ما من شيء يخيف مَن رجاؤه في الله

ما من شيء يخيف مَن رجاؤه في الله

القديس يوحنا ماكسيموفيتش

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

“أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ.” (مزمور 7:139-10)

يجب أن تكون هذه الكلمات الملهَمة من الله لكاتب المزامير داود في أفكارنا في هذه الأيام، حيث العالم برمّته مهتزّ بكل معنى الكلمة، وتأتي أخبار الأسى والصدمات والمصائب من كل الجهات. قبل أن تصل إلى التركيز على ما يجري في بلد ما تذهلك أحداث أكثر تهديداً قد تفجّرت في مكان آخر بشكل غير مُتوقَّع؛ وقبل أن تتلقفها، تشغل انتباهك أخبار أخرى من مكان آخر، وتقودك إلى إضاعة القضايا السابقة مع أن أياً منها لم يبلغ خواتيمه. عبثاً يتشاور ممثلو الدول من أجل إيجاد علاج للمعاناة المشتركة ويشجعون واحدهم الآخر قائلين: “سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ” (إرمياء 14:6). المصائب في الأراضي حيث تتكشف لا تنتهي، فتبدأ فجأة كوارث جديدة في أماكن كانت تُعتبر آمنة وهادئة

الذين يفرّون من المشاكل في مكان ما يجدون أنفسهم وسط مشاكل أخرى في مكان أسوأ. “كَمَا إِذَا هَرَبَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِ الأَسَدِ فَصَادَفَهُ الدُّبُّ، أَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ فَلَدَغَتْهُ الْحَيَّةُ!” (عاموس 19:5). أو كما يقول نبي آخر: “وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ.” (أشعياء 18:24)

هذا ما نراه يحدث في أيامنا. ينطلق الشخص إلى عمله بسلام فيسقط فجأة ضحية عمل عسكري اندلع في مكان لم يتوقعه أحد. الشخص الذي يهرب من خطر العمل العسكري، يجد نفسه وسط أهوال الكوارث الطبيعية أو الزلزال أو الإعصار. ويلاقي الكثيرون حتفهم حيث يفرّون، بينما يكون الآخرون على استعداد للمخاطرة بحياتهم بدلاً من إهدارها في أماكن تعتبر آمنة، لأنهم يتوقعون كوارث أخرى يمكن أن تأتي قريبًا على تلك المناطق. يبدو أنه لا يوجد مكان على الكرة الأرضية في الآونة الأخيرة يشكّل ملاذاً هادئاً وسلامياً من المشاكل في العالم.

كل شيء صار معقّداً: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. “بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ” على ما يكتب الرسول بولس (2كورنثوس 26:11). وإلى هذه الأخطار في أيامنا ينبغي أن نضيف “أخطار في الهواء وأخطار من السماء” وهي مرعبة بشكل خاص

ولكن عندما كان هذا المتقدم في الرسل المجيد بولس يحتمل كل المخاطر التي يذكرها كانت لديه تعزية عظيمة. كان يعلم أنه يعاني من أجل المسيح وأن المسيح سيكافئه على هذه المعاناة. “لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ” (2تيموثاوس 12:1). كان يعلم أن الرب سيمنحه القوة اللازمة لتحمّل المزيد من الضيقات، ولهذا السبب قال بجرأة: “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي” (فيليبي 13:4)

إن هذه الكوارث الحالية مرعبة للغاية بالنسبة لنا، فقد جاءت علينا لأننا لسنا ثابتين في الإيمان، ولأننا لا نتحمّلها من أجل المسيح. لهذا السبب، لا أمل لدينا في الحصول على الأكاليل من ورائها. وما هو أسوأ من ذلك ويتركنا عاجزين في جهودنا لمواجهة مصائبنا، هو أننا لا ندعّم أنفسنا بقوة المسيح. نحن نضع رجاءنا لا في الله بل في القوى والوسائل البشرية. نحن ننسى كلمات الكتاب المقدس: “لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَيْثُ لاَ خَلاَصَ عِنْدَهُ. طُوبَى لِمَنْ إِلهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، وَرَجَاؤُهُ عَلَى الرَّبِّ إِلهِهِ” (مزمور 3:146 و5). وأيضاً: “إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ” (مزمور 1:126). لا نفتأ نحاول إيجاد أساس ثابت بعيدًا عن الله. وهكذا فإننا نعاني ما تنبأ به النبي: “لِذلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ” (إشعياء 13:30). ويل لمن يميلون ضد تلك الجدران! تماماً كما يسحق الجدار المنهار أولئك الذين يميلون إليه، بنفس الطريقة، مع تدمير الآمال الكاذبة، سيهلك كل من وضعوا ثقتهم فيها. سوف يكون أملهم مثل “عُكَّازَ قَصَبٍ”. “عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ، انْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ” (حزقيال 7:29). الأمر مختلف تماماً عند الذين يطلبون المعونة من الله. “اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ” (مزمور 1:46-2)

ما من شيء يخيف مَن رجاؤه في الله. هو لا يخشى لا البشر ولا عمل الشرير. “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ عاضد حَيَاتِي، مِمَّنْ أفزع؟” (مزمور 1:27). إنه هادئ إذ يعيش في بيته “اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يسكن” (مزمور 91:1). مستعدّ للإبحار عبر البحر “فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ” /زمور 77:19). بجرأة، كما على أجنحة، يطير في السماء إلى الأراضي البعيدة، قائلاً: “إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ (مزمور 139:10-11). هو يعرف أنه يرضي الله لحفظ حياته “يَسْقُطُ ألوف عَنْ جَانِبيكَ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. أما إِلَيْكَ فلاَ يَقْتربُون” (مزمور 7:91)

حتّى الموت لا يرهبه لأن مَن المسيح هو حياته الموتُ هو ربح (فيليبي 21:1). “مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا” (رومية 35:8-39). “فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ” (2 كورنثوس 1:7).

هذا ما يقوله الرب: “حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ” (إشعياء 6:58-9)

أيها الرب علّمني أن أعمل مشيئتك ويوم أدعوك استمع لي. فلتكن رحمتك علينا لأننا عليك وضعنا رجاءنا

الحقير يوحنا، أسقف شنغهاي

30 آب، 1937، عيد القديس ألكسندر نفسكي