X

بحث في التراث الأرثوذكسي

الشيخ جرمانوس من دير ستافروفوني – قبرص
نقلها إلى العربية الأب أثناسيوس بركات

لمحة موجزة عن الدائم الذكر الشيخ جرمانوس ستافروفوني

ولد الشيخ جرمانوس في قرية أوغورو التابعة لأبرشية أمّوخوستوس (قبرص) سنة ١٩٠٦ من أبوين تقيين هما نقولا ومارغاريت، من عائلة حاجي جيورجي. بسبب قراءته في صباه لسيرة القديس يوحنا الكوخي، اندفع بحماس موطداً العزم ليعيش الحياة الديرية (الرهبانية).
في عمر السادسة عشر دخل دير ستافروفوني مُظهراً حماسة مثالية وطاعة ملفتة كمبتدئ في الرهبنة. تمّت الصلاة عليه ليلبس الإسكيم في عمر الرابعة والعشرين وتغيير اسمه – الذي كان جورج – ليُصبح جرمانوس. رُسم شماساً في السنة اللاحقة. مُنح الإسكيم الكبير في عمر التاسعة والعشرين ورُسم أرشمندريتاً في عمر الثامنة والثلاثين.
لقد أسهمت حكمته الظاهرة ونقاء سيرته وقدراته الإدارية بشكل رئيسي لانتخابه رئيساً للدير سنة ۱۹۵۲ حين رقد الشيخ ذيونيسيوس الثاني الدائم الذكر. كان قدوة في رئاسته للدير: أولاً في براءته، في تسامحه، في حلمه، في صبره، في خدمته، في كدِّه، في هدوئه، ومشاركته في الخدم المقدّسة. لقد كدّ كثيراً لأن يزرع في نفسه الصلاة غير المنقطعة.
كان التواضع بضمير حي واحدة من فضائله الرئيسية. لقد تجنّب أي إسقاط من قلبه تجاه العالم الخارجي، وأيضاً تجاه الناس الذين من حوله. لقد جاهد لإخفاء فضائله بكل ما أُعطيَ من قوّة. لذلك، وكقاعدة عامة، استطاع القليلون تمييز الكنز الخفي المستور في هيئته الجلية. كانت صلاته غير المنقطعة مع دموع، ووقفته الملائكيّة أمام هيكل الله المرهوب خلال القداس الإلهي، والمثال الفريد والمميز الذي هو حياته، كل ذلك أعلن عن إثمار روحي غني، ليس فقط في ديره، بل في الأديرة النسائية في قبرص التي ازدهرت وتدين بالشكر بصورة رئيسية لجهوده.
لقد كان أباً روحياً معرّفاً من الطراز الرفيع، قاد العديد من الناس الى التوبة والتحوّل الروحي الأصيل الى الرب. إن حياته كلها شهادة حيّة حقيقية للمسيح الحي.
لقد اختتمت حياته الأرضية بنهاية استشهادية. بعد ظهر الواحد والثلاثين من آب سنة ۱۹۸۲ الذي هو اليوم الأخير من السنة الكنسية وهو أيضاً يوم مخصص بامتياز لوالدة الإله الفائقة القداسة الذي يوقّره الشيخ الموقّر، وعندما كان عائداً من عمل يوم متعب في بساتين الزيتون وهو يقود جرارالدير الزراعي، سقط في وادٍ عميق حيث لاقى موته الإستشهادي بدون أن يلقى أيّة مساعدة. هكذا رقد الشيخ المبارك في نهاية السنة الكنسية. هذه الشخصية الأصيلة التي حياتها تضحية متواصلة وخدمة لا تنقطع.
لقد نُقل، بدون شك، الى الهيكل السماوي حيث التسبيح الذي لا ينتهي. أما الرهبان الذين أمضوا طيلة فترة بعد الظهر في التفتيش عنه، فقد وجدوه في اليوم التالي ميتاً وفي وضع صلاة حيث يداه ورجلاه بشكل صليب، فكان ذلك علامة منظورة على عمله الروحي حتى في تلك اللحظات الأخيرة المملوءة ألماً ومعاناة من ميتته الإستشهادية التي تشبه معاناة الولادة والتي تدخله الى الحياة الأبدية.

