الجهاد في الصلاة: دليل عملي مختصر

الجهاد في الصلاة: دليل عملي مختصر

المتقدم في الكهنة باسيل تيدورا

نقلتها إلى العربية اسرة التراث الأرثوذكسي

إذا سألت أيّ شخص في الكنيسة عن الصلاة فمن المرجّح أن يستخدم توصيفًا مثل: تجربة ممتعة، محادثة مع الله، ارتباط بالمطلَق، أو غيرها من المصطلحات العامة الإيجابية بطبيعتها. لكن الأمور تختلف عندما يطرح الأب المعرّف نفس السؤال أثناء الاعتراف. فعلى الأرجح سوف يسمع الكثير عن ضيق الوقت، فقدان التركيز، التَلَكُّؤ والمغالبة بشكل عام. والحقيقة أن الكلام عن الصلاة أسهل من القيام بها

أحد الأسباب الرئيسية لجهادنا في الصلاة هو أننا نتوقّع منها تجربة مختلفة عمّا نحصل عليه بالفعل في معظم الحالات. عند قراءة كتب مثل “سائح روسي على طريق الرب” أو “الفيلوكاليا”، قد نكوّن انطباعاً خاطئاً عن ماهية الصلاة، على الأقل في البداية، لأننا ننسى أن التجارب الرائعة الموصوفة في هذه الكتب تخص أشخاصًا ناضلوا بكل معنى الكلمة مع الصلاة طوال حياتهم. نحن نتوقع جميعًا وقتًا مبهجًا نفرح فيه بالرب بينما تُنقل أرواحنا إلى السماء الثالثة. حسنًا ، هذا لا يحدث لغالبيتنا

يسوع المسيح نفسه صلّى أثناء وجوده على الأرض، ولم تكن كل فترات صلاته كالتنزّه في الحديقة. لنأخذ مثلاً الصلاة في بستان الجثسمانية: “وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ” (لوقا44:22). لقد كان هناك ألم في صلاته، لكن فيما كان يصارع في الصلاة صارت صلاته أكثر عمقًا إذ كانت صادرةً من أعماق طبيعته البشرية فيما هو يصرخ طلباً للمعونة والنجاة

الأمر نفسه ينطبق علينا: فنحن نميل إلى الصلاة بجدية أكبر عندما نعاني. ففي المعاناة نصلّي بصدق ولا يبقى مكان للصلاة العرضية التي لا هدف حقيقي وراءها. المشكلة هي كيف نحوّل هذه اللحظات النادرة من الصلاة الصادقة إلى روتين صلاة اليومي؟

السبب الذي يجعلنا نصلي بأمانة في المعاناة هو أن لدينا هدفًا قوياً نرغب بتحقيقه بكل كياننا. ألا ينبغي أن تكون لدينا نفس الرغبة في الأشياء التي نتلوها تلقائيًا في صلاة الصباح أو صلاة المساء؟ ألا ينبغي أن نصلي من أجل خلاص أرواحنا بنفس القوة التي بها نصلي من أجل صحة أجسادنا؟ بالطبع، لكن بالنسبة للكثيرين منا الروح مجردة ونظرية بينما الجسد ملموس ومادّي. نحن نتأثر بما نتلقّى بحواسنا أكثر من تأثرنا بما وُعِدنا به في الكتاب المقدس

ما لا شكّ فيه أن الصلاة هي من أصعب الممارسات النسكية لأنها تتطلب مزيجاً من الإيمان والمثابرة والصبر يصعب تحقيقه. تتطلب الصلاة جهداً فكرياً لا يمكن تخطيه. لا يمكننا أن نبلغ إلى معاينة الله والاشتراك في النور غير المخلوق في أول ساعة صلاة بل هذا يتحقق إلى جانب الفضائل المسيحية الأخرى، حتى تتطهّر النفوس من الخطيئة وتصبح نورًا ويزداد احتمال وصولها إلى الرب

