X

بحث في التراث الأرثوذكسي

الهُدوئِيَّة(1) رُوحَانيَّة أرثُوذكسِيَّة عَظِيمَة

ماري–إيلين كونجوردو(2) ؛ تمُّوز-2002

نقلها عن الفرنسيّة : أيهم نقولا سعد (3) ؛ تمُّوز-2010

1.مقدّمة :

الهدوئيَّة hésychasme هي حركة روحيّة في الكنيسة الشرقيّة، تتميّز بشكل أساسي بتكرار اسم يسوع ؛ وهي تعود تاريخيّاً للقرون المسيحيّة الأولى، حيث اختصَّت بشكل أساسيّ بالأقاليم الشرقيَّة للإمبراطوريّة البيزنطيّة : مصر، فلسطين، سوريا. عَرَفَتْ الهدوئيَّة تجدُّداً رائعاً في القرن الرابع عشر، في قلب الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وجبل آثوس، محدثةً جدلاً حول شرعيَّتها اللاهوتيَّة، وانتهت بِتَبنِّيها كعقيدة رسميَّة للأرثوذكسيَّة. أصبحت تُمارَس، بعد سقوط الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، بشكل مخفيّ وسرِّي بدايةً في الدّول الإسلاميّة ومن ثمَّ ضمن الأديرة السلافيّة. أحْدَثَ نشر مجموعة من النصوص عن الهدوئيَّة، الفيلوكاليا، في نهاية القرن الثامن عشر انطلاقة جديدة لهذه الحركة الروحيَّة، التي تتدفَّق في أيامنا هذه على كنائس الغرب. لقد طلبنا من ماري-إيلين كونجوردو بأن تزوِّدَنا بمعلومات أوَّليّة عن هذه الحركة الروحيَّة.

تتضمَّن كلمة هدوئيَّة معنىً مضاعفًا في الكنيسة البيزنطيّة، فهي تشير إمَّا إلى حياة التوحُّد، وبهذا المعنى تكون الهدوئيَّة مرادفة لكلمة ناسك ermite، أو تشير إلى شكل من أشكال الصلاة الداخليّة (القلبيّة)، المستمرَّة التي تقود المُصلّي لإدراك وجود المسيح في داخله. حيث يترابط هذان المعنيان في المراجع. يكتب بناءً على ذلك القدِّيس يوحنَّا السلَّميّ رئيس دير سيناء الذي هو حاليّاً دير القدِّيسة كاترين ، في القرن السادس، في سلَّمه : «يُفضَّل الرَّاهب الفقير الذي يعيش حياة الشركة الرهبانيّة في دير Cénobite على الهدوئيّ شارد الفكر» (سلَّم، درجة 27، 59)، أيْ الرَّاهب بالغًا حياة الشركة في الدير قبالة الهدوئيّ ؛ لكنَّه يكتب أيضاً : «الهدوئيّ هو ذاك الذي يقول : أنا أنام لكن قلبي يقظ» (درجة 27، 18)، الذي يردِّد الصلاة المستمرّة.

ندعو الهدوئيّة، بشكل أكثر عموميّة، تلك الحركة الروحيَّة التي تعود لأصول رهبانيّة والتي، بالصلاة الداخليّة (القلبيّة)، تبحث عن الوجود المحسوس لله وبالتالي عن التقديس للمصلِّ. اقتصرت الهدوئيّة بدايةً على النُسَّاك وشاعت بعدئذٍ شيئاً فشيئاً ضمن الأديرة ومن ثمَّ انتشرت في العالم ككلّ في بداية القرن الرابع عشر.

