المعبر إلى الفرح

المعبر إلى الفرح

الأرشمندريت توما بيطار



باسم الآب واﻻبن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

يا إخوة، اﻻضطهاد جزء أساسيّ من الحياة المسيحيّة. والرّبّ الإله يعطينا إيّاه لا لنحتمله فقط، بل، بالأحرى، كبركة. والإنسان الّذي يشاء أن يسلك بأمانة مع الله، هذا يضطهده الشّيطان أوّلًا، ويضطهده عملاء الشّيطان في هذا العالم، وتضطهده، أيضًا، أهواء نفسه، الّتي هي بمثابة عملاء للشّيطان، في كلّ نفس. هذا لا بدّ منه. للرّبّ الإله “سبعة آلاف لم يحنوا ركبة لبعل”. ولكن، للشّيطان عملاء كثيرون. لا يستغربنّ أحد، إذًا، إذا ما اضطهده أقرب أقربائه، وأصدق أصدقائه! لا بدّ لنا من أن يضطهدنا الغرباء والأقرباء. واﻻضطهاد سوف يكون علامة أنّنا للمسيح.

أتحدّث، اليوم، عن اضطهاد الإنسان لنفسه. للشّيطان، في حياة كلّ إنسان، تأثيرات جمّة. إنّه يؤثّر في صحّتنا، وفي مزاجنا، ويحرّك أهواءنا. ما من شيء يحدث لنا، يؤلمنا ويجرحنا، إلّا ويكون من تأثير الشّيطان المباشر، أو غير المباشر، في حياتنا. الأمراض الجسديّة والنّفسيّة ليست من الله. وكذلك الأوجاع. الّذين يعرفون، هؤلاء يلاحظون، في الرّوح، أنّ الشّيطان لا يترك فرصة إلّا ينتهزها، ليبثّ القلق في نفوسنا. هـمّه، أوّلًا وأخيرًا، أن يحرمنا من عشرة الله، وأن يوحي لنا أن لا خلاص لنا بإلهنا. هـمّه، في نهاية المطاف، أن يبعث فينا اليأس؛ وتاليًا، أن يُـفضي بنا إلى الموت. لذلك، في كلّ ما يحدث لنا، علينا، دائمًا، أن نلاحظ تدبير الله، وأن نحذر الوقوعَ في فـخّ إبليس. إذا كان إبليس يريد أن يزرع فينا القلق واليأس والموت، فإنّ الرّبّ الإله يسمح بكلّ ما يحدث لنا لأنّه يشاء أن يزرع فينا الثّـقة به، والرّجاء، وأن يبثّ فينا الحياة الإلهيّة. نحن لا نعرف الحياة الإلهيّة إلّا بالصّليب، الّذي جعله الرّبّ يسوع معبرًا إلى الحياة. وجعله، أيضًا، للفرح. لا للفرح بحسب هذا الدّهر، بل بحسب الدّهر الآتي. الصّليب هو أساس إيماننا بالرّبّ يسوع. لذلك، قال الرّبّ يسوع ويقول ويردّد: “مَن أراد أن يتبعني، فليحمل صليبه، كلّ يوم، ويتبعني”. الصّليب، في هذا الدّهر، هو رمز الموت. أمّا في الدّهر الآتي، فهو رمز الحياة. وقد جعله الرّبّ يسوع ذا علاقة عضويّـة بالحبّ. مستحيل على الإنسان أن يحبّ، ما لم يتروّض على حمل صليب المسيح. من دون صليب المسيح، لا يعرف الإنسان الحبّ. بل يبقى في مستوى الأحاسيس البشريّـة، وفي مستوى العواطف والمشاعر البشريّـة. وهذه كلّها”مضروبة” بالسّقوط. الصّليب، صليب الرّبّ يسوع، بهذا المعنى، يخرجنا من السّقوط إلى الخلاص، ومن الموت إلى الحياة، ومن الحزن إلى الفرح، ومن القلق إلى السّلام. المهمّ أن نجعل نصب أعيننا أن نحبّ الرّبّ الإله من كلّ النّفس، ومن كلّ القدرة. ونحن نحبّه إذا كـنّا نحفظ وصاياه، وإذا حافظنا على الأمانة له، وإذا لهجنا باسمه في كلّ حين، وإذا عملنا على تخطّي أنفسنا ورغباتنا ومشيئاتنا من أجل أن نسلك في ما يرضيه. المحبّة لا تطلب ما لنفسها. مَن يحبّ الله، يطلب ما لله. ومَن يحبّ الإخوة، يطلب ما هو نافع لهم. الإنسان ينتفع بقدر ما يهتمّ بنفع الإخوة. الأخذ، في المستوى الإلهيّ، هو أن نعطي. لذلك، قيل: “مغبوط العطاء أﮐـثر من الأخذ”. مَن الّذي ينتفع أﮐـثر؟! ألّذي يأخذ، أم الّذي يعطي؟! – بحسب هذا الدّهر، الّذي يأخذ. وبحسب الدّهر الآتي، الّذي يعطي. لذلك، قال القدّيس مكسيموس المعترف إنّ أبناء الله لا يأخذون معهم، بالموت، إلّا ما يكونون قد أعطوه.
إذًا، علينا أن نهتمّ، في كلّ حين، بأن يحمل كلّ واحد منّا،كلّ يوم، صليب الحبّ في تعامله مع الله، وفي تعامله مع الإخوة. وكلّ الضّيقات الّتي تحلّ بنا، هذه نصبر عليها بلا تذمّر، إلى أن يعطينا الرّبّ الإله فرحًا بسببها. لذلك، الكلمة الأخيرة في إنجيل اليوم: “بصبركم تقتنون نفوسكم”. بإزاء كلّ ضيق، على مستوى النّفس، وعلى مستوى الجسد، وعلى مستوى الآخرين في تعاملنا معهم، وعلى مستوى الشّياطين أيضًا… بإزاء كلّ ما نعاني من اضطهاد، نواجه بالصّبر والثّـقة بأنّ الرّبّ الإله هو المعين. لقد وعدنا بأنّ شعرة واحدة من رؤوسنا لا تهلك. إذًا، نحن محفوظون تمامًا. طالما نحن سالكون في الأمانة لله، فلا أذيّـة تلحقنا. نحن في أمان وسلام. والأمان والسّلام هما من فوق. هكذا نقتني نفوسنا. وهكذا، اﻻضطهادات برمّـتها، الّتي يثيرها علينا الشّيطانُ للموت، تصير كلّها للحياة، لأنّ الرّبّ الإله جعل الصّليب معبرًا إلى الفرح، وإلى الحياة، لأنّه شاء أن يبثّ محبّته فينا. نحن، بمحبّة الله، ننتصر.
آمين.

عظة حول الإنجيل من لو21: 12- 19 في الثّلاثاء 9 شباط 2010

Leave a comment