الاختزال في خدمتي الخطبة والإكليل

الاختزال في خدمتي الخطبة والإكليل

الأب أنطوان ملكي

يفرد صاحب الغبطة دراسة كاملة لخدمتي الخطبة والإكليل. إن دراسة هذا الكتاب الصادر عن معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في 2004، تجيب على الكثير من الأسئلة حول الاختزال، على افتراض أن أغلب الاختزال يصير عن قلة فهم وتقدير لكل جزء من أجزاء الصلاة.

لن نخوض في إلغاء صلاة الخطبة كما يحدث في الكثير من الكنائس اليوم، حيث أن هذه المناقشة بحاجة إلى أكثر من طرف وعلى مستوى رعائي عالٍ. التعليق الوحيد على إلغائها هو أن في الإلغاء، كما في الاختزال والاختصار، خروج على ما هو مشتَرك بين كل مكوّنات الكنيسة. أبسط أصول الأعمال التطبيقية يقول بأنه لو كان جميع الكهنة يتبعون ما بين يديهم من الكتب بدقة لما كان هناك أي فروقات في الخدمة ما بين أبرشية وأخرى وحتّى ما بين رعيتين متجاورتين.

أمّا خدمة الإكليل فالاختزال الذي طالها أقلّ بكثير من خدمة الجناز. الإفشين الافتتاحي ملغى، الإكتاني بعد الإنجيل والإفشين المرافق لها لا يقرءان. من جهة أخرى يضيف بعض الكهنة إلى الخدمة السؤال المنسوخ عن الكثلكة عمّا إذا كان كل من العروسين يريد الآخر. من حيث المبدأ، هذه الإضافة انحراف عن لاهوت سرّ الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية، خاصةً إذا سبقته خطبة. فهذا السؤال بالأصل يسأله الكاهن قبل الإكليل، واليوم المفتَرَض أن مكاتبالزواج في المطرانيات سألته. فالشخص الآتي إلى الإكليل يعرف أنه آتٍ إلى إكليل وليس إلى قاضٍ. السؤال موجود عند الكاثوليك لأن الكثلكة تعتبر نفسها حاكمة على الدين والدنيا. نحن في تقليدنا، أن الزواج قد تمّ مدنياً عند القاضي قبل وصول العروسين إلى مباركة إكليلهما في الكنيسة. لهذا لا نجد في خدمتنا إلا طلب البركة. خدمة الإكليل لا تعلن العروسين زوجاً وزوجة، كما يجري في نهاية الإكليل الكاثوليكي. الكنيسة ليست قاضياً ولا تستطيع أن تكون.

إن العبادة هي إحدى صورة الوحدة الظاهرة. لهذا وبحسب الشرع الكنسي، يوجد في كل أبرشية كاهن مسؤول عن التأكّد من أن الخدم متناغمة خاصةً من حيث الشكل. في اليونان مثلاً، يأتي تعميم مكتوب من المطران يحدد أوقات ابتداء الصلاة. بهذا تسمع أجراس الكنائس المتجاورة تقرع مع بعضها جميعاً. أما عندنا فكل رعية تثبت توقيتها، وهذه تؤجّل وتلك تبكّر، وهذا الكاهن يزيح عيداً سيدياً وذاك يلغي السحرية أو جزءً منها. باختصار، الاستنساب في أنطاكية بلغ حدّ الفوضى.

مشكلة الاختزال الكبرى التي تطال الأكاليل هي في أوقات الإذن بالزواج. ورد في الدليل الرعائي إلى الأسرار الصادر عن المجمع الأنطاكي سنة 1996، المادة 133: “تجيز الكنيسة إتمام زواج في كل يوم على مدار السنة عدا الأيام التالية:

1- كل يوم أربعاء أو جمعة ﻷنها أيام صوم

2- ليلة كل أحد أي مساء كل سبت لأنها تهيئة ليوم الربّ

3- ليلة عيدَي الصليب في 14 أيلول وقطع رأس يوحنا المعمدان في 29 آب لأنهما يوما صوم

4- في صوم الميلاد من 20 كانون الأول وحتى عيد الظهور الإلهي

5- أيام الصوم الكبير مع أسبوع البياض وأسبوع التجديدات أي من أحد مرفع اللحم حتى أحد توما. ويجوز إتمام الزواج، لسبب صوابي، في اسبوع البياض بعد استئذان السلطة الروحية المختّصة

6- أيام صوم الرسل. ويجوز إتمام الزواج فيه لسبب صوابي، بعد استئذان السلطة الروحية المختّصة

7- أيام صوم السيدة.

