رجل وأربع زوجات

رجل وأربع زوجات

راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع

كان هناك تاجر غنيٌّ له أربع زوجات، وكان يحبّ الزوجة الرابعة أكثر منهنّ جميعًا، فيلبسها أفخر الثياب، ويعاملها بمنتهى الرقّة، ويعتني بها عناية كبيرة، ويقدّم لها الأفضل في كلّ شيء.

وكان يحبّ كثيرًا الزوجة الثالثة أيضًا، كان فخورًا بها، ويتباهى بها أمام أصدقائه، ولكنَّه كان، دائمًا، يخشى أن تتركه وتذهب مع رجل آخر.

وأحبَّ الزوجة الثانية أيضًا، فقد كانت شخصيّة محترمة، صبورة، وفي الواقع كانت موضع ثقة التاجر، فعندما كان يواجه المشاكل كان يلجأ لها دائمًا، وكانت هي تساعده في تجاوز المشاكل والأوقات العصيبة.

أمّا الزوجة الأولى، فمع أنَّها كانت شديدة الإخلاص له، وكان لها دورٌ كبير في المحافظة على ثروته وعلى أعماله، علاوةً على اهتمامها بالشؤون المنزلية، إلاَّ أنَّ التاجر لم يكن يحبّها كثيرًا، ومع أنَّها كانت تحبّه بعمق إلاَّ أنَّه لم يكن يلاحظها أو يهتمّ بها.

في أحد الأيّام مرض الزوج، ولم يمضِ وقت طويل حتّى أدرك أنَّه سيموت سريعًا. فأخذ يفكّر بحياته المترفة وقال لنفسه: “الآن لي أربع زوجات، ولكن عند موتي سأكون وحيدًا، وكم ستكون وحدتي شديدة”. وهكذا سأل زوجته الرابعة وقال لها: “لقد أحببتك أكثر منهنّ جميعًا، ووهبتك أجمل الثياب، وغمرتك بعنايةٍ فائقة، والآن أنا سأموت، فهل تتبعيني وتنقذيني من الوحدة؟”. فأجابته: “كيف أفعل ذلك؟ هذا مستحيل، غير ممكن ولا فائدة من المحاولة”. ثمّ مشت بعيدًا عنه دون أن تضيف أيّة كلمة أخرى. عصرت إجابتُها قلبَ التاجر المسكين بالألم كما بسكين حادّة، ولكنّه صمت ولم يردّ بشيء. فسأل التاجر الحزين زوجته الثالثة وقال لها:” أنا أحببتك كثيرًا جدًّا طوال حياتي، والآن أنا في طريقي إلى الموت، فهل تتبعيني وتحافظي على الشركة معي؟”. فردّت بسرعة: “لا. الحياة هنا جميلة، وسأتزوج واحدًا بدلاً منك”، غاص قلب التاجر في الحزن عند سماعه الإجابة وكاد يجمد من البرودة التي سرت في أوصاله. ثمّ سأل التاجر زوجته الثانية وقال لها: “لقد كنت، دائمًا، ألجأ إليك طالبًا المعونة، وكنت باستمرار تعينني وتساعديني، والآن ها أنا أحتاج معونتك مرّة أخرى، فهل تتبعيني عندما أموت، وتحافظين على الشركة معي؟”. فأجابته قائلة:” أنا آسفة. هذه المرّة لن أقدر على مساعدتك. إنَّ أقصى ما أستطيع أن أقدِّمه لك، هو أن أشيعك حتّى القبر”. إنقضَّت عليه إجابتها كالصاعقة، فعصفت بمشاعره تمامًا.

عندئذٍ جاءه صوت يقول له: “أنا سأتبعك، وسأغادر الأرض معك بغضّ النظر إلى أين ستذهب، سأكون معك إلى الأبد”. نظر الزوج حوله يبحث عن مصدر الصوت، وإذا بها زوجته الأولى، التي كانت قد نحلت تمامًا كما لو كانت تعاني من المجاعة وسوء التغذية. قال التاجر وهو ممتلئ من الحزن واللوعة: “كان ينبغي أن أعتني بك أفضل ممّا فعلت حينما كنت أستطيع”.

في الحقيقة كلّنا لنا أربع زوجات…

الزوجة الرابعة هي أجسادنا، التي مهما أسرفنا في الوقت والجهد والمال للاهتمام بها، لتبدو جميلة المنظر حسناء ، فإنَّنا لابدّ من تركها عند موتنا.

الزوجة الثالثة هي ممتلكاتنا وأموالنا ومنزلنا، التي نتركها عند موتنا، فتذهب لآخرين.

الزوجة الثانية هي عائلاتنا وأصدقاؤنا، فمهما كانوا قريبين جدًّا منَّا ونحن أحياء، فإنَّ أقصى ما يستطيعونه هو أن يرافقونا حتّى القبر.

أمّا الزوجة الرابعة، فهي في الحقيقة حياتنا الروحيّة وعلاقتنا مع الله، التي غالبًا ما نهملها، مهتمّين وساعين وراء المادّيّات من ثروة وجاه وأمور أخرى. ولكنّ الحقيقة التي لا بدّ أن نقف أمامها بصدق هي أنّ حياتنا الروحيّة هي الصديقة الوحيدة التي تتبعنا حيثما ذهبنا. إذًا، من الجيّد أن نزرعها في قلوبنا وحياتنا اليوميّة، ونقوتها بالأفعال التقويّة من مطالعة وصلاة وصوم… بدلاً من أن ننتظر حتّى نصبح في فراش الموت حيث لا نستطيع سوى أن نرثيها ونبكي عليها.

الحياة شمعة

سرعان مـا تنطفـــئ

فلنعمل، إذًا، قبل فوات الأوان

Leave a comment