فضيلة العفة
الأرشمندريت كاسيانوس عيناتي
ما هو المعنى اللاهوتي للعلاقة الجنسية ضمن الاتحاد الزوجي الشرعي وخارجه؟
العلاقة الجنسية هي الحجر الأساسي الذي يظهر ويثبت مدى التزامنا بالإخلاص للعهد الذي قطعه الله مع شعبه. وبها تظهر نوعية هذه الأمانة وصدق العهد. والملاحَظ من كلام السيد عن العزوبية الإختيارية: “ما كلّ أحدٍ يحتمل هذا الكلام إلا الذين وُهِب لهم. لأنّ من الخصيان مَن ولدوا كذلك من بطون أمّهاتهم ومنهم من خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السمماوات. فمن استطاع أن يحتمل فليحتمل” (متى 19: 11-12). هناك في الكنيسة دعوتان، ليس دعوة للكهنوت ودعوة للعلمنة، وإنما هناك دعوة للعزوبية المقدّسة وأخرى والأخرى الإتحاد الزوجي المبارك. وبالرغم من تفضيل الكثير من آباء الكنيسة البتولية على الزواج، إلا أن في اللاهوت الأرثوذكسي تساوياً في العطاء بين الدعوتين من الناحية الروحية يقود كلاً من الإنسان الراهب والمتزوّج إلى الهدف الأسمى، الذي هو الخلاص. الكنيسة تدعو العازبين والرهبان إلى أن يتمكّنوا بنعمة الروح القدس من تغيير (أو تبديل) الشهوة الجنسية الكامنة فيهم إلى حب صادق، والغريزة إلى صفاء. أمّا المتزوّجون فتدعوهم إلى تحويل شهوة الحب نحو حبٍ صافٍ بلا هوى، نقيّ ومقدّس، ومقدّم بحرية إلى الزوج والأولاد. ويقول المغبوط باييسيوس الآثوسي إثر حادثة سرية عاشها في دير سيناء: “إن القديسين يواكيم وحنة كانا في كمال الروحانية بدون أي فكر شهواني. كان يواكيم قد بلغ رتبة اللاهوى وحنة كانت تذرف الدموع بالصلاة الحارة وعندما التقيا كزوجين حصل لقاؤهما طاعة لله وليس عن لذّة جسدية تدغدغ جسديهما، وطبعاً هذه حالة نادرة جداً ولكنها مُستطاعة، ولأنّ اللقاء الزوجي كان بدون لذّة شهوانية – لأنهما سبقا فقدّسا شهواتهما – كان الثمر هو الفتاة الكليّة القداسة والنقاوة. لم تكن المولودة منعتقة من الخطيئة الجدية لأن الحبل بها كان حبلاً طبيعياً كباقي البشر ولكن في حالة من اللاهوى الكامل للزوجين”. وهذا ما يؤكّده الشيخ كإعلان إلهي كشفه الله له وليس مجرّد أفكار تقوية. فيقول: “لقد عشت الحدث”، ولكنه يصمت عن تفسيره. فهذا شيء نادر جداً ولكنه معقول. فالعلاقة الجنسية تتمتّع بمعنى عميق روحياً ولاهوتياً تماماً كالبوتقة، وكما يصارع النساك ليسموا إلى العلاء بالطبيعة البشرية الساقطة.
والتقاليد الرسولية تدين “الخطايا الجسدية” معتبرة إياها معيقة للارتفاع والسمو نحو ملكوت السماوات الذي يسلكه المتعففون بعد أن يكونوا قد تخطّوا ذواتهم بعيداً عن الأنانية والحاجات الذاتية وتوجيه كل طاقاتهم الجنسية وتسخيرها طاقة للسمو والارتفاع نحو الله. وهذا يتماشى أيضاً مع الحياة الزوجية الشرعية التي لها أيضاً مفهومها في مسلك العفة حيث يوجّه الزوجان اهتمامهما الأول لله ويجسّدانه بحبّهما المتبادل لعائلتهما في جو من السلام والتقوى الزوجية وفرح الملكوت. أما العفّة عند المتبتّلين فهي دعوة سامية ونادرة تعكس أولاً الطهارة الشخصيّة والخروج من الذات الأنانية والأمانة نحو الله، إله السيدة مريم الكلية الطهارة والدائمة البتولية. هذه الدعوة هي دعوة كنسيّة بما تعكس من تكريس للذات والاتحاد الكامل مع الكنيسة للمحافظة على العهد الذي يقطعه المتبتّل في أن يكون لله وحده، وهذا مستطاع إلى حدٍ ما عند الناس إن عرفوا – أكانوا عازبين أم متزوجين أم رهباناً متوحدين – أن الهدف هو واحد ألا وهو المكوث في الخدر الذي يزيّنه الحبيب الواحد يسوع المسيح في رباط أبدي لا يفسخ ولا ينتهي، في عرس الحمل الذي هو العروس والذبيحة معاً. (رؤيا 9، 192، 2117، 22).