X

بحث في التراث الأرثوذكسي


قصص للأطفال

إعداد راهبات دير مار يعقوب، دده

الشمعة المطفأة

كانت ﭘولا ابنة صغيرة وحيدة لوالدها يحبّها جدّاً. لذلك فحينما مرضت، ولم تفلح في علاجها كلّ جهود أمهر الأطبّاء؛ صار والدها كالمجنون يجوب كلّ مكان لكي تستعيد ﭘولا صحتها. ولكن للأسف الشديد لم تتعاف، بل انطلقت إلى أحضان حبيبها يسوع.

حزن والدها جدّاً، وابتعد عن أصدقائه، وما عاد يريد الخروج من المنزل، ورفض أن يأكل أو يشرب، ورفض أيضاً الذهاب إلى الكنيسة، وهكذا بقي وحيداً كئيباً.
وفي ليلة من الليالي، رأى في منامه حلماً وكأنّه في السماء يشاهد موكباً كبيراً من الملائكة الصغار يسيرون في صفّ واحد طويل، متوجّهين نحو عرش الله العظيم اللاّمع ببياض أنصع من الثلج. وكانّ كلّ ملاك صغير لابساً ثوباً أبيضاً، ويحمل بيده شمعداناً. لكنّه لاحظ أنّ شمعدان أحدهم غير مشتعل، بل مطفَأً. فحدّق النظر، فإذا بالملاك حامل هذا الشمعدان المطفأ هو ابنته الحبيبة. فاندفع نحوها بسرعة فائقة ممّا أدّى إلى اضطراب الموكب، وأمسك بذراعيها، ملاطفاً إيّاها بحنوٍّ، ثمّ سألها:
– ما هذا، يا ابنتي العزيزة، إنّ شمعتك الوحيدة المُطفأة”؟
– كثيراً ما أشعلوها لي، لكنّ دموعك، يا أبي الحبيب، تطفئها دائماً. أنا أعيش حياة كلّها نور وفرح مع يسوع والملائكة.
استيقظ الوالد من نومه، وعلم بأنّ ابنته أعطته درساً مفيداً كي لا يحزن. ومنذ تلك الساعة ما عاد منعزلاً، بل خرج وبدأ يندمج ويختلط مع أصدقائه القدامى. وذلك حتى لا تعود شمعة ابنته تنطفئ بسبب دموعه التي لا فائدة منها، خاصّة وقد علم أنّ ابنته الحبيبة سعيدّة جدّاً في أحضان يسوع، تشترك مع الملائكة الصغار في الترتيل له تراتيل حلوة جدّاً.

جئت إليك ثلاث مرّات

 

كان الإسكافيّ القرويّ فيكتور يحبّ الله كثيراً، كريماً، أميناً عمله، يتّسم بالبشاشة في لقائه مع الناس. وكثيراً ما كان يصلّي إلى الربّ يسوع قائلاً: “يا يسوع الحبيب إلى قلبي جدّاً، كم أتمنّى لو أراك، وكم أودّ لو ألتقي بك”.
وفي إحدى الليالي رأى فيكتور يسوع في الحلم يَعِدُهُ بأنّه سيأتي إليه في اليوم التالي. قام من النوم فرحاً، وذهب إلى الغابة القريبة، وقطف بعض الأزهار الجميلة الملوّنة، وزيّن بها حجرته البسيطة التي كان يمارس فيها عمله، وفيها أيضاً ينام ويطبخ… وبدأ يصلّي فرحاً وهو يمارس عمله منتظراً مجيء المخلّص. وفجأة رأى شيخاً بدت عليه علامات التعب الشديد، وفي بشاشة أخذ يتحدّث معه، وبكلّ احترام سأله أن يستريح قليلاً عنده. فجلس الشيخ، وإذا بالإسكافيّ يتطلّع إلى حذائه، فيجده عتيقاً مهلهلاً مملوءاً ثقوباً، فأحضر إليه حذاء جديداً وقدّمه له هديّة. اعتذر الشيخ بأنّه لا يملك ثمن الحذاء، أمّا الإسكافيّ فقال له أن يصلّي من أجله وهذا يكفيه لكي يباركه الله.
وبعد أن فارق الشيخ الإسكافيّ، بقي فيكتور يترقّب مجيء الضيف الإلهيّ. وإذا بسيّدة عجوز تسير أمامه ببطء شديد تحت ثقل الحمل الذي على كتفيها، فطلب منها الإسكافي أن تستريح هي أيضاً قليلاً عنده، ثمّ أحضر لها بعضاً من الطعام الذي كان قد أعدّه لنفسه، فصارت تأكل فرحة إذ كانت جائعة وهي تشكره على محبّته وسخائه.
وعند الغروب لاحظ فيكتور صبيّاً صغيراً يبكي في الطريق، فترك ما كان في يده وذهب يسأله عن سبب بكائه، فقال له الصبيّ بأنّه ضلّ الطريق. وفي حنان كبير هدّأ نفس الصبيّ، وقال له إنّه يعرف والديه، وإنّه سيرافقه إلى بيته. وبالفعل ترك دكّانه، وانطلق مع الصبيّ، وكان يسرع في خطواته ذهاباً وإياباً خشية أن يأتي السيّد المسيح ولا يجده.
وإذ حلّ المساء أغلق فيكتور دكّانه وجلس يفكّر هل يأتي السيّد المسيح في المساء، وماذا سيفعل عندما يأتي، وبدأ يقول لنفسه: سوف أغسل يديه وقدميه اللتين ثقبتهما المسامير، وأجلس عند قدميه أستمع إلى صوته الحنون، وأقدّم له طعاماً من صنع يديّ”. مرّت الساعات ولم يظهر له السيّد المسيح، فبدأ فيكتور يعاتبه قائلاً: آه يا يسوع، ألم تعدني بأنّك سوف تأتي إليّ ليفرح قلبي بقدومك، فلماذا لم تأت؟ ثم ما لبث أن ذهب إلى النوم وهو حزين. وفي الليل ظهر له يسوع في الحلم قائلاً: لقد وفيت بوعدي لك يا فيكتور وأتيتك ثلاث مرّات: جئت إليك في شكل شيخ منهك القوى، وقدّمتَ لي حذاء جديداً بحبّ وبشاشة، ثم أتيتك بشكل سيّدة عجوز، وقدّمت لي طعاماً من صنع يديك، وأخيراً جئت إليك في شكل صبيّ تائه، وسرت معي إلى المنزل”.
استيقظ فيكتور فرحاً، وركع يشكر يسوع لأنّه التقى به من خلال المحتاجين والفقراء والتائهين والمتعَبين. ثمّ أسرع إلى الكتاب المقدّس وقرأ المقطع التالي:
“تعالوا يا مبارَكي أبي رِثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم لأنّي جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني… وكنت غريباً فآويتموني وعرياناً فكسوتموني… ومريضاً فزرتموني ومحبوساً فأتيتم إليّ” (متى 34:25-37)
ورسم فيكتور نفسه بإشارة الصليب المقدّس وهو يقول لنفسه: ساعدني يا ربّ في هذا الصوم المبارك أن أقوم بما توصينا به.

