أين وكيف يمكن ان نستقبل السيد المولود

أين وكيف يمكن ان نستقبل السيد المولود

القدّيس تيخون الزادونسكي

“وجدنا ماسيا الذي تأويله المسيح” (يوحنا1: 41).

هكذا بشّر الأخ أخاه: هكذا بشّر الرسول المدعو أوّلاًً اندراوس الرسول المتقدم في كراسي الرسل بطرس: قد وجدنا ماسيا الذي وعدنا الله به، الذي تنبأ عنه الانبياء. قد وجدنا ماسيا الذي “كثيرون من الأنبياء والملوك ودّوا أن يروا ما أنتم ترون فلم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون” (لوقا10: 24).

قد وجدنا ماسيا ورأينا الله في الإنسان: رأينا السيّد في هيئة عبد، والملك السماوي على الأرض. رأينا قيامة الأموات وتطهير البرص وشفاء الأسقام، وسمعنا البشرى بالتوبة الخلاصية، أي غفران الخطايا واقتراب الملكوت السماوي. فلنفتش، أيها الأحباء بنشاط، عن ذلك الذي تكون التعاسة معه سعادة، ومنه نحصل على الخيرات الحاضرة والمستقبلة الأبدية كلها!

إن السيد لا يقطن حيث يسود هيرودس وأمثاله الذين لا يخافون من إهلاك النفوس وإهراق الدماء لأجل مجد وقتي. حقيقة راهنة يعرفها الجميع وهي أن المقارِن بالمقارَن يقتدي. الفقير يصادق الفقير، والغني الغني، والشريف الشريف. فكما أن السواد لا يشبه البياض، والحلو لا يتفق مع المر، والظلام لا يليق بالنور، هكذا المخلص، مع كل تواضع قلبه، ليس له مكان حيث ترتفع القلوب المتعجرفة. الحقيقة الأزلية لا تساكن الخداع المراوغ الذي يعطي الحلاوة من طرف لسانه ويروغ منك كما يروغ الثعلب، والمرارة تملأ قلبه؛ يُعد السلام بالأقوال، ويهىء الحسام بالأفعال، يقترب منك باللسان، ويبتعد عنك بالجنان، يحييك بالشفتين ويقبلك، وبالفعل يشاور عن ثمنك معدّاًً إياك للصليب. إن ابن الله يبتعد عن تلك الأمكنة حيث يحسبون إنجيله المفرح اختلاقاً، وكنيسته الأبدية أحلاماً، حيث لا يعتبرون الخطيئة شيئاً شائناًً، بل يكرزون قائلين: “يا نفسي استريحي وكلي واشربي وتنعمي” (لوقا19:12).

إننا لا نجد الله الإنسان هناك حيث يعيش البغض والحسد والظلال: لأنه لا إشراك للنور مع الظلمة، وللمسيح مع رئيس الشياطين. فعبثاًً نفتّش عن السيد المسيح في تلك الأماكن حتى لا نسمع ما قيل للنسوة حاملات الطيب: لماذا تطلبن الحي بين الأموات ؟ لأنهم أموات لا في القبور بل خارجها، لأنهم يمشون بإحدى أرجلهم على الأرض، وبالأحرى لدى أبواب الجحيم. ولذلك نسمع السيد يهتف بنا قائلاًً: “حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم” (متى18: 20). إن الكثيرين يجتمعون ولكن ليس باسم المسيح. لقد اجتمع قديماًً هيرودس وبيلاطس واتفقا على إهانة الله الانسان وقتله. والآن يجتمع الزاني والزانية والمحتال واللص مع اللص والسكير مع السكير لا باسم السيد، بل على السيد، لأن المسيح لا يكون إلا حيث الاجتماع باسمه، ولا يسكن الفادي الإلهي إلا حيث تسكن المحبة المسيحية. والمحبة المسيحية حسب تعليم رسول المسيح هي التي “تتأنّى وترفق ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ ولا تأتي قباحة ولا تلتمس ما هو لها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابداً” (كورنثوس الأولى13: 4-8). فها نحن قد وجدنا السيد المسيح، أي في وسط المحبة المسيحية.

والآن، يبقى لنا شيء واحد، وهو كيف نستدعي السيد إلى بيتنا؟ إنه وادع متواضع قد زار العشارين، وسكن قبلاًً جوف العذراء، ولم يأنف المذود من أجلنا. وكرحيم ومحب للبشر لا يكره الدخول الى كوخنا الحقير، ولا يرفض طلبنا. فلنسجد للمسيح المخلص كما سجد المجوس. لنسجد له لا مقمطاًً بأقمطة بل جالساًً على عرش المجد مع الآب والروح القدس ولنقدم للمولود بلا زرع التوسلات الصادرة من قلب منكسر، بدلاًً من الذهب واللبان والمر. وبما أن السيد المسيح يرتاح في المحبة المسيحية، فلنسّيج ذواتنا بها، لنطعم الجائع، لنسقِ الظمآن، لنكسُ العريان، لنأوِ الغريب، ولنَعُد المريض، ونظهر الرحمة للسجين وبالاختصار لنحب قريبنا كنفسنا، ثم لنبادر بتواضع الى المولود من العذراء بالتوسلات الآتية: يا ابن الله إنك جئت إلى الارض من أجلنا، ضعفت مع الضعيف وافتقرت مع الفقراء وبكيت مع الباكين. وبعد هذا تألمت وحدك على الصليب. وبهذا جئت بنا إلى أبيك الأزلي لأنك أنت سيدنا. جئت إلينا بنفسك نحن عبيدك بهيئة عبد، لأننا لم نقدر أن نذهب إليك. انك أنت أعطيتنا الدالة، فلا تحتقر تعاستنا؛ وإذ نحن عاجزون نقدم لك والدتك الكلية الطهارة التي اخترتها من بين الجنس البشري كله كهدية مناسبة.فبشفاعاتها ارحمنا بنعمتك. جدد بناء هيكل نفسك المتهدم: قلبا نقياًً اخلق فيَّ يا الله وروحاًً مستقيماًً جدد في أحشائي. تعالى واسكن فيَّ وأملك فينا وعلينا أنت وأبوك وروح قدسك، فنصرخ بسرور: قد وجدنا ماسيا الذي تأويله المسيح آمين.

عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971

Leave a comment