية في نيويورك لتولي رعايتهم والتي كانت قد أسست في السنة ذاتها وكان السيد إبراهيم عربيلي رئيساً لها وكانت مهمتها إنشاء كنيسة أرثوذكسية وبعد الوقوف على جلائل رفائيل طلبت منه ذلك فشرح لهم موقف البطريرك الأنطاكي منه وأنه إذا كان سيرعى أميركا فسيتبع المؤمنين للكنيسة الروسية فوافقوا على ذلك وبعد دعم معنوي ومادي من قبل الجمعية والبطريرك الأنطاكي الذي اصطلحت الأوضاع بينه وبين الإرشمندريت توجه الإرشمندريت رفائيل إلى أميركا التي رغب أسقفها الروسي نيقولاوس في تمركزه لطي شيكاغو نظراً لمركزها الجغرافي في منتصف الولايات المتحدة، ولكن طلب أن يكون مركزه في نيويورك لتمركز الأنطاكيين فيها ولأن الجمعية اتخذتها قاعدة لها بعد إنهاء أعماله في روسيا على عجل توجه إلى أميركا يصحبه الأسقف نيقولاوس العائد إلى أميركا ومعه جان شاميه العائد إلى أكاديمية كازان وقسطنطين أبو عضل وقد وصلوا أميركا في 4 تشرين الثاني من العام 1895 بعد أن أخذ معه الإرشمندريت الاواني المقدسة والحلل الكهنوتية مفتكراً بحرمان المؤمنين في روسيا إلى الرعاة، وقد وجهت الجمعية رسالة شكر إلى المجمع على قبولهم إرسال رفائيل.
ومنذ وصوله أميركا بدأ رفائيل يبذل قصارى عمله جاهداً في إدارة عمله الجديد وقد أقام القداس الإلهي في 5 تشرين الثاني الأحد الأول الذي تلى وصوله وقد ترأسه الأسقف نيقولاوس وسعى لبناء كنيسة للأنطاكيين فأقام كنيسة صغيرة في قلب الحي الأنطاكي في نيويورك في الطابق الثاني من البناء المشيد على Washington Street في منهاتن السفلى وهو يعلم ويرشد.
وفي مطلع 1896 زار مع عبود لطفي نائب رئيس الجمعية الخيرية ثلاثين مدينة تقع على خط مستقيم من نيويورك إلى سان فرانسيسكو وأثناء زيارته مدينة Cairo قام الأرشمندريت بتأسيس كنيسة لها وأقام الأب جان لحفازاليروقي راعياً لها بعد أخذ الإخلاء القانوني من المطران غفرائيل شاتيلا أسوة بإتمامه الأسرار المقدسة الألهية في المناطق الشتى، ولما عاد نيويورك أرسل بمؤازرة الأسقف نيقولاوس المرتل قسطنطين أبو عضل ليكمل دراسته اللاهوتية، وفي 14 كانون الأول سنة 1896 أختارته جمعية القديس يوحنا الدمشقي في دمشق عضواً فخرياً فيها.
وفي 15 آذار أسس المجلس الروحي للكنيسة الروسية الأرثوذكسية في أميركا لمراقبة المطبوعات ومراجعتها باللغات المجرية والإنكليزية. وأختبر مع اثنين رئيساً لها، وفي انتصاف الربيع قلَّدته الجمعية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية وساماً فضياً تقديراً لإنجازه نقل وتأليف الكتب التي كانت تستخدمها الجمعية في فلسطين وسوريا، كما وقلدَّته وساماً فضياً لخدمته الجديرة بالتقدير أثناء حكم الإمبراطور ألكسندروس الثالث، ومنحه الإمبراطور الروسي وسام القديسة حنة من الدرجة الثالثة لما قدمه من عمل دؤوب ونشاط مثمر أثناء تعليمه كأستاذ للغة العربية في أكاديمية كازان .
وفي مطلع سنة 1898 جمع كتاب يضم الصلوات والخدم الضرورية باللغة العربية فكان الكتاب الأول من إنتاجه في العالم الجديد وذلك تحت عنوان التعزية الحقيقية في الصلوات الإلهية.
