أحبَّ الأرثوذكسيّة بحقّ يا من تدّعي حبّ الأرثوذكسيّة. لا تُقحم فيها شطحاتك التي تصفها أنت بال “روحيّة“. “الكلّيّ جميلٌ بوحدانيّته“، يقول الفيلسوف. فاعفِ التقليدَ والجوهرةَ الرّوحيّة الخالصة اللذين تسلّمناهما من الآباء، من شذوذ العالم وانحرافات تعاليمه الغريبة عن كنيستنا المستقيمة الرأي.
لا تجتهد محاولاً أن ترصّع الخواتم التّنكيّة الزائفة بماسّة العقيدة الأرثوذكسيّة. كن على يقينٍ بأنّك لن تفلح، بفضل الله. دع اليوغا والزن والفيدا وغيرها من فلسفات ومعتقدات الإنسان، في سياق فكرها الذي ليس هو سياق عقيدتنا.
ضمَّ نفسك غصنًا إلى أغصان شجرة الصليب. استقلَّ سفينة الكنيسة المبحرة نحو ملكوت الله، ينفخ في أشرعتها الروحُ القدس المنبثق من الآب أبي الأنوار الأوحد. لا تدع الزؤان الدنيويّ يختلط بطهارة حبّات الحنطة المستحيلة جسدًا للمسيح. ولا تسمح لمياه العواطفيّة الإنسانية النّتنة بالامتزاج بما سيصبح الدم الكريم للربّ يسوع. ولا تسدَّ مداخل القصر اليشمي لفكر كنيستنا اللاهوتي ببوّاباتٍ من وحول مذاهب مبتدعة لتواكب الموضة ليس إلّا.
وإن كنت تفضّل أن يوصلك طريق إيمانك إلى روما أو فاراناسي، إلى مكّة أو لاسا [1]، فاقصد وجهتك وامكث هناك. واتركنا بسلامٍ نقضي العمر في الأرض أحياءً في شراكةٍ روحيّةٍ كاملةٍ وطاهرة مع إخوتنا في أثينا وكييف و بلغراد وأورشليم وبخارست وجبل آثوس وموسكو وغيرها من المدن حيث حُفظَ وهج إيماننا المستقيم.
وإن أردت أيضًا الادّعاء بأنك أرثوذكسيّ، فانتشل نفسك من انحراف “التوفيق بين الأديان“؛ هذه البدعة التي تنسف مصداقية كلّ المذاهب، جاعلةً معتنقَها يساوي لاهوتيًّا فيما بين الأديان جميعًا. لا تحاول أن تجمّل صورة تلك الهرطقة مزخرفًا بدعة النسبَويّة الروحية التي تفتخر بها بكلماتٍ من حقلَيّ المحبّة والرحمة المعجميَّين. لأن هذه البدعة ليست إلّا نتيجة لضعفك البشريّ وعدم قدرتك على الإيمان والفهم والاعتراف بالحقّ الواحد الذي هو الطريق والحياة. وهو الذي ينير كل من يقوم بعبادته بحسب تعاليم آبائنا الأتقياء.
لا تستنسب أي شيء لكي تقلل من قيمة الكلّ. لا تخلْ تردّدك بالالتزام في الإيمان الواحد عطيّةً روحيّة، بل اعرف أن هذا هو الجبن بعينه، هذا هو العيب الشائع في أيّامنا المتّسمة بالفتور. فقد يمكن للمرء أن يظنّ نفسه بطل لا–عنف فيما هو ليس إلّا جبانًا يخاف المعارك الروحية.
لا تَدِنْ الإخوة الثابتين في أرثوذكسيّة الآباء باسم ما تراه أنت تسامحًا وقبولًا لذاك الآخر الذي يرفض هذا الإيمان. ولو ان الآباء القديسين تصرّفوا نحو العقيدة كما تفعل أنت لما تبقّت لنا ولا ذرّة من ألإيمان المستقيم، ولما بقي لنا شيءٌ من التقليد الذي كان ليذوب في طبخة العواطفية المسموم التي تقدمها أنت على أنها قيمة روحيّة.
المحبّة ليست غثّة ولا فاترة كما تحاول أن تعرّفها. المحبّة عميقة شموليّة تطال الكلّ من إخوة وأقرباء وأصدقاء وأعداء… لكنّ محبّة الصديق أو العدوّ لا تعني البتّة بأن تشارك هؤلاء انحرافاتهم العقائدية أو الروحية. فإن حنوّك تجاه مريضٍ لا يفرض عليك أن تُصاب بنفس مرضه أو أن تشيد بدائه. لكن ذلك لا يمنعك من محبة المريض، بل على العكس، أحبَّه بالحقّ وحاول مساعدته على الشفاء، أو دلّه على الأقلّ إلى طريق الخلاص من مرضه.
لا تحسب أبدًا أن انفتاحك الفكريّ قيمة من القيم الروحية. و خاصّة عندما تكون إدانتك قاطعة تجاه إخوتك المحافظين على الإيمان القويم، الذين لا يشاركونك وجهة نظرك النسبوية الفارغة. إنك تخدع نفسك حينما تتّهم هؤلاء بخيانة الربّ يسوع. لأن إخوتك الأرثوذكسيين أحبّوا أولئك المبتدعين لدرجة قصوى حتّى تمنّوا أن يتشاركوا معهمفي الإيمان الحقّ، بعيدًا عن الإكراه، ودون جدالاتٍ لا هدف لها سوى تشويه طبيعة هذا الإيمان. وبذلك، ابتعد إخوتك عن الحشو الكلاميّ المعسول لأنهم عارفون بانهم سيضطرّون للكذب يومًا، عندما يُدفعون باسم “التوفيق بين الأديان” لإعلان مساواة عقيدتهم بنظريات أُخرٍ يرفضونها أصلًا لأسبابٍ جوهرية.
لا تكون محبّة الآخر في مشاركته في أيّ شيء سوى الحقّ؛ بملئه وكماله. ولا تكون المحبّة في البحث عن تسوية دنيوية أساسها فكرة خاطئة بأن الإيمان هو مسألة أعداد أو إشكالية إجماع.
ولا تخلطنّ بين كنيسة المسيح المقدسة الأرثوذكسية وخان الإيمان الإسباني حيث يستطيع أي كان أن بدستور إيمانه الخاص، ليناقش الجميع بنود أفكاره ويختلقوا دستور إيمان مقبولًا لدى الكلّ.
وأخيرًا، إن كنت لا تستطيع حفظ طهارة الإيمان واستقامته من الامتزاج والتشوّش، فحاول على الأقلّ ألّا تكون عثرةً لإخوتك الصغار الذين يتقدّمون ببطء وتواضع نحو ملكوت الله، بالإيمان الحقّ في كنيسة المسيح.
[1] روما عاصمة الكثلكة، فاراناسي مدينة هندية تُعتَبَر العاصمة الروحية للهندوس، مكّة عاصمة اﻹسلام، و لاسا عاصمة البوذيين (المترجم)