إلى الغريب المتألِّم يأتي!

إلى الغريب المتألِّم يأتي!

الأرشمندريت توما بيطار

 

 

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

يا إخوة، الإنجيل الّذي تُلي على مسامعكم يعني كلَّ واحد منّا شخصيًّا. يسوع الّذي كان في جهات الجليل، أي جهات الجنوب اللّبنانيّ، كان قريبًا من صور وصيدا. وكان يذهب، من حين إلى آخر، إلى تلك المنطقة. وهنا، ذهب، بصورة خاصّة، حتّى يلتقي المرأة الكنعانيّة. “الكنعانيّة” المقصود بها امرأة فينيقيّة تنتمي إلى الأمم، أي إلى غير اليهود. والكنعانيّون كانت لهم عباداتهم الخاصّة، وكانت عندهم آلهتهم الخاصّة، واليهود كانوا لا يتعاملون مع الأمميّين؛ فلا يدخلون بيوتهم، ولا يسمحون لهم بدخول بيوت اليهود، لأنّهم كانوا يعتبرون أنّ الكنعانيّين هم أنجاس بسبب العبادات الوثنيّة الّتي كانوا يمارسونها. والاعتقاد كان أنّ العبادات الوثنيّة يكمن وراءها الشّيطان. إذًا، الّذين يعبدون الأوثان، يعبدون بصورة غير مباشرة الشّيطان. بمعنىً من المعاني إذًا، هذه المرأة الكنعانيّة كانت تسكن في بلد الشّيطان بامتياز. ولهذا السّبب، كان يسكن ابنتَها شيطانٌ، ويعذّبها جدًّا. طبعًا، هذا ليس غريبًا. الغريب أنّ شخصًا كالمرأة الكنعانيّة، يعيش في منطقة وثنيّةٍ الشّيطانُ فيها قويّ جدًّا، ومع ذلك يكون هذا الشّخص- أي المرأة الكنعانيّة- محافظًا على الكثير من النّقاوة! هذا غريب وغير مألوف! لكنّ هذا يدلّ على أنّه حتّى في الأماكن البعيدة جدًّا، في ممارساتها وعاداتها وعباداتها، عن الله، يبقى هناك أناس قلوبهم مهيّأة لأن تعبد الله. لهذا السّبب، نحن المسيحيّين، لا نقول أبدًا إنّ غير المسيحيّين ليس الله موجودًا فيما بينهم. بلى، الله موجود، ويفعل بطرق هو يعرفها في كلّ بقعة من بقاع الأرض، ومع أناس قد لا يظنّ أحد منّا أنّهم لله! لهذا السّبب، نحن لا نستطيع أن نحكم مَن الّذي يخلص ومَن الّذي لا يخلص. الله هو العارف بكلّ شيء، لأنّه العارف بمكنونات القلوب. والرّبّ أتى خصّيصًا إلى نواحي صور وصيدا حتّى يبيّن لنا هذا الأمر! حتّى يبيّن لنا أمرًا عظيمًا في شأن هذه المرأة الكنعانيّة! المرأة الكنعانيّة كانت مُعذّبة لأنّ ابنتها كانت تتعذّب، ابنتها كان فيها شيطان شرِس. يبدو أنّ المرأة الكنعانيّة سمعت بيسوع. كيف سمعت به، لا نعرف! طالما أنّ الأمميّين لا يختلطون كثيرًا باليهود، فكيف عرفت به؟! – أغلب الظّنّ أنّها بسبب معاناتها الكبيرة، لأنّها كانت متألّمة من جهة ابنتها، كانت مهيّأة لأن تبحث عمّن يشفي هذه الصّبيّة؛ وبالتّالي، طرق أذنيها كلام بشأن معلّم جديد، الّذي هو الرّبّ يسوع. لاحظوا الكلام الّذي استعملته هذه المرأة: “ارحمني، يا ربّ، يا ابن داود”! أي كانت تتكلّم وكأنّها يهوديّة! أوّلاً، تطلب إليه الرّحمة! فقط اليهود، في ذلك الزّمان، كان يمكن أن يسألوا بهذه الطّريقة. وهي تقول عنه إنّه ابن داود! إذًا، هي تعرف مَن هو داود! داود هو مسيح الرّبّ! داود هو ملك إسرائيل! أن تقول عن هذا المعلّم إنّه ابن داود، هذا يعني أنّ أحشاءها تحرّكت بشكل مميّز! وهذا قد يشير إلى أنّ هذه المرأة قد لمسها روح الرّبّ لأنّها كانت، بصورة طبيعيّة، على نقاوة في النّفس! الرّبّ يعمل في النّفوس النّقيّة بشكل عجيب جدًّا! ربّما يكون الإنسان موجودًا في مكان وسخ جدًّا، لكنّه مُضَلَّل، وفي قرارة نفسه فيه نقاوة. هذا يعمل الله فيه بطريقة سرّيّة لا نعرفها! لكن، حتّى تستعمل كلامًا كهذا، وحتّى تبادر إلى يسوع، فهذا يعني أنّ الألم دفعها إلى البحث عن المعلّم، والبحث عن المعلّم جعل روح الرّبّ يتكلّم فيها.

