نصائح راهب أثوسي للشباب

نصائح راهب أثوسي للشباب

الراهب دانيال الكاتوناكي


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

إلى الأخوين المحبوبين قسطنطين ويوحنا،


أصلي لكما من كل نفسي.

بفرح عظيم تلقيّت مؤخراً رسالتيكما، اللتين قرأتهما بحماسة عظيمة وتأنٍ. من واجبي أن أجيبكما وأرشدكما على ضوء الرسالتين. سوف أوجّه جوابي إلى كليكما لكونكما أخوين محبين لله، وعلى نفس القدر من الحاجة للإرشاد والتربية الروحيين. لهذا أنتما مُلزَمان ليس فقط أن تسألا بل أن تصغيا أيضاً لما قاله الآباء.

صحيح أنني كنت مغموماً عند قراءتي في رسالتيكما أنكما كنتما مهملَين في فروضكما وسقطتما في الكثير من الحماقات الصبيانية. ولكني كنت أيضاً مغتبطاً جداً لأنكما عدتما إلى التوبة والرغبة في أن أعلّمكما الطريق التي ينبغي سلوكها في التوبة للحصول على رحمة ربنا الكريم الذي أحزنتماه بسوء تصرفكما الصبياني.

ليس الإثم ضد الله والشرود عن طريق وصاياه أمراً غير عادي. الطبيعة البشرية بأكملها تنزلق بسهولة وغالباً ما تقع في الخطيئة. مع هذا، البقاء في الشر هو خطأ مؤلم، لذا علينا أن نصلّي بانتباه. إذ الويل لنا إذا ما كنا بلا توبة عند لحظة رحيلنا. من بين الطرق الكثيرة التي يستعملها الشيطان، عدو نفوسنا ومدمرها، لخديعة الذين يمارسون الأرثوذكسية بشكل صحيح، خاصةً الشباب منهم، هي في تقديم فخ آخر قد سبق له أن استعمله ليخدع الكثيرين من الشبان ويقودهم بشكل كامل إلى الضياع.

إن الشرير يقدّم أولاً هذا الفخ – يا رب أشفق علينا – فيظهر بهيئة الصالح والوديّ وكأن الأمر هو إغراء للشباب مشجعاً إياهم على الحرية والمرح والمزاح والإكثار من الحركات والكلام المنقول وفي النهاية استعمال الكحول. فكل هذه ليس كارثية للعالم بل تصوَّر على أنها وسائل للحرية. وهكذا، بعد الاعتياد على العادات السيئة، يمتلئ الشباب بالأهواء ومن ثم يصيرون سخرية للشياطين وللناس. هذا الفخ مغطى بظل ثقيل وبتبريرات مجرّدة، ما يجعل كل هذه تبدو أنها خطايا صغيرة سوف تُترَك بعد هذه المرحلة من العمر؛ وفي نهاية الأمر هذه أمور ينبغي تجنبها فقط من قبَل النسّاك والرهبان في الجبال.

لو يستطيع الشباب أن يسبروا غور السقوط الذي تلفقه هذه الادعاءات لكانوا ابتعدوا عن هذه الذرائع والحجج المستعملة كما عن أفعى قاتلة. إن هدف إبليس المغوي هو أن يزرع هذه الخطايا الصغيرة في الشاب أولاً ومن ثمّ يشلّ كل حواسه، محرضاً إياه على الهزل والصور غير اللائقة والإثارة والسكر التي هي أمور تولّد الأهواء.

أتوسّل إليكما أن تطلبا، بانتباه كبير، من أحد الأصحاب الشهوانيين الفاسقين وغير التائبين، أن يخبركما كيف اقتيد إلى هذه الأهواء المقيتة. في جوابه سوف تتعلّمون منه أن السبب الأساسي وبداية الأهواء كانت نتيجة عدم انتباهه واهتمامه بالأسباب المذكورة أعلاه.

كما أنّ أهواء الجسد تأتي من الإهمال في الأمور الصغيرة، هكذا أيضاً في الروحيّات: يصل الإنسان إلى مستوى عدم التوبة واليأس من الحماقات الصبيانية.

صحيح أن سيدنا يسوع المسيح، بعد أن رأى انزلاق الطبيعة البشرية، يستقبل الخاطئ العائد بذراعين ممدودين. في الوقت نفسه، على أي حال، يقول: اسهروا وصلّوا إذ لا تعلمون لا اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن البشر. بذلك يحرّكنا لأن نكون دوماً مستعدين ونحفظ في أوعيتنا زيت التوبة وكل الفضائل الأخرى، حتى لا نُطرَد من خدر العروس مثل العذارى الجاهلات. صحيح، هناك توبة. فعندما يكون الشاب طاهراً ويتلافى الرفقة السيئة والسكر، فينحرف قليلاً تأتي التوبة سريعاً لتمحو خطاياه. ولكن عندما يصير الجسد عبداً للخطيئة بالعادات السيئة، تصير التوبة صعبة جداً، والقليلون جداً يقدرون أن يتحرروا من فخاخ العدو المعقّدة.

إذ تعرفا هذه الأمور، أيها الحبيبان قسطنطين ويوحنا، من الآن وصاعداً، استحلفكما بالله، ألاّ تخضِعا نفسيكما للانحلال الذي يشلّ الحواس، ولا للعبث أو الهزل، ولا للسكر والرفقة السيئة، التي تضيّع خوف الله وتجعلكما أسيرين لمحبة الذات والتهتّك. اختارا بالأحرى الحياة الفاضلة بما يرضي الله، متمثلين بأبيكما الروحي في كل شيء. إنه الوحيد الذي سوف يربيكما على الحالة التي ترضي الله ويظهركما مواطنَين للسماء.

لكي تسافرا بثبات على طريق الله، عليكما:

– أن تظهرا طاعة عظيمة وثقة وقبولاً لأبيكما الروحي وتخبراه دائماً الحقيقة.

– أن تقطعا الثرثرة والهزل كلياً، إذ كما ذكرنا، يرحل خوف الله من حيث يكون الهذر.

– أن تحفظا وقتاً في كل مساء للصلاة التي يحددها أبوكما الروحي.

– عندما تكونان في الكنيسة، ركّزا بشكل كامل على القداس الإلهي، حتى تدخل نعمة الروح القدس إلى قلبكما.

– احفظا من دون تردد كل الأصوام التي حددتها الكنيسة ولا تتمثلا بطرق هذا الجيل الهدامة.

– تجنّبا قدر الإمكان الخمر والمشروبات الكحولية التي تثير الأهواء الجسدانية.

– اقضيا ما يتوفر لديكما من الوقت الحر في قراءة الكتب الآبائية.

– انتبها من بعض الآباء الروحيين والمعلمين، الذين يدّعون تعليمكما الفضائل والتوبة فيما يقودونكما إلى الشهوانية في الحلّ من الأصوام وثني الشباب عن النسك وضبط النفس وقراءة النصوص الآبائية، وأيضاً في الكلام ضد الحياة الرهبانية. من غير المفيد الكلام عن الضرر الذي تجلبه هذه الأمور على الشبان الأتقياء، فقد رأيت الكثيرين ممن انجذبوا إلى هذه الدعوات المضللة، وصاروا ضحايا من غير أن يعلموا.

– احفظا توقيراً كبيراً بشكل خاص لسيدتنا والدة الإله التي سوف تقودكما دائماً على طريق خلاصكما.

في الختام أقبلكما بوقار

الراهب دانيال الكاتوناكي، جبل أثوس

19 حزيران 1902

Leave a comment