2. الأفكار المهمَّة في الصلاة الهدوئيّة

• حِفْظ القلب :

تأتي كلمة هدوئيَّة من الكلمة اليونانيّة hésychia التي تستحضر الصمت والسكينة. يكتب يوحنَّا السلَّمي : «بداية الهدوئيّة هي في استقصاء كل ضجيج، لأنَّ الضجيج يُعَكِّر سرائر النفس. ويكون كمالها بعدم خوف أيّ اضطراب وبقاؤها عديمة التأثُّر» (درجة 27، 4) علينا لبلوغ هذه الحالة تجنُّب أيُّ فكر، الفكر – أو التفكير المنطقي – الغافل عن الله، حيث يستعمل الشيطان الأفكار ليُقلق الرَّاهب ؛ يقود إذاً الرَّاهب المعركة ضدَّ هذه الأفكار لاقتناء سلام القلب، السلام الداخلي. حسب يوحنا السلَّمي، «صديق الهدوئيّة هو ذاك الذي يكون دائماً بفكره في حالة يقظة، يتسلَّح بالشجاعة ومتشدِّد على باب قلبه ليقضي أو يُفلت العِنَان للأفكار التي تراوده.» (درجة 27، 3).

• صلاة يسوع :

يمرُّ الطريق باتجاه الهدوئيَّة من خلال صلاة يسوع، حيث يتعلَّق الأمر بصلاة فرديَّة monologique، هذا يعني صلاة مركَّبة من جملة قصيرة مكرَّرة إلى ما لا نهاية، وهي تُوحِّد في حين أنَّ كثرة الكلام تُشتِّت. قال الأب مكاريوس مسبقاً، وهو متوحِّد في صحراء مصر في القرن الرابع : «ليس من الضروري التشتُّت في الكلام ؛ فمن الكافي أن نرفع أيدينا ونقول : “يا رب، كما تشاء وكما تعلم، ارحم.”» (حِكَمْ آباء الصحراء). يصبح، قريباً جدّاً، اسم يسوع المركز لهذا التضرُّع. يكتب ديادوك مطران فوتيسه في اليونان في القرن الخامس «تستوجب الرُّوح منَّا، عندما نُغلق جميع مخارجها من خلال ذكر الله، عمل يُشبع بشكل كامل قدرتها على التمرين. يجب أن نعطيها إذاً “الرب يسوع” كشاغل وحيد للوصول بشكل كامل لهذا الهدف.» (c. 59).

تشكّل صلاة يسوع، منذ القرن السادس، جزءاً من معدَّات وتجهيزات الرَّاهب. «فكما يكتب يوحنَّا السلَّمي، تسلَّحْ بالصلاة واجلدْ أعداءَكَ (الشياطين) باسم يسوع» (درجة 20، 7). فهي تصبح بالتدريج خاصيَّة الهدوئيَّة. كتب إيسيشيوس، وهو راهب في دير باتوس Batos بالقرب من سيناء : «لا تتوقفوا عن تَجوال اسم يسوع في فُسحات قلوبنا كالبرق الذي يومض في السماء معلناً قدوم المطر.» (c. 105, in Philocalie, I, p. 207).

• ثمار الهدوئيَّة، رؤية النور غير المخلوق :

ينضمُّ لتجربة وخبرة حِفْظِ القلب وصلاة يسوع، الروحانيَّة الصوفيَّة للنُّور غير المخلوق. فبالرَّغم من أنَّه وُجِدَت لها آثار منذ آباء الصحراء إلا أنَّها تتطوَّر بشكل خاص في القرن الخامس ضمن مجموعة من النصوص التي أرجعها المؤرِّخون إلى سمعان-مَا في بلاد ما بين النهرين، لكنْ من الذي قرأها من الرُّهبان البيزنطيين كعمل من أعمال مكاريوس – الذي ندعوه أيضاً وبهذا الصدد مكاريوس المنتحل. يصف هذا الكاتب، في مواعظه الرُّوحيَّة، تجارب رؤية الله والنَّشوات الرُّوحيَّة. يصبح الإنسان المُعطى هذه الرُّؤى بذاته مُستنيراً، كما في حالة موسى عندما نزل من جبل سيناء بالتحديد.