“ارحمني، يا ربّ، يا ابن داود؛ فإنّ ابنتي فيها شيطان يعذّبها”. عرضت له الحالة كما هي؛ “فلم يجبها بكلمة”! في المرحلة الأولى، وقفت في مقابله، ونادته بهذا الكلام الأصوليّ. في المرحلة الثّانية، عرضت عليه وضعها. جواب يسوع كان الصّمت: “فلم يجبها بكلمة”! “فدنا تلاميذه وسألوه قائلين: اصرفها، فإنّها تصيح في إثرنا”. إذًا، هي لم تكن تتكلّم بشكلٍ عاديّ، بل كانت تصيح! كانت تصرخ! لماذا يصرخ الإنسان؟! – الإنسان يصرخ، أوّلاً، عندما يكون موجوعًا؛ وثانيًا، عندما يكون مُلِحًّا، يريد غرضه! فقط الإنسان الموجوع والّذي يُلحّ في الطّلب، هذا هو الّذي يأتي إلى يسوع بإصرار. التّلاميذ كان يهمّهم ألاّ ينزعجوا: “اصرفها، فإنّها تصيح في إثرنا”. يحكمون على الأمور بحسب الظّاهر، وهم غافلون عمّا هو كامن خلف هذا الصّياح! “فأجاب [يسوع] وقال لهم: لم أُرسَل إلاّ إلى الخراف الضّالّة من بيت إسرائيل”. يسوع لم يخاطب المرأة مباشرة، بل تكلّم مع تلاميذه. لكنّه تكلّم مع تلاميذه حتّى تسمع المرأة الكنعانيّة! أرادها أن تسمع! “لم أُرسَل إلاّ إلى الخراف الضّالّة من بيت إسرائيل”! الرّبّ جاء، بصورة خاصّة، إلى اليهود، في ذلك الزّمان. لكنّه أراد أن يكون اليهود هم الّذين يحملون كلمة الله إلى كلّ الأمم، كما كان الأنبياء قديمًا يقولون! إذًا، الرّبّ يتصرّف حتّى يجعل اليهود، أوّلاً، يسمعون أنّه هو أتى من أجلهم؛ وفي الوقت نفسه، كان يريد أن تسمع أيضًا المرأة الكنعانيّة لسبب ما. ما هو هذا السّبب؟! – الرّبّ يريد أن يجعل تلاميذه واليهود يرَون أنّ هذه المرأة أشدّ إيمانًا من كلّ اليهود.

