يسوع الشافي

يسوع الشافي

الأرشمندريت توما بيطار


باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.


يسوع هو الشافي. هنا شفى يسوع جميع الذين تبعوه. كلّنا إنْ تبِعناه شُفينا. الله عارف بعلّة كل واحد منا، وهو قادر على كل شيء، ولا يترك أحداً بلا تعزية. المهم أن نتبعه، المهم أن نسير في إثره، المهم أن يكون هو قِبلة العين، هو المرتجى، هو الكل في كل ما نطلب وفي كل ما نقصد. والحاجة هي إلى واحد. قد يظن البعض منا أنّ علّتهم لا بُرءَ منها، قد يعتاد الواحد على علّته لدرجة أنّه يسقط في اليأس. ولكن السيّد رحيم جَوّاد، السيّد قادر على كل شيء، يُقبل على الجميع بشغف، لأنّه يشاء الجميع أن يُشْفَوا، أن يُشفوا أولاً من علل نفوسهم. والعلّة، أولاً وأخيراً، علّة في النفس. ما يعطيه الربّ يسوع في مستوى الجسد ليس سوى علامة أنّه يشاء أن نَبرأ في النفس وأنّه قادر على ذلك. نحن من يسوع لا نطلب أو لا يليق بنا أن نطلب شيئاً في مستوى الجسد. ما يختصّ بالجسد يعطيه الربّ الإله أو لا يعطيه. وفي كِلا الحالَين، همّه أن نشفى في النفس. أحياناً يكون مناسباً لنا أن نشفى في الجسد وأحياناً لا يكون مناسباً لنا. نحن، إذا ما كنّا جسدانيّين، حَكَمنا على الربّ يسوع بما هو في مستوى الجسد. ولكنْ الروح هو الذي يُحيي. لا تهتمّوا بالجسد. المهم، أولاً وأخيراً، أن يُشفى قلب الإنسان. الله سيّد القلوب، يقيس كل شيء باعتبار ما هو نافع للقلب. والله لا يظلم أحداً ولا يترك أحداً ولا يتخلّى عن أحد. هو يعطي ويعطي بوفرة وبسخاء. وما يعطيه أو ما يمنعه يكون دائماً لخيرنا. لذا علينا أن نَعْتَد كيفية تعامل الربّ الإله معنا، وإلاّ نبقى في عدم الفهم ونبقى في المرارة ولا ننتفع من العطايا ومن الإمساك عن العطايا إذا ما شاء الربّ الإله أن يكون مُمسِكاً من جهتنا.

