X

بحث في التراث الأرثوذكسي

التـّحدّي الكبير!

الأرشمندريت توما بيطار

يا إخوة، في القسم الأوّل من إنجيل اليوم، يصف الرّبّ الإله ملكوت السّموات. ملكوت السّموات لا مثيل له، على الأرض. لذلك، الكلام عليه يكون تشبيهًا. نقول: “يشبه ملكوت السّموات”. إنّه ملكوت روحيّ، هو عالم الله، بكلّ أبعاده. لهذا السّبب، نحتاج، فقط، إلى أن نكوِّن فكرة عن الملكوت، من خلال ما نحيا فيه، من خلال عالمنا. طبعًا، بين عالمنا وعالم الله هناك شيء من الشـّبه. لكن، لا مجال للتّماثل بين ما هو هنا وما هو هناك، ما ينتمي إلى هذا الدّهر وما ينتمي إلى الدّهر الآتي.

أوّلاً، يقول الرّبّ الإله إنّ ملكوت السّموات يشبه “حبّة خردل، أخذها إنسان، وألقاها في بستانه؛ فنمت، وصارت شجرة عظيمة، واستظلّت طيور السّماء في أغصانها”. حبّة الخردل حبّة صغيرة جدًّا، يكاد الإنسان، بسهولة، أن يهملها. لكنّ ملكوت السّموات كامن فيها. هذا، طبعًا، يعلّمنا أن نتعاطى الإلهيّات بدقّة متناهية. لا يمكننا، في مجال الإلهيّات، أن نهتمّ بالكبائر، ونتغاضى عن الصّغائر. علينا أن نهتمّ بكلّ تفصيل. في الوصيّة أمور وأمور، وعلينا أن نكون أمناء في التّفاصيل. على سبيل المثال، إذا قالت الوصيّة أن يُصلّى في كلّ حين، فهذا معناه أنّ علينا اللَّهَجَ بالله في كلّ حين. والإنسان المأخوذ بالله هو الّذي يلهج به. إذا أُخذ الإنسان بأمر من الأمور، فإنّه يبقى في ذهنه، في دخوله وخروجه، في ذهابه وإيابه؛ لأنّ قلبه يكون متّجِهًا إليه. فإذا كانت الصّلاة المتواصلة هي المطلَب، فهذا معناه أنّ علينا أن نتّجه، كيانيًّا، صوب الله، في كلّ حين، وفي كلّ ما نفعل، وفي كلّ ما نفكّر. الرّبّ الإله يكون هو قطبَ الاهتمام، وهو المحورَ الّذي ندور في فلكه، كما تدور النّجوم في النّظام الشـّمسيّ. لا يليق بالإنسان المؤمن، والحال هذه، أن يقوم بأيّ عمل، أو أن يفكّر بمعزل عمّا هو لله. كلّ شيء ينبغي أن يكون مشدودًا إلى الله، كما تكون النّجوم مشدودة إلى الشـّمس. طبعًا، هذا يستلزم، من قبلنا، في بداية الأمر، جهدًا ليس بقليل. لا شكّ في أنّ الأطفال، الّذين ينشأون في مناخ إيمانيّ صالح، يمكنهم أن ينشدّوا إلى ربّهم بسهولة أكبر؛ لأنّهم اعتادوا تعاطيَ الإلهيّات منذ نعومة أظفارهم. أمّا الكبار، الّذين لم يتسنَّ لهم أن ينعموا بمثل هذا الامتياز؛ ففرصتهم ليست غيرَ متوفِّرة. لكن، عليهم أن يبذلوا جهدهم. بالجهد، وغصب النّفس، وبنعمة الله، نجد أنفسنا، من حيث ندري ولا ندري، أنّنا ننشدّ إلى فوق؛ وأنّ الرّبّ الإله يصير، فعلاً، محور حياتنا؛ فندور، إذ ذاك، في فلكه. من دون تعب يوميّ، يستحيل علينا أن نقتني هذه العلاقةَ مع الله؛ وأن نقتني الصّلاةَ، والصّيامَ، وذكرَ الله، وحبَّ كلمة الله؛ وأن نلهج، على مثال مرنِّم المزامير، في المزمور المئة والثّامن عشر، بأحكام الله بشكل متواصل. إذًا، لا بدّ من الجهد والتّعب. وليكن معلومًا عندنا أن ليس شيء، على الإطلاق، مهمًّا، في