 

أيقونة حارسة البوابة

 

 

كانت أرملة غنيّة جدّاً لها ابن وحيد، وكان عندها أيقونة لوالدة الإله. واتّفق أنّ جنود الملك ثاوفيلس جاؤوا إلى مدينة هذه الأرملة بقصد التفتيش عن الأيقونات ونزعها من المنازل. فدخلوا منزل هذه الأرملة، ورأوا الأيقونة، وفرحوا فرحاً عظيماً، وقالوا للأرملة: إمّا أن تعطينا الأيقونة حسب أوامر الملك أو نذيقك مالا تتصوّرينه من العذابات. فطلبت الأرملة فرصة إلى الغد، فقبلوا بذلك. وبعد انصرافهم، دخلت هي وابنها إلى الغرفة حيث توجد الأيقونة، وركعا سويّة، وراحا يصلّيان بحرارة مدّة طويلة. ثمّ أخذت المرأة الأيقونة، وانطلقت مع ابنها إلى الشاطئ وهي تصلّي: يا سيّدة العالم إنّي أسألك أن تنجيني بقوّتك من غضب الجنود، وتسلّمي أيقونتك هذه من ضرر المياه. ومع قولها هذا رمت الأيقونة في البحر، ويا للعجب، فإنّ الأيقونة سارت في البحر منتصبةً لا مطروحة.
وبعد أن عادا إلى المنزل، قالت المرأة لابنها: يا ولدي، لا شكّ أنّ السيّدة العذراء سوف تحمينا من المضطهدين، ولكنّنا يجب أن نحترس منهم، لذلك أنصحك بالذهاب من هنا لئلا يصيبك مكروه. أمّا أنا، فإنّي مستعدّة أن أتحمّل كلّ العذابات وحتّى الموت من أجل والدة الإله. وهكذا ذهب الشابّ إلى الجبل المقدس آثوس في بلاد اليونان حيث يوجد الكثير الكثير من الأديرة والرهبان ودخل أحد الأديرة المدعو إيفيرون حيث صار راهباً.
وذات يوم بينما كان الرهبان جالسين عند شاطئ البحر قرب الدير، وفيما هم يتحادثون ببعض الأمور الروحيّة، ظهر لهم بغتة عمود في البحر مثل لهيب النار يصل رأسه إلى السماء. فلمّا أبصروا ذلك اندهشوا وصرخوا يا ربّ ارحم. فتحمّس أحدهم ويدعى جبرائيل ونزل إلى الماء، ووجد أنّ العامود يظلّل أيقونة لوالدة الإله، فأخذها بفرح ومشى على الماء، وأتى بها إلى الدير. ولكن ما إن رأى الشابّ الأيقونة حتّى صرخ مندهشاً وقال: إنّها نفس الأيقونة التي رمتها أمّي في البحر، فسجد لها بإيمان، وقبّلها بشوق وهو يقول: افرحي يا عروساً لا عروس لها. وهكذا نجّت الأيقونة نفسها من ضرر المياه. فوضعوها فوق بوابة الدير ريثما يجهّزون لها مكاناً في الكنيسة. وفي اليوم التالي نقلوها إلى الكنيسة. لكنّهم رأوها في الصباح فوق البوابة مجدّداً. فنقلوها إلى الكنيسة ثانيةً. لكنّها عادت فانتقلت إلى السور فوق البوابة. وبعدما تكرّر الأمر مرّات عديدة، ظهرت والدة الإله لأحد الرهبان قائلة: لم آتِ إلى هنا لتحموني أنتم داخل الكنيسة إنّما أتيتُ لكي أحميكم أنا لذا فمكاني هو فوق البوابة. منذ ذلك الحين عُرفت الإيقونة بالسيدة حارسة البوابة وهي ما تزال حتّى اليوم في الدير تعمل معجزاتٍ كثيرة.
لقد أردنا، يا أحبّاءنا، أن ننقل إليكم هذه الأعجوبة عن الأيقونة، لأنّ هذا الأحد الأول من الصوم يُدعى “أحد الأرثوذكسيّة”، وذلك لأنّه في مثل هذا اليوم أكّدت الملكة ثاوذورة أنّه علينا أن نكرّم الأيقونات بعد أن كان زوجها الأمبراطور ثاوفيلس قد منع إكرامها ونزعها من جميع الكنائس. وفي مثل هذا اليوم اجتمع الشعب في الكنيسة يوم الأحد، وصار زياح شاركت فيه الملكة ثاوذورة، وكان الشعب يحملون الأيقونات والصلبان والأنجيل المقدّس. لذلك نحن أيضاً في مثل هذا اليوم من كلّ عام نحمل أيضاً الأيقونات أثناء القدّاس الإلهي.
يجب علينا أن نقدّم كلّ احترام وسجود لأيقونات السيّد المسيح ووالدة الإله والقدّيسين والملائكة، ونطلب شفاعتهم لنا. إنّنا بإكرامنا الأيقونة نكرّم صاحب الأيقونة المرسوم عليها، كما نكرّم صور والدينا وإخوتنا ونحترمها.
نسجد ونقبّل باحترام أيقونة السيّدة وسائر القدّيسين

 

 

 

 

 

 

أين يختفي السمّ؟

 

سرد أحد الآباء القدّيسين هذه القصّة لأولاده الروحيّين فقال: منذ زمان بعيد كانت تعيش في الصين فتاة اسمها “ليلي” تزوّجت وذهبت إلى بيت حماتها لتعيش مع زوجها في بيت أسرته حسب عادة البلاد هناك.