3. المَعالِم الرَّئيسيَّة للهُدوئيَّة

• الهدوئيَّة النُّسكيَّة :

ينقسم الجهد الرُّوحي لرُهبان الصحراء المصريَّة منذ القرن الرَّابع بين الصلاة الداخليَّة (القلبيَّة) والنُّسك سعياً للتناغم بين الاثنين. إلاّ أنَّ انحراف مُهَدِّد سيحمِّل الهدوئيَّة مسبقاً شكُّ اللاهوتيين : بعض الرُّهبان الذين ندعوهم بـ أوشيت euchites، المصلُّون، الذين لا يطالبون بشيء آخر سوى الصلاة. أوصى الآباء بشدَّة ضدَّ هذه البدعة على العمل اليدوي الذي يرافق الصلاة وكلُّ ذلك للسماح بمساعدة الفقراء فضلاً عن نفسه.

إنَّ التجربة الرُّوحيَّة لآباء الصحراء مدوِّنة في نهاية القرن الرابع، يعرض واحد منهم وهو أوغريس البنطي بأسلوب تركيبيّ سياق الهدوئيّ : يجب أن يمر هذا بخطوات النُّسك الجسديّة – الصِّيام، السَّهر – ومن ثمَّ إلى نسك الأفكار – محاربة الكبرياء، الغضب، الحسد – لبلوغ الصلاة النقيّة «علاقة عميقة مع الله» (في الصلاة، c. 3)، التي يجب أن تكون بدون صورة ولا خيال.

أصبحت هرطقة المصلين (الأوشيت)، في القرن الخامس، خطرة : ينتشر كلُّ تيارٍ طائفيّ تابع للمصلّين ميساليان messaliens – وهي الترجمة السريانية من اليونانيّة لكلمة أوشيت euchites – في الأقاليم الشرقيّة للإمبراطوريّة. تستبعد عقيدتهم كل ما هو غير الصلاة أي الأسرار والحياة الكنسيَّة وتتألَّف من القول أنَّ المعموديَّة غير نافعة وأنَّه وحدها الصلاة المستمرَّة يمكن أن تطرد الشيطان الذي يقطن في كل إنسان منذ ولادته ؛ يسبِّب رحيل الشيطان خبرة محسوسة للرُّوح القدس، الضمان الوحيد للخلاص. ستُدان هذه البدعة من قبل مجمع أفسس في عام 431.

في الواقع، ليست بدعة المصلّين إلاّ هامش طائفي لحركة روحيّة أكثر أهميّة، تلك التي يمثِّلها مكاريوس المنتحل. تتأصَّل جذور هذه الحركة في سوريَّا وبلاد ما بين النهرين وقد تصدَّت لتجربة مذهب العقلانيَّة الروحيّة الصرفة التي كانت في بذور نظريات أوغريس البنطي ؛ يعطي ثانيةً سمعان-مكاريوس، إلى جانب الصلاة النقيّة بدون صور وخيالات لأوغريس البنطي، مكاناً للعواطف لتذوُّق الله في ملء القلب.

سوف يُقصي لزمن طويل خطر بدعة المصلِّين وإدانتها الجذريّة – التي تلقي الشَّك على كل اللّذين يتكلَّمون عن الصلاة المستمرَّة وإدراك الله – الصلاة الهدوئيَّة عن المراكز البيزنطيَّة الكبرى، وسوف تحتمي الحركة في هوامش الامبراطوريَّة الأقل خشية من صواعق أرثوذكسيَّة متغطرسة أيْ :

–  في سيناء، مع يوحنَّا السلَّمي الذي يَصِفُ الصلاة الهدوئيَّة – « يترقَّب الهرّ الفأر ؛ وتترقَّب روح الهدوئي عريسها الرُّوحي» (الدرجة 27، 8) – وثمارها المحسوسة – «عندما تأتي النار لتسكن في القلب فإنَّها تبعث الصلاة ؛ وعندما ستُبعَثُ الصلاة وستصعد إلى السماء ستُنزل بدورها ناراً في عليَّة العشاء السرِّي للنفس» (الدرجة 28، 48)؛

