التواضع

التواضع

القديس باسيليوس الكبير


نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد

“فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى تواضع أمته فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس” (لوقا 46:1-49).

لو كان للإنسان الأول العظمة الحقيقية لكان في مجد دائم أمام الله، ومعظَّماً بقوله تعالى، ومسروراً بالحياة الأبدية. لكن الأرضي غيّر في نفسه الرغبة في مجد الله. وآملاً بالكثير بادر إلى أشياء لم يحصل عليها، فأضاع ما كان قادراً أن يحصل عليه. ومنذ ذلك الحين أصبح التواضع العلاج الأكبر للشفاء من المرض والطريق للرجوع إلى الحالة الأولى، أي ألاّ يخلق الإنسان لنفسه مجداً بل أن يفتش عنه عند العلي. فبهذا فقط يقدر الإنسان أن يصلح خطأه. وبهذا فقط تُداوى العلة.
لقد أغوى الشيطان الإنسان وأسقطه مؤمّلاً إياه بالمجد الكاذب ولم يزل يشجعه بالآمال الكاذبة ناصباً له الفخاخ. فلا تتكبرْ أيها المسيحي أمام أحد حتى أمام المثقَلين بالخطايا، لأن التواضع يعصمك عن الخطايا العظيمة. ولا تبرّرْ نفسك أكثر من غيرك لأن بتبريرك نفسَك على حسب معرفتك تتعرض لدينونة الله العلي، فقد قال رسول المسيح: “لا أحكم في نفسي لأني لست أشعر بشيء في ضميري لكني لست مبرراً بذلك فأما الذي يحكم فيّ فهو الرب” (كورنثوس الأولى 3:4و4) فإن عملت صالحاً حسب ظنك فاشكر الله ولا تفتخر أمام القريب لأنه قيل: “فليختبر كل واحد عمله حينئذ يكون افتخاره من جهة نفسه لا من جهة غيره” (غلاطية 4:6).
إحذرْ أن تكون معادلاً للشيطان في السقوط، فقد افتخر قبل الإنسان فسقط وحلّ الإنسان محله. لا تكن حاكماً متساهلاً مع نفسك متباهياً بأعمالك الحسنة متناسياً هفواتك مفتخراً بخدماتك التي عملتها اليوم مسامحاً نفسك بما عملت من السيئات أمس. إن كانت أعمالك الحاضرة تدعوك للفخر بها، فكّرْ بأعمالك الماضية لتتخلص من حماقة العجرفة. وإن رأيت قريبك أثيماً فلا تنظر إلى الإثم وحده بل فكّرْ به وبما أتاه من الأعمال الصالحة، وكم تحمّل من المشقات! لا تحكم عليه بحسب الظاهر فتجده أفضل منك، إن الله تعالى لا يحكم على المظاهر لأنه عندما وبّخ الملك يوشافاط عن إثمه ذكر حسناته أيضاً قائلاً: “إني وجدت فيك أموراً صالحة” (أخبار الأيام الثاني 3:19). فلنتعلمْ التواضع حتى يسطع فينا نور المجد الأبدي الذي هو هبة كاملة حقة من السيد المسيح، فإننا نتوصل إلى التواضع الخلاصي بترك التكبّر المهلك، فلا نهمل شيئاً لئلا يحصل لنا شرّ منه لأن النفس تتردى بأعمالها.
إذن! يتوجب عليك يا متّبع المسيح ألا يُرى فيك شيء زائد إن كان في هيئتك الظاهرة أو في لباسك أو خطواتك أو مقعدك أو طعامك أو فراشك أو دارك. وليكن حديثك مع قريبك مائلاً إلى التواضع والوقار لا التكبّر والعجرفة، لا تتصنّع في حديثك، بل اجتهد أن تصدّ عنك الكبرياء. كن ليناً مع الآخرين وديعاً مع الحزم لا تحقد على الوقح، أحِبْ الضعيف، عزِّ التعيس المنكود الحظ، عُدْ المريض، لا تحتقر أحداً، لا تفتخر بما عملت من برّ. أنِّبْ نفسك على خطاياك حتى تكون صِدّيقاً. فالصِدّيق هو الأول في اشتكاء نفسه (أمثال 17:18) وحتى تكون مثل أيوب: “إذ خفتُ من الجمهور وخشيتُ إهانة العشائر فصمتُّ ولم أبرز إلى الباب” (أيوب 34:31). لا تكن قاسياً بالتوبيخ، لا تدِنْ غيرَك لأجل أشياء تافهة، أصلِحْ روحياً الخطأة كَبارٍّ صارم كما علّم الرسول بولس: “تبصَّر أنت لنفسك لئلا تُجرَّب أنت أيضاً” (غلاطية 1:6) تجنّب المدح والثناء بقدر الإمكان، تذكّر أن المسيح قال أنّ كلّ من تظاهر أمام الناس بأعماله الصالحة خسر المكافأة عليها من الله: “إنهم قد أخذوا أجرهم” (متى 2:6).
لا تخسر أجرك من الله بتباهيك أمام الناس، لأن العلي يرى من فوق. فتِّش عن المجد أمام الله فيعطيك جائزة المجد. إن كنت مستحقاً للأولوية فلا أحد ينكرها عليك. كن معادلاً للمرؤوسين: كَمَن يكون مثالاً للرعية (1بطرس 3:5) إنّ السيد له المجد أَمَرَ: “من أراد أن يكون فيكم أولاً يكون للجميع خادماً” (مرقس 44:10) وباختصار، كُنْ متواضعاً حتى تتمجَّد بالتواضع. وهكذا ترتفع رويداً رويداً نحو المجد، نحو مجد الملائكة، نحو المجد أمام الله، لأنك إن تمثلت بتواضع السيد المسيح يعترف بك كتلميذ ويمجدك. “تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” (متى 29:11) بذلك يبشّر السيد يسوع المسيح أتباعه جميعاً، فله المجد والملك إلى دهر الداهرين آمين.

Leave a comment