 

ولم يمضِ قليل من الوقت إلاّ ووجدت “ليلي” أنّها لم تعد قادرة على المعيشة مع حماتها على الإطلاق. فإنّها وجدت أن شخصيّتها لا تتناسب، بل وتختلف كلّ الاختلاف مع شخصيّة حماتها، وكذلك شخصيّة حماتها تختلف أيضاً معها، فـ “ليلي” تغضب من عادات حماتها، والحماة تنتقد “ليلي دائماً.

ومرّت الأيّام وعبرت الأسابيع و”ليلي” وحماتها لا تكفّان عن العراك والجدال. ولكن، ما جعل الأمر أسوأ هو أنّه بحسب التقليد الصينيّ يجب على الكنّة أن تخضع لحماتها وتطيعها في كلّ شيء. وقد تسبّب هذه المشاحنات المستمرّة لزوجها الحزن والألم الشديد. وأخيراً، وجدت “ليلي” أنّها لا يمكنها أن تقف صامتة هكذا أمام سوء أخلاق حماتها، ولا يمكن أن تقبل تحكّمها في ما بعد، فقرّرت أن تفعل أيّ شيء لتلافي ذلك.

وفي اليوم التالي توجّهت “ليلي” إلى صديق حميم لوالدها، السيّد هويانج، تاجر أعشاب طبيّة في القرية التي تعيش بها، وأخبرته بكلّ الوضع، وسألته إن كان يمكنه أن يعطيها بعض الأعشاب السامّة حتّى تحلّ مشكلتها مع حماتها مرّة واحدة وإلى الأبد. فكّر هويانج مليّاً، ثمّ قال لها: انظري يا “ليلي” سوف أساعدك على حلّ مشكلتك، ولكن عليك أن تنصتي لما سأقوله لك وتطيعيني. فردّت “ليلي”: حاضر سوف أفعل كلّ ما تقوله لي. ودخل هويانج إلى الغرفة الداخليّة لدكّانه، ورجع بعد عدّة دقائق حاملاً رزمة من الأعشاب، وقال لـ “ليلي”: انظري، أنت لا تستطيعين استخدام سمّ سريع المفعول لتتخلّصي من حماتك، لأنّ ذلك سوف يثير الشكّ في نفوس أهل القرية. لذلك فقد أعطيتك بعض الأعشاب السامّة لكي يسري السمّ في جسمها رويداً رويداً. وعليك يوماً بعد يوم أن تعدّي لحماتك شراباً لذيذاً، وتضعي فيه قليلاً من الأعشاب، ولكي تتأكّدي من أنّه لن يشكّ فيك أحد حينما تموت، فلا بدّ أن تكوني واعية جدّاً أن تتصرّفي معها بطريقة ودّيّة جدّاً. فلا تتجادلي معها وأطيعيها في كلّ رغباتها، بل عامليها كأنّها ملكة البيت.

سرّت “ليلي” جدّاً، وشكرت السيّد هويانج، وأسرعت إلى البيت لتبدأ خطّة القتل لحماتها! ومرّت الأسابيع وتتابعت الشهور، و”ليلي” تُعدّ الشراب الخاصّ الممتاز كلّ يومين لحماتها، وتعاملها كأنّها أمّها.

وبعد مرور ستّة أشهر، تغيّر كلّ شيء في البيت. فقد بدأت “ليلي” تمارس ضبطها لغضبها من حماتها، حتّى أنّها أنّها لم تعد تتصرّف معها بحماقة. وظلّت ليلي لا تدخل في مجادلات مع حماتها لمدّة ستّة أشهر، لأنّ حماتها بدأت تعاملها بحنوّ أكثر. وهكذا تغيّر سلوك الحماة تجاه “ليلي”، وبدأت تحبّها وكأنّها ابنتها. بل صارت تحكي لصديقاتها وأقاربها بأنّه لا يوجد كنّة أفضل من “ليلي”. وبدأت “ليلي” حماتها يتعاملان معاً كأمّ حقيقيّة مع ابنة حقيقيّة. أمّا زوج “ليلي”، فعاد سعيداً جدّاً وهو يرى ما يحدث.

ولكنّ “ليلي” كانت منزعجة جدّاً من أمر بات يقلقها. فتوجّهت إلى السيّد هويانج وقالت له: “سيّدي هويانج، أرجوك أن تساعدني لتجعل السمّ الذي أعطيتني لا يقتل حماتي!!! فقد تغيّرت إلى سيّدة طيّبة، وصرت أحبّها كأمّي. أنا لا أريدها أن تموت بالسمّ الذي وضعته لها في الطعام!!!”

ابتسم هويانج، وأطرق برأسه قليلاً، ثمّ قال لها: “لا تنزعجي يا “ليلي”، فأنا لم أعطك سمّاً، لأنّ الأعشاب التي أعطيتها لك كانت فيتامينات لتقوية صحّتها. السمّ الوحيد كان في ذهنك أنت وفي مشاعرك تجاهها. ولكنّ كلّ هذا قد زال بمحبّتك التي قدّمتها لها”.

