الشهداء الحقيقيون من أجل الإيمان بالمسيح

الشهداء الحقيقيون من أجل الإيمان بالمسيح

القديس إفرام السرياني


نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد

في أزمنة الاضطهاد، عندما كان الإخوة يفرّون من ميدان العمل ولا يتجاسرون على الاعتراف بالمسيح ابن الله، وقف الشهداء برباطة جأش في الميدان متمنطقين بالإيمان الحقيقي ومعترفين بالمسيح ابن الله بجسارة عظيمة، دون خوف.

لقد ثبت القديسون الشهداء في جهادهم بسرور عظيم متحملين أنواع العذاب على اختلافها من أجل اسم ابن الله الوحيد مخلّص العالم. إنهم حقاً كانوا صالحين ومغبوطين لأنهم رأوا بأمّ العين أدوات العذاب الهائلة معدّة لهم على اختلافها: كالنار الهائلة في الأتون، والدواليب المصرّة الدائرة في اللهيب، والبراثن النارية، والمناشير، والملازم، والأغلال، والقيود وغير ذلك، ليستولي الخوف عليهم ويحبس ألسنتهم عن الاعتراف بيسوع المسيح.
ماذا صنع محبو الله المجاهدون الحقيقيون لدى رؤيتهم أنواع العذابات أمام عيونهم؟ إنهم تسلّحوا بالاستعداد لاحتمال كلّ العذابات، ليعترفوا بالمسيح أمام السلطات واليهود، من دون وجل وبجسارة عظيمة. فلا سعير النار، ولا غليان المراجل، ولا دوران الدواليب، ولا البراثن الحديدية، ولا أسنان المناشير، ولا ثقل القيود، ولا التهديد والوعيد وصرير الأسنان، ولا مكايد العدو أثّرت في شجاعة المجاهدين في سبيل المسيح، وتمكّنت من حملهم على إنكار ربّهم ومخلصهم، بل وطئوا بالإيمان حيل العدو كلّها، دون أن يتسرّب إليهم الخوف.
أرأيت شجاعة عبيد الله المحبّين؟ أرأيت ثباتَ أرواح محبّي المسيح المجاهدين؟ أرأيت إيمان محبّي ملكوت العلي؟ أرأيت كمال إيمان هؤلاء المؤمنين المخلِصين؟ أرأيت محبتهم العظيمة التي استطاعوا بها احتقار كلّ شيء أرضيّ ليشاهدوا الله الذي أحبوه؟ أرأيت كيف أنّ الفردوس يريد أن يرى فيه المكلّلين بإكليل الظفر مسرورين بالنور؟
تعال، يا أخي الحقيقي، وتعلّمْ وانظرْ ثمرَ الاستشهاد والإيمان والأفكار التقيّة الصادقة في الجهاد الباسل الكامل! تأمّلْ كيف أنّ العذابات لم تُضعِف أفكارَ الصدّيقين ومحبّتِهم لله تعالى بل بالعكس تحمّلوا التمزيقَ بسرورٍ عظيم، وقبلوا الضرب والجلد بلذّة، شاكرين الله ومبتهجين، لأنهم استحقّوا الآلام من أجله.
تقدّمْ أيها السامع وكن تلميذاً للقدّيسين المعذبين. فهم معلّمون صالحون لله، إن شئت أن تتعلّم منهم. تعلّم منهم الثباتَ في الإيمان والمحبةَ لله في الآلام العظيمة والرغبة في الحصول على الخيرات الآتية. إنهم بقوّةِ الله والإيمان الكامل، خرجوا من لهيب النار ظافرين، فتغلّب أنت على لهيب الشهوة الشريرة! إنهم بالصبر وبالاتّكال على المسيح تغلّبوا على أنواع العذاب، فتغلّبْ أنت بالعفاف وبالأفكار النقية على كلّ شهوة رديئة! إنّهم بالوداعة وكبر النفس تغلّبوا على معذّبيهم، فتغلّبْ أنت على الغضب المؤلم! إنهم صاروا شهداء فصِرْ أنت شهيداً! إنهم جاهدوا بجسارة، فجاهِدْ أنت في السرّ لتحصل على الإكليل في يوم العطاء العظيم، وتكون مساكناً لهم في الملكوت ومسروراً إلى أبد الآبدين آمين.

Leave a comment