رسالة الأسقف الرسولية
د. برادلي ناصيف
يمكن تلخيص رسالة الأسقف الرسولية في الكنيسة الأرثوذكسية في خمس نقاط:
1. البشارة بالإنجيل
على كل الأساقفة أن يعلنوا إنجيل المسيح ويفسّروه للكنيسة والعالم. ينبغي انتخاب الأساقفة بشكل رئيسي على أساس معرفتهم وقدرتهم على نقل الكتاب المقدّس باتّقان. القديس يوحنا الذهبي الفم هو المثال الأول عن هذا النوع من الأساقفة. فحفظ الإنجيل بأمانة وجلاء ينبغي أن يكون في صلب خدمة الأساقفة. ما هو الإنجيل؟ إنه “البشارة الحسنة” بأنّ الله صار إنساناً في يسوع المسيح، اتّخذ بشريتنا الساقطة لكي يعيدها إلى الشركة مع الله ويغلب الخطيئة ويبيد الموت. هذا العمل أنجزه الله بشكل بارز في حياة المسيح وموته وقيامته وصعوده إلى السماوات. يجب أن تكون هذه “البشارة الحسنة” في صلب كل عمل محيٍ في الكنيسة، أي الأسرار، في كل المواسم والأصوام والصلوات.
على الأساقفة أن يعظوا ويعلّموا هذه الرسالة لكل كهنتهم ورعاياهم. الحاجة هي إلى أن يدعوا الناس بجرأة إلى التوبة والإيمان من غير أن يفترضوا بأن الكلّ مسيحيون لمجرد أنّهم داخل جدران الكنيسة الأرثوذكسية. …إن الحاجة الأكثر إلحاحاً في العالم الأرثوذكسي اليوم هي إلى حملة تبشيرية داخلية تعيد تحويل الأرثوذكسيين الإسميين إلى الإيمان الشخصي بيسوع المسيح. على الأساقفة أن يكونوا معلّمين، واعظين ومبشّرين بالإنجيل أولاً وقبل كلّ شيء. هذه هي وظيفتهم الرسولية الرئيسية. هذا يتطلّب أن يعطيهم الشعب درجة عالية من التحرر من الوظائف الإدارية والتنظيمية. يجب على الأساقفة أن يقوموا بالمهمّات التنظيمية، ولكن إذا راحت هذه المهمات تتطلّب اهتماماً أكبر من الاهتمام بالإنجيل، تكون خطيئة الشعب نحو أساقفتهم كبيرة. إن من واجب الشعب أن يعين أساقفته في دعوتهم الرسولية عن طريق تحريرهم لكي يركّزوا على وعظ الآخرين وتعليمهم وتبشيرهم بكلمة الله.
2. ترؤوس أسرار الإنجيل
على الأساقفة أن يسهروا على إقامة القداديس والتأكّد من استقامة الليتورجيا في كلّ الرعايا. هذا موضوع دَسِم يحتاج إلى تعليق لاهوتي مفصّل. القول بأن كل الأسرار في الكنيسة الأرثوذكسية هي أسرار إنجيلية كافٍ. نحن نتكلّم كثيراً، وعن حق، عن الإفخارستيا لكننا أحياناً ننسى أنّها متجذّرة في الإنجيل. “فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ” (1كورنثوس 26:11). يكمن موت المسيح وقيامته ومجيئه الثاني في قلب هذا السرّ، وهذا ما على الأسقف أن يعلّم ويحتفل به. على الأسقف أن يكون رائد البشارة الحسنة عن محبة الله التي منحها قبل كل شيء بابنه يسوع المسيح. كل الأسرار المحيية تنقل هذه البشارة الحسنة بطريقة أو بأخرى، ومهمة الأسقف هي أن يكون أميناً في جعل هذا الإنجيل واضحاً ومركزياً عند رعيته. العجز في حفظ الإنجيل في هذا الموقع هو السبب الرئيسي في أن الكثيرين من شبابنا متديّنون ولكن ضائعون. إنّهم يعرفون عن الله ولكن نادراً ما طُلب منهم أن يتبنّوا شخصياً إيمان الكنيسة مع أنّهم يحضرون إليها منذ مولدهم. الأساقفة، كما الكهنة والشعب، عليهم أن يقوموا بمهمة المبشرين.
