X

بحث في التراث الأرثوذكسي

مختارات من محادثة مع الشيخ يوسف الفاتوبيذي

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

سؤال: لمَ لا نستطيع أن نتبع طريق التضحية بأنفسنا في حين أن المسيح قام بذلك بنفسه؟

لقد قام بذلك بنفسه لأنه الله فعلياً، كلمة الله المتجسد. الشخص الذي رأيناه كان يسوع الإنسان. لكن يسوع الإنسان كان بنفسه الكلمة والله. كونه إلهاً وإنساناً معاً، كانت النعمة الإلهية تسكن فيه. ذاك الذي هو ربّ الحياة هو واحد معنا ورأس جسدنا. لأننا مكتسون به. “كل من اعتمد في المسيح قد لبس في المسيح”. لقد “لبسناه” بالمعمودية ونحمله فينا من خلال المشاركة في الأسرار كل يوم. إنه يشترك في نفس الجسد والدم مثلنا. إنه ليس في مكان بعيد حتى نطلب منه أن يصنع بداية ويأتي إلينا. إنه بالفعل في داخلنا. نستحضر دعم نعمته: “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي” كما يقول بولس. لكنني قلت إن ذلك سيكون الأساس. أن هذا سيكون الأساس وأن الشيطان سيحاول تهديدكم في الأوقات الصعبة. لا تثبط عزيمتكم، لأن كل تهديداته هباء. “لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ”

السؤال: قدّم الابن نفسه فداءً عن خطايا الناس. لِمَن؟ الآب لا يريد ذلك، لأنه يحب الابن. لِمَن قدّم نفسه؟

الشيخ: لا، يا بني. من أين أتيتَ بهذا؟ لم يقدّم نفسه كفِدية، ولا يوجد فرق بين الآب والابن. هذا معناه اختلاف الإرادة بين أشخاص الثالوث الأقدس. ما يريده الآب، يريده الابن كذلك. على الرغم من أنهم أشخاص مكتفون ذاتيًا، فلا فرق في الإرادة أو الرأي. الطبيعة واحدة، لكن الأشخاص ثلاثة، مكتفون ذاتياً. لكن جميعهم لهم نفس الرأي. تمّ خلاص البشرية “بإرادة الآب الصالحة، وإفراغ ذات الكلمة وتآزر الروح القدس”. كلمة الله لم يكن في خدمة أحد. ولكن بسبب محبته العظيمة، صار معيداً للخلق إذ كان سبق له وكان الخالق بالفعل. وهناك سبب آخر أيضًا. أن يتّخذ كلمة الله طبيعة أخرى حتى لا تتأثّر صفة الأقانيم الثلاثة – الآب يجب أن يبقى الآب إلى الأبد، والابنُ الابنَ إلى الأبد، والروح القدس المعزّي إلى الأبد- لهذا كان ضروريًا لذلك الأقنوم، الذي كان ابن الله، أن يتجسّد ويصبح ابن الإنسان. هذا لا يعني أنه تصرّف بخضوع أو دفع فدية. هذا ما يقوله البروتستانت والكاثوليك. لقد تأثر بالمحبة وفقط بالمحبة. تمامًا كما أنه خلق كل الأشياء بالمحبة لكي ينقل محبّته لأشيائه المخلوقة، وليس من حاجته لذلك، كما اعتقد الإغريق القدماء. إن كلمة الله هو الواسطة التي بها تمّ الخلق. وهكذا، الكلمة هذا “عندما حلّ ملء الزمان” وكما حَكَمَ ملك الدهور، أتى “مفرِغاً ذاته، من دون تلقي أي أوامر، لا ليكون ضحية، بل مُحرّكاً فقط بالمحبة. الآب والروح القدس شاركا في نفس المحبة. الآب سرّ بأن يتجسّد الابن”. كلمة الله كان دائماً في حضن الآب. إذا وصفنا الآب بأنه نوس، فقد كان الكلمة دائمًا عنده. لم يكن هناك نوس بدون كلمة. كان الكلمة موجوداً في نفس الوقت منذ الأزل. لقد كان موجوداً في هدوء جلال الله غير المحدود. عندما أراد الله أن يصنع أشياء مخلوقة، كان الكلمة ذراعه للخلق. “هو تكلّم وهم وُلدوا”. في الوقت نفسه، ظهر الكلمة مع الأشياء المخلوقة، على الرغم من أنه كان غير مرئي حتى ذلك الحين. يقول يوحنا: “كلٌّ به كان ومن دونه لم يكن شيء مما كُوِّن”. عندما حان وقت إعادة التوازن للخليقة التي ثارت، ظهر الكلمة نفسه وأفرغ ذاته. ما معنى “أفرَغَ”؟ لقد تنازل، حتى يتمكن من الاقتراب من الخليقة، كما يقول الأبّا إسحق في عظة جميلة. تواضع وتنازل حتى لا تختفي الخليقة عند ظهوره فيستطيع التحدث معها. هذا هو المعنى الأعمق: حتى يتمكن من اتّخاذ الخليقة بنفسه وينقل إليها قداسة الأقنوم. من خلال الطبيعة البشرية، ألبَس نفسه العالم المخلوق وجلب إليه كل طاقات نعمته الإلهية، حتى يتمكن من تقديس الخليقة بأقنومه. هذا لم يكن من الحاجة ولا هو كان ضحية

