في التحوّل إلى الأرثوذكسية والاستمرار فيها – 1

في التحوّل إلى الأرثوذكسية والاستمرار فيها – 1

كاهن إنكليزي من كنيسة القسطنطينية في بريطانيا

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

 

مدخل

نسمع بعض الأشخاص يتحدّثون عن كيف انضمّوا إلى الكنيسة الأرثوذكسية. ومع أنّ كل هذه الروايات مثيرة للاهتمام وقد تكون استثنائية، إلا إني أظنّ أن القصص عن كيف استمرّ الناس أرثوذكسيين مخلِصين بالرغم من التجارب قد تكون أكثر نفعاً. كما يرد في الإنجيل: “بصبركم تقتنون نفوسكم”. إلى هذا، لم أعنوِن هذا الحديث “الانضمام إلى الكنيسة الأرثوذكسية” بل “التحوّل إلى الأرثوذكسية” وهو أمر يدور بمجمله حول التغييرات الداخلية. أمّا الحفاظ على الأرثوذكسية والاستمرار فيها فهو أمر أكثر أهمية، وقد خصّصتُ له من الوقت ثلاثة أضعاف ما خصصت لموضوع الانضمام إلى الأرثوذكسية.

التحوّل إلى الأرثوذكسية

التحوّل والاندماج

لنحدد تعابيرَنا بالحديث عن بعض الكلمات التي تُستَعمَل في هذا الإطار. أولاً، هناك عبارة “مولود أرثوذكسي”، وهي عبارة لا نفع لها. لا يوجد إنسان يولَد أرثوذكسياً. كلّنا نولَد وثنيين. لهذا نحن نطرد الشياطين من ثمّ نعمّد. عبارة “مولود في عائلة أرثوذكسية” مقبولة أكثر من غيرها. من المثير للاهتمام أن الأشخاص الذين يستعملون عبارة “مولود أرثوذكسي” إذ يتنازلون يسمّون أبناء “المتحوّلين (converts)” متحوّلين. مع أن الحقيقة بحسب لغتهم الخاطئة، أبناء المتحوّلين هو “مولودون أرثوذكس”.
من ثمّ هناك كلمة “متحوّل”. عندما يقول البعض انّهم متحوّلون، أبادر إلى سؤالهم: “متحوّلون إلى ماذا؟ الفولكلور اليوناني؟ الطعام الروسي؟ الفريسية؟ الحنين إلى أنكليكانيّة أو كثلكة قديمة؟ إلى هواية التوفيقية؟ صحيح، بمعنى ما، نحن كلّنا متحوّلون دائماً لأن علينا أن نتحوّل إلى المسيح بشكل ثابت. هذا هو معنى المزمور الخمسين. النبي داود تحوّل أيضاً، تجدّد، بعد خطيئته العظيمة. للأسف، إن كلمة “متحوّل” تُستَعمَل غالباً بمعناها الدهري وليس بالمعنى الروحي.
أرجو لو أنّ الناس عندما يسمّون أنفسهم متحوّلين، أن يعنوا التحوّل إلى المسيحية (وهي المعنى الصحيح لكلمة أرثوذكسية). كما أرجو لو أنّّهم عندما يتكلّمون عن كونهم متحوّلين أن يعنوا أنّهم استُقبِلوا في الكنيسة مؤخّراً. من المحزن أنني مرغَم على الاعتراف بأن الوضع خلاف ذلك. لقد التقيتُ عبر السنوات بأشخاص قد انضمّوا إلى الكنيسة الأرثوذكسية قبل عشر سنوات، أو عشرين أو ثلاثين أو أكثر، وما زالوا متحوّلين، وهم حتّى يسمّون أنفسهم كذلك، ومنهم بعض الكهنة الذين سيموا مبتسرين.
هذا أمر فوق طاقتي، لأنه يعني أنّهم، بعد قضاء سنوات في عضوية الكنيسة الأرثوذكسية، لم يصيروا بعد أرثوذكساً، ما زالوا غير مدموجين في الكنيسة، لم ينموا بعد طبيعياً إلى الأرثوذكسية، وما زالوا لا يملكون طريقة أرثوذكسية للحياة، لم يكتسبوا بعد هذا الشعور الغريزي بالأرثوذكسية، الذي يعني أنّ الأرثوذكسية هي بيتهم الروحي وأنّها في عظامهم ودمهم وأنّهم يتنفسونها لأنّ نفوسهم أرثوذكسية. إنّهم يعانون من مرض “التحوّل” الروحي. ما زالوا مبتدئين، لم ينجزوا إلا ما أرادهم الشيطان أن ينجزوا، أي أن يكونوا غير كاملين.
قد يكون هناك الكثير من الأسباب لحالة التحوّل المَرَضي، منها أن البعض انضمّوا إلى الكنيسة الأرثوذكسية من غير أن يكون عندهم رعية، أقلّه باللغة التي يفهمونها. مثلاً، التقيت أشخاصاً أرثوذكسيين منذ أربعين عاماً لكنهم لم يشاركوا يوماً بخدمة الفصح بلغتهم، أعرف غيرهم أرثوذكسيين منذ خمس سنوات ولم يحضروا صلاة الفصح أبداً لأن لرعاياهم عشر قداديس سنوياً تُقام صباح السبت! التقيتُ مؤمنين انضموا إلى الأرثوذكسية منذ ستين عاماً ولم يعرفوا يوماً صلاة الغروب! بتعبير آخر، هؤلاء الناس لم يُعطوا الفرصة ليتعلّموا ويندمجوا. للأسف، هناك أسباب أخرى كثيرة لعدم اندماج الناس في حياة الكنيسة.