إذًا، أوّلاً، الرّبّ سكت. وثانيًا، قال لها، بطريقة غير مباشرة، إنّه لم يأتِ إلاّ لليهود؛ فبقيت مُصِرَّة، و”أتت وسجدت له قائلة: أَغثني، يا ربّ”! كأنّها لم تسمع، مع أنّها سمعت! “أتت وسجدت له”! هذا يعني أنّ موقفها فيه تواضع كبير! تصوّروا أحدهم يقول لكم: لماذا أتيتم إليّ؟! ما علاقتي بكم؟! أمام موقف كهذا، ليس من السّهل على الإنسان أن يُصرّ على طلبه ويثبت فيه. المرأة الكنعانيّة سجدت وقالت: “أغثني، يا ربّ”، [أعنّي، يا ربّ]! “فأجاب قائلاً – [هذه المرحلة الثّانية] – ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُلقى للكلاب”! هذا كلام قاسٍ جدًّا جدًّا جدًّا! كأنّه صفعها صفعًا: “ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُلقى للكلاب”! البنون هم اليهود. واليهود كانوا يسمّون الأمميّن بالكلاب! كانوا يعتبرون الأمميّين في مرتبة الكلاب! إذًا، حتّى الآن، لا يزال الرّبّ يكرّر كلامه كأنّه إنسان يهوديّ بكلّ معنى الكلمة. لكن، كان له قصد آخر، كما قلنا. المهمّ أن نعرف دائمًا قصد الله! في الظّاهر، بدا وكأنّه أعرض عن هذه المرأة، ولم يسمع لها: لم يسمع صياحها، ولا اكترث لها، ولا اهتمّ بسجودها أمامه، ولا بصراخها له: “أغثني، يا ربّ”! كأنّه غير مبالٍ! لكنّ كلّ ذلك كان حتّى يكشف الرّبّ الإله ما في داخل هذه المرأة! عندها، قالت له المرأة: “نعم، يا ربّ”! أي أنت على حقّ؛ “فإنّ الكلاب أيضًا تأكل من الفتات الّذي يسقط من موائد أربابها”! أي قالت له: أنت على حقّ: أنا في مستوى الكلاب، وأنا لا أستحقّ، لأنّني انا أعرف خطايايا، أنا عارفة بنفسي! أنا عارفة من أين أتيت، لكن! “الكلاب أيضًا تأكل من الفتات الّذي يسقط من موائد أربابها”! أي هي لا تطلب خبزًا، لأنّها تعتبر نفسها لا تستحقّ خبز البنين. لكنّها تطلب الفتات! الفتات، لا أكثر ولا أقلّ، الّذي يسقط من موائد الأرباب! هي تعتبر كأنّ الّذين جاء الرّبّ إليهم هم الأرباب، هم الأسياد! هي تطلب فتاتًا! هذا منتهى التّواضع! التّواضع الكبير المقرون بمعرفة الخطيئة والانكسار الكبير والإصرار، في آنٍ معًا!

“حينئذٍ أجاب يسوع”! وصل الرّبّ يسوع! كشف ما في هذه المرأة من كنز عظيم، هو الاتّضاع، هو معرفة الذّات! “فأجاب وقال لها”: عندها، تكلّم معها! الله لا يتكلّم إلاّ للمتّضعين المنكسرين، إلاّ للّذين يعرفون خطاياهم، لا للمتكبّرين أبدًا! “وقال لها”: هذه المرّة الأولى الّتي يخاطبها فيها مباشرة! “يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك كما أردتِ”! يتكلّم على إيمان! هي مؤمنة بيسوع؟! وهل يسوع بشّرها؟! يسوع لم يبشّرها كما بشّر اليهود! اليهود بشّرهم الله، ولم يؤمنوا به! وهذه المرأة لم تُبَشَّر بالكلام الإلهيّ، وآمنت بيسوع! من أين أتى إيمانها؟! – إيمانها جاء من نقاوة نفسها، ومن تواضعها، ومن وجعها! ما من شيء يفتح النّفس على الله أكثر من الوجع! إذا أتينا بشخصين: أحدهما فرح جدًّا، والآخر حزين جدًّا. الأوّل صحّته جيّدة، والآخر صحّته سيّئة. مَن من هذين الاثنين، في نظركم، يكون أكثر استعدادًا لأن يأتي إلى يسوع؟! صاحب الصّحة الجيّدة، والأموال الكثيرة، والّذي يعيش بفرح كبير والدّنيا لا تتّسع له من شدّة سعادته؛ أو الإنسان المكسور، الموجوع، المتألّم، المتضايق؟! مَن الّذي يأتي إلى يسوع؟! – في تسعة وتسعين في المئة من الحالات، المتألّم هو الّذي يأتي! معظم النّاس، معظمنا لا يأتي إلى الرّبّ إلاّ بالوجع! لذلك، هناك آلام كثيرة في حياة البشر. لذلك، كان النّاس يقولون، منذ زمن، كلمة جميلة جدَّا، لم نعد معتادين عليها اليوم، لأنّ النّاس اليوم ليس باستطاعتهم أن يفهموا منطقًا كهذا! كانوا إذا مرضوا، أو حلّت بهم مصيبة، أو بار الموسم ولم تُمطر السّماء… كانوا يسكتون ويقولون: “استفقاد الله رحمة”! ما معنى “استفقاد الله رحمة”؟! – أي إذا ارتضى الرّبّ الإله أن يُمسّوا بالآلام، فهذا كانوا يعتبرونه قديمًا رحمة من عند الرّبّ! الآلام الّتي يسمح الرّبّ بأن تصيب البشر؛ هذه، بمعنى من المعاني، هي من رحمات الله، لأنّ الرّبّ يريدنا أن نأتي إليه! ونحن، بسبب قساوة قلوبنا، لا نفهم إلاّ بلغة العصا! لا نفهم إلاّ بلغة الألم! لا نفهم إلاّ بلغة الضّيق! الكثير من القدّيسين كانوا يشتكون أنّ الرّبّ قد تخلّى عنهم! لماذا كانوا يقولون هذا؟! – كانوا يقولون هذا، أحيانًا، لأنّ الرّبّ لا يسمح بأن يتألّموا، بأن يمرضوا! كانوا يعتبرون أنّهم إذا مرضوا، فالرّبّ الإله يعطيهم فرصة حتّى تحلّ عليهم رحمات الله!