والآن نأتي إلى وجهة نظر أخرى. يقول الإنجيل أنه عندما عاد السبعون تلميذاً من كرازتهم، أخبروا الرب بفرح: “يا رب ، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك” فقال المسيح: ” رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ”. بطبيعة الحال سنقوم بتحوير ذلك. لم يكن ينبغي أن يقال هذا الكلام هكذا. لكن يسوعنا “الوَدِيع وَمُتَوَاضِع الْقَلْبِ” كان يتجنب التباهي دائمًا. كان بإمكانه القول: “الذي رأيتموه الآن يخضع لكم باسمي هو الذي طرحتُه من السماء وكنت حاضراً عندما سقط مثل البرق”. لكن الرب تجنب كلمة “أنا”

نحن الآن ندخل في معنى لاهوتي أعمق ونفسّر كيف حدث السقوط. بحسب الرب ، تمّ السقوط مثل البرق، في ومضة. في لمح البصر، خضع مليارات الملائكة الذين سقطوا لتغييرين. أولاً، أخذ الله منهم الاستنارة والكرامة والكمال الذي كان لهم. وفي الوقت نفسه، قام بتغيير شكلهم. بحسب الآباء، كانت مراتب الشيطان (لوسيفر) الأجمل. بومضةٍ، ألقى بهم وأخذ قداستهم ونورهم وغيّر شكلهم

الآن نأتي إلى الشكل الثاني من الإعلان. كما يخبرنا الرب نحن ننتظر “قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي”. كيف تصف كنيستنا مسألة تجديد المجيء الثاني؟ ألا تقول أن مجيء كلمة الله سيكون “كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ”؟ وأنه في تلك الأزمنة، سيقوم الجميع ويحضرون أمامه

