عالمنـا

عالمنـا…. ” خيالٌ في مرآة !”

عبود برسيخ أونجـي

لما أضحى إنسان اليوم بعيداً كلّ البعد عن جوهره وعلّة وجوده, جاهلاً منشأه ومنتهاه أو بالأحرى متناسياً ذلك عن عمد أو عن غفلة, آخذاً في السعي وراء إنسانه “البيولوجي”، بات من الواجب أن نقول: أن هذا القلق البيولوجي هو الذي يقوده وراء صحته ولقمته وهنائه وكفى… مبتعداً في ذلك عن أسرار الكون القابعة في قلبه وروحه التي كانت بنفخة من روح الله القدوس…

إن عالمنا اليوم بات عالماً يُرى في مرآة كاذبةٍ, لأن من ينظر في مرآة ذاتِه, يرى نفسه معكوساً: فيمينه يسارٌ للخيال ويساره يمين له… نعم. نحن اليوم في عصر ليس فيه انعدام القيم – ويا ليته كان ذلك- بل في عصر انعكاس هذه القيم انعكاساً كلياً… تسألون كيف؟ تعالوا ننظر حولنا في هذا العالم الدهري كلياً لنستشفَّ قيمـَه.
لقد بات السارق شهماً واللص جريئاً شجاعاً… أمسى المجرم القاتل بطلاً من أبطال ملاحم التاريخ الشهيرة, أو مدافعاً عن شرفه وذاته…
لقد بات الابن أباً لأبيه, والبنت أماً لأمها, فمَن اليوم يتحكم بالآخر – على أرض الواقع- هل الابن أم الأب؟
لقد أمسى تواضع الإنسان جبناً وغدت عجرفته وبطشه رجولة وإثباتاً لذاته في مجتمع تحكمه “شريعة الغاب”.
نحن اليوم نسكن عالماً يعبّر عن السلام بالحرب وإراقة الدم، وعن الحب بالكره, عن التضحية بالجنون, عن الحياة بالقتل, وعن العدالة بالظلم…
عندما يريد أن يعبّر إنسان هذا الدهر عن حريته التي حباه الله إياها، يستخدم الانفلات وسيلةً وهي حق له برأيه, فيعبّر عن الجمال بالشهوة, وعن الحق بالغطرسة وعن الإنسانية بنفيها…
إنه بقول واحد: يحوّل الموت إلى حياة والحياة إلى موت. بات إنساننا يتفنن في سعيه وراء الجحيم بدلاً من سعيه وراء الملكوت… هذا إن بقي ذكر لهذه الكلمة إلا في قلوب من يعتبرهم هذا الدهر “ضعافاً مجانين مخبولين”…
إن البشر اليوم باتوا يقولون: “قال يسوع أحبّوا بعضكم بعضاً”، وهم يقتلون بعضهم بعضاً… يقولون: “قال يسوع أحبّوا أعداءكم”، وهم لا يحبّون إخوتهم, فأي مكانة للعدو في قلوبهم… يقولون: “الله روح والساجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”، وقد تعددت أصنامٌ هم لها عابدون وساجدون…
يقولون “أبانا الذي في السموات…”، ولسان حالهم يقول “ابقَ في السموات…”.
نعم لقد صار السواد بياضاً والبياض شديد الظلمة…
علنا اليوم نتعظ قليلاً ونقول لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح: “يا رب يا رب اطلع من السماء وانظر وتعهد وأصلح هذه الكرمة فإن يمينك غرستها… نعم يا رب لا تجعلنا من أولئك القائلين كثيراً بل اجعلنا فاعلين بحقك لأنه خير لنا أن ننعت بالجنون من أن نكون أقوياء في هذا العالم وموتى في العالم الآخر… لأن جنون العالم هو حكمة عند الله…”
في ذات يوم قال يسوع لتلاميذه “تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يؤدي عبادة لله”، والحقيقة أن المكتوب قد تمّ الآن في عالمنا، في كل يوم تقتل أرواح المسيحيين، بالمئات وأقول خير لنا أن تقتل أجسادنا من أن تهلك أرواحنا…
فيا رب اجعلنا ممن تشير إليهم قائلاً: “من يصبر إلى المنتهى يخلص”.
آمين.

Leave a comment