كيف يكون الله في قلب الإنسان

كيف يكون الله في قلب الإنسان

القديس نيكولا فيليميروفيتش

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

من رسالة إلى جندي في كتيبة الطلاّب


لقد سألتَ أحدهم: “أين الله؟” وكان الجواب إليك بأن الله في داخلك. ولقد اندهشتَ من الجواب. كيف يمكن ذلك؟ إنّه مثل ضوء في غرفة أو مثل النار في موقد. عندما تكون قادراً على الإحساس بالله في داخلك، سوف تشعر وتعرف بأنّه هناك، لكنك لن تكون قادراً على شرح ذلك لشخص آخر. لكنك سوف تبحث عن صور في الطبيعة ومن ثمّ سوف تخبر الآخر كما أكلّمك الآن: الله في داخلك مثل النور في غرفة، أو مثل النار في موقد، أو مثل الهواء في الرئتين، أو مثل الحياة في كل خليقة، أو مثل القوة والمحبة والفكر في كل إنسان. بالطبع، هذه مجرد صور وتشبيهات ولا يمكن لها أن تعبّر عمّا يشعر به الإنسان عندما يسكن الله بملئه فيه. رسول الله وابونا الروحي بولس يتمنّى للمؤمنين بأن يمتلئوا من ملء الله (أفسس 19:3). يعمل الله من داخل الإنسان بطريقتين: بأن يعِين وأن يحكم.

عندما يعين، يعمل الله في الإنسان صاحب الإيمان المتوسط أو الضعيف، الذي يذكر الله بين الحين والآخر ولا يحفظ وصاياه إلا جزئياً. لا يتخلّى الله عنه لأنه هو لم يتخلَّ كلياً عن الله. من جهة أخرى، يحكم الله في الإنسان صاحب الإيمان العظيم، الذي فتح أبواب نفسه على مصراعيها لخالقه. مكتوب “إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي” (رؤية 20:3). إنسان مثل هذا لا يتّكل على نفسه أبداً بل فقط على القدير. إنه يحسّ بحضور الروح القدس وعمله داخل نفسه فمحبته لسيده كبيرة. وقد وعد المسيح أن الذي محبّ الله بأن يأتي إليه ويسكن فيه.

“إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً” (يوحنا 23:14). لن تكونوا قادرين على فهم هذا الكلام إذا نسيتم أن الله هو روح، قادر على أن يدخل في كل شيء ويكون في كل مكان، بحسب قدرته ومشيئته. إنه أسمى من كل مادة، كما الشمس أعلى من الأرض أمّا نورها فيمكنه أن يتسلل إلى داخل كل شيء. كما يقول الرسول: “إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ” (أفسس 6:4). إنه يكتب هذا الكلام للقديسين والمؤمنين.

لكن عندما يرفض أحدهم الله وتبدأ الأفكار البشعة تراوده والكلام ضد الله، يقوده الله أيضاً. الأمر شبيه بمَن يغلِق نوافذ الغرفة ويمنع النور من الدخول وإنارتها. فقد قال نبي الله صموئيل للملك شاول المتشبث برأيه  “لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ، رَفَضَكَ الرَّبُّ” وغادر روح الرب صموئيل. ولكن حتى لو تخلّى الله عن نفس إنسان عنيد، فهو لا يكف عن العمل عليه من خارج، بالطريقة التي يعمل فيها على الماء والحجر والخشب. وإذا تمسّك إنسان بعناده وقاوم الله إلى النهاية ورفض أن يتوب فالله يسمح للروح الشرير بأن يدخل فيه. كما هو مكتوب عن شاول عندما هجره روح الله “وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ، وَبَغَتَهُ رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ” (1صموئيل 14:16). أو الأسوا المكتوب عن يهوذا الخائن “دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ” (يوحنا 27:13).

هؤلاء الأشخاص الذين يقومون في وجه الله بالطبع لا يمكنهم أن يشعروا بالله في داخلهم أو أن يقولوا: “الرب في داخلنا”. وأولئك الذين يحبون الله ويتوقون إليه ويعاينونه ويتضرعون إليه ليأتي، فهم يشعرون به في داخلهم ويمكنهن أن يعلنوا: “الرب في داخلنا بروحه القدوس”. طوبى لتلك النفوس اللامعة، لأنها سوف تسود دوماً في ملكوت المسيح، كما وعد الرب أحباءه قائلاً: “وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ” (يوحنا 3:14).

Leave a comment