فكيف نتعلم إذاً كيف نصلي؟ سأل أحد المبدئين أباً من الصحراء “أبّا كيف أصلي؟” أجاب الأب: صلِّ والصلاة ستعلّمك كل شيء”. بالطبع هذه الإجابة العميقة لن ترضي بعض إخوتنا المسيحيين المعاصرين، لذا هاك بعض التوجيهات للمبتدئين

الخطوة الأولى والضرورية هي إنشاء روتين يومي بسيط. لم يستقيم العذر المعتاد “لأنني مشغول جدًا”، عندما يكون معدل مشاهدة التلفزيون 4 ساعات يوميًا. بلوغ الاتساق هو الهدف الأكثر أهمية

الإحماء الروحي: قراءة من الكتاب المقدس، كتابات الآباء القديسين عن الصلاة، الفضائل والتوبة هي كلها مكونات أساسية لزيادة الشهية للصلاة

خلق جو صلاة: أيقونات، شمعة مضاءة، بخور ، مسابح صلاة، كلها تساهم في تسامي الحواس والتركيز على المملكة الداخلية. في الإيمان الأرثوذكسي، يجب أن تشمل الصلاة الروح والجسد معاً. الركوع أو الوقوف، إحناء الرأس، رفع اليدين، والسجود هي الوسائل التي يشارك بها جسمنا بنشاط في الصلاة

تحديد توقعات معقولة. في مجتمع يتمتع بالإشباع الفوري على أساس يومي قد ينخدع المرء بسهولة بالإجابة التي يحصل عليها في الصلاة. لقد فقد معظم الناس الصبر بانتظار استجابة الله، فيهجرون الصلاة بعد محاولتين “فاشلتين”. إن تعلُّم قبول مشيئة الله هو الحل لهذه المشكلة. هذا الموضوع موجود في الصلوات الأرثوذكسية النموذجية كما هو الحال على سبيل المثال في الصلاة التالية الموجهة إلى والدة الإله: أنتِ فرح كل المغمومين، ونصيرة المظلومين، وقوت البائسين، وعزاء الغرباء، وعكاز العميان، وافتقاد السقماء، وسترٌ وعضدٌ للمقهورين ومعونة الأيتام. فيا من هي أم الإله العلي نتوسل إليك يا طاهرة، فأسرعي في نجاة عبيدك. آمين

عدم البحث عن تجارب صوفية. معظم الآباء يحذرون المبتدئين من الرؤى والتجارب غير العادية التي قد يكون لها أصل مشكوك فيه. أخبار آباء البرية غنية بالقصص عن رهبان شباب خدعهم الشيطان الذي استدرجهم إلى لقاءات صوفية كاذبة. إن قبول هذه اللقاءات لا يجذب سوى الكبرياء والشعور الزائف بالإنجاز. الصلاة ليست منافسة إنها شأنٌ جديّ بيننا وبين الله

لا يمكن للصلاة أن توجد في فراغ، بمعزل عن الأشياء الأخرى الضرورية لحياة التقوى. يجب ربط الصلاة بالتوبة والتواضع والرحمة والصوم. فقط في هذه الشركة المقدسة تزدهر الصلاة وتملأ حياتنا برائحة الروح القدس الرائعة. “كل ما تحملته بدافع الحكمة سيؤتي ثماره لك وقت الصلاة” (من اقوال الآباء القديسين)

في النهاية، الصلاة هي لقاء مع الله وبناء علاقة شخصية تحتاج إلى الرعاية والمثابرة. كلما تواصلنا أكثر كلما اقتربنا من الشخص الآخر وصارت المحادثة أكثر إفادة في كل مرة. الصلاة هي محادثة مباشرة مع الله، أي أن يكون المرء دائمًا مع الله، أي أن تكون روحه متحدة به وعقله ملتصقاً به. يصير الإنسان واحداً مع الملائكة ويتحد بهم في التسبيح الدائم والاشتياق إلى الله (القديس سمعان التسالونيكي)

Source: Gladsome Light Dialogues – An Orthodox Blog