X

بحث في التراث الأرثوذكسي

الطهارة في الزواج

الميتروبوليت أفرام كرياكوس

 

كما في كلّ موضوع، كي يتكلم أحدنا عن الطهارة في الزواج، لا بدّ أن يكون هناك مقياس. هذا يعني أنّه قبل الدخول في الموضوع أو التحاور فيه لا بدّ أن نذكر على أي أساس نحن نطرح هذا الموضوع، وعلى أي أساس نحن نعالجه ونجد الحلول لكلّ ما يعترضه ويؤدّي إلى عدم الطهارة.
في المسيحية، في الكنيسة، معروف أن المقياس هو المسيح، والذي يعرف هذه القاعدة لا يضيع في أي موضوع يتطرّق إليه، خاصة في المواضيع الأخلاقية المسيحية.
الكنيسة المسيحية، استناداً إلى الكتاب المقدس وحياة القديسين، لها وجهة نظرها الخاصة في ما يتعلّق بأمور الإنسان وحياته على الأرض. ليست الكنيسة مرتبطة بما يُدعى علم الأخلاق، يعني هي تُرشد علم الأخلاق – الأخلاقيات – لأنه فيها المنبع للأخلاق. لا تفرض القواعد العلمية للأخلاق مقياسها على الكنيسة، يعني بإختصار قبل تفصيل الموضوع، إذا كان الزوج ( المرأة والرجل، إذ بلغتنا، هذا التعبير الجميل قد يعني أحد الشريكين والشريكين معاً) فعلاً عائشاً حياة تُرضي الرب فحياته تكون طاهرة. هذه خلاصة الموضوع بالنسبة للمؤمن: الإنسان الذي يعيش بإنسجام مع وصايا الرب ينتج عن حياته كلّ خير بما فيه الطهارة.
لنعدْ في تفصيل الموضوع إلى نقطة البداية حيث لا بد أن نتذكر شيئاً عن الزواج المسيحي. الموضوع ليس الزواج المسيحي ولا أريد عرض هذا، لكني أريد التذكير والتوضيح، استناداً إلى الكتاب المقدس، بالعلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة، خاصة من رسالة الزواج – الإكليل – التي تسمعونها كثيراً وهي رسالة مشهورة (أفسس22:5-33). هذه الرسالة بالرغم من تناقضها ظاهرياً فيها تعليم كبير، وهي طبعاً من نبوغة بولس الرسول وعبقريته إذ يصف العلاقة بين الرجل والمرأة مشبهًا إياها بنفس الوقت بعلاقة المسيح والكنيسة، وبهذا التشبيه يضع قاعدة أساسية، ليس فقط بين الرجل والمرأة بل أيضاً بين الإنسان وأخيه، وأكثر من ذلك يضع العلاقة الصحيحة بين الإنسان وخالقه، الله. كيف يكون ذلك؟
يقول في الرسالة: “أيتها النساء اخضعْن (هذه تسمعونها كثيراً)، لرجالِكن كما للرب، لأن الرجلَ هو رأسُ المرأة كما أن المسيح أيضاً هو رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد، وكما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن ولا وسخ أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدّسة بلا عيب. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم، من يحب امرأته يحب نفسه، فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه، كما الرب أيضاً للكنيسة لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون الإثنان جسداً واحداً، إن هذا السر لعظيم ولكني أقول من نحو المسيح والكنيسة، أما أنتم الأفراد فليحب كل واحد امرأته كنفسه أما المرأة فلتهب رجلها” (أفسس21:5-33).
الشرح في هذه الرسالة طويل، ولكن ما يهمّنا بالنسبة لموضوعنا، هو أنّ في بعض الجمل الأساسية شيء من الثنائية: هناك تصرّف يقابله تصرّف آخر. الأول حسب ترتيب الرسالة يأتي من المرأة نحو الرجل، وهو شيء من الطاعة، والتصرف الآخر الذي يقابله ويبادله هو المحبة. التصرّف الأول الطاعة للرجل وكذلك محبة الرجل للمرأة تكون على صورة تصرف الكنيسة للمسيح الذي هو رأس الكنيسة رأس الجسد، ويقابله تصرّف المسيح اتجاه الكنيسة الذي هو تصرّف محبة إلى أبعد الحدود لأنه يقول: وأسلم نفسه من أجلها كما فعل المسيح من أجلنا.