والله يعمل في الخفاء، لا يسمع أحد في الشوارع صوته. هو لا يشاء أن يَظهر. لا يشاء أن يَبرز. يشاء دائماً أن يكون متوارياً. كل الصالحات، في الحقيقة، تأتي في التواري. ما يظهر، في العادة، يكون عرضة لاختلاس إبليس له. لذلك نرضى أن يكون ربّنا مُحتجِباً، لأنّه في احتجابه يريد أن يعطينا نفسه بالكامل، يريد أن يعطينا روحه. فإذا ما أدركنا أنّ طرق الربّ هي غير طرقنا، إذ ذاك نرضى من يده بكل ما يأتي علينا. هذا مع العِلم أنّ الربّ الإله يطيل أناته على الجميع. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مُدخِّنة لا يطفئ. الله صبور علينا إلى المنتهى. ليس عند الله يأس. الإنسان ييأس، أما الله فلا ييأس. لذا، يعطي الله الإنسان الفرص الواحدة تلو الأخرى ويصطبر عليه. المهم أن نعرف، المهم أن ندرك، أنّه لا حدود لرحمة الله ولا حدود لصبره. فقط علينا أن ننتفض دائماً إلى الأمام، لأنّ هذا يؤول إلى منفعتنا. نحن لا يمكننا أن نبقى حيث نحن. حياتنا سلسلة من الفرص، والله، من خلال هذه الفرص، يريد أن يعطينا نفسه وبسخاء. لهذا يصطبر علينا ولهذا رحمته لا حدود لها، لأنّه سُرّ أن يعطينا الملكوت، سُرّ أن يعطينا كل شيء. الروح لا يُعطى بقياس. المهم أن نسعى، في كل يوم، لأن نقتني روح الربّ القدّوس الذي يبثّه يسوع في حياتنا بوفرة. والله لا يطالبنا بالكثير. “أعطني قلبك يا بنيّ”. الله يعرف كل شيء عنّا وعن ضعفاتنا، عمّا نستطيع أن نؤدّيه وعمّا لا نستطيع أن نؤدّيه. الله يعرف كلّ شيء ويصطبر علينا في كل شيء. ولكن لا يليق بنا، وإلهنا على هذه السعة من الصبر، أن نبقى قابعين في خطايانا. الله لا يعطينا ما يعطينا لأجل نفسه، بل لأجل خلاصنا. وهو يفعل ما يفعله محبّة بنا، لأنّه يشاء أنّ الجيمع يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبلون. وهو باق يَشدّ أزرَنا حتى يُخرِج الحُكمَ إلى الغلبة. المهم أن نَخرج من مَواتيّتنا، المهم أن نَخرج إليه، المهم أن ننتفع من ألطافه ونَعُبّ من رحماته. لأنّ الفرصة، طالما هي متاحة، فكل شيء في حياتنا قابل لأن يتغيّر إلى الأحسن. بكلمة واحدة اقتنى لصّ اليمين الفردوس. الله لا يحتاج منا إلى الكثير، التفاتة، توبة، دمعة، صرخة من الأعماق، أنّة من عمق القلب. الله يسمع ما لا يسمعه أحد ويبادر كما لا يبادر أحد. الله دائماً في وضع مَن يبحث عن سبب ولو بسيط ليخلّص المُقبلين إليه. حتى إنّه مستعدّ، بأقلّ من القليل، أن يبيعنا الملكوت. نحن نشتري الملكوت بثمن زهيد. كثيرون يتعبون، وكثيرون، في الحقيقة، لا يعرفون أن يتعبوا. المهم، في هذه الحالة وفي تلك، أن يتغيّر قلبنا في اتجاهه. نتغيّر برغبة منا، ولكن بنعمة منه. حتى القلب لا يتغيّر إلاّ بنعمة من فوق، هو يؤازرنا في كل الأحوال، يؤازرنا في ما نستطيع أن نقوم به وفي ما لا نستطيع أن نقوم به.
إذاً، لسنا نحن متروكين ولا بحال من الأحوال. فقط علينا ألاّ نموت في خطايانا. في لحظة واحدة، بإمكان الإنسان، بنعمة من فوق، أن ينتقل من أسافل دركات الأرض إلى معالي علو السماء. من قِبَل الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك، قم أيّها النائم ليضيء لك المسيح. محبّة المسيح فائقة على الوصف. الشرّير يقول لنا دائماً: لا خلاص له بإلهه، ويسوع يقول لنا دائماً: لا تيأسوا، كل شيء مستطاع للمؤمن مهما كان ضعيفاً. قوّة الله تكون على قدر ضعفنا. إذا كنا ضعفاء بزيادة، فقوّته تكون قوية بزيادة. والمجد لله الذي يشدّنا إليه دائماً لكي يخلّصنا، سواء رغِبنا في ذلك أم لم نرغب، انْشدَدْنا إلى ذلك أم لم نَنْشَدّ. الإنسان، في الحقيقة، كثيراً ما يجهل ما يفعله. لذلك، الله لا ينظر إلى طرقنا بل إلى نوايا قلوبنا. إذا كانت نوايانا نقيّة، فالله يجد دائماً طريقة ليخلّصنا. تبارَك اسمُه والله المُستَعان. آمين.

عظة في السبت الذي بعد عيد ميلاد المسيح، 30 / 12 / 2006 حول متّى 12: 15 – 21

Leave a comment