ولمّا فشلوا في إقناعه، تدخّل هذا الخادم التقيّ، ونجح في إقناعه، واصطحبه إلى آخر المتكآت وجلسا سويّاً وصلّيا. ثمّ فور انتهاء القدّاس، استأذن هذا الإنسان الفقير من الخادم التقيّ وهمّ بالانصراف.

ولكنّ الخادم أشفق عليه، وفكّر في الحصول على بركة بسببه. فعرض عليه بإلحاح أن يتناولا طعام العيد سويّاً. وقال في داخله: “ما الفائدة في أن أتناول وجبة العيد بمفردي أو مع الأهل والأصدقاء؟ البركة والسعادة والشبع الحقيقيّ في أن أُشبع الجوعان حسب قول السيّد له المجد: “جعت فأطعمتموني” (متى 35:25).

واصطحب الخادم هذا الإنسان الفقير في فرح وسعادة إلى منزله. ولكن سرعان ما وجدت هذه السعادة الروحيّة ما يحاول إطفاءها، إذ اعترض أهل هذا الخادم على تصرّفه بشدّة، واتذهموه بعدم الحكمة إذ كان يكفي أن يعطيه صدقة ويتركه يمضي في سبيله. وليس من الضروريّ دخول إنسان لا يعرفونه إلى منزلهم.

وبعد إصرار ومباحثات، نجح الخادم في أن يستضيف ضيفه الفقير في قبو المنزل. وكون هذا الخادم غير متزوّج، فقد فضّل ألاّ يترك ضيفه الفقير يأكل بمفرده، فقام بإعداد مائدة صغيرة لتناول وجبة العيد.

ويقول هذا الخادم معلِّقاً على ما حدث على المائدة: كنت متوقّعاً من هذا الإنسان الفقير البسيط أحد تصرّفين: إمّا أن يخجل وينتظر من يقدّم له الطعام، أو أن ينقضّ على المائدة أمام إغراء المأكولات وأمام جوعه وحرمانه. ولكنّ الذي حدث عكس هذا وذاك، فإذ بهذا الإنسان الفقير لمّا اتّكأ أخذ خبزاً وبارك وكسر وناول، والدهشة الكبرى كانت أنّه بعد كسر الخبز اختفى للتوّ. (لو 35:24)

إنّه المسيح الذي يريد أن يتّكئ على موائدنا، ونحن نرفض في قسوة وغباوة وعجرفة. اقبلوه بهيئته البسيطة ومنظره المتواضع.

إن كنتم تريدون أن يكسر المسيح لكم الخبز، فلا تمدّوا أيديكم إلى موائدكم، ولا يهنأ لكم بال إلاذ بعد أن يكسر الفقير أوّلاً الخبز على موائدكم، وتذكّروا قول الربّ له المجد: “الحقّ أقول لكم ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي قد فعلتموه” (متى 40:25)

فلقد تعرّض أحد معارف الأستاذ الجامعيّ المعروف سيمانوفسكي لداء السلّ الذي أثّر تأثيراً قويّاً على بلعومه إذ كانت الجراح تغطّي البلعوم كلّه ممّا أدّى إلى اختفاء الصوت كلّيّاً، وجعل الجميع يعتقدون بأنّ العليل سوف لا يحيا أكثر من عشرة أيّام. فما كان من الأهل إلاّ أن أبرقوا إلى الأب يوحنّا يلتمسون قدومه إليهم بأقصى سرعة إن أمكن، فوصل إليهم بعد خمسة أيّام. وما إن رأى حالة المريض حتّى بادرهم بسؤاله: “لماذا لم تعلموني بأنّ حالته خطيرة، لكنت أحضرت معي بعضاً من المناولة المقدّسة. ولمّا كان المريض في حالة النزع الأخير راح ينظر بتوسّل إلى الأب الذي استدار نحوه وقال: “أتؤمن أنّي أستطيع أن أساعدك بقوّة الله؟ فأبدى المريض الموافقة بحركة من رأسه. عندها نفخ الأب في فم المريض بشكل صليب ثلاث دفعات، ثمّ تطلّع إلى الطاولة الصغيرة قرب سرير المريض حيث كانت قد تكدّست أدوية مختلفة، وضربها بقوّة فوقعت بعض الزجاجات أرضاً وتكسّرت. ثم قال: “ارمِ هذه الزجاجات كلذها. إنّها لا تفيدك شيئاً. تعال إلى كرونستادت لأناولك القدسات الإلهيّة. إنّي أنتظرك”.

وعند المساء حضر الأستاذ سيمانوفسكي لعيادة المريض، ولمّا أُخبر بأنذه في صباح اليوم التالي سوف يقصدون كرونشتادت قال بأنذ المريض سوف يموت في الطريق. ولكن المريض كان يثق جدّاً بالقدّيس يوحنّا، فأصرّ على الذهاب إليه.

بقي هناك يومين حيث ناوله القدّيس الأسرار الإلهيّة. وعند عودته إلى البيت، ذُهل الأستاذ لأنّ الجراح كانت قد التأمت كلّها غير أنّ الصوت بقي ضعيفاً. فاعترف عندئذ سيمانفسكي أمام الجميع قائلاً: “إنّها ظاهرة غريبة. حقّاً إنّها معجزة”. وهكذا عاش المريض المحتضر بعدها خمساً وعشرين سنة أخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

الراهب واللصوص

تاه أحد الرهبان في البرّيّة وأضاع طريق العودة، فراح يسير ساعات طويلة دون هدف إلى أن التقى بأشخاص عابري الطريق وكانوا لصوصاً أشراراً، فتوسّل إليهم أن يدلّوه على الطريق الصحيح، ولكنّهم استهزأوا به ودلّوه خطأ. فهم الراهب قصدهم، ولكنّه بقي صامتاً، ورافقهم إلى أن وصلوا إلى نهر كان عليهم اجتيازه، وفجأة ظهر لهم تمساح مخيف هدّد حياتهم بالخطر لو لم يتداركهم الراهب وينجّيهم معرّضاً نفسه للخطر بدلاً منهم. تأثّر أحد اللصوص من موقف الراهب، فوقع عند قدميه يطلب منه الغفران معترفاً بأنّهم لو استطاعوا عبور النهر لكانوا قتلوه من دون شفقة. ولكنّ طيبته وحُسن معاملته لهم غيّرتهم وردعتهم عن فعل الشرّ.

