المطران مـلاتـيـوس صـويـتـي

مطران العرب، المثلث الرحمات المطران مـلاتـيـوس صـويـتـي

1910 – 23 / 9 / 1983

اليان جرجي خباز

“إن من لا يدركون الأمانة والمسؤولية والواجبات الملقاة على كواهلهم ولا يفهمون معنى كلمتي ضمير وشرف، فليصمتوا على الأقل، وإلا فليتواروا من أمام وجه الشمس حتى لا يراهم الناس” (المطران صويتي)

إن كنا نتدافع بحمية وغيرة للحفاظ على تراث الإباء والأجداد، وإظهار وجه بلادنا الحضاري بإعادة الاهتمام بما خلفوه من آثار عمرانية وتاريخية، تشهد بروعة اليد العربية، فليس غريب عنا أن يكون اهتمامنا أيضاً بتراثنا الأدبي والروحي والقومي، متمماً لاهتمامنا هذا، فتراث أصحاب الفكر والقلم هو أمانة في أعناقنا للأجيال القادمة، وأفضل ما نفعله هو أن نجمعه في صفحات كتاب مطبوع كي لا يتبدد ويندثر .

لذلك أجد من واجبي ومحبتي وتقديري لتراثي الروحي والديني والفكري أن أقدم شكري الجزيل للسيدة منيرة أرملة المرحوم زخور صويتي وللأستاذ عيسى فتوح على ما قدماه من جهد وتضحية، بجمع ونشر بعض المقالات الدينية والأدبية والاجتماعية للمثلث الرحمات المتروبوليت ملاتيوس صويتي، مطران أبرشية الأرجنتين الأرثوذكسية، وإصدارها في كتاب بعنوان ” صمت وصوت ” وتوزيعه في مطلع عام 1990 .

السيرة الذاتية

1910 هو موسى ابن فارس صويتي ومريم وقد ولد في بلدة صحنايا العريقة في إيمانها ووطنيتها، وفي سنته الثالثة انتقل والده .

1921 قرر وبإلحاح شديد أن يصبح راهباً، فدخل مدرسة البلمند الإكليريكية .

1926 سيم شماساً إنجيليا على يد مطران بيروت المثلث الرحمات إيليا الصليبي .

1929 عين معلماً في الكلية الأرثوذكسية .وكتب أول مقالاته في مجلة ” منيرفا “البيروتية .

1930 عين مديراً لمدرسة أنطاكية الأرثوذكسية، وشماساً إنجيليا في كنيستها .وكتب في جريدة ” العروبة ” الأنطاكية، ونشر في مجلتي ” الحوادث ” و “الدهور ” اللبنانيتين.

1931 علم في مدرسة ” الثلاثة أقمار ” في بيروت، وانتسب عام 1932 للجامعة الأمريكية لدراسة اللغة الانكليزية.

1934 سافر إلى اليونان لدراسة اللاهوت وحصل على شهادة عالية فيه .

1939 عاد إلى القاهرة وسيم كاهناً، وعينه بطريرك الإسكندرية رئيساً لكنيسة رؤساء الملائكة بعد منحه لقب أرشمندريت تقديراً لبشارته وجهوده . وأسس “اتحاد الشبيبة الأرثوذكسية “، وأصدر ثلاثة كتب دينية، كما نشر مقالات عديدة في مجلات ” الصخرة ” و ” الراعي الصالح ” و ” رسالة الشباب “، بالإضافة إلى محاضراته وعظاته التي كانت تتعلق بالدين والأدب والاجتماع .

1948 سافر إلى أمريكا وخدم لمدة ثلاث سنوات في رعية أريزونا ـ حيث ابتنى كنيسة. وكذلك في رعية متشيغان، وكان يغذي بمقالاته المنوعة جريدة ” السمير ” التي كانت تصدر في نيويورك بالعربية .

1951 انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس أسقفاً على ايديسـا، ووكيلاً بطريركياً للمثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث طحان .

1952 كلفه المجمع المقدس بمهمة رعائية دينية في أمريكا الشمالية، فعاد منها عام 1953 بأفضل النتائج .

1954 أصدر مع شقيقه المرحوم الأستاذ فارس مجلة ” الإيمان ” الناطقة باسم البطريركية الأرثوذكسية، والتي دامت خمس سنوات، وكانت ومازالت تعتبر من أفضل المجلات، إذ شارك فيها أفضل وأكبر كتاب وأدباء دمشق آنذاك، وكان يكتب افتتاحياتها .

