ماذا تعمل مع الطامعين في المتكآت الأولى؟

ماذا تعمل مع الطامعين في المتكآت الأولى؟

(لوقا7:14-11)

ماريَّا قبارة


كما هو معروف أن نهر الأردن يمتدّ من الشمال إلى الجنوب، ويصل بين تجمعين مائيين كبيرين هما بحيرة طبرية والبحر الميت. وقد عُرفت بحيرة طبرية بمياهها العذبة، وأسماكها الجيدة، تنمو على شواطئها الأشجار والنباتات. أما البحر الميت فهو على النقيض تماماً، مياهه خالية من الحياة ومالحة جداً تقتل أيّ شيء حيّ يعيش داخلَها أو عليها.
وما أكثر الذين يشبهون البحر الميت إنهم يعيشون فقط على الأخذ وليست لهم إمكانية أن يدركوا موهبتهم فهم يغلقون عليها فقط ومع ذلك يريدون الوصول لمنصب أو سلطة دون تعب أو جهد.
أما أن نصف إنساناً بأنّه محبٌّ للمناصب أو للسلطة وللمتكآت الأولى، لا يجب علينا أن نقف منه موقف القاضي الذي يحاكمه أو الطبيب الذي يعالجه، بل موقف المكتشف الذي يسعى للتعايش السلمي معه. فعندما تتكلم مع الناس في قضايا عامة فإنهم يسمعون لك ولكن إلى حين وبضجر، أما إن حدثتهم عن أنفسهم فإنهم لا يحبون إنهاء الحديث بل ينصتون ويسمعون إلى اللانهاية. هكذا الإنسان يحب مديح نفسه ويسعد كثيراً باهتمام الآخرين به، ولكن مشكلة البعض أنهم تطرفوا في هذا الشعور فيجعلون أنفسهم محوراً للحديث والعمل غير آبهين بمن حولهم يمجّدون ماضيهم في العمل وحاضرهم الراكد.
وعلينا هنا أن نفرق بين نوعين في هذا الصدد، النوع الذي لديه الكفاءة والتميز والموهبة ليكون في مكان الصدارة فهذا مكانه لأنه يعرف الأخذ والعطاء وهو بذلك يشبه بحيرة طبرية لأنه متجدّد، فبحيرة طبرية مياهها متجددة ودائماً تدخلها مياه وتخرج منها مياه. فالمياه تصبّ فيها ثم تعود وتخرج منها ثانية.
والنوع الثاني هو المغرور الفارغ الراكد الذي لا يفهم نفسه ولم يقدّر كفاءاته فيسعى للمنصب دون أن يفهم فيه وليس لديه أي هدف لعمله فيه، فهو يأخذ الكثير من الله ومن الكنيسة ومن المجتمع والأصدقاء، يأخذ لكنه مثل البحر الميت ليس له مخرج يعطي فيه، إنه يُغلق على الأفكار والقيم والبركات التي يجمعها من هنا وهناك ولا يشارك أحداً بها غروراً وحباً بالظهور فقط، لذلك يفقد الفرح والانتعاش، وينهزم أمام القلق والاكتئاب؛ مثل البحر الميت ليس له مخرج فنهر الأردن ينتهي به، ولذلك فإن مياهه راكدة، ونسبة أملاحها مرتفعة قاتلة لأية حياة.
في القديم جمع الكتبة والفريسيين بين خطيتي الظهور بالتدين وحبّ المناصب، وما زالت هذه النوعية متواجدة في البيت والمجتمع والكنيسة وكل ما حولنا…، ولقد أدان المسيح هذه الميول وحذر تلاميذه منها وكطبيب ماهر أظهر الداء ووصف الدواء، فعندما طلب منه يعقوب ويوحنا مكانة مميزة (متى 20:20) أخبرهما أنّ الوصول لهذه المناصب يتطلب تعباً وكفاءات وقدرات خاصة.
إنّ الخدمة والمحبة والتضحية هي التي تصنع المنصب. أما مع الراغبين في المنصب حباً للظهور فقد انتقدهم بشدة نابعة من شفقته على رعيته، فهم عاجلاً أم آجلاً سينهزمون ويخسرون ثقتهم بأنفسهم ولا يثق الناس بهم.
ونحن إن عرفنا أصحاب الكفاءات الذين يريدون الوصول للمناصب علينا مساعدتهم وتشجيعهم لا تحطيمهم غيرة. أما من يطمعون للصدارة دون جدارة لنحاول أن نرى فيهم شيئاً حسناً لنمدحهم ونشجعهم للعمل في مجالات أخرى. وهم بدورهم عليهم أن يعرفوا إمكانياتهم المعطاة لهم ومهما كانت صغيرة أن يجعلوها منتجة واستقلالية.

Leave a comment