حياتنا، سوى الله. كلّ شيء ليس من الله ولا مشدودًا إليه لا قيمة له، على الإطلاق. الله هو الّذي يعطي كلّ شيء قيمة. لذلك، نحن لا نعيش، في الحقيقة، بالخبز وحده، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله. الموضوع، دائمًا، هو موضوع بَرَكَة. نحن، اليوم، في العالم، عندنا خيرات كثيرة، ربّما لم ينعم بها العالم القديم، في وقت من الأوقات، كما ننعم نحن بها. ومع ذلك، الإنسان، اليوم، يعاني جوعًا كيانيًّا رهيبًا! لماذا؟! لأنّه يعيش، في الحقيقة، خارج حدود البَرَكة الإلهيّة، الّتي تجعل القليل يكثر، وتجعل الإنسان مكتفيًا وفي الشـّبع، سواء أقليلاً كان ما له أم كثيرًا! إذًا، الله هو الّذي يجعل لكلّ شيء، في حياتنا، قيمة. إذا كنّا نلبس، فنحن نلبس ما يرضي الله؛ وإذا كنّا نأكل، فإنّنا نأكل وَفقًا لِما تُعَلِّمُنا إيّاه وصيّة الله. في العهد القديم، قيل شيء مروِّع! قيل: “إن كنتَ شَرِهًا، فَضَعْ سكّينًا على حنجرتك” (أم23: 2)! إذًا، علينا أن نبتعد، في كلّ حال، عمّا لا يرضى عنه الله. وإذا كنّا نريد أن نشرب، فنحن نشرب بشكران لله، بتسبيح لله. نحن عندنا، في اللّغة العربيّة، هذا الاتّجاه، أنّنا، نذكر الله في كلّ حين، إذ نقول: “الحمد لله”، “الشـّكر لله”، “المجد لله”… هذا شيء عظيم جدًّا، ومن طبيعة علاقة الإنسان العميقة بالله! الإنسان الّذي يلهج بالله، بشكل دائم، يصير اللهُ إليه هو القاعدةَ والمحورَ. لكنّ هذا نحن نحتاج إلى أن نعمل من أجله بتعب، مهما كلّفنا؛ لأنّه هو القيمة، في الحقيقة! على الإنسان، في نهاية المطاف، أن يعمل، في حياته، من أجل ما له قيمة. إذا كنتم تعلمون، مثلاً، أنّ هناك شيئًا لا قيمة له، فإنّكم لا تتّخذونه، بل تُلقونه بعيدًا عنكم. فليكن، إذًا، معلومًا، عند كلّ واحد منّا، أنّ الله، والله وحده، هو القيمة، وهو الّذي يعطي كلّ شيء قيمة. هذه هي حبّة الخردل، الّتي تكمن فيها كلُّ مقوّمات ملكوت السّموات، أي كلُّ عالم الله. هذه الحبّة نتعاطاها بالكثير من الدّقّة والحـِرص، سواء أوصيّةً كانت، أم صلاةً، أم ممارَسةً من ممارساتنا اللّيتورجيّة. المهمّ، في كلّ حال، أن يكون كلّ ما يختصّ بالله، مهما كان طفيفًا، حائزًا على كلّ اهتمامنا من أعماق القلب. إذا ما تعاطينا حبّة الخردل على هذا النّحو، فإنّها تصير شجرة عظيمة؛ أي إنّ ملكوت السّموات كلّه، إذ ذاك، يقيم فينا! نصير هيكلاً لروح الرّبّ! ملكوت السّموات ليس موجودًا في مكان ما؛ بل هو واقع روحيّ، يقتنيه كلّ مَن يسلك في الوصيّة الإلهيّة، في الهاجس الإلهيّ! وفي آن معًا، هذا الّذي نقتنيه ويصير فينا شجرة عظيمة، بإمكاننا، بسهولة قصوى، أن نفقده في لحظة واحدة، بكلمة واحدة، بفكر واحد يقعد في أذهاننا ونتبنّاه! ملكوت السّموات، إذ ذاك، يذهب، يرتحل! لهذا السّبب، كان علينا، في آن، أن نحرص على إتمام كلّ تفصيل من تفاصيل الوصيّة الإلهيّة، وأن نبتعد عن كلّ تفصيل ليس الله فيه، ولا يرضى عنه.