إذًا، هذه المرأة، مَن الّذي كرز لها بيسوع؟! – الّذي كرز لها بيسوع هو الألم! ما من معلّم كالألم! طبعًا، نحن لا نحبّ الألم، وإلاّ نصبح مرضى! ولكن، إذا كنّا نريد فعلاً أن نعرف الله، إذا كنّا نريد فعلاً أن يخاطبنا يسوع؛ فعلينا أن نتوقّع الألم، وعلينا أن نشكر الله عليه، وأن نصبر على آلامنا بلا تذمّر؛ لأنّ ما من فرح يأتي، في الحقيقة، إلاّ عبر الألم! الإنسان الّذي يعرف أن يتألّم، الّذي يعرف أن يسكت حين يتألّم، الّذي يعرف أن يبتعد عن التّذّمر حين يتألّم، الّذي يرفع عينيه إلى فوق حين يتألّم، الّذي يسأل الرّبّ الإله الصّبر والمعونة؛ هذا، متى حلّ زمان افتقاده، يفرح كثيرًا جدًّا!

في نهاية المطاف، “عظيم إيمانك، يا امرأة”! هذه المرأة إيمانها عظيم إلى درجة أنّ يسوع اعترف بعظمته، بعظمة هذا الإيمان دون اليهود أجمعين، ودون التّلاميذ أيضًا، الّذين كان همّهم أن يكونوا مرتاحين! هم يتباهون بأنفسهم، يتباهون بأنّهم يمشون مع المعلّم؛ هو معلّمهم هم! إنّهم فرحون به! لكنّهم لا ينظرون إلى آلام النّاس! لا يتألّمون مع المتألّمين، ولا يبكون مع الباكين حتّى يفرحوا مع الفرحين! لهذا السّبب، تلاميذ الرّبّ يسوع، قبل أن يحلّ عليهم الرّوح القدس، كانوا مثل “اللّطمة”، أي ما كانوا نافعين في شيء! كانوا يتفاخرون هباءً! عندما أُسلِم الرّبّ إلى اليهود، هرب التّلاميذ كالفئران! وبطرس أنكر ثلاث مرّات أنّه يعرف المعلّم! إلى أن أُعطي التّلاميذ روح الرّبّ، بنعمة منه فقط، كان التّلاميذ لا يزالون خارج الدّائرة. لم يكونوا بعد قد دخلوا! هم لا يفهمون، ولا يستطيعون أن يفهموا! إذا لم يعطهم الرّبّ الإله روح الفهم، فلا يمكنهم أن يفهموا! والرّبّ الإله يعطي روح الفهم للّذين يتألّمون، لأنّ هؤلاء يكونون على استعداد لأن يقتبلوا روح الفهم، فلا “يتفلسفون” فيما بعد على الله، ولا يحكمون على الأمور بحسب الظّاهر! ما من إنسان يَتَّحِدُ بالبشر إلاّ إذا تألّم معهم! لذلك، نحن نصورّ الرّبّ يسوع المسيح مقمّطًا، في مذود. ليس لأنّه كان طفلاً نضع له الأقمطة، لا أبدًا! انظروا إلى أيّ أيقونة من أيقونات الميلاد، ترون أنّنا نصوّره لابسًا الأقمطة. وهذه إشارة إلى الموت! جاء ليموت! جاء ليشترك مع الّذين يذوقون الموت! جاء ليشترك مع الّذين يتألّمون! هؤلاء هم الّذين جاء الرّبّ ووحّد نفسه بهم، حتّى يقوم من بين الأموات، وحتّى يسبغ عليهم نعمته، ويعطيهم القيامة والفرح والحياة الأبديّة! لهذا