وفي غضون زيارته الرعوية الثانية التي بدأت في أيار ودامت خمسة أشهر قُلَّد في كاتدرائية سان فرانسيسكو وفق احتفال مهيب وسام جمعية القديسة حنة من الدرجة الثانية وذلك في 6 آيار والمتوج من الإمبراطور الروسي وبناءً على طلب الوكيل الإمبراطوري والمجمع المقدس، وبعد هذه الجولة على رعايا أميركا الشمالية إلتمس من الأسقف نيقولاوس رسم كهنة لرعاية العرب فكان ذلك.
وفي 12 كانون الأول وصل خلف الأسقف نيقولاوس الأسقف تيخن وبدأ عمله الكهنوتي والرعائي.
وفي شهر آذار من سنة 1899 أخذ رفائيل الأذن بجمع التبرعات لبناء كنيسة جديدة ومدفن بدل الكنيسة الصغيرة في الحي القديم، وفي 26 نيسان ترك نيويورك متجهاً في زيارة طويلة للرعايا الأنطاكية في أميركا كي يجمع التبرعات لبناء كنائس هناك ويرعى ويبشر ويقيم الأسرار فخلال خمسة أشهر زار 43 مدينة وقرية.
ولقد عبًّر عن فرحه الشديد لإختيار ملاتيوس الدمشقي أول بطريرك عربي بعد قطيعة حوالي الــ 179 سنة، وفي 27 تشرين الثاني وبعد تنصيب مطران اللاذقية ملاتيوس بطريركاً على أنطاكية أرسل مجلس أمناء أبرشية اللاذقية نسخة عن مضبطة ترشيحه ميتروبوليتاً عليها ولكن هواويني رفض لإنشغاله في أميركا فرسم الشماس أرسانيوس حداد مطراناً عليها.
في كانون الثاني سنة 1900 قلَّده علي فاروق بك السفير العثماني في أميركا وساماً عثمانياً من الدرجة الثالثة، وفي غضون سنة 1901 طلب البطريرك ملاتيوس وأساقفة المجمع الأنطاكي من الأسقف تيخن والسفير الروسي في واشنطن إقناعه العودة إلى إنطاكية فرفض إلا بعد بناء كنيسة ومدفن لأبناء الرعية، وفي 30 حزيران وضع الحجر الأساسي لكنيسة روسية فيGarfield, وفي أواخر شهر أيلول اشترى جزءاً من مدفن وقفاً Olive mountالواقع على Longris Land
أما رعية نيويورك العربية فتحقق أحد المشروعين، وفي شهر أيلول وبناء على طلب الأسقف تيخن قلَّد الإمبراطور نيقولا الثاني رفائيل وسام القديس فلاديمير من الدرجة الرابعة، وفي 11 كانون الأول تسلَّم برقية برقية من البطريرك تعلمه ترشيحه لمطرانية زحلة فرًّد رفائيل بالإعتذار مبرراً ذلك بالمشاكل والأعمال التي يقوم بها في اميركا.
وفي سنة 1902 لعبت دوراً كبيراً زيارته إلى المكسيك حيث بشَّر وعلَّم ووعظ وأقام الأسرار الكنسية والإلهية وقد شارك في تكريس كنيسة القديس نيقولاوس يوم الأحد 27 تشرين الأول والتي اشترتها الجالية بسبب تجمع الرعايا والمؤمنين في أميركا وتباعد المسافات بين مركز الأبرشية في سان فرانسيسكو وأطرافها من ألاسكا إلى ساحل الشرقي ووجود جماعات قومية تحتاج إلى عناوين رعوية رفع رفائيل عريضة إلى المجمع الروسي بهذا الصدد والسياق مما لاقى أستحساناً وقبولاً فتغير أسم الأبرشية في عام 1900 من Diocese of Aleutains and Alaska إلى America Diocese of The Aleutains and North ثم عزم سنة 1902 على نقل المقر لحيوي من سان فرانسيسكو إلى نيويورك وعلى إحدث معتمدية في ألاسكا.
