أريد أن أكون فاعلاً

أريد أن أكون فاعلاً

الشماس ثيوذوروس الغندور

قال لي:”لستُ مفعولاً به”، فاستغربت القول وسألته عن السبب الذي دعاه يستخدم العبارة القواعدية في وصف نفسه، ولماذا اختار المفعول به ليتجنب اعتبار نفسه كذلك. أجاب مخبراً إياي محطات في حياته جعلت منه مفعولاً به.

قال، أتيتُ الى الدنيا ولم يسألني أحد. أُعطيت اسمًا ولم أختره قط. فلت لا بأس فبعد ذلك سألعب دوراً ما وصبرتُ. أجل صبرتُ على حديث الناس معي وكأني لا أفهم. فيحرفون الكلمات ويلحنون الجمل ويستخدمون الحركات في سبيل جعلي أقوم بما لا يكون لي مزاج للقيام به حينها. ويأتي العمّ والخال ومن باب القول القائل: “خلّي يطلع رجّال”، يبدأ بإعطائي درسًا بالشتائم ويسرّ جداً حين يجعلني أُتقن شتم أحد شتيمة دسمة تستحيق تصفيق العائلة خلال زيارة ما أو خلال مناسبة ما. هذا ويرسم لي الوارلد أو الوالدة مستقبلاً على مزاجهم فإذا كانت الموضة للأطباء فعليك أن تكون طبيبًا وإذا كانت للمحاماة فعليك ان تكون محامٍ. ويبدأ العمل توجيهًا نحو هذا او ذاك من المجالات العلمية وإذا كان الأب قاضٍ فالإبن قاضٍ بالوراثة. وإذا كان الأب طبيبًا فالإبن يرث الطبّ والعيادة والى ما هنالك من اختصاصات. وتستغربون لماذا لدنا فائض من الأطباء والمحامين والقضاة والمهندسين، ونقص فادح في مجالات أخرى لا تقل أهمية في المجتمع ولكن بنظر البعض لا تملك بريستيج (prestige).
وعندما تشبّ قليلاً تجد نفسك وسط شلّة الأصدقاء الذين بحسب الحظ، إما يقتادونك الى حياة صخب لا تنتهي لا ليلاً ولا نهاراً فتكون مراهقتك مميزة كما يحلو لأولئك وصفها غير آبهين بكل ما تتضمنه هذه المراهقة من تصرفات وغير متقيدين بدين أو عادات أو تقاليد أو أخلاق. وإما تجد نفسك وسط مجموعة شباب يكبرونك سنًا، ووجودك معهم لأنك “اسم الله أكبر من عمرو” فينتشلك هؤلاء من شبابك الى رجولة مبكّرة لا تُنسيك حركات الشباب التي إما تخفي قيامك بها لئلا يستصغرونك، وإما يستغلون وجودك ليعيشوا ما لم يعيشوه أثناء شبابهم ربما لأنهم كانوا مثلك “اسم الله سابقين عمرهم”. وفي كل الحالات أنت لستَ سوى مفعولاً به. هذا وأنك قد لا تكون قد اخترتَ أصدقائك، فقد يكونون قد فُرضوا عليك نتيجة أنهم رفاق الصفّ أو الحي أو رفاق الحركة أو الجمعية إذا كنت منتميًا الى حركة أو جمعية دينية كانت أم غير دينية.
حتى في الحركة أو الجمعية فقد يميّزك القائد ويجعلك صديقًا أكثر منك مرؤسًا بحجة أنه يرى فيك خليفة له ومن غير المنطقي أن لا يربي القائد خليفته على طريقته في مجتمعنا. فباسم التميّز والصداقة تُقولب الشخصية وتُصبغ بما يجعلك مفعولاً به حتى ولو تسلمت مركز القائد الذي يُفترض به أن يكون فاعلاً وليس مفعولاً به.
وتصل الى الجامعة ، أنت الرجل الخارج من مراهقة، الله وحده يعلم شكلها. ترى نفسك امام مجموعة أساتذة محاضرين وعليك أن تعرف ميل كل أستاذ والأسلوب الذي يحب أن تعالج المواضيع من خلاله، كونه هو تابع لمدرسة ما وبالتالي منطقياً بالنسبة له أن تتبع أنت أيضًا نمط هذه المدرسة. فتبدأ بالبحث والتنقيب حول كل أستاذ لتعرف كيف تتعامل مع مادته. وأنت بذلك مفعولاً به كونك لا تمتلك فكراً جامعية يجعلك تجمع معلومات بغضّ النظر عن معطيها لتصيغ أنت ما أنت تريده، ولتكون أنت ظاهراً فيما تصيغ ولن تكون كذلك لأنك منذ نعومة أظافرك اعتدت أن تكون مفعولاً به فلا مجال للمبادرة طالما هناك نمازج موجودة لتستخدمها.
حتى في الوظيفة، فأنت ملزم باتباع سياسة المؤسسة التي تعمل لأجلها. وإذا كنت نابغة ولديك أفكار فنادر أن تجد مسؤلاً يشجّع نبوغك إلا إذا كان سيستفيد من هذا النبوغ. فعليك أنت تُبقي نبوغك مكتومًا حتى تتاح لك فرصة إذا أُتيحت وإلا فتحمله على جناح الطائرة الى بلدان المهجر الواسعة. ففي الوظيفة أنت في خدمة من يعتقد نفسه فاعلاً بالوقت الذي هو مفعولاً به لآخر لديه نفس الإعتقاد.
“ألا ترى معي هذا؟ “، سألني، ففكرت طويلا ًفيما قاله، ووجدتُ أنه يملك حقًا فيما قال. وسألته: ماذا تريد الآن؟. أجابني: “أريد ان أكون فاعلاً” فأجبته: وأنا كذلك، والله يريدنا كذلك أناسًا فاعلين نختار ما نقوم به لأننا يومًا ما سنكون مسؤلين أمامه عن خياراتنا هذه. فإما أن تكون مع الله فاعلاً وإما فاعلاً ما يُبعدك عن الله، وفي لكن لا تكن في حياتك مفعولاً به.

Leave a comment