السّبب، الّذي لا يعرف أن يتألّم، يستحيل عليه أن يعرف كيف يصير مسيحيًّا. نحن، في العالم، إذا كان ينقصنا شيء، نتذمّر بسهولة، ونقول: “ماذا فعلت للرّبّ حتّى فعل بي هذا؟! لماذا جعل أمّي تمرض؟! ولماذا ضرب والدي بمرض؟! ولماذا ضربني أنا بمرض! أنا لا أقتل، ولا أسرق، ولا أزني، وأنا أعطي الكنيسة، وأعطي الفقراء… لماذا، إذًا، فعل بي الرّبّ هذا؟! على هذا الشّكل، نحن نفكّر ونحن في العالم. أمّا الّذين يفكّرون كما يفكّر الله- والرّسول يقول إنّنا يُفترض بنا أن يكون عندنا فكر المسيح- فمتى حلّت بهم آلام أو ضيقات؛ فهم، إذ ذاك، يعرفون أنّ رحمة الله على وشك أن تحلّ عليهم! الرّبّ يريد أن يعطينا رحمته، أن يعطينا نعمته، أن يعطينا بركته! وهو لا يعطينا إيّاها إلاّ في دائرة الضّيقات والآلام والأوجاع! أمّا البشر المرتاحون، الّذين يتوفّر لهم كلّ شيء، فهؤلاء لا هم يبالون بالرّبّ، ولا الرّبّ يأتي إليهم؛ لأنّهم يكونون قد أقفلوا أبوابهم، حتّى لا يدخل يسوع ويزعج أحدهم! لذلك، الكلام الإلهيّ يقول: “بضيقات كثيرة يبنبغي أن ندخل ملكوت السّموات”، لا براحات كثيرة! الإنسان لا يأتي إلى الله إلاّ بالضّيق! فلنفهم هذا الأمر، ولنتعلّم تاليًا كيف نتعامل مع الضّيقات والآلام الّتي نمرّ فيها. يجب ألاّ نقول للرّبّ: “أرجوك أعطني: أعطني صحّة، أعطني أولادًا، أعطني بيتًا، أعطني ما أريد!…” ليس على هذا الشّكل تكون العلاقة مع الرّبّ. العلاقة مع الرّبّ تكون كأن يقول الإنسان للرّبّ: “أنت، يا ربّ، أردت أن أكون في هذا الوضع! أنت لم تعطني ولدًا! فلتكن مشيئتك، فأنت أعلم! أنت لم تعطني صحّة، فلتكن مشيئتك! المهمّ أن تعطيني أن أعرفك، أن أحبّك!” لذلك، الرّسول بولس كان يصرخ ويقول: “أُسَرُّ بالضّيقات والشّدائد الّتي تصيبني”! كان يفرح بذلك، لأنّه كان يعتبر أنّ هذه الضّيقات والشّدائد هي الّتي ارتضى الرّبّ الإله أن يعطينا نفسه من خلالها.

إذًا، نحن نتعلّم أن نصطبر، وأن نقبل من يد الله كلّ شيء! المهمّ أن يرى الإنسان ماذا سيحدث، في نهاية المطاف! فالقول الإلهيّ يقول: ” مَن يصبر إلى المنتهى، هذا يخلص”! أي هذا يفرح! هذا يُعطى حياة أبديّة! هذا يُعطى سلامًا! هذا يكون في النّور! المهمّ أن نصبر على ضيقاتنا، طالما الرّبّ الإله يسمح بها. والضّيقات تأتي بنا، بنعمة الله، إلى القيامة والحياة!

فمَن له أذنان للسّمع، فليسمع.

عظة في الأحد 01 شباط  2009 حول متّى15: 21- 28.

Leave a comment