تسري في الكنيسة هذه القاعدة، هذا التبادل أو هذه العلاقة، على الرجل والمرأة، كما تسري على العلاقة بين إنسان وآخر. يعني: في أيّ مؤسسة أو أيّ شركة، مثلاً في الجيش، يطيع الإنسان رئيسه والرئيس يقابل هذه الطاعة بتسليم نفسه بمحبة كبيرة. هذا يسري أيضاً على العلاقة بين الإنسان والربّ، الإنسان الذي يطيع وصايا الرب، يبادله الرب بإعطاء نفسه وحياته. هذا شيء واضح نوعاً ما. هذا قانون جرّب الرسول بولس التعبير عنه بالطريقة التي تلائم عصره، ولكنه كما يقول النص في النهاية هو سرٌّ عظيم “وأقوله بالنسبة للكنيسة والمسيح”. يعني أنّ تفسيرنا وإيضاحنا لهذه العلاقة لا يكتمل، فهي بشرية أو إلهية كانت فإنّ موضوعها سر وحقيقة كبيرة عميقة لا نستطيع أن نسبر أعماقها، ولكن عندنا فيها نور وضوء: مَن يتنازل أمام الآخر يستدعي هذا الآخر لأن يعطيه من نفسه وحياته، وهذا ما يعطينا الصورة الصحيحة للعلاقة،طبعاً هنا بين الرجل والمرأة.
هناك تفاسير للآباء القديسين لهذا النص، والتفاسير كثيرة. ولكن ما هو أكيد في كل هذه التفاسير أن هذا النص مرتبط بسفر التكوين حيث يوجد فيه نفس الجمل الواردة في هذا النص الذي مثلاً يتبع خدمة الأكاليل ويتبع الأفاشين يرى أن هذه الأفاشين فيها جمل طبق الأصل من سفر التكوين، عندما يقول لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه يقول عن المرأة هذه هي من لحمه ومن عظامه، ولهذا دُعيت امرأة لأنها من الرجل أُخذت ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته فيصيران جسداً واحداً وما جمعه الله لا يفرّقه إنسان” (تكوين23:2-24 ومتى5:19).
هذه هي إن أردتم الصورة الرئيسية للزواج المسيحي: العلاقة بين الرجل والمرأة، أنها هي لحم من لحم وعظم من عظامه وهي من الرجل أُخذت. وبسبب هذه الجمل يقول الآباء أنه هكذا شاء الرب في ترتيب الخلق أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة على هذا الشكل، لأنه خلق الرجل أولاً وأخذ ضلعاً من أضلاعه وأبدع منه امرأة فقال هذه امرأة أُخذت من لحمك ومن عظامك أي أنه في الأصل الإثنان هما واحد، وحتى يبقى الإثنان واحداً لا بد أن يكون هناك التصاق في كلّ شيء، محبةٌ تفاني وتضحيةٌ في كلّ شيء، المسألة دقيقة: هناك ثنائية بين الطاعة والمحبة، لا تقتصر على طاعة المرأة للرجل ومحبة الرجل للمرأة عندما يصيران جسداً واحداً. يسري المفعول على الاثنين إذ صارا جسداً واحداً فلا يعود يُعرَف من يطيع الآخر ومن يحب الآخر أكثر. ولكن كلّ هذا لا ينفي الترتيب الذي شاء الله أن يضعه منذ البدء.
الآن نريد أن ننتقل إلى هذه العلاقة ضمن الطهارة. من المؤكد أنه يمكن أن نكرّر ما قلنا سابقاً: إذا كانت هذه العلاقة صحيحة مبنية على هذا الأساس فالرجل والمرأة يعيشان في طهارة دائمة، طهارة لا تتعلق بقضية الأخلاق أو اللاأخلاق. إذا كانوا يعاشرون بعضهم أو لا أمر يتعلق بمدى اتفاقهم فعليًا في الطاعة والمحبة.
هنا لا بد أن نقدّم ملاحظتين:
الملاحظة الأولى تختص بالسؤال ما هو الدنس؟
الدنس هو عدم الطهارة والخطيئة. أن يكون الإنسان طاهراً أو أن يكون غير طاهر، أي متى يكون دنِساً أو غير دنس، هذا شيء مهم كثيراً بالنسبة للإنسان المسيحي المؤمن الذي كما قلنا مقياسه المسيح. إذاً كيف تحدد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الخطيئة؟ نقول أن الخطيئة ليست في أن أحدنا عصى وصية معينة، أي أخطأ أو عمل شيئاً ليس صالحاً. ما هو الصالح وما هو غير الصالح؟ يجوز بالنسبة لي أن يكون هذا الشيء صالحاً أما لغيري فهو غير صالح، خاصة في عصرنا إذ يوجد أشياء نعتبرها غير صالحة ونذهب إلى بلدان أخرى فيعتبرونها طبيعية.