3. حفظ إيمان الكنيسة ووحدتها وانضباطها
يتطلّب الحفاظ على الوحدة الكنسية اليوم أعمالاً فيها شجاعة ومخاطرة. لا تعني المحافظة على الإنجيل مجرّد التمسّك بالخط التقليدي. إنّها تعني أيضاً منع الانحلال الروحي والجهل. سألني أحد الأرثوذكسيين مرة إذا ما كانت الرسالة إلى الأفسسيين في الإنجيل. هذا السؤال أحزنني، فكلّ ما كان هذا الإنسان بحاجة إليه هو فتح الإنجيل وقراءة جدول المحتويات. لكن هذا هو مستوى أغلبية شعبنا في الكنيسة الأرثوذكسية اليوم. لا عجب أنّ القديس يوحنا الذهبي الفم أعلن أنّ “النقص في العرفة الإنجيلية هو أساس كل الشرور في الكنيسة”.
4. أن يكون مثالاً أخلاقياً في القداسة والحكمة
هذا يتضمّن السلوك الشخصي المثالي والروحانية التي هي عمل كل مسيحي معتمِد من الأساقفة والكهنة والشعب على السواء. وجه آخر من المثال الأسقفي قد يكون في رفض الأساقفة الغرق في العمل. عادات العمل الملزِمة تهدم صحة الإنسان الروحية والعقلية وهذا ببساطة ما لا ينبغي بالمسيحي أن يقوم به.
5. تقليص المسافة بين الأساقفة ورعاياهم
بعد سقوط القسطنطينية، تسللت بعض القيَم العالمية العائدة للإمبراطورية البيزنطية إلى خدمة الأساقفة. تحت النير العثماني، بدأ الأساقفة بلبس التاج، العائد للإمبراطور البيزنطي الساقط، على أساس أنّهم قادةُ ملّتِهم، وبدأ استعمال الألقاب التشريفية كمثل “سيدنا”، وصار اسم سيامة الأسقف في كاتدرائية “تتويجاً”، وكل هذا يعود إلى تراث السياسة البيزنطية. نجد أنفسنا اليوم في مأزق: فإن لدينا رغبة قوية في تكريم واحترام أساقفتنا؛ لكننا لا نريد أن نؤيّد، عن غير قصد، إنجيلاً عالمياً مسيّساً. ماذا كان المسيح ليقول عن الممارسات التي نحيا اليوم؟ فقد قال مرة: “من أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن للكل خادماً” (لا سيّداً متوّجاً). ألا يوجد طريقة أكثر مسيحية للتعبير عن رغبتنا في تكريم أساقفتنا؟
تتطلّب الدعوة الحقيقية في الخدمة الأسقفية أن يُحفَظ الإنجيل عالياً ومركزياً في حياة الكنيسة. ربّما علينا أن نتفحّص التراكمات التاريخية التي تعلّقت في خدمة الأسقف والتي ضلّلت القطيع حول الطبيعة الخادمة للقيادة المسيحية. النقاط الخمس التي أوردتها، والتي أعترف بأنها غير كاملة، ضرورية لكي نبقي أعيننا مفتوحة على الكرة في الملعب. هذه الكرة ليست سوى بشارة إنجيل يسوع المسيح في حياة الكنيسة. إذا كان الإنجيل هو الهدف، فإن الحفاظ عليه أساسياً ومركزياً في مهمة الأسقف الرسولية هي الوسيلة الحيوية لبلوغ هذ الهدف.
