X

بحث في التراث الأرثوذكسي

هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ

الأب أنطوان ملكي

فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ هذا السؤال كان وما زال يقلق الكثيرين من الأغنياء. حتّى سليمان الحكيم، الذي كان فائق الغنى والحكمة في أنٍ معاً، شغلَه هذا السؤال وعبّر عنه بقوله: “الْكُلُّ يُنْسَى… كَرِهْتُ الْحَيَاةَ، لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي، الْعَمَلُ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ. فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي” (جامعة 16:2-18). هذا القول للنبي الحكيم معناه ما نعبّر عنه بالعامية بقولنا أنّ الانسان لا يأخذ شيئاً معه. في المثل الذي ضربه السيد، كل اهتمام الغني كان منصبّاً على الرفاه الدنيوي العابر، فيما أفكاره وروحه بعيدة عن الله وعن السعي إلى القيم الروحية الثابتة. من الأمور التي تظهر ذلك إرجاعه كلّ شيء إلى ذاته، ناسياً أو جاهلاً أنّ كلّ ما نملك هو من الله وله، وهو مُعطى لنا نحن العابرين للاستعمال الوقتي. “للرب الأرض وكلّ ما فيها” يقول المزمور.

في تسليم قلبه للثروات الأرضية، يصير الإنسان عبداً لها. لهذا، تطهير القلب يعني تنقية العالم الداخلي من كلّ تعلّق بالأرضيات الزائلة، ويجب أن يكون غاية دائمة لكلّ مسيحي. في تعليقه على هذا المثل، يقول الأسقف ثيوفان الحبيس: “بما أن الثروة من الله، قدّمْها إلى الله عندما تصل إليك، فتحوّلها إذذاك إلى ثروة مقدّسة. تقاسم كلّ ما يفيض عنك مع المحتاجين: فهذا يكون مساوياً لإرجاع لله ما أعطاه. إنّ مَن يعطي الفقير يعطي الله”. كلّ كلمة من هذا المثل تشير إلينا. إن هذه الكلمات ضرورية بشكل خاص لإنسان اليوم، لأنّ كل البشر في هذا العصر يميلون إلى التصرف بطريقة مماثلة للغني. فناس اليوم مستعدّون دائماً إلى هدم الأهراء القائمة ليبنوا أخرى جديدة. أوضح مثال على هذا الكلام هو الأزمة المالية العالمية التي تعود أسبابها، كما يشير الكثير من العلماء، إلى أسباب أخلاقية، حيث أن الأفراد لم يعودوا يكتفون بما يجنون يومياً بل هم يريدون المزيد ليصرفوا المزيد، ما أن يصل إلى يدهم شيء ما حتى يسكروا بتملّكه متناسين أنه من الله. هذا الموقف ليس للذين يريدون أن يكونوا مع الله ولا للمجاهدين لكي يجنوا ثمار الروح. إنّ في هذا المثل الكثير لنتعلّمه عن معنى حياتنا وعن كيف نوجهها ونستعملها لتبلغ إلى قيمتها الفعلية التي تشكّل الغنى الحقيقي، ألا وهي أن نكون متّحدين بالله، من خلال تحسسنا لمعاناة المتألّمين وجوع الفقراء وعَوَز المحتاجين، وسعينا إلى رفع معاناتهم بإشراكهم معنا في ما أوكله الله إلينا.

admin:
Related Post