–  في فلسطين، مع الرَّاهب بارسانوف وتلميذه دوروتيه من غزَّة الذين يصرُّون على عدم الاكتراث والثقة الكاملة بالله؛

–  في سوريا، مع اسحق السوري وهو ناسك يصبح أسقفاً لنينوى ومن ثمَّ يعود ويصبح راهباً متوحِّداً وهو يُصرُّ على التحوُّل الذي تحدثه الصلاة الهدوئيَّة : «أنْ ينام المصلِّي أو أنْ يستيقظ فإنَّ الصلاة من الآن فصاعداً لن تغادر نفسه. أنْ يأكل، يشرب، ينام أو كل ما يفعله، وحتى في نومه العميق، فإنَّ عطر الصلاة يستيقظ بدون ألم في قلبه.» (أبحاث نسكيَّة، 85). يعطي هذا التحوُّل للمصلِّي نظرة جديدة حول الكائنات والأشياء، نظرة شفقة شاملة تتضمَّن حتَّى الأفاعي.

لكن منذ القرن السابع، عندما أصبحت هذه الهوامش البيزنطيّة أراضٍ إسلاميَّة ، لن يُعبَّر عن الهدوئيَّة إلا بصوت خافت.

• سمعان اللاهوتيّ الحديث أو الهدوئيَّة في الدَّير :

يَجِدُ راهب خارج عن المألوف، في القرن العاشر في القسطنطينيّة، وهو سمعان اللاهوتيّ الحديث المواضيع الرئيسيَّة الهدوئيَّة، لكن بدمجها هذه المرَّة مع الحياة النسكيّة. يوافق، مزوَّداً بتجارب صوفيَّة منذ حداثته، الحياة العامَّة والصلاة الداخليَّة (القلبيّة) مؤكِّداً أنَّ القداسة لا تعتمد على نمط الحياة. طالبَ بإمكانيّة ممارسة صلاة تأمليَّة ومستمرَّة في الأديرة وعيش «في أيَّامنا أيضاً» تجربة مدركة ونيِّرة بالرُّوح القدس.

• الباليولوج Paléologues أو الهدوئيَّة في الأماكن العامّة :

توارت الهدوئيَّة من جديد، بعد هذا اللمعان الصُّوفي لسمعان اللاهوتي الحديث، كنهر باطنيّ محبوسة بواسطة الشكليَّات الرُّوحيَّة المرافقة للذروة الرُّوحيَّة للإمبراطوريّة، التي ستنبعث ثانيةً في نهاية القرن الثامن بعد المحنة المخيفة التي تمثِّل بالنسبة للبيزنطيين، بين 1204 و 1261، الاستيلاء على القسطنطينية من قبل الصليبيِّين والاحتلال اللاتينيّ.

يرتبط مع هذا الانبعاث بعض الأسماء مثل نيسيفور الهدوئي وهو ناسك في جبل آثوس يتوجّه إلى كل الذين يريدون أن يختبروا حضرة الله في الصلاة ؛ وهو يعتبر واحدًا من الأوائل الذين نصحوا بإدراج طريقة جسديّة، إلى هذه الصلاة، قائمة على السيطرة على التنفُّس : «أنت أيضاً في سكون قلايتك، مستجمعاً فهمك وإدراكك، اجعلها (الصلاة) تدخل من الأنف حيث يلج النَفَسْ داخل القلب. ادفعها عنوةً لتستقرَّ وتمكث مع النَفَسْ الوالج إلى القلب… عندما يوصلك إدراكك إلى هذه النقطة يجب ألا تتركه في الصمت والفتور وإنما قدِّم إليها ملكة العمل والتمرين المستمر على الصلاة : “أيها الرب يسوع المسيح، ارحمني” كي لا تتوقف أبداً عن ذكرها.» (حول الاعتدال، الفيلوكاليا 2، ص 372).