في أيار 1902 زار الأسقف تيخن روسيا وحضر جلسات المجمع وعرض عليه انتخاب رفائيل أسقفاً ثانياً مساعداً ( لأن أسقف معتمدية ألاسكا هو المساعد الأول ) على أن يبقى رئيساً للبعثة الأرثوذكسية العربية في أميركا الشمالية أعلم بذلك البطريرك الأنطاكي فوافق، وفي 12 كانون الأول أثبت الإمبراطور نيقولا الثاني قرارالمجمع وتم إنشاء المعتمدية الجديدة في ألاسكا، وفي 11 كانون الثاني رجع تيخن إلى أميركا بعد إحقاق التنظيم الجديد للأبرشية.
وفي 1 شباط وصل تصديق الأمبراطور نيقولا الثاني على الإنتخاب وإنشاء معتمدية عربية في بروكلين وتشمل أميركا الشمالية، ويوم السبت 28 شباط تم الإعلان الرسمي عن إنتخاب رفائيل أسقفاً، وفي يوم الأحد ( اليوم الثاني ) تمت الرسامة في الكنيسة العربية في بروكلين برئاسة المطران تيخن والأسقف إينوسنت، وقد أبرق مهنئاً البطريرك الأنطاكي ملاتيوس في 11 آذار للمطران تيخن وبرقية آخرى في نفس الوقت إلى الأسقف رفائيل يهنئة ويطالبه العودة فأعتذر، وفي نهاية السنة بدأ بإصدار مجلة الكلمة لخدمة الأبرشية ليؤلف الرعايا على الوحدة والمجلة والوئام.
وفي 1905 صدر العدد الأول من مجلة الكلمة النصف الشهرية وكان رفائيل رئيس تحريرها أما الغرض منها فهو تعليم حقائق الإيمان، والتعلم الخلقي ، والنشر عن المواضيع الكنسية الشتى ، ونشر وقائع الأبرشية ، وفي 21 نيسان بدأ أول زيارة رعائية له كأسقف إستغرقت أسبوع وبارك مشروع بناء كنيسة في بوسطن، ووضع حجر أساس أول دير أرثوذكسي في اميركا وإلى جانبه دير للأيتام رعته الأم ماري ـ في جنوب Canaan على بعد عشرة أميال من Mayfield
في يوم السبت 16 حزيران أحتشد الناس في محطة القطار محتفلين بتعيين الأب Arseni Chavisov رئيساً للدير.
وفي 1 تشرين الثاني كان قد أصدر مرسوماً يستند إلى كتاب التعليم الديني الذي أصدره ميتروبوليت موسكو مكاريوس وبذلك أعتبر أن كل سر لا يقام من قبل كاهن أو أسقف أرثوذكسي قانوني وفق الطقوس التي منحنا إياها الله والتي حفظت في كنيسة المسيح الأرثوذكسية وذلك بما يخص أبناء الأبرشية الذين يسكنون مناطق لا يوجد فيها كاهن أرثوذكسي .
وفي 1 أيار سنة 1906 وجه دعوة الأسقف تيخن إلى الأسقف رفائيل لتكريس الدير في Mayfield بمشاركة الأسقف إينوسنت، وفي 17 منه وبمشاركة الأساقفة الثلاثة وحوالي خمسة عشرة كاهناً وبعض الشمامسة تم تكريس الدير وفق الطقوس والصلوات الدينية الأرثوذكسية، وقد ألقى رفائيل عظة تجدث فيها عن عمل الروح القدس.
