الاعتراف والكفارات في الكنيسة الأرثوذكسية

الاعتراف والكفارات في الكنيسة الأرثوذكسية

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

(عن كتاب الفكر الكنسي الأرثوذكسي)


نعرف أن القوانين المقدسة تفرض كفارات مختلفة على ارتكاب الخطايا. إنها، في الدرجة الأولى، موضوعة على الأشخاص الذين يعترفون كما في حالات ضرورية أخرى. ولكن يمكن وضع الكفارات بروح حرفية، وهذا يشوهها بشكل جوهري. بكلمات أخرى، إنْ وضعنا الكفارات في ضوء لاهوتي خاطيء كاسترضاء الله، نرتكب خطأ. ليس لما يسمى الكفارات هذا المعنى في التقليد الأرثوذكسي، إذ أنها تُفسّر طبياً وليس قانونياً.

من أجل رؤية النظرة اللاهوتية الأرثوذكسية لهذا الموضوع، يجب أن نذكر أن الكفارات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بلاهوت الكنيسة حول الخطيئة والمناولة الإلهية. بما أن الخطيئة في التقليد الأرثوذكسي ليست إساءة إلى الله إنما هي مرض، فنحن نستطيع تلقائياً أن نرى الكفارات لا كعقوبات للإنسان أو وسائل لاسترضاء الله، إنما كدواء لشفائنا. والإفخارستيا لا تُقام لأسباب عاطفية أو لتحسين أخلاقي، إنما لتأليه الإنسان. المناولة الإلهية من القدسات تعمل بطريقة مناسبة للحالة الروحية. إذا كان الإنسان في حالة التطهر فهذا يساعده على بلوغ الاستنارة، وإذا كان في حالة استنارة النوس يصبح الله نوراً له من خلال المناولة، وإذا كان في حالة التأله فيصبح الله عنده تألهاً ونوراً. إذاً، إن لم يكن الإنسان قد دخل بعد مرحلة التطهر، وإن كان لا يعيش حالة التوبة، فالمناولة الإلهية تصبح ناراً ودينونة. هذا يظهر في كل الصلوات الليتورجية التي فيها نسأل الله أن تكون المناولة من القدسات “لا لمحاكمة ولا لدينونة”. تماماً كما أن منع الطبيب لبعض المأكولات عن جسدنا لا يعني عقوبة إنما يفترض مرض الإنسان ويهدف إلى شفائه، الشيء نفسه ينطبق على الكفارات.

مثل الكثير من القوانين المقدسة، يقسّم باسيليوس الكبير الخطأة والتائبين إلى مراحل عديدة، هي الباكون، المستمعون، المتوسلون، المصالَحون، المشتركون في القدسات. هذا تقسيم من منظار شفاء الإنسان وليس من وجهة نظر التبرير القانوني واسترضاء الله. هكذا، عندما يكون الإنسان في حالة التوبة يكون للمناولة الإلهية تأثير علاجي وإلهي، لا تأثير عقابي، وتُسمَح له المناولة. وعليه، فالتائب والمعرِّف معاً يجب أن يَرَيا الكفارات والحرمان من المناولة ضمن هذا المنظار العلاجي والمحب. وإلا فالقوانين المقدسة تتشوّه تماماً، كما يتشوّه ناموس الله بصورة مماثلة.

هناك مقاطع آبائية كثيرة يظهر فيها المعنى والقيمة العلاجية للمنع من المناولة. وبالإشارة إلى الخطايا التي يرتكبها الإنسان وطريقة التوبة وزمنها، يقول باسيليوس الكبير بحكمة أننا في النهاية ” نكتب كل هذه الأمور لكي تمتحن ثمار التوبة. لأننا، في أي حال، لا نحكم على مثل هذه الأمور بالوقت، بل نهتم بطريقة التوبة”. وإشارة إلى الخطايا المختلفة، يقول مجمع قيصرية الجديدة: “طريقة عيشهم وإيمانهم يقصران المدة”. بحسب قول مميز للقديس غريغوريوس النيصصي: “إن شخصاً قد شفي ومُنع من المناولة هو، بالنسبة إلى المعرّف، تماماً مثل شخص لم يتب ولم يشفَ وتمت مناولته”. القديس غريغوريوس النيصصي يكتب بحكمة: “إذ تماماً كما أن طرح الدرر أمام الخنازير غير مناسب، كذلك هو منع الجوهرة الثمينة عن شخص أصبح رجلاً عن طريق اللاهوى والطهارة”.

المثال الذي حفظته لنا أقوال الآباء الشيوخ من حياة وتعاليم الأنبا بيمن مميز: “اعترف أخ للأب بيمن قائلاً: لقد ارتكبت خطيئة كبيرة وأريد أن أتوب عنها ثلاث سنوات. قال له الشيخ: إن هذه مدة طويلة. أجابه الأخ: إذاً، لسنة واحدة فقط؟ قال: وهذا كثير أيضاً. فقال الحاضرون: وهل يكتفي بأربعين يوماً؟ قال: وهذا كثير أيضاً. وقال: أقول لكم، إنه إذا تاب الإنسان من كل قلبه وتوقف عن الخطيئة، فإن الله يقبله حتى في ثلاثة أيام”. يظهر هذا المثل أن الحرمان من المناولة أو ما يسمى الكفارة، هو دواء علاجي يجب إدراجه في تدريب الكنيسة العلاجي.

لإتمام الموضوع، يمكننا أن نجمع أن الروح القانوني، أي النظر إلى ظاهر الناموس وحفظ بعض الترتيبات الشكلية الخارجية وإبعادها عن الجو النسكي والعلاجي للكنيسة وربطها بإجراء قضائي، هو مبدأ غربي، وبالتالي لا ينتمي إلى الفكر الأرثوذكسي. يجب أن نهمل كل مفهوم قانوني وكل محاولة لاسترضاء العدالة الإلهية. فلنفهم الخطيئة أولاً كمرض في طبيعتنا، ولنحدد المرض بظلام النوس، وفي الوقت نفسه نحفظ الناموس لكي نشفى، إلى أن نصل إلى التأله الذي هو أعمق هدف لخلق الإنسان ووجوده.

Leave a comment