1955 انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس بإجماع الأصوات مطراناً على الأرجنتين، وكان أول مطران يعين لتلك الأبرشية .

1956 قام رئيس الوزراء السوري سعيد الغزي بتقليد سيادته وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، تقديراً لما قدمه لرعيته ولوطنه من خدمات .

1956 وبعد استلامه أبرشيته أسس فيها ” اتحاد الشبيبة الأرثوذكسية “، ليتبعه في عام 1958 بتأسيس ” جمعية القديس جاورجيوس للسيدات الأرثوذكسيات “، والتي قامت ببناء المقبرة .

1964 أسس ندوة الأدب العربي في الأرجنتين، وظل عميداً لها حتى عودته إلى أرض الوطن.

1968 انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس مندوباً مجمعياً مفوضاً ومنحه الصلاحية الشاملة لحل مشاكل الطائفة الأرثوذكسية بسبب مرض المثلث الرحمات البطريرك ثيودوسيوس السادس فأدار شؤون الطائفة بحنكة ودراية، وخلال وجوده في دمشق كان يترأس جلسات ” اللجنة الأرثوذكسية لإغاثة النازحين ” والتي بإرشاداته كانت تقوم بتقديم المساعدات النقدية والعينية للنازحين إثر حرب 1967، وكانت تتألف من السادة : جرجي خباز، جرجي مدري، توفيق أبو سمرة، أنطون كردوس، شحادة أبو عسلة، وليم أسطفان، خريستو جنان، شحادة الخوري، بطرس أبو شعر، وكان يشارك في ترأس ” اللجنة المسيحية الموحدة لإغاثة النازحين”، وكانت تتألف من السادة : جرجي خباز، أنطون كردوس، جورج عبسي، أنطون زينية، متري حجار توفيق أبو سمرة، إميل شكور، خريستو جنان، شحادة الخوري، خليل شنيارة، أنطون لكح .

1976 احتفلت الجالية العربية بجناحيها الإسلامي والمسيحي في الأرجنتين مع أبناء رعيته باليوبيل الفضي لأسقفيته، واليوبيل الذهبي لكهنوته باحتفال رائع ومهيب .

1981 أقامت له الجالية العربية حفلة وداع كبيرة بمناسبة عودته إلى أرض الوطن الذي كان يهواه، وتكلم فيها أربعة عشر خطيباً ودبلوماسياً بالعربية والإسبانية، وبينوا في كلماتهم ما لسيادته من الأعمال المحمودة .

1982 عاد في أوائل آذار إلى أرض الوطن نهائياً ليرتاح من أعباء الشيخوخة والمرض، إلا أن هموم أبرشيته كانت معه في كل لحظة.

1983 وعلى رجاء القيامة والحياة الأبدية انتقل سيادته في 23 / 9 إلى الأخدار السماوية، ودفن في مقبرة الطائفة الأرثوذكسية في دمشق .

1983 تشكلت لجنة من أصدقائه ومحبيه (وما أكثرهم) الذين حاول أن يؤسس وإياهم ندوة الأدب العربي في دمشق، ودعت لإقامة حفل تأبيني لسـيادته في مبنى الثانـوية الأرثـوذكسـيـة ” الآسـية ” بدمشق، حيث أقيم فيها وتكلم فيها العديد من الخطباء والشعراء وتألفت هذه اللجنة من السيدات والسادة: عيسى فتوح، توفيق لويس، نصري الجوزي، جورج عويشق، يوسف سمارة، زهير فرح، كوليت الخوري، نهاد فرح خوري، يوسف عبد الأحد، الياس غالي، صبحي زخور، ناظم صويتي .

نشاطاته ومؤلفاته وأعماله

كما أسلفنا فإنه قام مع شقيقه الأستاذ فارس صويتي بتأسيس مجلة ” الإيمان ” في دمشق عام 1954، وكان من مؤسسي جمعية خريجي المدارس الأرثوذكسية الدمشقية في 7/9/1929، وأسس نادي الفنون الجميلة في أنطاكية عام 1930، كما أسس اتحاد الشبيبة الأرثوذكسية في القاهرة وفي الأرجنتين، وأسس ندوة الأدب العربي في الأرجنتين.

وقد ألقى الكثير من المحاضرات، وكتب العديد من المقالات الدينية واللاهوتية والأدبية والاجتماعية والتاريخية في مجلات : منيرفا والمعرض والدهور والحركة والنور في بيروت، والصخرة والراعي الصالح وخبز الحياة ورسالة الشباب في مصر، والإيمان والنعمة في دمشق، واليقظة في حلب .

