فضيلة الإيمان

فضيلة الإيمان

الأب توماس هوبكو

 

إن أساس كل الفضائل والحياة المسيحية هو الإيمان. فهو ما يملكه بشكل طبيعي كل البشر الحكماء والفاضلون. إذ إذا كان أحدهم بلا إيمان من جهة  قدرته على المعرفة وعمل الخير وإيجاد معنى للحياة، أي إن لم يكن يؤمن بإمكانية إتمام هذه الأمور، وبأنها نافعة وتستحق العناء، لن يكون قادراً على تحقيق أي شيء حكيم أو فاضل. الصفة الأكثر وضوحاً لدى كل أنبياء الموت ورسل اليأس ومبشري العبثية هو غياب الإيمان بقدرة الإنسان على الصلاح والحق، وغياب الإيمان بمعنى الحياة وقيمتها. إنها أيضاً غياب للإيمان بالله.

الإيمان بالله هو الفضيلة الرئيسية لدى كل القديسين (أنظر عبرانيين 1:11). نموذج المؤمنين بالله هو إبراهيم أبي إسرائيل. الوعد لإبراهيم ونسله بأنهم يرثون الأرض لم يأتِ من خلال الناموس بل من خلال صلاح الإيمان. لهذا السبب، يقوم بِرّ إبراهيم على الإيمان لكي يمنحه لكل ذريته الذين يشتركون بإيمانه، لأنه أبونا جميعاً، وبحضور الله الذي نؤمن به والذي يمنح الحياة للموتى ويدعو إلى الوجود الأشياءَ التي لا وجود لها. لم يجعله الشك يتردد بشأن وعد الله له، لا بل هو كان ينمو قوياً في إيمانه بإعطائه التمجيد لله، وهو على اقتناع تام بأن الله كان قادراً على فعل ما وعد به. لهذا السبب إيمانه “حُسِب له برّاً” (تكوين 6:15). لكن عبارة “حُسب له برّاً” لم تكتَب من أجله بل من أجلنا أيضاً. سوف يُحسَب لنا برّاً  نحن المؤمنين بالذي أقام من الموت ربنا يسوع الذي سُلِّم للموت من أجل خطايانا ورُفِع لتبريرنا (رومية 13:4-25).

الإيمان بالله أساس الحياة الروحية. والإيمان بالله هو الإيمان بابنه يسوع المسيح أيضاً. “لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي… صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا” (يوحنا 1:14 و 11).

الإيمان بيسوع على أنه “المسيح ابن الله الحي” هو مركز الإيمان المسيحي وأساس الكنيسة (أنظر متى 16:16). إنه مصدر كل حكمة وقوة وفضيلة. إنه الوسيلة التي بها يمكن للإنسان أن يعرف كل الأشياء ويعملها لأن “كل شيء مستطاع عند المؤمن” (مرقس 23:9 ومتى 20:17).

“اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يوحنا 4:15-5).

الإيمان، قبل كل شيء، هو “الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى” (عبرانيين 1:11). إنه الإيمان بالقدرات الروحية عند الإنسان وبصلاح الله وقوته. إنه صعود عقلي وجودي وثقة يومية بوعود الله وعطاياه المعطاة إلى العالم في الخلق وفي الخلاص بيسوع المسيح والروح القدس. الإيمان بحد ذاته هو “عَطِيَّةُ اللهِ” (أفسس 8:2) الممنوحة للجميع والتي يقبلها المتواضعون بالروح وأنقياء القلوب المنفتحون على عمل الله في حياتهم.

الإيمان الصادق ليس قفزة عمياء في الظلام، أو قبولاً غير واعٍ ولا منطقي لما هو غير معقول ومنافٍ للعقل. الإيمان الحقيقي معقول بشكل بارز، ومتجذّر ومؤسّس في طبيعة الإنسان العاقلة كما هي مصنوعة على صورة الله. عدم الإيمان، بحسب الكتاب المقدّس والقديسين، هو مثال للسخافة والجهل. “قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلهٌ». فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا. اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟” (مزمور 1:14-2).

الإنسان مخلوق ليؤمن بالله. عدم الإيمان هو انحراف للطبيعة البشرية وسبب كل الشرور. ضعف الإيمان بالله وغيابه متجذّر في الخطيئة والنجاسة والكبرياء. هو ليس خطأً فكرياً أو تشوشاً عقلياً وحسب. إنه دائماً نتيجة قمع الحقيقة عن طريق الشر، استبدال حقيقة الله بكذبة، رفض الاعتراف بالله بتشريف وشكر عن وعي أو عن غير وعي.

“اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا. غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى” (إشعياء 9:6-10).

يعيش الإنسان الروحي “بالإيمان بابن الله الذي يحبني وأعطاني ذاته” (غلاطية 20:2). الإنسان الروحي هو مَن بنعمة روح الله، مخلِص في كل الأشياء.

Leave a comment