عرفناه عند كسر الخبز

ذهب خادم تقيّ إلى الكنيسة لحضور قداس العيد. وعند دخوله الكنيسة وجد إنساناً فقيراً متواضع الحال بسيط المظهر، يحاول الخدّام منعه من الجلوس في المتكآت الأولى لأنّها مخصّصة لكبار رجالات الدولة وكبار الزوّار الذين يرتادون الكنيسة في الأعياد.

ولمّا فشلوا في إقناعه، تدخّل هذا الخادم التقيّ، ونجح في إقناعه، واصطحبه إلى آخر المتكآت وجلسا سويّاً وصلّيا. ثمّ فور انتهاء القدّاس، استأذن هذا الإنسان الفقير من الخادم التقيّ وهمّ بالانصراف.

ولكنّ الخادم أشفق عليه، وفكّر في الحصول على بركة بسببه. فعرض عليه بإلحاح أن يتناولا طعام العيد سويّاً. وقال في داخله: “ما الفائدة في أن أتناول وجبة العيد بمفردي أو مع الأهل والأصدقاء؟ البركة والسعادة والشبع الحقيقيّ في أن أُشبع الجوعان حسب قول السيّد له المجد: “جعت فأطعمتموني” (متى 35:25).

واصطحب الخادم هذا الإنسان الفقير في فرح وسعادة إلى منزله. ولكن سرعان ما وجدت هذه السعادة الروحيّة ما يحاول إطفاءها، إذ اعترض أهل هذا الخادم على تصرّفه بشدّة، واتذهموه بعدم الحكمة إذ كان يكفي أن يعطيه صدقة ويتركه يمضي في سبيله. وليس من الضروريّ دخول إنسان لا يعرفونه إلى منزلهم.

ويقول هذا الخادم معلِّقاً على ما حدث على المائدة: كنت متوقّعاً من هذا الإنسان الفقير البسيط أحد تصرّفين: إمّا أن يخجل وينتظر من يقدّم له الطعام، أو أن ينقضّ على المائدة أمام إغراء المأكولات وأمام جوعه وحرمانه. ولكنّ الذي حدث عكس هذا وذاك، فإذ بهذا الإنسان الفقير لمّا اتّكأ أخذ خبزاً وبارك وكسر وناول، والدهشة الكبرى كانت أنّه بعد كسر الخبز اختفى للتوّ. (لو 35:24)

إنّه المسيح الذي يريد أن يتّكئ على موائدنا، ونحن نرفض في قسوة وغباوة وعجرفة. اقبلوه بهيئته البسيطة ومنظره المتواضع.

إن كنتم تريدون أن يكسر المسيح لكم الخبز، فلا تمدّوا أيديكم إلى موائدكم، ولا يهنأ لكم بال إلاذ بعد أن يكسر الفقير أوّلاً الخبز على موائدكم، وتذكّروا قول الربّ له المجد: “الحقّ أقول لكم ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي قد فعلتموه” (متى 40:25)


الشفـاء بـواسطـة المناولة المقدّسة

اعتاد القدّيس يوحنّا كرونشتادت أن يشفي الكثيرين بواسطة نعمة المناولة الإلهية:

فلقد تعرّض أحد معارف الأستاذ الجامعيّ المعروف سيمانوفسكي لداء السلّ الذي أثّر تأثيراً قويّاً على بلعومه إذ كانت الجراح تغطّي البلعوم كلّه ممّا أدّى إلى اختفاء الصوت كلّيّاً، وجعل الجميع يعتقدون بأنّ العليل سوف لا يحيا أكثر من عشرة أيّام. فما كان من الأهل إلاّ أن أبرقوا إلى الأب يوحنّا يلتمسون قدومه إليهم بأقصى سرعة إن أمكن، فوصل إليهم بعد خمسة أيّام. وما إن رأى حالة المريض حتّى بادرهم بسؤاله: “لماذا لم تعلموني بأنّ حالته خطيرة، لكنت أحضرت معي بعضاً من المناولة المقدّسة. ولمّا كان المريض في حالة النزع الأخير راح ينظر بتوسّل إلى الأب الذي استدار نحوه وقال: “أتؤمن أنّي أستطيع أن أساعدك بقوّة الله؟ فأبدى المريض الموافقة بحركة من رأسه. عندها نفخ الأب في فم المريض بشكل صليب ثلاث دفعات، ثمّ تطلّع إلى الطاولة الصغيرة قرب سرير المريض حيث كانت قد تكدّست أدوية مختلفة، وضربها بقوّة فوقعت بعض الزجاجات أرضاً وتكسّرت. ثم قال: “ارمِ هذه الزجاجات كلذها. إنّها لا تفيدك شيئاً. تعال إلى كرونستادت لأناولك القدسات الإلهيّة. إنّي أنتظرك”.

وعند المساء حضر الأستاذ سيمانوفسكي لعيادة المريض، ولمّا أُخبر بأنذه في صباح اليوم التالي سوف يقصدون كرونشتادت قال بأنذ المريض سوف يموت في الطريق. ولكن المريض كان يثق جدّاً بالقدّيس يوحنّا، فأصرّ على الذهاب إليه.

بقي هناك يومين حيث ناوله القدّيس الأسرار الإلهيّة. وعند عودته إلى البيت، ذُهل الأستاذ لأنّ الجراح كانت قد التأمت كلّها غير أنّ الصوت بقي ضعيفاً. فاعترف عندئذ سيمانفسكي أمام الجميع قائلاً: “إنّها ظاهرة غريبة. حقّاً إنّها معجزة”. وهكذا عاش المريض المحتضر بعدها خمساً وعشرين سنة أخرى.