بالنسبة للمسيحي، المقياس هو المسيح. الذي يعيش مع الرب هو الإنسان الذي يبتعد عن الخطيئة، لا يوجد أبسط من هذا: الخطيئة هي العيش بعيداً عن الله. هذا بالنسبة للاهوت المسيحي الشرقي، يعني الإنسان الذي يعيش غاضّاً النظر عن الله هو الإنسان العائش في الخطيئة.
الخطيئة كما يفسرها الآباء، مثلاً القديس اثناسيوس الكبير هي حالة الفساد الطبيعي. الفساد الطبيعي يعني أنّه عندما عصى آدم أوامر الله، ابتعد عنه ودخل في عالم جديد هو عالم الفساد. الفساد بمعنى الاهتراء. ما صار يموت، ليس فقط نفسه بل وجسده، بينما أصلاً كان في حالة أزلية لا يموت عندما كان يحيا مع الله. عدم الموت هو أنّ الإنسان الذي يعيش مع الله لا يموت. الموت هو نتيجة الخطيئة ونتيجة البعد عن الله لذلك يقول يوحنا اللاهوتي: “من يؤمن بي وإن مات فسيحيا ومن يؤمن بي وإن كان حياً فلن يموت إلى الأبد” (يوحنا26:11).
بهذا المعنى، أنه إذا مات أحدٌ عائش جسدياً يبقى حياً، هناك أناس كُثُر أموات جسدياً بينما هم باقون أحياء ونحن نطلب شفاعتهم. إذاً، الخطيئة أو الدنس هما العيش بعيداً عن المسيح. يعني: إذا عاش الرجل والمرأة مع الرب ساعة يكونان طاهرين. فالقضية ليست إذا عملوا هذا الشيء أو لم يعملوا هذا الشيء الآخر، إذا امتنعوا عن المعاشرة فيما بينهما أو لم يمتنعا، هذا موضوع رعائي دقيق لا بد أن نعالجه على أساس العقيدة. إذأً، هذه الملاحظة الأولى أحببت أن أقولها، الملاحظة حول ماهية الخطيئة وماهية الدنَس. الدنِس هو الإنسان الذي لا يعيش وصايا المسيح ولا يتبعها. يمكن أن يكون الرجل والمرأة ظاهرياً طاهرين ولكنهما لا يعيشان بموجب وصايا الرب، فهما معرّضان للدنس أكثر من رجل وامرأة ضعيفين وعائشين بخوف الله. إذن المقياس بالنسبة للدنس هو العيش بخوف الرب وبحسب وصاياه.
الملاحظة الثانية التي أريد قولها هي حول الزنا حسب تفسير الرسول بولس الرائع في رسالته إلى أهل كورنثوس. في كلامه عن الزنا، لا يواجه الموضوع أخلاقياً، بل يواجهه أيضاً من ناحية الإيمان. إذا كنا نؤمن بالرب وبوصاياه نعرف ما إذا كنا سائرين بشكل صحيح وخيّر في الزواج وفي خارجه، لأنه يقول: أجسادكم هيكل للروح القدس وقد اشتريتم بدم كريم. يعني أنّ أجسادنا (الرجل والمرأة) لم تعُد خاصّتنا طالما اعتمدنا وصرنا مؤمنين، بل صارت تخصّ الرب. لم يعد باستطاعتنا التصرّف بها على هوانا. فإذا كان المسيح جامعاً بين الرجل والمرأة، فالمسيح هو الذي يطهّرهما بسبب إيمانهما والتصاقهما بالرب الذي يغطّي ضعفاتهما. ليست القضية أنهما هما طاهران. لا أحد طاهر، ولا أحد بلا خطيئة، ولكن إذا كنا ملتصقين بالرب، أي كما يقولون بأن لدينا خوف الرب، ولدينا هذا الهاجس بأن يكون عيشنا برضى الرب في كل شيء، عندئذ يكون الرب قادر دائماً أن يطهّرنا ويبقي هذه العلاقة مقدسة بلا عيب وبلا وسخ. من هنا يتكلّم بعض الآباء عن البتولية في الزواج، الإنسان الملتصق بالمسيح يكون طاهراً وبتولاً حتى ولو تزوّج لأن البتولية لا ترتبط باللحم والدم، بل ترتبط بمحبة الإنسان للرب.
إذا أردنا أن نلخّص مرة أخرى قبل أن نعطي المجال للأسئلة والحوار نستطيع القول بأن في الزواج، أي بين المرأة والرجل، مَن يكون أميناً للمسيح يضمن عيشَه بطهارة ويضمن نجاحَه، والأمانةُ للمسيح تضمن أمانةَ الرجل للمرأة والمرأة للرجل.
يمكن الآن أن أعطي مجالاً للأسئلة بعد أن أعطيت بعض قواعد وأفكار عامة يمكن أن ننطلق منها للحوار والأسئلة.

