كيف يجب أن نتهيأ لاستقبال الموت

كيف يجب أن نتهيأ لاستقبال الموت

القديس تيخون أسقف فورونيجسك

نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد


كما أن الملك الأرضي، إذا أراد أن يستدعي أحداً من مريديه يوجّه إليه أمراً أو إشارة، هكذا الملك السماوي يسوع المسيح يستدعي كلّ مسيحي إليه، إلى ذلك الجيل الأبدي، بواسطة الموت. فيرى الإنسان نهايتُه القريبة. وهنا يأتيه الأمر بصورة غير منظورة من الملك السماوي الذي يدعوه إليه. فماذا حينئذ يخطر في قلب الانسان المسكين؟ أيّ خوف، أيّ جزع أيّ اضطراب؟ أوّاه! إن الأب السماوي يدعوني وأنا غير مستعدّ، إن أمره وصل إليّ لكي أظهر أمامه وأنا غير مصطلح، إني أرى نهايتي المقتربة وأنا لم أفكّر بها البتة. لقد دنا مني الموت الذي لم أفكر به قطعاً، ويفتح أمامي باب الأبدية التي لم تخطر ببالي، وأنا خائف من حكم الله الذي أغضبتُه. إن ضميري يقرّعني ويعذّبني واضعاً أمامي جرائمي، إن الأبدية الهائلة التي يذهب إليها الخطأة بالذعر والخوف تهددني، فلماذا لم أفكّر بتلك الساعة الرهيبة؟ لماذ كان عقلي مشغولاً بالأباطيل؟ لماذا أحطت نفسي بكلّ هذا؟ لماذا ركضت وراء المجد والشرف في هذا العالم؟ لماذا اقترفت الخطايا الكثيرة ولم أُصغِ الى كلمة الله؟ أيّة فائدة لي الآن من حصولي على الغنى والشرف والمجد والقصر والخدم والأملاك والأصدقاء الذين فرحت بهم من الولائم؟ إن أباطيل هذا العالم قد أعمت عقلي حتى لم أعد أميّز التملّق من الحقيقة، والشر من الخير، والنفع من الضرر، والخطيئة من الصلاح. لقد أنقذَتني الذاكرة، وذكرى الموت الذي اقتربتُ منه الآن والأبدية التي أنا ذاهب إليها.

الآن أعرف أنا ما هو التملّق وما هي الحقيقة، ما هو الشر وما هو الخير. الآن أعلم أنّ كلمة الله هي التي تُعلّم الحقيقة، فمغبوطٌ الذي يصغي إليها وتعيسٌ من لا يستمع إليها.
آه! أيها العالم، عالم الأباطيل المليء بالمفاسد والخداع كيف تخدع الإنسان المسكين. لذلك أنا الآن أترك كلّ كنوزك، وعوض القصر الجميل والأبّهة والغنى أسكن القبر الصغير الحقير. وعوض الحرير والأطلس أُكفَّن بالسواد، وعوض الأملاك والشرف والمجد، أُلقى في حفرة صغيرة، وعوض الغنى والمجد لي الموت والفساد، وعوض الفخفخة التي أَغريت نفسي بها سيأكلني الدود. فوداعاً أيها الأصدقاء. وداعاً أيتها الزوجة والأولاد! فكلّ شيء أتركه إليك. عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود. (أيوب ١:۲١).
الآن أرى أنّ كلّ ما مَلكتُه ليس هو لي لأنّي أتركه الآن. فكما أني لم أجئ مع شيء الى هذا العالم، هكذا أخرج منه من دون شيء. إنّ الملك السماوي يدعوني وأنا ذاهب إليه، وها أنا أضطرب من محكمته العادلة، فإنه لا يُحابي الوجوه، بل يحكم بحسب الأعمال، فعنده الملوك والأمراء والسادة والعبيد والأشراف والأغنياء والفقراء كلهم سواء.
أيها المسيحي أُذكر أنه سيأتيك الأمر من الملك السماوي، وأنت لا تعلم. وكما يحدث مع الآخرين لدى نهايتهم، هكذا سيحدث معك. لذلك كن عاقلاً وحكيماً واستعدَّ لتلك الساعة بالتوبة وانسحاق القلب والإخلاص، إن تلك الساعة ستكون هائلة ليس للخطأة فحسب بل للصديقين الذين ذكروها دائماً باكين على خطاياهم. أذكر الموت والفساد! فإن كل الاهتمامات الدنيوية وزينة هذا العالم ستتجمد لك وتكون أنت في حاجة للبكاء أكثر من أفراح هذا العالم وتسلياته.

عن كتاب “أسرار أبدية وراء القبر” للقيّم أنطونيوس رئيس دير القديس بندلايمون الأثوسي، ترجمة أبيفانيوس زائد، منشورات مكتبة السائح

Leave a comment