X

بحث في التراث الأرثوذكسي

شجرة العيد والبابا نويل

الخورية سميرة عوض ملكي

عن نشرة الكرمة

تعود الاحتفالات بعيد ميلاد السيد إلى العام 335 ميلادية حين اختار المسيحيون استبدال عيد ميلاد إله الشمس (ميثرا)، الواقع في الخامس والعشرين من كانون الأول، بعيد ميلاد السيد المسيح. أما شجرة عيد الميلاد الخضراء والبابا نويل فهما مثلان عن التقاليد التي يعود أصلها إلى أوروبا الغربية والتي صارت تشكل اليوم جزءً من تقاليدنا. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كل الأمم تقتبس عادات مختلفة وتتبناها في تقاليدها. وفي كل البلدان، تعود أصول أغلب العادات إلى عبادة الطبيعة وإلى طقوس بدائية أغلبها وثني، وقد تغيرت بحسب ديانة كل بلد ولكن ببطء. إلى هذا، فالعاملان الاجتماعي والاقتصادي في فترات التاريخ المختلفة ساهما في تشكّل هذه العادات.

تقليد شجرة الميلاد دخل إلى بلادنا مع الإرساليات الغربية أيام الحكم العثماني وهو قريب جداً لتقليد يوناني يقوم بإحضار غصن أخضر إلى البيت لجلب الصحة والحظ. عادةً يكون الغصن غصن زيتون رمزاً إلى السلام. وفي أماكن أخرى كانت تزين الأشجار في ساحات المدن. أما بابا نويل فهو في الغرب سانتا كلوز أو سانت نيكلوس أي القديس نيقولاوس. يُعتَقَد أن ذلك يعود إلى أن شهر كانون الأول هو أصعب الأشهر على البحارة والقديس نيقولاوس هو شفيعهم. كما يعيد البعض هذا الاختيار إلى أن القديس كان يفتقد المحتاجين في أبرشيته ليلاً تاركاً لهم هداياه وأعمال رحمته دون أن يروه. أما بابا نويل في اليونان فهو القديس باسيليوس بحسب رواية تقول أنه كان بالأصل فلاحاً ثم صار عابر سبيل ثم لاجئاً إلى أن راح يجول في العالم يوزع الهدايا على الصغار والكبار.

هذه العادات ليست ثابتة وليست نفسها في كل البلدان. بعض اليونانيين يفضل تزيين سفينة خشبية صغيرة على تزيين شجرة الميلاد. هذا التقليد بدأ في المناطق الساحلية والجزر. ويعتقد البعض أنه نتيجة التأثُر بالبحارة الذين يزينون سفنهم بالأضواء. أما البعض الآخر فيعتقد أن أصل هذا التقليد هو في أن الأولاد كانوا يتجمعون فرقاً ليلة الميلاد، كما يفعل أولادنا ليلة عيد البربارة، ويتنقلون بين البيوت منشدين أناشيد ميلادية حاملين سفناً ورقية يملؤها الأهالي بالكعك والحلوى. وقد عاد الناس اليوم إلى عادة تزيين السفن الخشبية بدل الأشجار حفاظاً على البيئة.

إن هذه العادات التي لم تكن أصيلة وثابتة قد اكتسبت مع الوقت مكانة لها وتداخلت مع اعتبارات مختلفة منها تجاري ودعائي حتى تجذرت وصار من الصعب التخلي عنها. ليس الخطأ ولا الخطر في تزيين الشجرة وانتظار هدية البابا نويل إنما هما في أن لا يقوم العيد بدون الشجرة والبابا نويل. إن هذه الممارسة تشوبها أخطاء عديدة اليوم في ديارنا ولسنا في مجال تعدادها. لكن لا بد من لفت النظر إلى أن يسوع المولود في مزود لا يرضيه البذخ في تزيين الأشجار حتى تفوق كلفة تزيين شجرة واحدة على مصروف عائلة في أسبوع. إلى هذا فنحن نكون أكثر أمانة لتعليم الآباء الذين أوصونا بتوقير الأيقونات إن نحن وضعنا أيقونة الميلاد تحت الشجرة بدل ما يُعرَض علينا من التماثيل والأصنام. وأخيراً لا بد من التنبه إلى خطر ترك وسائل الإعلام والإعلان والتجارة تشوّه صورة العيد في أذهان أطفالنا فينسوا الطفل الذي انتظرته الخليقة كلها وما زالت تنتظره كل عام.

admin:
Related Post