كما كتب في جرائد : الحوادث في طرابلس، و ألف باء في دمشق، و النهار في بيروت، و المقطم في القاهرة، و مرآة الغرب و السمير و السائح في نيويورك، و السلام و الجريدة السورية اللبنانية و الإتحاد اللبناني و الاستقلال في بونس آيرس، و الأنباء في سان باولو .

ألف كتاب “المدائح”، وكتاب “المختصر المفيد في خدم أسبوع الآلام والفصح المجيد” وكتاب “مصباح المؤمن”، وكتاب “مختصر التعليم المسيحي الأرثوذكسي “، كما نشر عدة فصول من كتاب “تاريخ الأدب المسيحي” في مجلة الراعي الصالح، ومن كتاب “يسوع الناصري” الذي ترجمه عن اليونانية في مجلة الصخرة، وترجم كتاب “هكذا تكلم يسوع” عن الإسبانية عام 1973، وهذا الكتاب ترجمه عن الايطالية رامون زامبيلي وكاتبه هو جوان البانيسه، و صدر عن منشورات ” السائح ” في طرابلس ـلبنان عام 1985.

شجع وأذن بنشر العديد من الكتب الأرثوذكسية باللغة الإسبانية، كرس عدة كنائس، وعمل على تأسيس كنائس جديدة، وأشرف على إصلاح بعضها، وأنشأ مدرستي حضانة، وميتماً للذكور، وأسس مدارس التعليم الديني، ومدارس لتعليم اللغة العربية، ورسم أربعة رجال دين من أصل أرجنتيني، وكان سيادته يتقن التكلم والكتابة باللغات : العربية، الفرنسية، الإنكليزية، اليونانية، الإسبانية، ويلم باللغتين الألمانية والتركية .

صمت وصوت

ماذا أنقل عن الكتاب ومن مقالاته، والتي تشعر عند مطالعتها وكأنها كتبت في هذه الأيام، رغم السنوات الطويلة التي تفصلنا عن يوم كتابتها، فهو رسالة أدبية مزركشة بعطور.

“ندوة الأدب العربي” في الأرجنتين، عربية القلب واللسان، والتي جمعت ذاتها حسبما قال الأستاذ الياس قنصل “وبيته، دار المطرانية، هو دار العروبة التي تعقد فيها الاجتماعات من أدبية واجتماعية وقومية “.

إن “صمت وصوت” صورة مشرقة عن صاحبه ” البلبل الغريد والمرتل الكنائسي الفريد ” وهو ” ليس من رجال اللاهوت فحسب ولكنه من رجال النهضة العربية الصحيحة “، ومقالاته عن القدس وبيت لحم وأناشيدها وأعياد الشعانين والقيامة في ربوعها، مسطر فيها إيمانه الديني، وبين سطورها انتماؤه العربي القومي ” حين يفتح الجيل الجديد عينيه، ويسأل عن أعلام النهضة ورجال الوطن، فسيذكر فقيد العروبة والوطن المتروبوليت ملاتيوس صويتي، سيذكره في مقالاته وبحوثه وجهاده وإخلاصه لوطنه، وسيرى فيه الصورة الفاضلة لكل رجل وفيّ مخلص “كما كتب الشيخ تيسير الباري .

وبالإضافة إلى بعض مقالاته التي تم نشرها في الكتاب، كان هناك فصل عن بعض الكلمات التي قيلت في حفل تكريمه وحفل تأبينه، من نثر وشعر، ومنها ما نشرته جريدة حمص بعددها رقم 1553 تاريخ 30/ 9 / 1983، أي بعد أيام من انتقال سيادته، نقلاً عن لسان البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم حيث قال ” عندما أتيت أنا وكيلاً بطريركياً، قيل لي : ليتك تتبع الطريق التي اتبعها المطران ملاتيوس فترى كل الناس أصدقاء لك … في قلب المطران ملاتيوس كان كل إنسان أهلاً للمحبة، وكل إنسان أهلاً للغفران …عرفته في المجمع المقدس يتكلم بلسان الروح القدس ليقول الكلمة … عرفته هادئاً، لطيفاً في حديثه، أنيساً … كان يتحداني في كل مظهر مؤدب يلجأ إليه … كان صفو النسيم العليل في المجمع المقدس وفي حياته ” .

