“الكلمة حياة أبديّة”

“الكلمة حياة أبديّة”

الأرشمندريت توما بيطار




باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
المسيح قام

“إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد”. هذا الّذي تفوّه به يسوع يحتاج إلى بعض التّفسير. الكلام، هنا، هو، في الحقيقة، الكلمة. وكثيرًا ما وردت لفظة “الكلام” بصيغة المفرد لا بصيغة الجمع. لهذا، من الأوفق أن يكون النّقل إلى العربيّة بهذه الصّيغة، أي “الكلمة”: “إن كان أحد يحفظ كلمتي فلن يرى الموت إلى الأبد”.

يسوع، هنا، لا يتحدّث عن شيء خارج منه. الكلام يخرج، عادة، من المتكلّم. لكنّه، في الحقيقة، يتحدّث عن نفسه، يقدّم نفسه: هو الكلمة. “إن كان أحد يحفظ كلمتي فلن يرى الموت إلى الأبد”، أي [إن كان أحد يحفظني، إن كان أحد يتّخذني، إن كان أحد يحبّني، إن كان أحد يطيعني، إن كان أحد يسكن فيّ وأنا فيه]. إذًا، معنى الحفظ، هنا، ليس الحفظ كما نعرفه، نحن البشر، وكما نتعاطاه. الحفظ، هنا، هو الاتّخاذ: أن يتّخذ الإنسانُ اللهَ ككلمة، أن يقتني سرّ الحضرة الإلهيّة، أن يقتني سرّ حضرة يسوع، أن يقتني محبّة يسوع. إذا كان هذا مآل الإنسان، فإنّه لن يرى الموت إلى الأبد. هذا أمر يصير بديهيًّا، لأنّ يسوع هو الحياة؛ فإن كان يسوع مقيمًا في إنسان، فإن الحياة تكون ثابتة فيه، ولن يرى الموت إلى الأبد. ولا يتحدّث يسوع، هنا، عن موت الجسد. هو يتحدّث عن الموت كحالة كيانيّة يعانيها الإنسان في غربته عن الله. فإن كان الإنسان قريبًا من الله؛ أو، بكلام آخر، إذا كان الله مقيمًا في الإنسان، فبصورة تلقائيّة، ينتفي وجود الموت. حتّى على مستوى الجسد، الإنسان، في هذه الحال، يختبر الحياةَ في الموت، يختبر الحياة الأبديّة الّتي فيه، والّتي هي يسوع، حتّى في موت الجسد؛ لأنّه لا يكون منفصلاً عن يسوع، وتاليًا، عن الحياة الأبديّة ولا للحظة واحدة.
والكلام على هذا النّحو ينقلنا إلى ما ورد في خاتمة إنجيل اليوم، إذ قال يسوع عن نفسه: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”! استعمال الرّبّ يسوع لهذا التّعبير هو من الإشارات القليلة لكونه هو الله، لكونه هو من طبيعة الله. “أنا كائن” يعني في اليونانيّة “إيغو إيمي”.هذا اسم الله! إذًا، إذا كان يسوع هو الكائن، فهذا يعني أنه هو خارج الزّمن، وقد دخل الزّمن. وإذا كان خارج الزّمن، فهذا معناه أنّ له حياة في ذاته. لقد قال، في غير مكان، إنّ الآب أعطاه حياة في ذاته. “كما أنّ الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته”.
“فأخذ اليهود حجارة ليرجموه”. في نظرهم، ما تلفّظ به يسوع كان كفرًا! “فتوارى يسوع وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم”. إذًا، يسوع كشف نفسه، هنا؛ وكشف عن نفسه، في الحقيقة، في موضع آخر، في البستان. حين جاء اليهود ليقبضوا عليه، قال: “مَن تطلبون؟ فقالوا: يسوع النّاصريّ. فقال: أنا هو”. لهذا السّبب، رجعوا إلى الوراء وسقطوا أرضًا. لا شيء يبرّر ردّة الفعل هذه إلاّ اليقين أنّ اليهود قد سمعوا اسم الله! سمعوا يسوع عندما تلفّظ باسم الله، وقال عن نفسه إنّه هو الكائن: “أنا هو” أو “أنا الكائن”.
إذًا، نفهم كيف أنّ الّذي يحفظ، أو الّذي يؤمن، في الحقيقة، بيسوع لن يرى الموت إلى الأبد، لأنّ يسوع له حياة في ذاته. هذا، إن أدركنا معناه، أدركنا أنّ الكلام الّذي نتعاطاه، هذا الكلام الإنجيليّ، قوامه كلمة الله، الله قائم فيه، الله منبثّ فيه، الله حاضر فيه! الله يعطينا ذاته كلمة في هذا الكلام، حتّى تكون لنا حياة أبديّة. لقد قال يسوع، في إحدى المناسبات: “الكلام الّذي أكلّمكم به هو روح وحياة”، [هذا لأنّي أنا أعطيكم ذاتي، ولا أعطيكم معاني، أعطيكم حضورًا، أعطيكم روحًا، أعطيكم حياة أبديّة]. آمين.

Leave a comment