من غير المناسب أن يقبل الناس الجدّيون نظريات أي كان. نحن لا نريد مؤشرات بل نريد أدلّة. نحن نؤمن بإله محدد، وليس إلهًا مجرّدًا، معه نحن نتّحد أقنوميًا من خلال تنازله الطوعي. وهذا هو التقديس. ولكن لا تنسوا أن هناك شيطانًا أيضًا وأنه يقاتل. تذكروا الجارية في أيام الرسل التي “كان بهَا رُوحُ عِرَافَةٍ” (أعمال 16:16) ، وكانت تمارس التنجيم وتتنبأ بالأشياء. كيف يتنبأ الشيطان؟ الشيطان موجود كظاهرة خارقة ولديه قدرات خارقة، بسبب حساسية طبيعته وحركاته. إنه يتحرّك مثل النوس. فكروا بحركة نوسِنا، كيف تبدو. أنت الآن هنا؛ ثم تفكّر بنيويورك أو لندن أو المكان الذي أتيتَ منه. بِكَمّ جزء من الثانية حدث كل ذلك؟ هكذا تتحرك الملائكة والشياطين. الناس والملائكة يرَون كما يرى الله باشتراكهم في نعمة الروح القدس. الشياطين، كأرواح، يخمّنون. لقد اكتسبوا الكثير من الخبرات من سنوات حياتهم الطويلة. يرون شخصًا ما، على سبيل المثال، ينطلق من لندن ليأتي إلى هنا. إذا كان أحد معارفي فربّما أراه يأتي في حلم. قد يظهرون لي ذلك لأنهم يرونه يحزم حقيبته ويحمل جواز سفره. يتحركون على الفور. ثم هناك رموز أخرى في الخليقة تساعدهم. إنهم هؤلاء. كما أن هنا في المجتمع الشرطة والجيش والسلطات المختلفة ونظام فنرى ونفهم، على سبيل المثال، من زيهم المميز مَن ينتمي إلى البحرية أو القوات الجوية وما إلى ذلك، كذلك يمكن للشياطين معرفة من هم الموسومون للخلاص. يقول بولس الرسول أن الله “اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ” حتى أن المختارين للخلاص يحملون علامات نعمة الله، وأن الشياطين كارواح يرونهم ويفهمون. في سيرة القديس ثيوذوروس التيروني نرى أن القديس أثناء استشهاده، كان يجلد الشياطين التي كانت تصرخ: “ألم نعلم أنه سوف يحرقنا؟ ألم نرَ أنه سوف يكون هكذا منذ مولده؟” منذ ولادته، كانت العلامات عليه وكانوا يعلمون أنه سوف يكون رجل الله. من وجهة النظر هذه، لا نبوءة. إنهم لا يملكون موهبة التنبّوء لأنهم فقدوا النعمة وأظلموا وأدكنوا. ولكنهم يفهمون بسبب سهولة حركتهم وتجربتهم وقربهم من الملائكة الذين يختلطون بهم. المخلوقات كلها تحفظها الملائكة. بأمر الله، تحفظ الملائكة الخليقة في وئام. الشياطين تراقب الملائكة وتستنتج. سيكون هنا أمر من الله أو زلزال. أمر الله الملائكة الحارسين أن يرحلوا. فترى الشياطين أن شيئًا ما يحدث لأنهم يعرفون ما حدث من قبل فيصفون الأشياء من خلال المنجّمين والسحرة والوسطاء. في معظم الأوقات يخلطون الأمور ببعضها وأحيانًا أخرى يثبت أنهم مخطئون. لأن الرب يغيّر القرار. يقرر الله أن يدمر مكانًا معينًا لكن إما الناس الذين هناك أو الذين ماتوا ولديهم الجرأة في الصلاة يبدأون بالصلاة فيغيّر الله خطته. الشياطين تكون قد رأت وقالت للسحرة أن هذا سوف يحدث لكنه لا يحدث لأن الناس غيروا فكر الله وقراره. ألم يقل عن نينوى؟ لهذا السبب لم يرغب يونان بالذهاب إلى هناك للتبشير. كان يعلم أنهم سيتوبون وأن الله سيغير رأيه وأنه سيبدو كاذبًا. لهذا السبب غادر واضطر الله أن يلزمه بالذهاب إلى هناك

سؤال: الشعور بقدوم أحدهم، ألا يمكن تفسيره بالتخاطر؟

الشيخ: ما من شيء اسمه تخاطر. هذا ما كنا نقوله. إما أن تكون هناك نعمة الله أو خداع الشياطين. عندما يبدأ الناس في العيش كمسيحيين، بعد خروجهم من هوامش حياتهم الخاطئة غير الطبيعية، يبدؤون في العيش بشكل طبيعي. من الطبيعي، ينتقلون إلى ما فوق الطبيعة، نحو التقديس. ثم يدخل حدسهم اللعبة، وهي موهبة كانت لديهم قبل السقوط. بعد الحدس، يتبع ذلك الاستبصار الذي يتبعه البصيرة. ثم تأتي النبوءة، تزداد بالنعمة. الأشخاص الذين يخافون الله قد يرون ما قد يرون بالحدس أو الاستبصار أو البصيرة أو النبوءة. وفقط بهذه الطريقة. ماذا يعني التخاطر؟ الناس الساقطون ساقطون وهم خطأة محرومون من كل شيء. لم يبق لهم شيء. ما تقوله عن نقل الأفكار يمكن أن يحدث فقط بعمل الشيطان