تعليق من مدير الجلسة الأب جورج الصوري:

يعتبر الناس أنّ مَن لا يُجري علاقة خارج العلاقة الزوجية المعروفة هو طاهر، أمّا الذي يجري علاقة خارج العلاقة الزوجية المعروفة فهو غير طاهر… معظم الناس هكذا تعرّف الطهارة: طالما يحافظ الإنسان على العلاقة الزوجية كون العلاقة الزوجية طاهرة فهو طاهر…
الأب افرام: أنا أريد أن أقول شيئاً. تعرفون أن في العالم كله اليوم أزمة، إنّها أزمة العائلة. اليوم في العالم، العائلة تتفكك، نشكر الله أننا بعد في منطقة لم تصبح هذه الأزمة كبيرة جداً. من أين تأتي هذه الأزمة، لماذا يحدث هذا التفكك، لماذا لم يعد كثيرٌ من المسيحيين يتزوجون مسيحياً في الكنيسة ويفضّلون الزواج المدني؟ ولماذا، أكثر من ذلك، كثيرون أو البعض لنقل في بعض البلدان يعيشون مع بعضهم البعض بدون زواج لا مسيحي ولا عقد مدني؟ ولماذا، أكثر من ذلك، بين الناس وخاصة المسيحيين يبنون علاقات خارج الزواج، أي زنا بحسب تفسير الكنيسة؟ هذا يعود كلّه إلى ضعف الإيمان والابتعاد عن الكنيسة وعن الله. هذا هو السبب الرئيس، لأنه إذا لم يكن ربّ الإنسان مقياسه، لا يوجد مقياس أخلاقي يضبط الإنسان ولا يوجد يلزمه. يأتي مَن يقول: من يمنعني، إذا الدولة أو بعض الدول تسمح بالعيش المشترك بدون زواج؟ لماذا أنت تريد أن تمنعني وتقول لي بأنها خطيئة؟ ولكن إذا كان الإنسان مؤمناً بصورة بسيطة، وإذا جاء إلى الكنيسة وسمع الرسالة تقول له ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، ويصبحان جسداً واحداً، كيف يمكن لضميره أن يطاوعه على الالتصاق بجسد آخر؟

سؤال: الجملة الأخيرة “ويصيران جسداً واحداً” هل تعني أنّ الزوجين يصيران، أي أنّ الطرفين يصيران جسداً واحداً، أو أنّ كلّ طرف يصير واحداً مع المسيح؟