أسباب التحوّل

من حيث المبدأ، على الكهنة ألاّ يستقبلوا في الكنيسة الأرثوذكسية إلا لأسباب إيجابية، إذ هناك مَن يرغبون بالانضمام إليها لأسباب سلبية، كمثل نكاية طائفة ما أو إكليريكي ما. هذا نفساني وليس لاهوتياً، وبالتالي ليس صحياً ولا هو من الطب النفسي الأرثوذكسي.
أذكر أنّ في السبعينات، رفض الأسقف كاليستوس (وير) أن يكتب كتاباً عن هرطقات الأنكليكانية، نزولاً عند طلب بعض الأنكليكان السابقين. فهم لم يفهموا أن حافزهم للتحوّل كان مشاكلهم النفسية وردة فعلهم التي كانوا يخفونها خلف حماستهم العاطفية. رفض الأسقف أن يكتب هذا الكتاب الذي لم يكن يهمّ أياً من الأرثوذكسيين ما عدا المتحوّلين من الأنكليكانية.
عادةً، يستطيع الكاهن أن يعرف ما إذا كانت حوافز البعض للانضمام إلى الكنيسة سلبية، عن طريق مراقبة ما إذا كانوا يأتون إلى الخدم الكنسية. عادةً، الأشخاص الفائقو الحماسة الذين يحبون القراءة عن الإيمان أو التكلّم عنه أينما كانوا، هم مَن يتغيّبون عن الخدم. حماستهم فقط في رؤوسهم أو في عواطفهم، وليست في قلوبهم ونفوسهم وبالتالي ليست في حياتهم وممارستهم. من ثمّ هناك مَن شدّتهم الكنيسة عندما اكتشفوها في إحدى العطَل السنوية. هؤلاء اسمهم “ارثوذكس العطلة”. انشدادهم غالباً ما لا يكون للمسيح بل لحضارة غريبة دخيلة. فإذ تكون حياتهم مملّة، تعطيهم الأرثوذكسية شيئاً ما يحلمون به، عادةً ما يكون عطلتهم التالية في اليونان أو غيرها. مجدداً، يمكن للكاهن أن يجد بسهولة إذا ما كان اهتمامهم جدياً من خلال مراقبة مجيئهم إلى الخدم. بالإجمال، هم يتغيّبون لأنهم ليسوا في عطلة. للأسف، بعض هؤلاء استُقبِلوا في الكنيسة على يد كهنة من غير تمييز، سواء في رومانيا، روسيا، اليونان، قبرص، جبل أثوس أو غيرها. لكونهم لا يعرفون شيئاً عن الأرثوذكسية، على الكهنة فعليكَ أن تشرح لهم أنّهم، بالرغم من كونهم أعضاء في الكنيسة، إلا أنّهم لم يصيروا أرثوذكسيين بالفعل. غالباً، في مختلف الحالات، هؤلاء الأشخاص يتّصلون بالكنيسة لكنهم لا يأتون إليها بل يرتدّون قبل ذلك.
من ثمّ، هناك أشخاص يأتون مع برنامجهم الخاص، لكونهم قرأوا كلّ الكتب التي تحت الشمس لكنهم ما زالوا دون حرف الألف في الأبجدية المسيحية. فهم يأتون مع طلبات يرغبون بفرضِها! “نعم أريد أن أنضمّ إلى الكنيسة الأرثوذكسية، لكن بشرط أن تُصلَح وتتجدد”، “نعم، هذا جيد، ولكن أريد أن أضيف بعض الترانيم الغربية قبل القانون!”، أو “أنضمّ إلى الكنيسة الأرثوذكسية لو أنّ فصحها مثل فصح عمّتي سوزي الميثودية” أو “كلّ شيء كامل ما عدا أنكم تستعملون الكثير من الشموع. تخلّوا عن الشموع فأنضمّ إلى الكنيسة الأرثوذكسية”، “أكون أرثوذكسياً فقط إذا علّقتم أيقونة فرنسيس الأسيزي”، “أنضمّ إلى الكنيسة الأرثوذكسية شرط أن يصوّت الكلّ لحزب العمل الجديد ويذهبون إلى توسكاني لقضاء عطلة الصيف”. هذه ربما أمثلة متطرفة لكنها حقيقية. كلّها أمثلة عن نقص التواضع. لا ينبغي بأي كاهن أن يقبل هؤلاء الأشخاص، لسبب بسيط هو أنّهم لا يحبّون الكنيسة وسيدها المسيح ويقبلونهما.
هناك معيار واحد لدخول الكنيسة الأرثوذكسية وهو اقتناعك بأن هذا الأمر هو لخلاصك الذاتي، لبقائك الروحي، لأن هذه إرادة الله لك، لأنك تعرف أن هذا هو بيتك الروحي وأنّ مهما كان الثمن لا يمكنك أن تكون أيّ شيء آخر.

يتبع

Leave a comment