الكنيسة – الإنسان

الكنيسة – الإنسان

عبود برسيـخ أونجـي


منذ سنوات ليست ببعيدة عبرت كنيستنا الأورثوذكسية المقدسة بوابة الألفية الثالثة لميلاد ربنا وإلهنا يسوع المسيح له المجد، عبرت هذه البوابة وهي منهكة القوى ، تعبةً أمام أعدائها وطاعنيها بحراب العالم…
فيوما ً بعد يوم، يتزايد التيار المعادي للأورثوذكسية في قلب الكنيسة الأورثوذكسية ذاتها، والسبب وراء ذلك في رأيي هو تزايد المرائين من كتبة وفريسيين في الأوساط الكنسية من علمانية وكهنوتية على السواء، هذا التزايد الذي يسير بحركة متسارعة، يضمن انتشار كثير من الهرطقات الواضحة والمبطنة، التي تقوم لا على أسس الإلحاد القديم بل على أسس الإلحاد المعاصر من ماركسية وسارترية وغيرها…. هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى: فأين شبابنا الأورثوذكسي الملتزم؟؟؟ أين عائلاتنا التي تؤمن بالأورثوذكسية لتنقلها جوهرة ثمينة لأبنائها؟ أين هم أبناء السامرة الصالحون حتى يأتوا لنجدة كنيستهم المجرّحة المرمية بسهام الباطل وبطلان العالم؟
أين هو التزامنا ؟ هل بات الالتزام مستحاثة قديمة نتأملها مستغربين كيف زهق أجدادنا دماءهم في سبيلها، مستهزئين في قرارة نفوسنا؟
ماهي النظرة الأورثوذكسية لثنائية ( الكنيسة – الإنسان) ؟ كيف تنتظم العلاقة بين طرفيها؟ ما أهمية كل طرف للآخر؟؟؟ بكلمة واحدة أقول أن الله ليس محتاجا ً إلينا، هو ( الله) لم يخلقنا عن احتياج أو اضطرار، فالخلق لم يكن ضرورة، وبعبارة أبسط: كان يمكن أن لا نوجد، وجودنا وعدمه عند الله سواء، فهو لا يزيد ولا ينقص من وجوده ( الله ).
والحقيقة هي أن الله قد خلق الكون بفعل إرادته الحرة، لقد اختار (هو) أن يفعل ذلك ففعله (هو)، غير مجبر من أحد، الخلق إذا ً نتاج الإرادة الإلهية والاختيار الإلهي، إضافة إلى ما يدعوه القديس يوحنا الدمشقي بمشورة الله الأبدية غير المتبدلة ” لنخلق الإنسان على صورتنا كمثالنا..”.
إن شركة الثالوث القدوس قائمة في رباط المحبة التي تسري بين الواحد والآخر كنبع لا ينضب، وبداعي المحبة شاء الله ( بإرادته ) أن يوسع هذه الدائرة فيفيض بها على كائناته وخلائقه، لذلك أوجدها، وعندما سقطت انتشلها بداعي المحبة، فالخلق والصلب إذا ً كلاهما كانا عملية محبة.
لم يخلق اللهُ الإنسانَ في الفردوس إلها ً، بل ممتلكا ً كل أسباب الألوهة ومتطلبات الكمال، خلقه(الله) ليكون بالنسبة له “آخر” يبادله المحبة : هذا الإنسان إذاً حرّ في الاختيار، بإرادته يقيم علاقة مع خالقه، وبإرادته يرفض أي صلة معه ( وهو في هذه الحالة يكون جاهلا لعلة وجوده ولسبب خلقه).
الله إذاً أصل الخليقة، منه جاءت وإليه تتجه، فإن كنا نرد كل مادة إلى أصولها فكيف تتصور بعض العقول الضعيفة الحياة والخليقة دون مصدر أو علة أو مسبب؟؟ بالله فقط يتحقق معنى الوجود، في قلب الله يوجد كل إنسان وراحة هذا الإنسان لا تكون إلا في قلب الله.
هذه العلاقة التبادلية بين الله والإنسان لا يمكن أن تقوم إلا في الكنيسة، يسوع المسيح ( الله) هو رأس الكنيسة، علاقة الإنسان مع الكنيسة هي الباب الوحيد لعلاقته مع الله، لا أستطيع أن أتصور إنسانا ً يدعي علاقة المحبة مع الله وهو بعيد عن الكنيسة وأسرارها المقدسة… إنه يضحك على نفسه!!
أسرار الكنيسة رابط وثيق يشد الإنسان إلى خالقه وعلة وجوده، بالمعمودية نموت مع المسيح لنحيا معه، وبالميرون المقدس ننال ختم الروح القدس ونصبح كارزين ببشارة الملكوت، وبالافخارستيا نشارك ربنا في جسده ودمه… من هنا تأتي الحاجة إلى التزام كنيستنا، الالتزام ثم الالتزام هو ما نحتاج إليه في عصرنا الحالي.
ليس الالتزام كلمة من التاريخ القديم ! كما أنه ليس كلمة عابرة تدل على نشوةٍ نفسية تصيب الإنسان، إنها أعمق من ذلك بكثير، الالتزام قوة إيمانية قلبية تقوم على المحبة المطلقة والتضحية والإيمان المطلق : الإيمان برأس الكنيسة، بأورثوذكسيتها، بعقائدها، ومحبتها محبة لا تقوم على المصالح والدنيويات، هذه المحبة لا بد أن تشمل أبناء الكنيسة مع بعضهم، أن تكون غير قائمة على الانتقاء و الاختيار، بل على محبة صورة الله في أبنائه… دون ذلك يكون الالتزام حبراً على ورق، يكون كلاماً إنشائيا ً نتغنى به في مناسباتنا لنثبت مكانتنا، وهذا هو باطل الأباطيل…
ليس الالتزام تكريسا ً كهنوتيا خاصاً، جميعنا كهنوت ملوكي عام جاهز للعمل، وكم وكم من الكهنة التزموا دنياهم ولم يلتزموا كنيستهم؟
الالتزام، أخيرا ً، بعد عن الفردية واللامبالاة التي نرثها يوماً بعد يوم من أنانيتنا، لا يمكن أن نفصل حياتنا عن الله ( عن الكنيسة)، لا يمكننا أن نرى كنيستنا مرمى لسهام الباطل ولا نبالي صامتين ضعفاء.
يوما ما سنحاسب علىتركنا كنيستنا وسعينا وراء دنيانا، غايتي من عملي البائس أن أذكر من أراد التذكر، بثنائية ( الكنيسة – الإنسان ) علنا نرى كنيستنا يوما ً أفضل مما هي عليه الآن.

Leave a comment