أعيادنا

أعيادنا

الخورية سميرة عوض ملكي

العيد عنصر جوهري من عناصر العبادة. ونتعلّم من الكتاب المقدّس أن العيد يجعلنا على صلة مع الله القدوس. فالطقوس عامةً تسبح الله هاتفة “قدوس قوس قدوس” وتعلن أن الله وحده قدوس، إلاّ أنها في الوقت نفسه تحتفل بالقديسين ونحن مدعوون لأن نكون منهم. فمع أنّ القداسة تبدو وكأنها صفة موقوفة على الله وممتنعة المنال، إلاّ أنّها تُنسَب أحياناً إلى بعض المخلوقات.

نجد في الكتاب المقدس وصفاً لنوعين من العبادة، أوّلهما عبادة الأوثان وما كان يرافقها من بناء المذابح والمعابد والرقص والغناء، أمّا النوع الثاني فهو عبادة الله الواحد. فالله بسبب غيرته على حقه المطلَق في العبادة وفي الطاعة، فهو يريد أن يعترف الناسُ بقداسته وأن يعاملوه باعتباره الإله الواحد الحقيقي، فيعلن قداسته الذاتية عن طريق البشر. وهو يحدد الشروط الواجبة للعبادة إذ يحتّم ألاّ يُمتَهَن اسمه القدوس (لاويين 32:12)، فالاحتفال اللائق يبرز مجده (لاويين 1:10-3) ويعلن جلاله. ولا قيمة لأي احتفال ديني في أي مناسبة دينية ما لم يعبّر عن الإيمان العمبق (تثنية 12:2) والتسبيح (مزمور 3:99-9)، لأنه في هذا تقوم مخافة الله وتقديسه.

أنبياء العهد القديم تكلّموا مراراً عن كره الله للاحتفالات اليهودية التي كانت تُقام بقلوب غير مؤمنة. “إني أبغض وأرذل احتفالاتكم” (عاموص 11:5 وهوشع 10:2). “إن الإنسان ينظر إلى الظاهر وأمّا الرب فينظر إلى القلب” (1صموئيل 7:16). “إنّ هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه بعيد عنّي” (إشعياء 13:29). فهذه الأقوال نادى بها الأنبياء لا لإلغاء الأعياد بل لبلوغها إلى ملء معناها أي ملاقاة الله الحي (خروج 17:13). ولهذا كان المؤمنون مقتنعين بأن التديّن الخارجي لا يكفي لكي يجد الإنسان الله بل ينبغي عليه أن يبحث عنه من كل قلبه.

أمّا الرب يسوع فيحدد في العهد الجديد أن العبادة الحق هي عبادة روحية، ليس أنها تتم بلا طقوس، بل أنها غير ممكنة بدون الروح القدس الذي هو منشئ القداسة. وبالتالي نحن عندما نقيم تذكاراً لحدث إلهي ما، هذا دليل على أننا نتذكر كلّ ما صنع الله من أجلنا. وعندما نقيم عيداً لقديس ما فذلك لأننا نؤمن بأن القديسين قد اتحدوا بالله وصاروا شركاء الطبيعة الإلهية. ونحن علينا أن نتمثّل بهم.

إذاً للعيد هدف أساسي هو الهدف التقديسيّ. والمسيحية حاولت منذ نشوئها أن تجعل العبادة أمراً طبيعيّاً، وأن تنزع عنها الشكليّات المتكلّفة التي تصرف العابد عن غايته الحقيقية التي هي الاقتراب من الله والاتصال به.

وهنا لا بد لنا من التساؤل: هل كل أعيادنا اليوم هي لنتذكّر الأحداث الإلهية التي صنعها الله من أجلنا؟ هل نحن نحتفل بأعياد القديسين لأننا فعلاً نطلب شفاعتهم؟

من المؤسف أن رعايا عديدة ليست في هذا الفكر إذ لم تعد أعيادها عبادة بل تحوّلت إلى النوع الثاني المذكور في الكتاب أي عبادة أوثان. فأعياد الشفعاء هي رقص وغناء وإحياء سهرات منوّعة تحوّل أرض الكنيسة إلى مصدر شر وتجربة. فهنا يافطات ترحيب بالضيوف كتلك التي تجدها أمام لمسارح ودور السينما، وهناك دكاكين وبائعون وكأنّ الذين طردهم السيد من الهيكل عادوا. رائحة البخور استُبدلَت بروائح المشاوي واللحوم والتسابيح استبدلت بالطبول والموسيقى الصاخبة. صحيح أن الخِدَم تُقام لكنها لا تنتهي بسلام إلاّ إذا سمح قارعو الطبول وهواة المفرقعات. كيف يُطلب من المؤمنين أن يطرحوا عنهم كل اهتمام دنيوي في قداس العيد إذا كان الاستعداد للقداس دنيوياً؟ كيف يُتوقَّع من المؤمن أن يقترب من الله في هذا الجو المشحون الصاخب، فيما هذا الاقتراب أصلاً صعب في الهدوء؟ كيف نرجو أن يتقدس أبناء الرعية بالروح القدس في عيد شفيعهم إذا كان مجلس الرعية لا يرى في العيد إلاّ نشاطاً سنوياً ينظمه ويحتسب مداخيله؟

في العبادة الحق يشترك الجسم في التعبير بطريقة أو بأخرى. وتعبّر العبادة الروحية الحقّ التي حددها الرب يسوع عن ردود الفعل المتعددة للإنسان المنذهل لقربه من الله، وهي مزج من وعي لخطيئته ومن ذهول صامت تجاه الله ومن احترام مشبَع بالخشية وبعرفان الجميل، وأخيراً من تسبيح يشمل كل كيان الإنسان. إن القداسة تتطلّب قطع الصلة بالخطيئة ولهذا تحرّم القوانين الكنسية الأعياد بالشكل الوثني. عسى أن تكون أعياد شفعائنا مرضية لله وقناةً تصلنا به.

Leave a comment