وهناك امتحنه

وهناك امتحنه (خروج25:15)

ماريا قبارة

يُحكى “انه كان لأحد الضباط ابن يقود فرقة تحت يده وكانا كلاهما في معركة، وفي أثناء مسير الوالد لفت نظره جثة قائد من قواده على الأرض، وعندما نظر إليها عرف فيها جثة وحيده الشجاع. ملأ قلبه الحزن والأسى ولكنّه لم يستطع التوقف، فهل يترجل عن حصانه ويجلس قرب الجثة ينادي حبيباً لن يعود؟ وماذا سيحدث في المعركة والجيش ولبلده؟ كلّ هذه الأفكار استحضرت في ذهنه فما كان منه إلاّ أن نزل عن حصانه واكتفى بقبلة أبوية ونهض من جديد ملبياً نداء الواجب مستمراً في القتال”.

قد يزور الحزن البيوت ويختطف أعزاء على القلوب، وأول فعل يقومون به هو توقفهم عن أعمالهم نادبين راثين لأحوالهم. ويصرخ الإنسان صرخات الاستغاثة ويذرف دموع الثكل والأسى تعبيراً عن انكساره ولوعته ناسياً أنّ هناك وسيلة أفضل، فتئنُّ النفس وتنحني تحت ثقل الحزن والبلوى.
أيعيد الحزن والبكاء عزيزاً راحلاً؟ فماذا ينفع البكاء والاعتزال؟
إذا استسلمنا للأحزان نجد أنها تملأ نفوسنا وقلوبنا وتضاعف الظلام من حولنا ولا تفيدنا شيئاً. ويحُدث الحزن الطويل تغييرا في النفوس، يطبع في القلوب خطوطاً لا تُمحى وآثاراً لا تنسى.
لكن، أجمل الأزهار تنمو في أكثر المضايق والطرقات وعورة، وأعذب الينابيع وسط مياه البحار المالحة، وأيضاً أعذب المزامير وأروعها تلك التي كانت عصارة قلبٍ اختبرَ أعمق الحزن وأشده
إنَّ الله يدرّب أبناءه في الطرق الوعرة وبين الصخور القاسية والمياه الجارفة، وليس على الموائد الفاخرة وفي البيوت الناعمة ليُظهر فضائل النفس التعبة المنهكة ومحاسنها، فسراج الليل لا يبدو نوره إلاّ في الظلمة. فللّه طرقه الخاصة التي يحادثنا بها، فهو يفردنا في الظلمة، ظلمة الحزن أو المرض أو الألم وهناك يبث لنا أسراره الإلهية وتعزياته فترتقي نفوسنا إلى اجواء سماوية، لم تكن تصل إليها لولا الظلمة الدامسة

Leave a comment