عـدم الجـرأة

 

سافرت جنان لتتفقّد والدتها المريضة، وقد تركت في البيت ابنتها الكبرى ماريّا (14 سنة) ونادين (8 سنوات). أرادت ماريّا أن تعلّم أختها العمل في المنزل، فأوكلت إليها أن تمسح الغبار عن الأثاث. فرحت نادين بهذه المهمّة، وصارت تقوم بها بكلّ نشاط. ولكن، للأسف الشديد، وقع من يدها، أثناء عملها، إناء زجاجيّاً من الكريستال الثمين الذي تلقّته أمّها هديّة في يوم عيد ميلادها من صديقة لها عزيزة.

حزنت نادين جدّاً لما جرى، وبدأت تبكي. فجاءت ماريّا على صوت بكائها، وعرفت ما حدث، فلم تتكلّم البتّة، بل راحت، بكلّ هدوء، تلملم القطع المكسّرة.
وبعد أن هدأت نادين قليلاً، قالت لها: “سوف تأتي والدتنا غداً، ومن المؤكّد بأنّك سوف تخبرينها بما حدث”. لم تجب نادين شيئاً لأنّها كانت خائفة، وهي بالطبع خجولة جدّاً، ولا تملك الجرأة الكافية لتبوح بما عندها.
وفي اليوم التالي قدمت جنان، ولاحظت أنّ ابنتها نادين قد استقبلتها باضطراب، ولكنّها تجاهلت ذلك لتعلم السبب. وبعد وجبة الغداء، انفردت جنان بابنتها ماريّا وسألتها عن سبب اضطراب نادين، فأخبرتها ماريّا بكلّ ما حدث. أسفت جنان لفقدانها الإناء، ولكنّها طلبت من ماريّا أن تشجّع أختها على الإقرار، مؤكّدة لها بأنّ محبّتها لها تفوق كنوز الدنيا كلّها. وهكذا حاولت ماريّا تشجيع أختها، فوعدتها نادين بالتنفيذ.
مرّ أسبوع، ولم تنفّذ نادين ما وعدت به، وفي كلّ مرّة كانت تقول لأختها:
– تنقصني الشجاعة يا أختي.
– ولكن، لماذا يا نادين، فأنت فتاة في الثامنة من عمرك، ويجب أن تتعلّمي أن تقرّي بكلّ عمل سيّئ تقومين به، لأنّ هذا الأمر يجعلك مرتاحة الضمير، وينعم قلبك بالفرح والسلام.
– حسناً، سوف أحاول مرّة أخرى. أرجوك صلّي من أجلي.
وأيضاً، وأيضاً، لم تنجح نادين في محاولاتها. إلى أن كان ذات مساء، وقد جلست ماريّا تتحدّث معها، محاولة تشجيعها، فقالت لها:
– أتعرفين قصّة الفئران والقطّ؟
– كلا، وما هي.
– اسمعيها إذاً.
كان هرّ جميل أبيض اللون كبير الحجم يجول في البيت والحديقة يبحث عن الفئران ليأكلها، وبالفعل أكل فئراناً كثيرة حتّى اضطرّ الباقي إلى الاختفاء في جحورهم مدّة طويلة. جاعت الفئران، ولم تجرؤ على الخروج لكي تأكل.
وذات يوم، أراد الهرّ أن يقوم برحلة حول العالم، فانتهزت الفئران الفرصة، وخرجت تأكل وتجمع الكثير من الأطعمة في جحورها. وإذ اقترب الشهر أن ينتهي، عقدت الفئران مؤتمراً للبحث كيف يتدبّرون الأمر، وقد قرب قدوم حضرة الهرّ.
وبعد مناقشات طويلة قال أحد الفئران:
– الأمر سهل جدّاً، لقد وجدت حلاّ للمشكلة.
– وماهو، يا ترى، هذا الحلّ؟
– نعلّق جرساً في رقبة الهرّ، حتّى متى تحرّك نهرب منه.
– يا لها من فكرة صائبة، ويا لك من فأر ذكيّ حكيم وفهيم.
أصدر مؤتمر الفئران قراراً بالإجماع بضرورة تعليق جرس في رقبة الهرّ، وآخر في رقبة القطّة عروسه، وأنهى المؤتمر اجتماعه بتعيين لجنة لتنفّذ هذا القرار الجماعيّ المهمّ.
وفي اليوم التالي اجتمعت اللجنة التنفيذيّة، وبدأ يتساءل كلّ واحد منهم: من الذي سيقوم بتعليق الجرس؟ ولم يوجد من يجرؤ أن يحقّق عمليّاً ما أجمع عليه مؤتمر الفئران! وهكذا بسبب فقدهم الجرأة لم يحصلوا على الأمان وبقي قرارهم معلّقاً في الهواء. وأنت أيضاً، يا أختي، رغم أنّك قرّرت الإعتراف بخطئك، ولكن بسبب عدم جرأتك لم ينصلح الموقف، وبقي الأمان بعيداً عنك.
– ولكنّي، يا أختي، لست فأرة.
– وأنا أعلم ذلك أيضاً، وإنّما يجمعكم موقف واحد وهو عدم الجرأة وفقدان الأمان والراحة، ولقد رويت لك هذه القصّة لأريك كيف أنّ عدم الجرأة يعيق تحقيق الأعمال الحسنة، ويجعل الإنسان يشعر بالضعف والفشل، وينسى أنّ:

 

الطفل المسيحيّ جريء، لأنّ لأنّ الربّ يسوع قويّ في داخله.

