نحن والقديسون

نحن والقديسون

 

في خبر أرثوذكسي من العالم الأسبوع الماضي أن هامة القديس بندلايمون معروضة اليوم للزوار في أوكرانيا للتبرك. والهامة هذه محفوظة أصلاً في الدير المسمّى باسمه في جبل أثوس لكن الرهبان حملوها إلى في هذه الزيارة إلى بلاد الروس ليترّك المؤمنون بها حيث بقيت حتى التاسع من تموز الحالي لتنتقل إلى مكان آخر. قُدّر عدد المؤمنين الذين يزورون الهامة يومياً بثمانين ألف وروت إحداهن إنها انتظرت أربع عشر ساعة ليتسنّى لها تقبيل الهامة والتبرك منها.

في المقابل يمر عيد القديس يوف المشقي في انطاكية خجولاً هزيلاً: بعض الأديار تقيم السهرانيات، بعض كنائس الرعايا تقيم صلاة الغروب مع كسر الخبزات الخمس، وفي أفضل الأحوال قداساً في يوم العيد. لن أناقش مقولة قديس كبير وقديس صغير. لكن ما سوف أتوقف عنده، لأنه ينبغي التوقف عنده، هو هذا الحبل المقطوع أو الذي يكاد ينقطع في العلاقة بين المؤمنين والقديسين في انطاكية. طبعاً ليس مطلوباً أن نطبّل ونزمّر إذا أعلنت قداسة قديس، وأصلاً لم يفعل الأرثوذكس هذا عند إعلان قداسة الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي وهو آخر مَن أُعلنت قداسته في انطاكية. لكن أقل المطلوب هو أن يحس الأنطاكيون بأن لهذا القديس أو ذاك وجود مميز بينهم، أن يستدعوه للشفاعة ويحسوا بها فاعلة في حياتهم.

علاقتنا بالقديسين وللأسف تحولت إلى أعياد يتولى مجالس الرعايا تنظيمها  فيدخل فيها الطبل والزمور والاحتفالات وقد لا يغيب عنها إلا القديس صاحب العيد. ممارسات مفترض أن المسيحيين نسوها فلمَ العودة إليها؟ علاقتنا بالقديسين تحولت إلى مجرد ايقونات نتباهى برسمها وتعليقها. ما عدنا نختار أسماء أبنائنا من القديسين لأننا لم نعد نطلب شفاعتهم فعلاً. صرنا نحتفل بأعياد ميلاد أبنائنا ونسينا أعياد شفعائهم لأن حبل الود بين المؤمن وشفيعه انقطع لدينا. الإسم يحمل صاحبه وصفاته، ونحن ما عدنا نرجو لأبنائنا القداسة. فالقداسة ليست من مواصفات النجاح الذي قد يحملها اسم أي ممثل تلفزيوني أو مغنٍ.

إن لم تُفعّل علاقة المؤمنين بالقديسين لا يبقى من فرق بيننا وبين البروتستانت. لا يكفي أن نعلق الإيقونات بل نحن بحاجة إلى التأمل والتمثل بأصحابها. جاءني مرة صديق بروتستانتي قائلاً أن كنيستهم جافة إذ ليس فيها لا عذراء ولا قديسون بينما كنيستنا فلا. القديسون يبثون الرطوبة في علاقة الجماعة المؤمنة مع الله، والأمر هو في الخبرة.

تراثنا الأرثوذكسي مختلف عمّا نفعل اليوم. كنائسنا كانت تقام على قبور الشهداء ثم صارت تُوضع رفاة القديسين في أسا المائدة. كنائسنا هي بيوت الله وكنائسه ولكنها على اسماء القديسين. بيوتنا كانت ملأى بسير القديسين تخبرها الجدات للأحفاد والأمهات للأبناء. اليوم كل شيء تغيّر. لدى أبنائنا الكثير من السيَر التي تحدد لهم أولويات غير القداسة. الجدّات صرن يسابقن أحفادهن على التلفزيون والأمهات صرن يتشاجرن مع أبنائهن من أجله. ضاق المكان الذي كان يتسع لقصة قديس أو شفيع ومطلوب أن نعيده إلى ما كان عليه.

كما أن أبنية الكنائس لا تقوم إلا على رفا القديسين كذلك الكنيسة لا تقوم إلا على صلواتهم وشفاعتهم والشركة معهم. نحن في هذه البلاد علامَ تقوم كنيستنا؟

الأب أنطوان ملكي

(عن نشرة الكرمة)

Leave a comment