أدرك الأسقف الفذ أن مستقبل الكنيسة لايعتمد بالدرجة الأولى على الهجرة المستمرة بل تنشئة الشباب أبناء الكنيسة ( أولاً المهاجرين) ولذلك ففي مطلع سنة 1907 كان لديه ثلاثة مشاريع : تخصيص أربعة صفحات من مجلة الكلمة لقراءة الإنكليزية ، إقامة الخدم مرة واحدة في الشهر بالإنكليزية، أسوة لبدء تعليم الأولاد الدين باللغة الإنكليزية. وقد تكللت مشاريع بالنجاح بعد أن صدرت الصلوات باللغة الإنكليزية تحت عنوان Service book of the holy orthodox- catholic Apostolic Church
وفي 25 كانون الثاني وصل قرار نقل تيخن إلى أبرشية Laroslav وتعين من قبل المجمع الروسي المطران أفلاطون عوضاً عنه والذي وصل أميركا 5 أيلول، وفي 6 منه دعا الأسقف الجديد رفائيل ليرأس القداس في كاتدرائية القديس نيقولاوس وألقى كلمة ترحيبية به.
وفي مطلع سنة 1908 رشحة المجمع لشغل منصب مطران طرابلس ولكن وبسبب القوانين الكنسية التي تمنع نقل الأسقف قرر انتخاب الكسندرس طحان مطراناً عليها. وفي 10 آذار تسلم رفائيل بصفته رئيس جمعية الصليب الأحمر العربية التي أسست سنة 1904 من قبل الإمبراطورة رئيسة جمعية الصليب المقدس الروسية ميدالية كان قد استحقها.
وفي 8 حزيران منح الإمبراطور نيقولا الثاني رفائيل عبر القنصل الروسي العام وسام القديسة حنة من الدرجة الأولى ويحفظ عادة للشرفاء، وفي يوم السبت 18 تموز توجه عبر القطار برفقة الشماس إغناطيوس إلى Wilkes-Baree,paويوم الأحد ترأس خدمة التكريس بمشاركة كاهن الرعية جورج قطوف ومساءً ألف مجلس الرعية.
وفي تشرين الأول أصدر مايدل على أن القانون الفيدرالي يمنع تجنيس الأسيوين مما آثار قلق العرب في العالم الجديد وبعد عمل حثيث وجاد تكللت جهود رفائيل بالنجاح بعد طلبه العضد من قبل رؤساء الكنائس في روسيا إلى أن أنتهى الأمر بإعتبار العرب السوريين من العرق الأبيض وليس الأصفر كالصينيين واليابانيين.
وفي 24 شباط قلَّد الأسقف أفلاطون أيقونة حبرية encolpion باسمه وباسم المجلس الروسي، وفي السنة عينها وضع بعض الأسس التي تخص أحكام الزواج والطلاق والمعمودية وسر الشكر والدفن، وفي 26 تشرين الأول توجه إلى مونتريال في كندا وكرَّس فيها كنيسة القديس نبقولاوس ومعه الشماس عمانوئيل. وفي نهاية العام دشن المدرسة الليلية التي شرع في تأسيسها سنة 1906 وهي تحت أسم مدرسة القديس نيقولاوس العربية والتي تعلم اللغة العربية، التعليم الديني، الليتورجيا والترتيل من الساعة الرابعة وحتى السادسة.
وفي مطلع 1911 قام بشراء بناء قرب كنيسة بروكلين يتألف من ثلاث طوابق ودور سفلي واستخدم كمركز للأبرشية والتعليم الديني ودار للأيتام ومقر للكاهن, وفي 27 أيلول توجه إلى Wilkes-Barre,pa وفي 1 تشرين الأول ترأس خدمة تكريس كنيسة وفي الثالث منه عاد إلى بروكلين.
وفي آب 1912 نشر في مجلة الكلمة منشوراً رسمياً يطلب فيه عدم تقبل الأسرار من أي كاهن غير أرثوذكسي قانوني حتى في أوقات الضرورة ( خطر الموت ) لأن الكنيسة الأنكليكانية لايعتقدون بنعمة الكهنوت ولا سر التوبة والإعتراف وقد عزز ذلك برسالة رعوية وجهها إلى أبناء الطائفة الأرثوذكسية في أميركا في أيلول من السنة ذاتها.