وهكذا بعد وقفة صلاة، طلبت فيها نادين المعونة من الربّ يسوع اعترفت لأمّها بكلّ ما حدث. عند ذلك ضمّتها أمّها إلى صدرها، وهنّأتها على شجاعتها، فعاد الفرح والسلام يلمعان على وجه نادين من جديد.

 

 

شفاعة القدّيس جاورجيوس

عجزت نجوى عن إقناع ابنها مروان ذي العشر سنوات بالاهتمام بأموره الروحيّة رغم نصائحها المستمرّة حول ضرورة الصلاة والذهاب إلى القدّاس الإلهي، والتناول من الأسرار الإلهيّة إلى ما هنالك من أمور روحيّة ضروريّة لحياة كلّ إنسان في هذه الدنيا. ولكنّ مروان كان دائماً متهاوناً كسولاً يفضل اللّعب أو قراءة المجلات أو متابعة بعض المسلسلات التلفزيونيّة الشيّقة، بالنسبة إليه، أكثر من كلّ ما يتعلق بحياته الروحيّة.

وذات يوم، وأثناء تناول وجبة الغذاء مع والديه، سأل أمّه قائلاً:

– ماما، ما الاسم الذي أعطيتني إيّاه يوم معموديّتي؟

– إنّ لك اسماً، يا حبيبي، جميل جدّاً لقدّيس كبير وعظيم في الكنيسة، وهو القدّيس جاورجيوس الذي نعيّد له في 23 نيسان. ولكن، لماذا تسألني هذا السؤال؟

– لقد قالت لنا معلمّة التربية الدينيّة في المدرسة أنّه علينا أن نعرف اسم شفيعنا في المعموديّة لكي نصلّي له كلّ يوم مساء قبل أن ننام.

– جميل جدّاً. وأنت تملك، كما أذكر، مسبحة كنت قد اشتريتها من الدير أليس كذلك؟

– نعم.

– إذن، عليك أن تطلب شفاعة القدّيس جاورجيوس كلّ ليلة بتلاوة المسبحة.

– وماذا أقول فيها؟

– يا قدّيس الله جاورجيوس تشفّع فينا، وهو سوف يطلب من الله، بدوره، أن يحمينا ويباركنا، ويوفّقنا في أعمالنا.

ورغم كسل مروان ولامبالاته في الأمور الروحيّة، إلاّ أنّه كان يواظب يوميّاً على تلاوة هذه الصلاة. وذات ليلة وبينما كان نائماً، رأى حلماً أخذ يقصّه على والدته في صباح اليوم التالي، فقال:

“لقد رأيت وكأنّني موجود في حقل واسع جدّاً لا أستطيع وصف جماله، إذ كان مغطّى بأنواع الزهور والورود الرائعة، وفيما أنا أتمشّى فيه أتأمّل جماله، إذا بيد ضابط شابّ بهيّ يمسك بيدي وهو يقول: أتريد أن ترى الربّ يسوع؟ فقلت له بحماس: طبعاً، ولكن أين ومتى؟ فأجابني الجنديّ: الآن، إن أردت. فقلت له: ولكن من أنت يا سيّدي؟ فردّ قائلاً: أنا القدّيس جاورجيوس الذي تصلّي له كلّ ليلة.

وهكذا سرنا بين الورود الجميلة ذات الروائح العطرة إلى أن وصلنا إلى قصر كبير ذهبيّ يشع بنور وهّاج. فقال لي القدّيس: استعدّ، يا مروان، لأنّنا سوف ندخل، الآن، إلى هذا القصر حيث يجلس الربّ يسوع على عرش جميل جدّاً لكي نسجد له، ونشكره على عطاياه لنا. فقلت بفرح كبير: نعم، سوف أقبّل قدميه، وأشكره، وأسأل منه الصحة لوالديّ. فابتسم القدّيس ولم يجب. ثمّ أكملنا سيرنا إلى أن وصلنا إلى عتبة باب القصر، وفيما كنّا ندخل، إذا بصوت يقول: قف أيّها القدّيس جاورجيوس، لا تدع هذا الطفل يدخل معك. ادخل أنت وحدك. فخفت أنا كثيراً، ووقفت في مكاني جامداً لا أجسر على التقدّم خطوة، ورأيت، من بعيد، العرش الإلهيّ، ولكنّي لم أستطع أن أرى الربّ يسوع بوضوح.

تقدّم القدّيس إلى أن وصل إلى العرش، فقال له الربّ يسوع:

– نعم، أيّها القدّيس جاورجيوس، إنّي غير راضٍ عن مروان، فهو كسول لا يصلّي، ولا ينتبه إلى حياته الروحيّة، فكيف سأدعه يدخل لأباركه؟

– نعم، يا ربّ، ولكنّه طفل صغير.

– صحيح إنّه صغير، ولكنّ أمّه كانت دوماً تريد إرشاده وهو يرفض السماع لها، ويهمل كلّ حياته الروحيّة، ولذلك فهو غير مستحقّ للدخول ولا لينال بركتي.

– فركع، عندئذ، القدّيس على ركبتيه وهو يقول للربّ: سامحه يا ربّ، وأنا أتكفّل به، وأعدك بأنّه، منذ الآن، سوف يهتمّ بكلّ ما تريده منه. لا تنس، يا يسوع، أنّه في كلّ ليلة يصلّي لي. فمن أجل هذه الصلاة سامحه ودعه يدخل لينال بركتك ومحبّتك.

فابتسم الربّ يسوع لدى سماعه هذه الكلمات، وقال: من أجل محبّتك أنت لمروان سوف أصفح عنه، فدعه يدخل. ثم تقدّم منّي القدّيس، وأمسك بيدي حيث قادني إلى العرش، فنظر إليّ الربّ يسوع بكلّ محبّة وعطف، وباركني قائلاً: “من أجل شفاعة القدّيس جاورجيوس سوف أباركك، ولكن عدني بأن تصلح حياتك”. فبكيت وقلت: “نعم يا ربّ أعدك”. فاحتضنني، عندئذ، الربّ وقال لي: “أنا أحبّ الأطفال كثيراً، وكما أحبّهم أريد أن يحبّوني، وأن يهتمّوا بحياتهم الروحيّة، لكي تكون لي شركة متينة معهم”. وبعد ذلك استيقظت.