يطوِّر كاتب آخر من نفس العصر وهو سمعان المنتحل الطريقة الجسديّة بشكل أكثر تفصيلاً حيث سيفسح المجال ويسبب انتقادات لاذعة حين يقول : «ضع ذقنك على صدرك، كن يَقِظاً لنَفْسِكَ مع إدراكك وعيونك الحسَّاسة ؛ احبس للحظة نَفَسَكَ إلى الوقت الذي يجد فيه إدراكك مكان القلب الذي يقطن فيه نَفَسُكَ بالكامل» (حول الأساليب الثلاثة للصلاة، الفيلوكاليا 2، ص 815)، ستشبِّه انتقادات سيئة القصد هذا الأسلوب والعادة كتأمُّل السُّرَّة (في مركز البطن) كمكان للنفس حيث يشير مؤرِّخون معاصرون، من جانبهم، إلى تقارب مدهش لهذه الطرائق مع اليوغا.

أصبح الراهب ثيوليبتوس من فيلادلفيا، من نفس العصر، أسقفاً يدرِّس الصلاة الدَّاخليّة في التقليد الهدوئيّ النَّقي في دير للرّاهبات في القسطنطينيّة : الهدوئيّة ليست حكرًا على النّسّاك ولا على الرِّجال.

كل ذلك لم يكن إلاّ اختلاجات حيث شَهِدَ القرن التالي ولادة الهدوئيّة مع شخصيَّتين استثنائيَّتين : غريغوريوس السِّينائيّ وغريغوريوس بالاماس.

غريغوريوس السِّينائيّ، مأسور من قِبَل الأتراك ومُساق كعبد إلى لاوديكية Laodicée ثمَّ مُسترجع من قِبَل مسيحيّي البلد المحلِّيِّين كونه يرتِّل جيِّدًا. مُحرَّراً يسافر ويطَّلع ويتدرَّب على الصلاة الدَّاخليّة تدريجيًّا في قبرص، سيناء وفي كريت. يشكّل حوله تلاميذ بوصوله إلى جبل آثوس قبل ذهابه ليستقر في بلغاريا. يقوم تعليمه على ضرورة إيقاظ نعمة المعموديّة، غير مكترث بالهموم اليوميّة ؛ الأمر الذي يفتح طريقان : طريق النسك وهو طويل وشاق، وطريق الصلاة المستمرّة بشفاعة اسم يسوع وهذه الطريق سريعة لا يريدها أن تكون حكراً فقط على الرهبان، حتى النسّاك، بل سيدفع تلاميذه لينشروها حتّى أوساط العلمانيّين.

4. الجَدَلْ الهدوئيّ :

يبدأ في عام 1337، راهب فيلسوف وهو برلعام من كالابريا، تحقيقًا حول الحركة التي بدأت بالانتشار في جبل آثوس حيث يرسم صورة هزليّة للرّهبان الذين انصرفوا إلى هذا الشكل من الصلاة ونعتهم بـ «أومفالوبسيك» أيْ أولئك الذين نَفْسُهم تكون في السُّرَّة. يردُّ ويجيب غريغوريوس بالاماس، وهو راهب من جبل آثوس، بسلسلة من المقالات «للدفاع عن القديسين الهدوئيّين» : الثَّالوثيِّين. يدافع عن جملة ما فيهم من إمكانيّة الوصول لرؤية النّور الإلهيّ بعيونهم الجسديّة. فهو يكشف ليُبرِّئ نفسه بما أنَّه متَّهَمٌ بدعم وتأييد فكرة إمكانيّة رؤية الجّوهر الإلهيّ – أنَّه هرطوقيّ – عن عقيدة ستُعتبر فيما بعد كأساس لاهوتيّ للهدوئيّة : التمييز بين الجوهر الإلهيّ غير المُدرك وبين قوى الله – النور، المَجْد – المُتاحة للإنسان والتي هي اتّجاهات لتقديسه.