الجواب: هذا السؤال دقيق، يقول القديس الذهبي الفم مثلاً: هكذا شاء الله في البدء أن يخلق آدم ويأخذ المرأة من ضلعه لذلك قال: هذه لحم من لحمي وعظم من عظامي. أي أنه أراد أن يضمن شيئاً من الوحدة بمعني أن ينظر إلى الرجل والمرأة كواحد، ويعطي صورة النبتة التي تطلع ولا تبدأ بالتفرّع إلاّ بعد أن يصبح لها جذع. ويضيف الذهبي الفم أنّه بعد أن شاء الله أن ينبت الاثنان واحدا من أجل النسل، لم يعد يسمح أن يتزوّج الرجل اخته أو ابنته، لأنهم واحد. فلم يسمح بأن يتزوجوا من بعضهم لكي لا تبقى هذه الأنانية، لكي تتفرع الشجرة من أجل الشركة والمحبة، فيسعى الإنسان أن يفتش عن إنسان غريب بعيد عنه حتى لا يبقى مغلقاً على نفسه. لذلك الكنيسة لا تسمح للشخص أن يتزوج من أقاربه. فالوحدة قائمة بين الرجل والمرأة ولا بد أن تبقى قائمة ولكن في نفس الوقت هذه الوحدة منفتحة على الآخرين. لذا لا يسمح الله بأن يزني الرجل أو المرأة مع شخص آخر. المعنى هنا أنهما متحدان ومنفتحان في الوقت نفسه، ولذلك كما تقولين الوحدة قائمة بينهما وقائمة بين كل واحد منهما والمسيح كونهم أعضاء الكنيسة التي رأسها المسيح.

سؤال: الجملة الأخيرة “ويصيران جسداً واحداً” هل تعني أنّ الزوجين يصيران، أي أنّ الطرفين يصيران جسداً واحداً، أو أنّ كلّ طرف يصير واحداً مع المسيح؟

الجواب: هذا السؤال دقيق، يقول القديس الذهبي الفم مثلاً: هكذا شاء الله في البدء أن يخلق آدم ويأخذ المرأة من ضلعه لذلك قال: هذه لحم من لحمي وعظم من عظامي. أي أنه أراد أن يضمن شيئاً من الوحدة بمعني أن ينظر إلى الرجل والمرأة كواحد، ويعطي صورة النبتة التي تطلع ولا تبدأ بالتفرّع إلاّ بعد أن يصبح لها جذع. ويضيف الذهبي الفم أنّه بعد أن شاء الله أن ينبت الاثنان واحدا من أجل النسل، لم يعد يسمح أن يتزوّج الرجل اخته أو ابنته، لأنهم واحد. فلم يسمح بأن يتزوجوا من بعضهم لكي لا تبقى هذه الأنانية، لكي تتفرع الشجرة من أجل الشركة والمحبة، فيسعى الإنسان أن يفتش عن إنسان غريب بعيد عنه حتى لا يبقى مغلقاً على نفسه. لذلك الكنيسة لا تسمح للشخص أن يتزوج من أقاربه. فالوحدة قائمة بين الرجل والمرأة ولا بد أن تبقى قائمة ولكن في نفس الوقت هذه الوحدة منفتحة على الآخرين. لذا لا يسمح الله بأن يزني الرجل أو المرأة مع شخص آخر. المعنى هنا أنهما متحدان ومنفتحان في الوقت نفسه، ولذلك كما تقولين الوحدة قائمة بينهما وقائمة بين كل واحد منهما والمسيح كونهم أعضاء الكنيسة التي رأسها المسيح

سؤال: ما السبب أن أجسادنا ليست ملكنا، بعد أن نعتمد… هل هذا يعني أنّه، في الحياة العادية، لا يستطيع الواحد أن يتطلّع على جسد شريكه، وإذا غلط لا سمح الله هل بإمكاني أن أغضّ النظر (طنّش) وأقول…