ثمّ يعطي الرّبّ الإله تشبيهًا آخر لملكوت السّموات. يقول إنّ ملكوت الله “يشبه خميرة أخذتها امرأة، وخبّأتها في ثلاثة أكيال دقيق، حتّى اختمر الجميع”. ملكوت السّموات خميرة! والخميرة، دائمًا، مخفيّة، لا نراها؛ لكن، تفعل فيها قوّةُ تحويل العجين في اتّجاه أو في آخر! يمكن أن تُفسد العجين، ويمكن أن تتسبّب بتخميره. والخميرة، في الحياة الرّوحيّة، هي النّيّة الصّالحة. الرّبّ يسوع حذّر تلاميذه من خمير الفرّيسيّين، الّذي هو الرّياء! نحن علينا أن نحرص على إتمام كلّ عمل بنيّة صالحة. النّيّة الصّالحة، في الحقيقة، هي الّتي تجعل كلّ عمل صالحًا ومقبولاً لدى الله. قد نتمّم هذا العمل، وقد لا نتمّمه. لذلك، يمكننا أن نقول إنّ العمل، في الدّرجة الأولى، هو بالنّيّات: إذا كانت نيّة القلب قويمة، فإنّ الرّبّ الإله يحسب لنا حتّى ما نكون قد قصّرنا في إتمامه، عن عجز، طبعًا. إذًا، علينا أن ننقّي نوايانا، في كلّ حين، من كلّ زغل. لا يحقّ لنا، أبدًا، أن نسيء النّيّة في إنسان. نحن نحتاج إلى أن نتعاطى كلّ علاقة بنيّة طيّبة. إذا كنتم تتعاملون مع إنسان، مثلاً، فيمكنكم، بسهولة، أن تقولوا إنّ هذا الإنسان غير مستقيم، أو نظرته فاسدة، أو يطلب مكسبًا، أو مجدًا، أو يتودّد إليكم لنيّة غير نقيّة في نفسه… إذا ما نحن فعلنا ذلك؛ فإنّنا، في الحقيقة، نسيء إلى الآخرين. لكنّنا، في الدّرجة الأولى، نسيء إلى أنفسنا! الإنسان الّذي يريد أن يتعاطى الخميرة الصّالحة، أي النّيّة الصالحة، لا يدين أحدًا، على الإطلاق. حتّى إذا عاين إنسانًا في الخطيئة، فإنّه لا يدينه، بل يطلب إلى الرّبّ الإله أن يعين هذا الإنسان على الشـّرّير، الّذي يحاول أن يُسقطه في الخطيئة واليأس. غير مسموح لنا، وغير لائق بنا أن نتعاطى التّعامل مع النّاس بنيّة غير نقيّة. النّاس يحتاجون إلى رحمة. الرّبّ الإله قال ذلك: “أريد رحمة لا ذبيحة” (متّى9: 13). برحمتنا للنّاس، نبثّ فيهم نعمةً من عند الله، يمكن أن تساعدهم على إصلاح حالهم. ليس أحد منّا مقطوعًا عن الآخرين. كلّنا مرتبطون أحدنا بالآخر. إذا ظننّا بالآخرين سوءًا، فإنّنا نبثّ السّوء في حياتهم؛ ومن ثمّ، نُعثر مسيرتهم، ونعين الشـّرّير عليهم بنوايانا غير النّقيّة! وعلى العكس، إذا كانت نوايانا سليمة قويمة، فإنّنا نبثّ نعمة إلهيّة تساعد الآخرين، وتعينهم. والرّبّ الإله، في الحقيقة، في يوم الدّينونة، سوف يطالبنا بأمور لم تكن لتخطر في بالنا! سوف يطالبنا حتّى بالنّوايا غير النّقيّة، الّتي كَنَنّاها في أنفسنا، في حقّ الآخرين؛ لأنّ هذه فعلت فيهم سلبًا، وأساءت إليهم، من حيث لا ندري، وجعلتنا بشرًا يهتمّون بظواهر الأمور، فيما بواطن الأمور هي الأهمّ! لذلك، مهمّ جدًّا أن ينقّي كلّ واحد منّا خميرة نفسه، أن ينقّي قلبه، أن ينقّي نيّته؛ لأنّ هذا الأمر يساعد في كلّ شيء. النّيّة الطّيّبة تجعل الطّبيعة تصطلح، والأزاهير تتفتّح بشكل أفضل، وحياة الآخرين موسومةً بالفرح، من حيث لا يدرون! هذا كلّه نحن نبثّه فيهم. ألا ترون، مثلاً، أنّ إنسانًا مُحبًّا لله، شفّافًا، صاحب نيّة صالحة، إذا وُجِد في مجموعة تعاني صعوبات؛ فإنّ الكثيرين منهم يتغيّرون، ويفرحون بحضوره، ويستفيدون من وجوده، ويتّخذون ممّا يبثّه الكثير، وأحوال العديدين منهم تتغيّر؟! هذا لأنّ نيّة القلب تغيّر العالم. نوايانا تغيّر العالم! إذا كانت نوايانا شرّيرة، فإنّنا نُغرق العالم في السّوء؛ وإذا كانت نوايانا نقيّة، فإنّنا نُغرق العالم في نعمة الله! لذا، يا إخوة، ملكوت السّموات كامن في نيّة القلب. هذا نبثّه في الآخرين، ونحيا فيه، في آن معًا.

