المغبوطة زينا التي في فيتلوغا

المغبوطة زينا التي في فيتلوغا

نقلها إلى العربية بتصرف الأب اثناسيوس بركات

وُلِدت المغبوطة زينا (زينايدا غريغوريافنا ماتروخينا) في فيتلوغا سنة 1877 من عائلة تتعاطى التجارة. عند موت والدها المبكر، عانت العائلةُ من شظف العيش والعوز المادي للمرة الأولى. لكن ذلك لم يكن شيئاً مقارنةً بما سيأتي لاحقاً.

بعد الثورة مباشرة، صودِرت كلُّ الممتلكات ووصلت العائلة إلى حد الفقر. وقد قبلَت والدةُ زينايدا هذا الصليب بكل خضوع. سيدةُ الأعمال التي كانت، مرةً، موسرة، صارت الآن تمشي منتعلةً حذاءً من اللباد، شبه حافية، وفي ثياب رَثَّة؛ لكنها لم تكن مُثبَطة العزيمة. في فصل الشتاء، غالباً ما كانت تذهب إلى عائلة غولوبيف التَّقية، في فيتلوغا، وتجلس لترتّل المزامير. كانت ألكسندرا غولوبيف تنظر إليها وتفكر في نفسها: “نحن نعيش في استياء من كلّ شيء، أما هي فتسير شبه حافية، شتاءً، وترتِّل المزامير”.

على مثال والدتها وبتدبير إلهي عاشت الإبنةُ زينايدا على المنوال نفسِه. كانت الطِّين يغمرها وترتدي أسمالاً بالية والقمل يغطّيها، وكانت تقول: “هذا ما أمرتني به أمي أن أفعله. أما قملي فهو لا ينتقل إلى أحد سواي”.

كان الناس يتجنّبون استقبالَها في بيوتهم بسبب عدم عنايتها بنفسها، أما الذين كانوا يستقبلونها فكانوا هم أنفسُهم فقراء. إحداهم كانت ماريا ألكسندروفنا التي عاشت في فقر مُدقِع. أما المغبوطة ستيبانيدا فيتلوغا فقد أخبرتها بأن الدِّماء سوف تغطّيها عند موتها. لهذا السبب كانت تخاف من أن تؤجّر أحداً عندها.

يعيش المتبالهون من أجل المسيح بطريقة غريبةً، أما دوافع هذا التَّصرُّف فلا يمكن أن نفهمها. فهُم يَحيَون في فاقة، ويَقبلون الصَّدقات، لكنهم لا يحتفظون بها لأنفسهم. فزينايدا، مثلاً، كانت تجلب كلَّ صدَقاتها إلى مصرف التوفير. كانت تقول: “أعطوا ما لقيصر لقيصر” (متى22: 21)، “هي آتية من العالم وتعود إليه”. هناك، كان المال يوضع. لم تكن تُعطي أيَّ شيء لمالكة المنزل ماريا ألكسندروفنا. كانت المالكة تشتكي للزّوّار قائلة: “أرجوكم اطلبوا من زينا ان تدفع بدلاً أعلى لإيجار سكنها. إنني لا أملك شيئاً يكفيني لشراء الحطب. فأنا أضطرُّ أن أَجمع الحطب اليابس بنفسي من الغابة”.

أما زينا فكانت تقول: “سأدفع أكثر، يا ماريا ألكسندروفنا، سأدفع أكثر. خمس روبلات سنوياً”.

فكانت ماريا ألكسندروفنا تستشيط غيظاً قائلة: “وما قيمة هذا بالنسبة لك، يا زينوشكا؟ هل خمس روبلات مبلغ كبير من أجل سنة كاملة؟”.

أما زينا فكانت تُعيد القول: “سأدفع أكثر، يا ماريا ألكسندروفنا. خمس روبلات سنوياً”.

في نهاية حياتها الكثيرة التّجوال، فقدت المغبوطةُ حتى هذا الملجأ. حصل الأمر على هذا الشكل: مرةً، ذهبت ماريا إلى اللجنة الطبية. كانت تأمل بالحصول على راتب تقاعدي لمرضها. لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار كون الأطبّاء ملحدين، فعندما رفضت خلعَ ثيابها، حَياءً، بدأوا بالتنكيل بها وانتهى بهم الأمر إلى طردها. كانت جد مضطربة حتى أنها، في طريق عودتها للبيت، لم تسمع صوت القطار أثناء عبورها السّكة الحديدية.

وهكذا تحقّقت كلماتُ المغبوطة، إذ وقعت ماريا ألكسندروفنا تحت القطار وماتت بسبب النزيف.

قبل موتها بعدة أشهر، كانت زينا تمشي حول المدينة وتسأل الناس قائلة: “دعوني أمكث عندكم”.

لكن الجميع كان يعلم بأنها لم تكن تدفع إيجارها وهي قذرةُ الثياب، لذا لم يسمحوا لها بالبقاء.

وهكذا ماتت دون أن يكون لها ملجأ من هذا العالم. عانت من نزلة برد، وبعد ثلاثة أيام، في 27 أيار/ 9 حزيران، سنة 1960، رقدت. دُفنت في المدافن الجديدة. أبناء فيتلوغا لا يزالون يكرّمونها حتى هذا اليوم.

From New Confessors of Russia by Igumen Damascene Orlovsky (St. Herman Press, 1998).

 

Leave a comment