الإكليريكي والاسم

الإكليريكي والاسم

الشماس ثيوذوروس الغندور

يسألنا البعض عادة حول لماذا يغيّر الإكليريكي أو الراهب إسمه بعد السيامة؟ ولماذا لا يبقى على إسمه الذي إعتدنا مناداته به؟ ويسأل آخرون حول لماذا إختار هذا الإسم بالذات وليس إسماً آخر؟ وأسئلة كثيرة حول هذا الموضوع سأحاول الإجابة عليها.

الجواب البديهي الذي نعطيه أمام هذه الأسئلة هو، لأنه إختار حياة جديدة والإسم الجديد يساعده في تذكّر هذا الأمر دائمًا. ونربط الإجابة بما قاله الرسول بولس في رسائله “أنسى ما وراء وأمتدّ الى ما هو قدّام” (في 13:3). ونقول أيضًا أن إختيار القديس فلان وليس آخر سواه هو للتمثّل به وبحياته واتخاذه شفيعًا لبقية حياتنا. وكل هذا جيد ويجيب على الأسئلة المطروحة.
نعلم أيضًا أنه في الحضارات القديمة يوجد تطابق عميق بين اسم الشخص ونفسه. فكل شخصية الإنسان وميزاتها تنطوي تحت إسمه. وأحيانًا معرفة اسم الشخص تنوب عن معرفته بالذات [1].وتغيير الإسم هو تعبير عن تغيير جذري بحياة الإنسان. لنعدّ الى الكتاب المقدّس نفسه لنعطي جوابًا كتابيًا حول هذا الموضوع. نعود أولاً الى إبراهيم في سفر التكوين ألم يكن إسمه أبرام وبعد ظهور الله له قال الله له “لا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون إسمك ابراهيم” وعلل الله التسمية بأنه سيجعل منه أبًا لجمهور من الأمم. وبالتالي فحياة إبراهيم تغيرت واتسع نطاق مسؤوليته وبالتالي أمام هذه المهمة الجديدة والعهد الجديد كان لا بدّ من إسم جديد. وهذا ما نراه خلال سيامة الراهب إذ هو يؤدي قسمًا أمام الله بسلوك حياة ملئها الطاعة والعفة والفقر الإختياري ونرى أن رئيس الدير هو من يختار عادة الإسم الذي سيعُطى للراهب والذي سيرافقه بقية حياته الجديدة. وهذا الأمر حصل أيضًا ليعقوب الذي تبدّل اسمه وقال له الرب “لا يدعى اسمك بعد يعقوب بل اسرائيل” (تك 28:32) وعلل الرب إختيار الإسم بأن يعقوب قد جاهد مع الله والناس وأنه قدِّر من الله. وفي العهد الجديد نرى المسيح يقول لسمعان “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 18:16) وربط الرب يسوع المسيح هذا التغيير برسالة جديدة في حياة بطرس فهو سيؤتمن على مفاتيح ملكوت السموات وكل ما يحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات وما يربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. أليست هذه رسالة الرعاة والكهنة اليوم؟ أفلا يجب تغيير أسمائهم أمام هذه النعمة الجديدة التي ستغيير مسار حياتهم؟ . والرسول بولس نفسه، ألم يكن شاول مضطهد المسيحية والمسيحيين وأصبح بولس الذي هو الإناء المختار ليحمل اسم المسيح أمام الأمم والملوك وبني اسرائيل (أع 15:9)، بعد ظهور الرب يسوع المسيح له على طريق دمشق. والذي تبدّل إسمه أيضًا فأصبح شاول الذي هو بولس (أع 9:13) وهذه الآية ترد بعد الحديث عن وضع اليد عليه وعلى برنابا وفرزهما لتبشير الأمم.
وللإسم معنىً فكما بشّر الملاك العذراء مريم بطفل تسمينه يسوع الذي سيخلّص شعبه من خطياهم. أليس نعنى اسم يسوع وباللغة العبرية يشوع أي المخلّص. وهكذا أيضًا غالبية الأسماء التي تُعطى للإكليريكيين وللرهبان وحتى للأطفال المعتمدين هي أسماء ذات معنى في حياتهم الجديدة فهي اما تشير الى رسالة ما أو الى صفة عليه السعي للتحلي بها. وعلى سبيل المثال أسماء مثل نيكيفورس أي اللابس الظفر، ستافروفوروس أو اللابس الصليب، وثيوذوروس الذي هو هبة الله، وجاورجيوس أو الفلاح، أو من الأسماء النسائية أيضًا كون الراهبات أيضًا يغيرنّ أسمائهنّ بعد السيامة نأخذ مثلاً إيريني أي السلام وبارثيني أو العفيفة وغيرها من الأسماء.
ونشير أخيراً الى أن للإسم أهمية كبيرة إذ بمناداتك له تجعل الشخص المنادى حاضراً وجاهزاً للتواصل معك ولذا لا يجب أن نبقى على مناداة الإكليريكي أو الراهب أو الراهبة بالإسم العلماني الذي كان لهم وذلك لنساعدهم على الاستمرار والامتداد في حياتهم الجديدة بدون تذكّر معوقات الحياة السالفة رغم أنها جزء لا يتجزأ من حياتهم. ولنعلم أن مخاطبتهم بالإسم الجديد ذو أهمية كبرى كوننا بذلك نقرّ معهم وندعم إختيارهم الرسالة الجديدة والحياة الجديدة وبالتالي مهما كنّا أصدقاء للذي بدلّ اسمه علينا التعوّد على مناداته بالاسم الجديد وحتى عندما نتذكره في مجالسنا فلنذكر الإسم الجديد كون هذا الأمر يجعله حاضراً فيما بيننا. فلنقبل بحضور الإنسان الحالي معنا رغم تعلقنا أحياناً وهذا من طبيعة البشر بما هو رواسب سنوات طويلة قضيناها مع هذا الإنسان قبل أن يختار أو تختار طريق التكريس سواءً الإكليريكية أو الرهبانية ولنصلِ من أجله أو من أجلها ليسدد الرب الإله الخطوات التي سيسلكها او ستسلكها في حياته أو حياتها وليزيّن بالأعمال الصالحة الاسم الذي يُختار ، ليتقدّم أو لتتقدّم أمام العرش الإلهي مستحق أو مستحقة الحياة في الملكوت.

[1] من كتاب “قوة إسم يسوع”، للأسقف كاليستوس وير، ترجمة المطران بولس يازجي، منشورات دير السيدة-بلمانا، 1994.

Leave a comment