هاتان هما الصّورتان اللّتان يعطينا إيّاهما الرّبّ الإله عن ملكوت السّموات. وأكتفي، بالنّسبة إلى القسم الثّاني من إنجيل اليوم، بمطلعه الّذي يقول إنّ واحدًا، كان حاضرًا، سأل الرّبّ الإله: “هل الّذين يخلصون قليلون؟! فقال لهم: اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضّيّق، فإنّي أقول لكم إنّ كثيرين سيطلبون أن يدخلوا، فلا يقدرون”. السّؤال واضح، وكلّ إنسان منّا يسأله. لكنّ الرّبّ الإله، في الحقيقة، لا يجيب عن السّؤال، بل يعطي جوابًا عن سؤال آخر، كان يجب على الإنسان أن يطرحه على نفسه، وهو: “ماذا أعمل حتّى أخلص؟!”. هذا هو السّؤال الّذي ينبغي أن يطرحه كلّ واحد منّا على نفسه! أمّا السّؤال الّذي سُئل، فإنّه سؤال معلوماتيّ! وما شأنك أنت، إذا كان الّذين يخلصون قليلين أو كثيرين؟! ماذا ينفعك هذا الأمر؟! لا ينفعك في شيء. نحن كثيرًا ما نتعاطى الإلهيّات بطريقة معلوماتيّة. نريد أن نكدّس المعلومات. هذا الجيل، الّذي نحن فيه، بثّ فينا ممارَسَةً سيّئة جدًّا، وهي أنّ المعرفة هي للمعرفة، العلم هو للعلم. لهذا السّبب، عقل الإنسان أصبح محشوًّا بالمعلومات! ومع هذا، يعيش في شقاء، وضيق، وقلق!… ماذا تنفعه المعلومات؟! لا شيء على الإطلاق. أذكر، مثلاً، أنّنا درسنا في المدرسة، لسنوات طويلة، دروسًا في الفيزياء والكيمياء… لكن، مرّات عديدة، كنّا نجد أنفسنا، بإزاء مشكلة بيتيّة بسيطة، لا نعرف أن نحلّها. إذا انقطع التّيّار الكهربائيّ، مثلاً، فماذا نفعل؟! هذا لم يعلّمنا إيّاه معلّمونا في المدرسة. إذا حصل احتكاك كهربيّ، فماذا نفعل؟! نحن لا نعرف ما علينا فعله من معلوماتنا الّتي كدّسناها في أنفسنا، والّتي تبخـّرت فيما بعد!… هذا كلّه، يا إخوة، يحدث، في حياتنا؛ لأنّنا بتنا، اليوم، في زمن يقدّس المعرفة من أجل المعرفة. نحن علينا أن نطلب المعرفة من أجل الخلاص. إذًا، السّؤال هو: “ماذا أعمل لأخلص؟!” إذ ذاك، يُجيب الرّبّ الإله: “اجتهد”! عليك أن تجتهد، أن تتعب لتدخل من الباب الضّيّق! الباب الضّيّق هو الوصيّة، دائمًا. الوصيّة، دائمًا، صعبة علينا؛ لأنّنا، على مستوى الإرادة، لا نبتغي أن نتمّم وصايا الله، بل أن نتمّم أهواء نفوسنا. لهذا السّبب، الباب ضيّق. إذًا، علينا أن نجتهد حتّى ندخل من هذا الباب الضّيّق، من باب الوصيّة الّتي علينا أن نُجبر أنفسنا عليها، وكأنّ الإنسان كلّه لحمٌ، ويريد أن يدخل بابًا ضيّقًا. لذلك، عليه أن يشدّ نفسه، حتّى يتمكّن من ذلك؛ أو عليه أن يزيل الكثير من الشـّحم الّذي فيه، حتّى يصبح في وضع يمكّنه من الدّخول من الباب الضّيّق. لهذا السّبب، الوصيّة، دائمًا، هي التّحدّي الكبير. نريد ملكوت السّموات؟! علينا أن ندخل من هذا الباب، باب الوصيّة! ليس هناك باب آخر. “فإنّي أقول لكم إنّ كثيرين سيطلبون أن يدخلوا، فلا يقدرون”. هذا لا يعني أنّ الله لا يريد الخلاص للنّاس. الله يريد الخلاص للجميع. لكنّهم، هم، على غبائهم، لا يريدون الخلاص لأنفسهم. الرّبّ الإله يشدّ نفسه باتّجاههم، وهم يشدّون أنفسهم في الاتّجاه المعاكس. هؤلاء لا يستطيعون، بكلّ بساطة، أن يدخلوا من الباب الضّيّق، أي أن يدخلوا ملكوت السّموات. كلّ واحد، في الحقيقة، الملكوت متاحٌ له، وبإمكانه أن يدخله بيُسر، لأنّه حبّة خردل! لكن، عليه أن يغيّر فكر قلبه! عليه أن يتوب! والتّوبة هي أن يغيّر الإنسان نفسه كيانيًّا، أن ينظر في اتّجاه الله، بعدما كان ينظر في اتّجاه أهوائه، وفي اتّجاه العالم. إذ ذاك، يصير الإنسان قادرًا على أن يدخل من الباب الضّيّق؛ ومن ثمّ، على أن يدخل ملكوت السّموات. لهذا السّبب، الرّبّ الإله لا يحرمنا، أبدًا، من أنعامه. والّذي نزل من فوق وتجسّد من مريم البتول، أمعقول أنّه لا يشاء خلاص بعض النّاس؟! هذا مستحيل! هو يشاء خلاص الجميع! لكن، نحن، بتمسّكنا بأهوائنا وإصرارنا على السّلوك فيها، نرفض تدبير الله، ونرفض عرض الله لنا في أن ندخل من الباب الضّيّق، وفي أن نخلص!