في صباح الخميس 25 تشرين الأول بدأ المرض يفتك في أوصال جسده ابتداءاً من المعدة إلى الأعضاء الأخرى ولكنه شارك في 7 كانون الثاني مع الأسقف ألكسندروس في تكريس كنيسة المعهد اللاهوتي، وفي 21 شباط ( الذكرى المؤية الثالثة لأسرة Romarov أقام الأساقفة الثلاثة القداس ثم اتجهوا ليشاركوا في حفل الإستقبال في المقر الأسقفي الروسي، وقد أبرق بهذه المناسبة رفائيل إلى الإمبراطور فرَّد بالشكر طالباً الدعاء والبركة التي كان الغرض منها الابتعاد عن ضغط العمل (
وأثناء زيارته الرعوية في المركز الأسقفي كرَّس في 20 آب مدفناً في Wilkes-Barre وقد عاد إلى بروكلين في 12 أيلول.
وفي مطلع سنة 1914 قام بزيارة رعوية إلى مناطق شتى من أميركا برفقة الشماس عمانوئيل وعاد بروكلين في 1 آذار ، وفي التاسع منه أبلغ أبناء الرعية بعد أن أقام القداس بأنه عاجز عن إدارة الرعية لزياراته المتواترة فانتخب الأب خرباتي رئيساً للمجلس والأب حاماتي نا ئباً للرئيس وجبران عوض أميناً للصندوق ونيكولا خوري أميناً للسر على أن يكون رفائيل الرئيس التنفيذي لمجلس الرعية .
وفي 27 حزيران بدأ الزيارة الرعوية الأخيرة والتي كرَّس في غضونها كنيسة في 7/1 Michigan وقد استغرقت حوالي ثلاثة أشهر ونصف حتى 16 تشرين الأول وكعادته كان يبشر ويكرز بالكلمة إضافة لإقامته الأسرار ، وفي 29 تموز صدَّق الأمبراطور نيكولا الثاني على انتخاب صاحب السيادة إفدوكيم كاشير مطراناً على أميركا الشمالية .
وبعد أن انطوى على مرضه صامتاً هادئاً خاشعاً لم يشر الناس إلا لكنيسته دون أن يعبر عن ألمه ووجعه فانقطع عن الدنيا إلى جوار الله والملائكة في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين من فجر يوم 14 شباط 1915.
وفي الواحدة من ظهيرة يوم الأحد 22 شباط غصت الكاتدارئية بالجموع إكليروساً وشعباً وممثلين رسميين عن الكنائس الشقيقة والهيئات الحكومية والدينية ثم أودع الثرى في المقبرة، وفي 2 نيسان 1922 نقلت رفاته إلى مدفن في كنيسة القديس نيقولاوس في نيويورك Mount olive لأن الكنيسة تم نقلها إلى موقع جديد، وفي آب 1988 أنتقلت رفاته إلى الضيعة الأنطاكية في بنسلفينيا ووضعت الأواني المقدسة التي كانت موضوعة في التابوت في متحف الضيعة وأدخرت بعض رفاته في كنيسة القديس بطرس وبولس في الضيعة الأنطاكية .
وفي عام 2000م, قرر أعضاء المجمع الأرثوذكسي في الولايات المتحدة والمؤلف من عدة كنائس أرثوذكسية, إعلان المطران رفائيل هواويني قديساً, وإدراج اسمه بين القديسين المعيد لهم في الولايات المتحدة
وهكذا فبالضعف كان كمال قدرته فهو أوجد كل شيء من لا شيء, قدَّم لسوريا ولبنان وروسيا وأميركا محبته وجهده وجهاده, وكل ذرة تراب أميركية تتغنى بما قدمه لها من تضحيات وتقدمات نفسية فهو المحلق في سماء عظمة الإكليريكية الممسوحة بروح جهد الله الأب ومحبة الأبن وعزاء الروح .

المرجع :

1- عيسى ، الأب اندريه : سيرة رفائيل هواويني ( 1860- 1915 ) ترجمة الأب ميشال نجم .

تتحفّظ التراث الأرثوذكسي على إعطاء لقب “مؤسس أميركا الأرثوذكسية” للقديس رفائيل هواويني بالرغم من الدور الكبير الذي لعبه في عملية التأسيس، خاصةً في ربط المتكلمين بالعربية بكنيستهم الأرثوذكسية.

Leave a comment