إرشادات ونصائح الشيخ جرمانوس

حول الإيمان بالله

من يتغلّب على أهوائه يَنَل إيماناً عظيماً.
الإيمان الكبير نعمة من الروح القدس. فهي تُمنح بغنى فقط لأصحاب القلوب المنقّاة من الأهواء.
يجب أن نؤمن بالمسيح من كل قلوبنا، فيكون الذهن مستنيراً فنتغلب على الخطايا، تتلاشى الأهواء، يعتري نفوسنا الهدوء، ويكون كل كياننا مُفعماً بالحياة.
يوجد إيمان حقيقي صادق كما يوجد إيمان كاذب. يظهر الإيمان الحقيقي في وقت التجربة. أما الإيمان الكاذب فيزدهر فقط في أوقات الراحة ويذبل وقت الإمتحان. هل تصلّي بإيمان؟ ستُسمع. هل تتوب بإيمان؟ ستنال الرحمة. هل تعترف بإيمان؟ ستُغفر خطاياك. هل تصبُر بإيمان؟ ستتقدس. “إني أؤمن بالمسيح” هذا يعني أن ثقتي به في كل شيء. لا أُغيّر ولا حتى حرفاً أو نقطة من تعاليمه ووصاياه، وإلا فسأكون هرطوقياً. والهرطوقي هو خارج فُلك الخلاص. سيُغرقه الطوفان.
يتجلى إيماننا في أعمالنا، في كلماتنا وفي أفكارنا.
ما يُحرز الإيمان الحقيقي يتجلّى ببرهان أكيد في سير الشهداء الأبرار النساك المعترفين الذين يمارسون ضبط النفس وكل أعمال القديسين.
بالإيمان بالإله الحقيقي والتواضع نتغلب على أهوائنا، والشياطين الذين يناضلون لأذيتنا سيلوذون بالفرار وبطريقة سرية وفائقة الطبيعة يُجرّدون من أسلحتهم.
“إني أؤمن بالمسيح”، عبارة لا تعني وحسب أنه عليّ الانتظار والطلب من الله أن يسمع لي محققاً رغبتي. “إني أؤمن بالمسيح” تعني أنني أقدّم الطاعة لله مُحققاً رغبته هو، أكان ذلك يُرضيني أم لا. لهذا نقول لله في صلاة “أبانا الذي…”: “لتكن مشيئتك…” وليس: “لتكن مشيئتي”.
حول العناية الإلهية

كيف يستطيع الناس إيذاءنا عندما يكون الله محباً لنا ومُدبراً لأمورنا؟ إذا كنت تفهم محبة وعناية أهلك لك، ففكّر أن محبة الله لك وعنايته بك هما أكبر بما لا يُقاس. إحفظ ذلك في فكرك ولا تيأس.
المرض الذي يعتريك في ظل العناية الإلهية هو دواء يشفي نفسك من الأهواء والشرور والخطيئة. يقبل المرء المرض كفرصة للصلاة والتوبة كذلك.
في معاناتك الآن من مرضك يصعب عليك أن تخطئ، ولا تُشبَع الأهواء كما يحدث عندما تكون مُعافى. يجب أن ترى محنتك على أنّها “الباب الضيّق والطريق الصعب” (متى ۷:۱٤) الذي يقود الى الحياة الأبدية. عظموا الله الذي بعنايته ومحبته سمح بهذا الأذى الوقتي مما يفتح الطريق الى الأبدية من أجلك.
في الرجاء بالله

مع الصلاة المستمرة والإعتراف الصادق والدراسة المستمرة للكتاب المقدس وسير القديسين يتكوّن الرجاء المسيحي في نفوسنا ثابتاً وقوياً.
لقد وضع القديسون كل رجائهم على الله ولم يخيبوا. ليكن هذا مثالاً نحذوه.
لا تستسلموا حتى ولو حاربتكم أهواؤوكم أو أفكار الخطيئة. إبدأوا بداية جديدة دائماً، وقولوا: “الله حي، لهذا لن أيأس”.
من يتّكل على الله لن يرقى الى طريق مسدود.
من لا يتّكل على الله يفتّش على تعزيات خادعة في الفلسفات الضبابية وفي الانحرافات التي تقود الى الخطيئة والمشروبات المؤذية وحتى في لمخدرات.
الصلاة بلا رجاء كالسفينة بلا بوصلة.
أي نوع من المسيحيين نحن إذا كنّا نعيش “كسائر الذين لا رجاء لهم” (۱تسا ٤:۱۳).
من يعمل بحسب وصايا الله يرجُ المكافأة، لأن الرب يقول: “إن أجركم عظيم في السماوات” (متى ۵:۱۲) فيتوجه الى المسيح قائلاً: “لتكن يا ربّ رحمتك علينا كمثل اتكالنا عليك”. (مز ۳۲:۲٢).
في المحبة

من يُجاهد ليحظى بالمحبة الكاملة تجاه الله كما تجاه قريبه يتمكّن من الإعتراف بأن يسوع المسيح هو الرب “بالروح القدس”.
يجب أن تثق بأن الله يحبّك حتى ولو نبذك كل الناس وتخلى عنك الجميع.
إذا جاهدت في محبة الله بقدر فإنّه يظهر ذاته لك بقدر أكبر.
الحب الإلهي موجود ولكن الحب الشيطاني موجود أيضاً. كما هناك بغض إلهي وهناك أيضاً بغض شيطاني.
المحبة الإلهية تنمو عن طريق المحافظة على وصايا الله. المحبة الشيطانية شريرة راغبة باللذة وشهوانية. البغض الإلهي هو بغض للخطيئة. أما البغض الشيطاني فهو ضد كل إنسان من جنسنا وحتى ضد الأعداء.
الشرير يتذوق الموت، في حين أن المُحبّ يتذوّق الحياة الأبدية. لا مكان في ملكوت السماوات للذين لا يوجد مكان لمحبة الأعداء في نفوسهم.

admin:
Related Post