إذًا، لا يحسبنّ أحد منّا أنّ الجحيم من صنع الله! لا، أبدًا! فقط، الفردوس عند الله. أمّا الجحيم، فمن صنع خطايا العالمين! الّذين يعيشون في خطاياهم، هؤلاء، بصورة تلقائيّة، يجدون أنفسهم في الهلاك، في الجحيم! إذا أدركنا، يا إخوة، أنّ هذا هو المسار الّذي يعرضه علينا الرّبّ الإله، يبقى علينا، ونحن على إطلالة الميلاد، أن نعود إلى أنفسنا لنبدأ من جديد. نعود لنغيّر فكر قلوبنا، وفكر أذهاننا، ونغيّر كلّ أسلوب تعاطينا لأمور هذا الدّهر، ولأمور أنفسنا، ولأمور علاقاتنا بالآخرين. في العالم، اليوم، هناك بحر من الأفكار السّمجة. هذه نحن لا نحتاج إلى أيّ منها. نحن نحتاج، فقط، إلى كلمة الله، إلى كلمة الحياة. المهمّ، أوّلاً وأخيرًا، أن نقتنيها. مَن لا يقتني ملكوت الله، مَن لا يقتني كلمة الله، فكلّ ما يقتنيه يكون لخرابه، وموته، وهلاكه.

فمَن له أذنان للسّمع، فليسمع.

 

* عظة في السّبت 19 كانون الأوّل 2009 حول لو13: 19- 29

 

admin:
Related Post