الجواب: دائماً علينا أن ناخذ الناحية الإيجابية التي تنسجم مع الإيمان. جسمنا، كونه للرب، يصبح مقدساً لأنه يصير إناءً للروح القدس الموجود فينا والذي نأخذه في المعمودية ولجسد الرب ودمه اللذين يدخلان في أعضاء هذا الجسد كله. فنحن من أجل ذلك، إذا مرض هذا الجسد علينا أن نعتني به. يجب أن نأخذ هذا الأمر من هذه الناحية: أنا لا يمكنني أن أهمل جسدي ولا أحد يهمل جسده. ليس لأنه ملك لله أتركه لله وهو يتدبّر الأمر! لا على العكس، لأنه يجب أن أعيش لله أعتني به وأهذّبه حتى يبقى مطواعاً ومهذباً وإناءً صالحاً لتمجيد الرب، أكيد أنه إذا اهتممتُ بجسدي هذا لا يعني أن أرضي أهواءه، ليس بهذا المعنى، بمعنى أنه إذا مرض أحدنا يجب أن يهتم بمعالجة جسده. هذا شيء مشروع ومبارك حتى يبقى سليماً. يقول الآباء أن الجسد مثل الحصان، إذا تأخر أو ضعف لا يعود قادراً أن يتقدم، وإذا أهملته لا يعود هناك من يحملك.

مداخلة لمدير الجلسة:

في الكنيسة نهذّب الجسد إذ ممنوع تعذيبه، ممنوع إماتة الجسد. لا نسعى لأن نعمل إماتة للجسد، بإرادة أو بدون إرادة بمعرفة أو بدون معرفة. فإهلاك الجسد أو إماتته ممنوع مسيحياً لأنه جسد المسيح. من هنا، في الرسالة نفسها التي قرأها أبونا إفرام يقول: “مَن يريد أن يهلك جسده قط بل يفديه ويربّيه، كما يعامل الرب الكنيسة”. فإذا أوصى الطبيبُ الإنسانَ بتناول حبة دواء ألا يتناولها؟ إذا رأى الطبيب ضرورة الجراحة ألا يخضع الانسان لها. ألاّ يفعل يكون انتحاراً. السبب هو التعبير عن الوحدة بالمسيح والتعبير عن الطهارة المستمَدة من المسيح بقوة الروح القدس. نهتم بجسد شريكنا، أي إنسان يكون أمامنا، حتى لا نكون سبباً لهلاك الجسد أو لإماتته، وهناك الكثير ممَن يهملون شريكهم أو يهملون أهلهم وعائلاتهم وهذا مخالف للشريعة ومخالف لتعاليم الكنيسة.
الأب أفرام: نعم كما يقول أبونا جورج، هناك تمييز. على الإنسان أن يميّز بين الاعتناء بالجسد ومحاربته وعدم الإهتمام بأهواء الجسد. التهذيب يعني الأهواء والشهوات، عندما يحارب الشخص أهواءه وشهواته يهذّب جسده. مثلاً، إذا تجنّب المآكل الدسمة لا يقتل جسده بل يغذّيه! إنّه يهذبه لأن المواد الدسمة جداً تتعب الجسد ولا تهذبه.

سؤال: هل تعتقد أن الزواج المختلط مع غير الأرثوذكسي يؤثر على طهارة الزواج؟

الجواب: الموضوع بالحقيقة دقيق، لأنّ هناك صراع بكل معنى الكلمة بين علاقة الإنسان مع الله من خلال إيمانه وعقيدته وعلاقته مع الشخص الذي يحبه. هذا الصراع صعب. أعتقد أنّ هذه حالة إستثنائية. طبعاً الأحوال العادية، لا يخفى عليك أنه، الأفضل أن يقترن الإنسان بشريك من عقيدته. ولكن في الأحوال الإستثنائية يدخل الإنسان في هذا الصراع، وأعتقد أن ربّنا وحده هو الذي يفصل فيما إذا كان هذا الشخص يتصرّف بطهارة أو بلا طهارة، طبقاً لصدقِه الداخلي: على أي أساس يتصرّف ويختار الشخص الآخر، هل يتصرّف عن صدق أو عن مصلحة أو عن شهوة أو عن شيء آخر؟ إن كان يتصرف فعلاً عن صدق، فالرب قادر أن يحلّ المعضلة والصعوبات في حينها ويطهّرنا ويغطي ضعفاتنا وصعوباتنا.

