كلّنا فريسيّون!

كلّنا فريسيّون!

الخورية سميرة عوض ملكي

إن معظمَنا اليوم، إن لم نكن جميعنا، نشبه الفريسيّ الذي تحدّث عنه إنجيل الأحد الفائت، لكوننا مائتين في الخطايا، ولا يكفي أننا لا ندرك ذلك بل نحن نشعر بأننا ممتلئون بمواهب الروح القدس ومتزيّنون بالفضائل. وما يدعو للأسف هو أنّ هذا الاكتفاء الذي يصيبنا يدمّّر عمل الربّ الخلاصي. إذ كيف يمكن للمسيح أن يكلّم إنساناً يبرّر ذاته؟ كيف يمكن لنعمة التوبة والحزن العظيمة أن تتجلّى في قلب لا يشعر بخرابه؟ الفريسية اليوم هي في أننا لا نرى ضعفنا، أو أننا نراه ونتعلل بالآخرين، أو نغضّ النظر عنه ونجمّله بدل الاهتمام بالتخلّص منه.

لكي يستطيع المرء أن يشفى يجب أولاً أن يشعر بأنّه مريض. إذ عندما لا يكون واعيًا لمرضه لا يشعر بالحاجة للطبيب. وهذا ما حصل تماماً مع الفريسي. فمعرفة الذات هي إحدى الخطوات الأولى نحو الشفاء كما أن محبة الذات هي إحدى الخطوات الرئيسية نحو الهلاك. لهذا، يجب أن يصاحب الشعور بالمرض “إدانة للذات” أو تبكيت لها، وهذا حمل روحي إذا ما وَضِع على النفس “يسحق ويضغط ويعصر نبيذ الخلاص الذي يبهج قلب الإنسان، الذي هو إنساننا الداخلي. وهذا النبيذ هو تأنيب الضمير”.
كل إنسان مريض وبحاجة إلى مستشفى وبالتالي إلى علاج ومعالِج. وكما أنّ في المستشفيات عيادات خاصة بالأمراض، كذلك لدى الكنيسة، التي هي مستشفى ومصحّة روحية، لها عياداتها الخاصّة بها. فعمل الكنيسة، أولاً وأخيراً، هو عمل علاجي. كل الصلوات والأسرار والأصوام والطقوس والقوانين التي في الكنيسة تهدف إلى شفاء أمراض الناس وبخاصة أمراض النفس، أي الأهواء التي تصرعهم وتأسرهم وتشتتهم عقلاً وقلباً.
يبقى أنّ الإحساس بالمرض ليس كافياً بذاته للوصول إلى الشفاء، بل ينبغي اللجوء إلى المعالِج، وهو الكاهن أو الأب الروحي الذي يساعد على الوصول إلى معرفة الكنز العظيم أي الصحّة الروحيّة. وهذا الكنز العظيم مفتاحه الأرثوذكسية. فالأرثوذكسي الحقّ يعطي أهمية كبرى للحفاظ على إيمان كنيسته وعقيدته، لأنه عندما يشوّه الإيمان يقصي إمكانية الشفاء معه. الأرثوذكسية إن عيشَت بالطريقة الصحيحة وفي الروح القدس توجِد شركة بين الله والناس، بين السماء والأرض، وبين الحيّ والميت. وفي هذه الشركة تكون كلّ المشاكل التي تواجهنا محلولة بحقّ، لكون دخول الإنسان في شركة محبة مع الله أو الاتّحاد به هو الشفاء بذاته.

Leave a comment