حول الأوليّة في الكنيسة الأرثوذكسية

حول الأوليّة في الكنيسة الأرثوذكسية

الأب ألكسندر شميمن


إعداد الأب أنطوان ملكي

كتب الأب ألكسندر شميمن في 1960 مقالاً عنوانه “فكرة الأوليّة في الإكليسيولوجيا الأرثوذكسية”، يعالج فيه عدّة أوجه لمسألة الأوليةّ. ما يلي هو مختارات من هذا المقال:


… فيما رفض الأرثوذكس المثال الكاثوليكي عن الأّوليّة كسلطة عليا على الأساقفة والكنائس المحليين، تبقى مسألة الأوليّة في الكنيسة الأرثوذكسية في وضع من اللخبطة الشاملة… فالتفسير الإكليسيولوجي للأوليّة، المحليةّ، المستقلّة، والعالمية، مفقود افتراضياً في اللاهوت الأرثوذكسي… لذا نحن بحاجة ماسّة لتوضيح طبيعة ووظائف هذه الأوليّات، وقبل كلّ ذلك لمفهوم الأوليّة نفسه… فالتشويش يسيطر على النظرية والتطبيق لتحديد “القوّة العظمى” في الكنيسة، مجالها وطرق التعبير عنها…

قد يكون من الصعب برهان أنّ جذور المشاكل والانقسامات القانونية والسلطوية، والتي رأينا الكثير منها في العقود الأخيرة، تعود بطريقة أو بأخرى إلى مسألة الأوليّة، أو بتحديد أكثر، إلى غياب تحديد عقائدي واضح لطبيعة الأوليّة ووظيفتها…. وهذه المسألة غير المحلولة تشكّل إعاقة رئيسية للوحدة، وبالتالي لتقدّم الأرثوذكسية في بلدان مثل أميركا حيث، وللمفارقة الكبيرة، الالتزام بمفهوم ما للقانونية يقود إلى أقصى ما يمكن تخيّله من الحالات اللاقانونية: أن يتواجد على نفس الأرض عدد من الأبرشيات والسلطات المتوازية…

في كنيسة القرون الأولى، كان التقليد القانوني جزءاً متكاملاً من الإكليسيولوجيا، أي الخبرة الحيّة للكنيسة. لكن شيئاً فشيئاً صار مجالاً مستقلاً فيه البنى الإكليسيولوجية المنظورة، أي وظائف النفوذ والسلطة، ولم تعد تُفسَّر العلاقات بين الكنائس بعبارات الكنيسة كجسد المسيح. بفقدان الرباطات مع الإكليسيولوجيا، صار التقليد القانوني شرعاً كنسياً. وفي الشرع الكنسي لا يوجد مكان لمفهوم جسد المسيح لأن هذا المفهوم لا علاقة له بالشرع…

يكتسب الأسقف السلطة، لكن أساس هذه السلطة هو في الكنيسة، في الاجتماع الإفخارستي الذي يرأسه ككاهن وراعٍ ومعلّم. “السلطة” في الكنيسة يمكن تحديدها وفهمها لافقط ضمن الوحدة حيث لا انفصال بين الكنيسة والإفخارستيا والأسقف. لا يمكن أن يكون لها أي أصل غير الكنيسة نفسها: حضور المسيح في سر “الدهر الآتي”، سر الحياة في الروح… نأتي أخيراً إلى ذروة أشكال الأوليّة: الأوليّة العالمية. التحامل المزمن ضد روما قاد بعض القانونيين الأرثوذكس إلى إنكار وجد هكذا أوليّة في الماضي، ورفض الحاجة إليها في الحاضر. لكن الدراسة الموضوعية للتقليد القانوني لا يمكن إلا أن تثبت من دون أي شك أنّ، على جانب الأوليات أو “مراكز التوافق” المحليّة، عرفت الكنيسة أوليّة عالمية. لا يكمن خطأ روما الإكليسيولوجي في التأكيد على أوليّتها العالمية، بل في تحديد هوية هذه الأوليّة بأنها “السلطة العليا” التي تحوّل روما إلى “مبدأ وأصل” الوحدة في الكنيسة والكنيسة نفسها. مع هذا، لا ينبغي أن يرغمنا هذا التحريف الإكليسيولوجي على رفض الأوليّة العالمية. على العكس، ينبغي أن يرعى التفسير الأرثوذكسي الأصيل…

إن تطور ما يمكن تسميته “السريّة البطريركية”… يجد تعبيره الأول في نمو سلطة بطريرك القسطنطينية. جوهر هذه الفتنة مختلف جذرياً عن البابوية، حيث الأخيرة تجد جذورها في خبرة الكنيسة ككائن عالمي، مدعو إلى حكم العالم؛ بينما الأولى فجذورها في التوازي بين الكنيسة والإمبراطورية الذي كان يتطلّب “نظيراً” كنسياً للملك. لذا ينبغي التشديد مرة تلو الأخرى على أنّ أصل سلطة البطريرك البيزنطي الفريدة ليس “شهوة السلطة” بل “التماثل البيزنطي” بين أعلى قوّتين، مع أنّ مَن يحدد هذه الفكرة عن السلطة هي الدولة وليست الكنيسة…

Leave a comment