سؤال: نحن نراه في الكتب العلمية

الشيخ: السحر هو كلمة علمية. كانت القديسة كاترينا بارعة في السحر، وكذلك عدد من الآباء الآخرين، قبل دخولهم إلى نعمة الله

سؤال: أود أن أسأل شيئًا عملياً، و غالبًا ما يسأله الأطفال. يقول القديس بولس إن الرجال والنساء متساوون أمام الله. فلماذا يمنع الكهنوت عن النساء؟ والدة الإله كانت امرأة

الشيخ: والدة الإله كانت استثناءً، وهي فريدة من نوعها. تمّ اختيارها لتيسير إفراغ كلمة الله لذاته. هذا لا يمكن أن يتكرر. سبب السقوط حرّكته امرأة ما أظهَر أنها كانت أضعف الاثنين. بصفتها الأضعف، لم تتمتع بالثقة لتكون وكيلاً أصيلاً. والدليل على ذلك أنها كانت سبب السقوط. الآن، إذاً اختيار عذراء لتسهيل تدبير الله كان استثناء، واحداً ولمرة واحدة ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك. كان عليه أن يصبح إنسانًا ويولد بأحكام طبيعية. لهذا كان ضرورياً العثور على عذراء لتقوم بذلك. وبالطبع، النساء داخلات في حياة البركة لكن في الواقع، لم يخلق الله امرأة بل خلق الرجل. لقد توقّع السقوط فخلق المرأة لتكون زوجة أي شريكة في ظروف ما بعد السقوط. في المستقبل، سوف تُمحى الطبيعة الأنثوية من جديد إذ ستكون هناك عودة إلى الخليقة الأولى: “لأن الله خلق الإنسان”… من المؤكد أن الكنيسة تمنح الاحترام للمرأة وترفعها فوق كل نظرية أو أيديولوجية بشرية أخرى. وحدها الكنيسة اعتبرت المرأة متساوية مع الرجل. ولكن لا، لم يُسمح لهنّ بأن يصبحن كهنة، مع أنهن مؤهّلات لأن يصبحن قديسات

لكن يبدو أن المرأة لم تفهم الأمور بشكل واضح في بداية الخلق، ولهذا السبب لن يتحقق هذا الفهم في المستقبل. اعتقد اليهود أن الزواج هو الهدف المطلق للناس وسألوا ربنا عما سيحدث في المستقبل. قال لهم: “أنت مخطئون ولا تعرفون الكتب المقدسة. لا يوجد شيء مثل هذا في الملكوت”. على الرغم من وجود الجنس منذ بداية الخلق، إلا أنه ليس دائمًا عاملًا نشطًا. عندما تولد طفلة فهي بالإمكانية امرأة، لكنها ليست كذلك. يجب أن تكون في الخامسة عشرة من عمرها قبل أن تكون منتجة. ومتى تجاوزت الخمسين، مرة أخرى لا يمكنها أن تكون امرأة لأنها تخدم غاية الأمومة لفترة فقط. هذه هي ظروف عابرة بسبب السقوط. لهذا السبب، في المستقبل لن يكون هناك “ذكر وأنثى”. في الواقع، لا تعود موجودة بعد القداسة. قبل حياة البركة تكون موجودة. يقول الكثير من الآباء أنه لن تكون هناك سوى سيدتنا والدة الإله على شكل حواء الأولى، حواء المحِبّة، لأنها تمجدت بكلمة الله إذ حلّ فيها. لكن كيف يحدث هذا، لا نعرف

admin:
Related Post