… وكانت أم يسوع هناك…

… وكانت أم يسوع هناك…

(يو 2: 1 – 11)


الأرشمندريت كاسيانوس عيناتي

“وفي اليوم الثالث، كان في قانا الجليل عرس وكانت أم يسوع هناك”

يذكر الإنجيلي يوحنا أن أم يسوع كانت حاضرة هناك في عرس قانا قبل أن يحضر إبنها وفي ذلك دلالة على عفّة العروسين وطهارتهما واستحقاقهما بالتالي لحضور يسوع عرسهما.

“فدُعي يسوع أيضاً وتلاميذه إلى العرس”.

لقد دعا العروسان يسوع وتلاميذه بملء حريتهما وكامل قبولهما لحضوره بينهم بعد أن طهّرا نفسيهما وحضّرا ذاتيهما ليمثلا في حضرته.

“فنفدت الخمر”

فالخمر كان قد حُضّر قبل مجيء يسوع وهذا يشير إلى الحب العاطفي الذي يربط العروسين. ولكن هذا الحب قد يضعف ويفتر حتى ينفذ نهائياً.

“فقالت ليسوع أمه: ليس عندهم خمر”.

لقد عرفت الأم النبع الحقيقي وراحت تدل عليه وبدت أماً متيقظة حاضرة تسهر دوماً على تأمين الحاجيات وتُظهر شفاعتها وتوسلاتها المقبولتين لدى إبنها. أما الإبن فهو حاضر يعاملنا كأبناء أحرار ويستجيب لتوسلات أمه وطلباتنا ويحترم حريتنا ويعرف ما ينقصنا كما يعرف أنه مصدر العطاء منه نطلب مباشرة أو بواسطة أمه أو تلاميذه.

“فقال لها يسوع: ما لي ولكِ يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد”.

النعمة التي يطلبها العروسان لا تُعطى لهما من الشريعة أو من الناموس وإنما من المسيح مباشرة في العهد الجديد وهي تتطلب صوماً ونسكاً وصلاة.

“فقالت أمه للخدّام: مهما قال لكم فافعلوه”.

الخدام هم العروسان اللذان يطلبان من يسوع نعمة تحويل حبهما من حب زوجي إلى حب حقيقي ومن حب مفسود بالهوى إلى حب مقدس بلا هوى. وهذا لا يتم إلا باتباع وصايا يسوع التي تؤهلنا إذا ما حافظنا على رسومها لتقبل نعمة المسيح.

“وكان هناك ست أجاجين من حجر كما تقتضيه الطهارة عند اليهود، يتسع كل واحد منها مقدار مكيالين أو ثلاثة”.

هذا يعني أن العروسين يحترمان الشريعة والرسوم القديمة التي يقتضيها الزواج الشرعي ولكن يسوع سيحول هذه المبادىء الشرعية القديمة إلى نعمة خاصة جديدة.

“فقال يسوع للخدام: إملأوا الأجران ماءً فملأوها إلى فوق”.

فالماء في الأجران الفارغة يرمز إلى القدرات والقوى الطبيعية التي يوظفها الإنسان في روابط الحب، التي توجه بكليّتها إلى الله وحده. وعلى قدر ما يقدّم لله ينال من لدنه.

فقال لهم: إستقوا الآن وقدّموا لرئيس المتّكأ فقدموا. فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحوّل خمراً – ولم يكن يعلم من أين هي أما الخدام الذين استقوا الماء فكانوا يعلمون”

الماء المتحول خمراً يرمز إلى الحب الروحاني الجديد ثمر النعمة التي يمنحها المسيح للعروسين اللذين قدّما حبهما العاطفي البدائي. أما رئيس المتكأ فهو المتفرج الخارجي الذي لا يدرك بعقله إلا ما هو منطقي والذي عندما ذاق وميّز هذا التحول الغريب والمستحيل اندهش لأنه عجز عن تفسيره. أما العروسان اللذان طلبا من يسوع هذه النعمة ووضعا نفسيهما تحت تصرفه ووجهّا له كل قدرتهما على الحب فكانا يعرفان سرّ هذا التحول وفاعليته في حياتهما الداخلية. وهذا ما سيظهر لاحقاً في الخبرة اليومية.

“كلّ إنسان إنما يأتي بالخمرة الجيدة أولاً، ومتى سَكِرَ الناس فيقدّم ما كان دونها جودة”.

الحب يبدأ بحب مثالي ناجم عن ميل طبيعي بين الذكر والأنثى. ولكن هذه الحالة سرعان ما تنتهي بحالة شهوانية تُسكر الزوجين وتُنسيهما الهدف المنشود فيزيغان ويسقطان فريسة حب منحل تتحكم به الشهوات. ومن هنا ضرورة التطهر منها.

“أما أنت فقد أبقيت الخمرة الجيدة إلى الآن”.

الخمرة الجيدة هي الحب الروحي المتحول بنعمة المسيح. هذه الخمرة تقلب المفهوم البشري للحب. فالحب الحقيقي هو الذي يبقى ويدوم بفضل النعمة في حياة الزوجين. “الآن” تعني الحاضر. والحاضر هو حضور المسيح الذي يثبّت الحب الروحي ويسير به إلى الأزلية لأنه ثمرة نعمة الله الأزلي.

Leave a comment