وقال غبطته كذلك حين زيارته بونس آيرس ” كان سيادة المطران صويتي الإكليريكي الوحيد الذي يبتسم لنا نحن تلاميذه يوم لم يكن الإكليريكي يعرف الابتسام ” مثلما نقلت عنه السيدة دلال كباس والتي كتبت : ” فتح سيادة المطران صويتي قلبه للجميع، فأحبهم وأحبوه، وفتح منزله فغدا بيتاً لأي جماعة تصمم على القيام بعمل وطني أو خيري أو أدبي، وأطلق عليه البعض لقب مطران العرب، مدلين إلى الروح النبيل الذي يسمو به عن كل حزازة أو تمييز طائفي” .

وأما الأستاذ عبد اللطيف يونس فكتب : ” من تعاليم المعلم استقى تعاليمه، ومن روح الإنجيل تسلسلت روحه، ومن طريق الجلجلة اشتق طريقه، لم يكن المطران صويتي إنسانا عادياً، ومن المحال أن يكون الناهل من روح القدس إنسانا عادياً “.

وأما الأستاذ سامي القادري فقال : ” إن سيادة مطراننا الجليل ليس هو مطران الطائفة الأرثوذكسية الشقيقة فحسب، بل هو الأب الروحي والراعي الصادق للجالية العربية جمعاء في هذا المهجر الكريم، فنشاطه الوطني وجهوده الصادقة لرفع شأن الجالية وإعلاء كلمتها، وتوحيد صفوفها والمحافظة على لغتها معروف في جميع أوساطنا، وجمعياتنا ونوادينا” .

وخير نهاية لما تقدم فإنني أورد ما قاله الأستاذ الياس قنصل في قصيدته ” مطران العرب ” :

يا أيـها الجســر الذي يـرعى بنـدوتـنــــا الأدب

أرضيـت بالخـلق النبـيل وبالتقـى دنـيــــا ورب

ورصدت للوطن المجـرح من جهادك ما وجب

ومنـحت من لجـت بـه البـلوى شـعور أخ وأب

ما أنت مطران النصارى أنت مطران العـرب .

مكتبة المطران صويتي

مع عودة سيادته إلى دمشق، انتقلت معه مكتبته العامرة، وكان لي شرف مساعدته في فتح بعض أغطية الصناديق الخشبية، ولا يستطيع قلمي أن يصف ما تملكني من شعور فرح غامر وأنا ألمس بيدي تلك الجواهر الأدبية والدينية التي لا تقدر بثمن .

وبعد انتقال سيادة المطران ملاتيوس قامت عائلته بتقدمة كتبه، فقدم قسم منها إلى مكتبة الأسد، وقسم ضئيل إلى كنيسة الصليب المقدس حيث وضعت في مكتب عمدة وآباء الكنيسة في مكتبة تليق بها وبصاحبها، والقسم الآخر قدم إلى كنيسة النبي الياس في البلدة التي ترعرع فيها فضمته مكتبة صالون الكنيسة، وأما القسم الأكبر فاحتل مكاناً مرموقاً في متحف دير سيدة صيدنايا .

وهنا أجد نفسي ملزماً، وللتاريخ والذكرى بنشر ما أعلمتني به المثلثة الرحمات عمتي الراحلة كاترين أبي حيدر رئيسة دير السيدة المقدس وبحضور السيدة أليس خزام، من أن هناك من يطالبها بإفراغ الخزائن التي فيها الكتب ! لذلك فإنني أرفع دعائي وابتهالي وندائي إلى الحاجة الأم كريستينا باز رئيسة دير صيدنايا، بأن تحافظ على الوديعة والأمانة والكنز الأرثوذكسي الذي في ديرها، وإن سمحت لي بالقول،إذا اضطرت لإخراج الكتب من المتحف، فلتضعها في غرفة خاصة تليق بهذا التراث الديني ولتكون مكتبة لكل مراجع.

وهنا أيضاً لا أستطيع إلا أن أرفع شكري مجدداً لروح ذلك الإنسان الذي زرع في نفسي حب الوطن وعشق اللغة العربية وآدابها في مرحلة دراستي الابتدائية، فتأصلت في داخلي فلهج بها لساني، وسطر بها قلمي، شكري محاطاً بباقة فل وياسمين دمشقي، أقدمه لروح الأستاذ المربي المرحوم فارس صويتي ـ شقيق راحلنا الكبير ـ فتلك البذور الخيرة أنبتت وأينعت.

سيدنا ملاتيوس : شكراً لك من قلب مفعم بمحبتك، ومن نفس ظمئ لتعاليم سيدك، فرسالتك الدينية والأدبية ستبقى حية فينا، وذكراك مزروعة في قلوبنا .

ملاحظة : كتب هذا المقال قبل انتقال الحاجة كريستينا باز رئيسة دير سيدة صيدنايا .

Leave a comment