الاحتفال بميلاد المسيح

الاحتفال بميلاد المسيح


القدّيس لاون بابا رومية

لا محل للحزن في يوم ميلاد الحياة التي أبطلت خوف الموت، وأهدت إلينا سرور عدم الموت الموعود به. ولا يجوز لأحد أن يتخلف عن الاشتراك في هذا الفرح الحاضر. السبب واحد لسرور الجميع: لأن سيدنا غلب الخطيئة والموت. فكما أنّه لا يوجد أحد بريء من الخطأ، كذلك جاء هو لينقذ الجميع. فالبريء يبتهج لأن مكافأته قربت. والخاطئ يسرّ لأنه مدعوُّ إلى التوبة. والوثني ينتعش لأنه مدعوُّ أيضاً إلى الحياة. أخذ ابن الله الطبيعة ليصافح البشر الخالق، ويتغلب بموته على الموت؛ وقد تمّت حملة الرب هذه علينا بصورة مدهشة. فإنه يخرج ضد عدونا اللدود، ليس بهيئته العظيمة، بل بهيئتنا الوضيعة، مقدماً له الطبيعة التي سبّبت لنا الموت، ولكنها بريئة من كل خطيئة.لذلك لا يجوز أن يُقال عن هذه الولادة ما يقال عن سواها. “فإنه لا يمكن أن يخرج الطاهر من النجس” (أيوب 14: 4). في هذه الولادة لم يحدث شيء من شهوة الجسد ومن ناموس الخطيئة. إن العذراء مريم تنتخب من نسل داود لتحمل في أحشائها الثمرة المقدسة. لقد حبلت بالله ابن البشر بالروح قبل الجسد، فلم تخف الدائمة البتولية من الأمر الخارق الطبيعة، لأنّه فكر العليّ الغامض. إنها من كلام الملك، علمت العذراء تأثير الروح القدس فيها، وتأكّدت من صيانة عفافها، لأنّها استحقت أن تكون أمّاً لله. إنها في الحقيقة لا تقدر أن ترتاب في صحة حبلها تلك التي وُعدت وأعدت ذاتها لتأثير قوة العلي. فإيمان العذراء يتحقق بالشهادة عن المعجزة السابقة، إذ  ُتمنح أليصابات العاقر حبلا غير منتظر. فمن المحقق أن الذي وهب العاقر الحبل يهب العذراء الشيء نفسه. وعليه “فالكلمة التي كانت في البدء والتي كانت عند الله والتي هي الله” (يوحنا 1: 1-2) صار إنسانا لأجل خلاص الانسان من الموت الأبدي. لقد نزل السيد يسوع المسيح ليأخذ هيئة حقارتنا بدون أن ينقص شيئاً من عظمته. ولما أخذ الجسد وحَّد هيئة العبد الحقيقي بتلك الهيئة المعادلة لله الآب حتى لا يطلب الوضيع التمجيد، ولا يحتقر الرفيع من أخذ. فهناطبيعتان ومشيئتان كاملتان متحدتان في شخص واحد. الحقارة تأخذ العظمة لتؤدي حقّ طبيعتنا. والطبيعة الثانية تتحد مع المتبدّلة. إله حق وإنسان حق يشكلاّن السيد؛ لأن شقاء البشر محناج إلى شفيع واحد لدى الله والناس يقدر أن يموت ويقوم بالطبيعة الأخرى. فميلاد السيد لم يغيّر البتولية لأنها كانت مصونة بالعفاف، وولادة كهذه تليق بحكمة الله – لأن المسيح المخلص يشبه البشرية بالجسد ويفوقها بالألوهية، فلو لم يكن المتجسّد من العذراء إلهاً حقيقياً لما قدر أن يقدم لنا الشفاء. لو لم يكن إنساناً حقيقياً لما ظهر لنا مثالاً. ولهذا ترتّل الملائكة حين ميلاد المسيح بسرور : “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسّرة” (لوقا2: 14) لأنها رأت أورشليم الجديدة مخلوقة ومتكوّنة من سائر أمم العالم. فما أعظم سرور البشر بعمل المحبة الإلهية العظيم ما دام سكان السماء يفرحون من أجل ذلك!

فلنشكر الله الآب أيها الأحباء بواسطة ابنه والروح القدس. لنشكر ذلك الذي برحمته قد أحبنا وأشفق علينا، و”حين كنا أمواتاً بالزلات أحيانا مع المسيح” (أفسس2: 5) لنصبح به خلقة جديدة لنطرح الإنسان العتيق وأعماله. وإذ حصلنا على الشركة في ميلاد المسيح فلنرفض أعمال الجسد!

أيها المسيحيّ إعرفْ استحقاقك، لأنك أصبحت شريكاً للطبيعة الإلهية. فلا ترجع إلى سيئاتك القديمة بحياتك غير المستحقة، لا تنسَ لأي رأس وأي جسد أنت عضو. تذّكر أنك أخرجت من سلطة الظلام ونقلت إلى نور الملكوت. وقد أصبحت هيكلاً للروح القدس، فلا تبعد عنك هذا المسكن  بأعمالك الشريرة، ولا تعرّض نفسك لعبودية الشيطان ثانية! لأن ثمنك دم المسيح والذي فداك برحمته هو مع الآب والروح القدس يملك إلى الدهور ويدينك بعدل. آمين.

عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971

Leave a comment