ما إن سمعت نجوى حلم ابنها، حتّى بكت بدورها، وقالت لمروان بحنان: “أرأيت، يا مروان، كم هو حلو الربّ يسوع”. فأجاب الصبيّ: “نعم، يا أمّي، إنّي أحسّ بمحبّته في قلبي، وأنا منذ اليوم سوف أعمل كلّ ما يرضيه.

– إذن، هلمّ بنا نركع أمام أيقونته لنشكره ونصلّي له.

 

تذكّر عطاياي

كان ﭙول دائم التذمّر، لا يرضيه شيء، ولا يرى شيئاً جميلاً في هذا العالم، ولذلك فهو حزين لا يعرف للسعادة طعماً، ولا يوجد شيء يبهجه مهما حاول أهله وأصدقاؤه أن يوفّروا له الفرح.

وذات يوم، ركب الباص، وكان حافلاً بالأولاد من كلّ الأعمار، فصدف أن جلس إلى جانب فيها فتاة جميلة يشعّ وجهها بالفرح والإشراق، ولا تفارقها الابتسامة، فقال في نفسه: “يا لها من فتاة جميلة مرحة، حتما إنّها تشعر بحبّ الأكثرين لها واهتمامهم بها، ومن المؤكّد أنّه لا ينقصها شيء؟ آه لو كنت مكانها، لما فارقت البشاشة وجهي.

وقف الباص، وإذا بالفتاة تنحني وتسحب عصا من تحت المقعد، ثمّ تمسك بها، وتستند عليها لتنزل، وعرف ﭙول أنّها مبتورة القدم!!! فراح يتأمّلها بصمت منذهلاً، وممّا زاد في انذهاله أنّه سمعها تقول وهي تنزل  من الباص: “أشكرك، يا ربّ، لأنّك أعطيتني قدماً واحدة لأسير بها حسبما تريد أنت”!!!

وفي المحطّة التالي، نزل ﭙول بدوره، وتوجّه إلى مكتبة صغيرة ليشتري بعض الأقلام والدفاتر اللاّزمة لدروسه. فوجد هناك صبيّاً صغيراً يبدو عليه المرح واللطف، فطلب منه ما يريد. وبعد قليل جاءه الصبيّ بما طلب وهو يقول في ابتسامة رقيقة:

– أرجو ألاّ أكون قد تأخّرت عليك.

– أرى أنّك صبيّ رقيق للغاية، وإنّي لسعيد جدّاً بالحديث معك، كم عمرك؟

– ثماني سنوات.

– إنّي أشكرك، لأنّك أحضرت لي قلماً أزرق اللّون، فاللّون الأزرق هو لوني المفضّل.

– فردّ الصبيّ بابتسامة عذبة: وأنا، بدوري، أشكرك، يا سيّدي، ولكنّني لم أقصد أن أحضر لك قلماً أزرق، لأنّي لا أرى، فأنا أعمى، ولذلك سألتك المعذرة أن كنت قد تأخّرت في تلبية طلبك. أنا أعمل ببطء كي لا تعثر قدمي بشيء، ولكنّي مع هذا، أحمد الربّ كثيراً، فهو قد وهبني صحّة تامّة، وأمّا ظلام عينيّ فقد تعوّدت عليه، وأستطيع أن أقوم بكلّ احتياجاتي بكلّ سهولة، فالربّ عوّضني عن النور الخارجيّ بنور داخليّ، فأمّي تردّد دائماً على مسمعيّ: الربّ يقول: “أنا نور الحياة”.

سار ﭙول في طريقه قد تعجّب من شكر ورضى هذا الصبيّ، وكيف أنّ أمّه تخفّف من مصيبته، وتشدّد إيمانه بالربّ.

وأثناء سيره، رأى طفلاً جميلاً جدّاً كان يقف بعيداً لا يلعب مع زملائه إنّما يكتفي بالتصفيق لهم، وعلامات الفرح والغبطة ترتسم على وجهه. فاقترب منه وسأله بتودّد:

– إنّي أدعى ﭙول، وأنت ما اسمك؟

– ماذا تقول؟

– فظنّ ﭙول أن ضجيج اللاّعبين منعه من أن يسمع سؤاله، فقال له بصوت مرتفع: أسألك ما اسمك، ولماذا لا تلعب مع زملائك؟ ألا تحبّ اللعب؟

– سامحني، لم أسمع ما تقوله، فأنا طفل أصمّ لا أسمع، ولكنّي أشكر الله، لأنّه منحني قدمين أسير بهما، وعينين أنظر بهما، وأمّا السمع، فلا يشكّل لديّ مشكلة إذ أستطيع التفاهم مع الآخرين بواسطة الكتابة. ثمّ ما لبث الطفل أن ابتسم، وهرول يركض بفرح وهو يلوّح بيده مودّعاً.

وقف ﭙول في مكانه جامداً، وهو يفكّر بهذه الرسائل الثلاث التي أرسلها إليه الله في ذلك اليوم. فعاد إلى منزله وهو يقول:

أشكرك يا ربّ، لأنّك وهبتني عينين أرى بهما جمال الطبيعة، وأمجد جلالك،

وأشكرك، لأنّك وهبتني قدمين أسير بهما إلى الكنيسة، وأخدم إخوتي،

وأشكرك، أيضاً، لأنّك وهبتني أذنين أسمع بهما التراتيل الكنسيّة وأسبِّحك.

وهكذا لم يعرف التذمّر طريقاً، منذ ذلك اليوم، إلى فم ﭙول، وتغيّرت حياته، وأخذ الفرح والانشراح يبدوان على وجهه.

الشكر جرس يدعو الله ليسكب خيراته علينا



admin:
Related Post