مُقاضً أمام مجمع القسطنطينيّة الكنسيّ عام 1341 بُرِّئ بالاماس من هذه الاتهامات بفضل انقلاب سياسيّ وضع على العرش الامبراطوريّ واحدًا من مناصريهم. ستصبح فيما بعد العقيدة البالاماسيّة، أي ذاك الدّفاع عن الهدوئيّة من قِبَل بالاماس، العقيدة الرَّسميّة للكنيسة البيزنطيّة بالرَّغم من المقاومة التي ستستمرُّ خلال عقود عديدة. سيسمح دعم الامبراطور البيزنطيّ لمناصري بالاماس بشغل كرسي بطريركيّة القسطنطينيّة حتّى نهاية القرن وبشكل متناقض أن يطوِّروا فيها ممارسة استقلال الكنيسة ضدّ تعديَّات الامبراطور.

تستمرّ، بشكل موازٍ لهذه التطوّرات السياسيّة-الكنسيّة، الحركة الرّوحيّة الهدوئيّة بالانتشار رابحةً الحلقات العلمانيّة من خلال وَعْظِ تلاميذ غريغوريوس السّينائيّ وكتابات الهدوئيّ العلمانيّ نيكولاس كاباسيلاس Nicolas Cabasilas.

تستعيد الهدوئيّة، بعد سقوط الامبراطوريّة البيزنطيّة عام 1453، حياتها تحت الأرضيّة. وفي عام 1782، أعطت النشرة في ڤينيسيا (البندقيّة)، من قِبَل نيقوديموس الآثوسيّ Nicodème l’Hagiorite من فيلوكاليا الآباء النسّاك وهي مجموعة من النصوص الرّوحيّة البيزنطيّة حول الصلاة الداخليّة، وضوحاً إضافيًّا والذي سيتكلّم ويعبّر عنها بشكل أساسيّ في جبل آثوس وفي البلاد السلاڤية. ستشهد روايات سائح روسيّ، التي تقصُّ رحلات إنسان بحثاً عن الصلاة المستمرّة والذي يأخذ منها السرّ في هذه الفيلوكاليا، نجاحاً كبيراً. تُرجِمَت هذه الرِّوايات إلى لغات غربيّة مختلفة وإلى الفرنسيّة منذ عام 1928 بنفس الوقت مع انتشار القديسين الأرثوذكس التابعين لنفس التقليد الرّوحي، مثل سيرافيم ساروف في القرن التاسع عشر وسلوان الآثوسيّ في القرن العشرين الذين سيساهمون في نشر الهدوئيّة. ستغرق وتغيب الفيلوكاليا ضمن الأثر الذي يتركه السائح الرّوسيّ : إنَّ نشر مقتطفات أو مختارات باللغة الفرنسيّة عام 1953 تحت عنوان الفيلوكاليا الصّغيرة للصلاة القلبيّة، سيُتبع بترجمة متكاملة للفيلوكاليا باللغة الإنجليزيّة ومن ثمّ إلى الفرنسيّة. إنَّ كنوز الهدوئيّة البيزنطيّة هي في الوقت الحاضر متاحة لعدد كبير.

(1) راجع المقال الأصلي على الرابط التالي : http://www.clio.fr/BIBLIOTHEQUE/une_grande_spiritualite_orthodoxe__l_hesychasme.asp

(2) مكلّفة بالأبحاث في CNRS (Centre National de la Recherche Scientifique)

(3) المترجم من رعية قطنا في ريف دمشق ـ سوريّا. حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة Lille في فرنسا.

Email : aihamsaad@gmail.com ; P.O.Box : 3170, Damascus – Syria

admin:
Related Post