سؤال: كان السؤال عبارة عن أن الزواج من طائفتين مختلفتين لا يمنع الطهارة لأن الله والمسيح واحد ونحن نتبع هذا الإله الواحد؟

الأب إفرام: أريد أن أعطيك صورة من أحد الآباء وهو القديس دوروثاوس: الناس دائرة مع مركز وشعاعات، المركز هو المسيح وهو واحد. لم يكن القديس يتكلّم عن الطوائف، لأنه لم يكن طوائف – قبل القرن الرابع – ولكن يتكلّم عن الأشخاص الذاهبين باتّجاه المركز الذي هو المسيح. الذين يسيرون على خطوط الشعاع، كلّما اقتربوا من المسيح كلّما اقتربوا من بعضهم ولكن في الحياة طرق. يقترب الإنسان من المسيح بطريق معين، كل مَن يعرف التقليد الشرقي والتقليد الغربي يعرف أن في كلّ منهما نهج مختلف ونمط حياة مختلف وصلوات مختلفة ويمكن لكلّ هذا أن لا يتعارض. ولكن يبقى أنّ الذي نشأ على نهج معين عنده وجدان معين وعندما يقترب من شخص له تربية ونهج آخران، تظهر صعوبة الانصهار. هذه لا يستطيع الواحد أن يهرب منها، هذا لا يعني أنهم لم يعودوا واحداً… يمكن أن يصبحوا واحداً إذا كانوا، كما حاولت أن أجاوب قبلاً، صادقين. أي أنّ وحدتهم تكون أمتن من غيرها إذا كانوا صادقين وعندهم النية بأن ينصهروا. ولكن هذا لا ينفي صعوبة الإنصهار.

سؤال : تفعيل المعمودية بالزواج؟

السؤال غير واضح ولكنه يتعلق بالمعمودية وتفعيلها، بالنسبة للمعمودية، إذا أردنا تبسيط التعبير مثل الترتيلة: أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم. نحن نلبس المسيح، كم هو عدد الأزواج حاملي المسيح في حياتهم.
هل أن السؤال يطرح الصلة بين سر المعمودية وسر الزواج. الصلة موجودة في التراتيل في الإكليل. عند الدورة والترتيل للشهداء (أيها الشهداء القديسون الذين كرزتم بحمل الله وذبحتم كالخراف)، تلاحظون الإكليل الذي هو للشهداء. لماذا دعوه إكليل؟ لأنهم شهداء للمسيح.
عندما يكلّل الكاهن يقول: بالمجد والكرامة كللهما، هذا يعني أن الجملة منسوبة أصلاً للشهداء الذي يكللون بسبب شهادتهم للمسيح. وكيف تكون الشهادة شهادة للمسيح؟ بالأصل كلمة شهادة باللغة العربية تعني الشاهد والشهيد، وبالأصل اليوناني الكلمة واحدة، هو الشاهد وفي نفس الوقت تعني الشهيد.
إذاً إذا كانوا في حياتهم شهداء للمسيح يحققون معموديتهم وإكليلهم… الإكليل يقال أن الزواج هو مدرسة للحب. يعني أنّ الذي يعيش زواجاً ناجحاً ينال الإكليل. فالإكليل الذي نأخذه بخدمة الزواج هو بركة نأخذها على الرجاء. يعني أننا نأخذ عربون إكليل المجد الذي سوف نحصل عليه بعد شهادتنا للمسيح. لذلك، كم من الأزواج – أنا لم أتزوج ولكن الذي تزوج ونجح يعرف – بأن آخر أيامهم تكون أياماً حلوة يقطفون فيها ثمار تعبهم وجهادهم سنين. وعند افتراقهم تصيب قلبهم حسرة فظيعة لافتراق الشريك عن الشريك. إنّهم لا ينالون تعزية إلاّ من الرب. الناس لا يتعزون إن لم يكونوا مؤمنين. وإذا كانوا مؤمنين فربنا فقط هو الذي يعزيهم.

حديث في بلدة الحدث، تشرين الثاني،1995

admin:
Related Post