تمنع الكنيسة إتمام الزواج في الأيام الواردة أعلاه، إمّا:

1- بسبب وقوعه في فترة صوم، والصوم يستدعي الخشوع والتقشّف والابتعاد عن مظاهر الفرح العالمي

2- بسبب وقوعه في فترة أعياد سيدية، تقتضي الدخول في الأفراح الخلاصية النابعة من هذه المواسم والمشاركة فيها دون أن يؤثّر عليها أي فرح عالمي آخر

3- بسبب وقوعه ليلة سبت، وليلة كل سبت هي تهيئة ليوم الربّ! واستعداد للإتحاد بجسد المسيح ودمه الكريمين.”

أما في الدليل الرعائي الصادر المجمع الأنطاكي في 2012، فقد تغيّرت فترات منع الزواج وصارت:

في 4- من 20 إلى 25 كانون الأول ضمناً ويوم بارامون الظهور الإلهي وعيد الظهور الإلهي استناداً إلى قرار المجمع، الدورة العادية، دير البلمند 13-10/21/ 1998. أي أن الزواج صار مسموحاً في الفترة بين العيدين، من دون أي تعليل.

أُضيف أحد العنصرة، وهو بالواقع ليس إضافة لأن أحد العنصرة هو غروب عيد الروح القدس أي عيد سيدي وبالتالي هذه الإضافة توضيحية لا غير.

التفسير الذي تمّ تداوله للسماح بالزواج بين عيدي الميلاد والظهور كما عدا البارامون، هو أن غالبية شبابنا مسافرون وتأتي فرصهم في تلك الفترة التي تضمّ أيضاً رأس السنة الميلادية. لم تثر أي ضجة مع أن عدداً من الكهنة لم يعتبر نفسه معنياً بالتغيير خاصةً أن التعليل لا يستند إلى أي منطق لاهوتي.

أما بيان المجمع الأنطاكي برئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر في دورته العادية الثامنة من 3 وحتى 5 من تشرين الأول 2017، فقد أورد ما يلي: “واطلع الآباء على الدراسة المقدمة بشأن سر الزواج وأوقات إتمام هذا السر وشددوا على أهمية الرابط الزوجي وقدسيته كَسِرٍّ وكلُبنةٍ أولى وأساس في بناء العائلة المسيحية واتخذوا قراراً بالتشديد على التالي: أولاً: يُحتفل بالزواج في الكنيسة وليس في أماكن أخرى. ثانياً: تقام الخدمة وفقاً للمراسيم الليتورجية المحددة في كتاب الخدمة دون سواها. ثالثاً: تجيز الكنيسة إتمام سر الزواج في كل يوم على مدار السنة عدا الأيام التالية: يوم عيد الصليب في 14 أيلول، يوم عيد قطع رأس يوحنا المعمدان في 29 آب. من 20 إلى 25 كانون الأول ضمناً، يوم برامون الظهور الإلهي ويوم عيد الظهور الإلهي. من الأربعاء في أسبوع البياض (قبل الصوم الكبير) ولغاية السبت الجديد (بعد الفصح) ضمناً. يوم عيد العنصرة. أيام صوم السيدة من 1 إلى 15 آب (ضمناً)”.

إذاً اختزل المجمع 3 أيام من أسبوع البياض، صوم الرسل، ليلة عيدَي الصليب وقطع رأس يوحنا المعمدان، وكل أيام الأربعاء والجمعة والسبوت، وصار ممكناً إقامة الزواج فيها.

يذكر البيان أن المجمع استند إلى دراسة مقدّمة. كالعادة، لم تُنشَر هذه الدراسة، وهذا ما يحدّ من إمكانية التوسّع بالتعليق على هذا الاختزال، من دون أن يمنع طرح الأسئلة التالية:

ما هو السند اللاهوتي الممكن لهذا التغيير؟ لماذا لم تتوصل إليه أيٌ من الكنائس الأرثوذكسية الأخرى في العالم؟

في تعليم 1996 يُذكر 3 أسباب لمنع الزواج في يوم ما. فهل السماح بالزواج أيام الأربعاء والجمعة يعني أن هذه الأيام لم تعد أيام صوم؟ هل السماح بالزواج في صوم الرسل يعني الاستغناء عن هذا الصوم؟ هل السماح بالزواج يوم السبت يعني أنّه تمّ الاستغناء عن الاستعداد ليوم الربّ؟

تعليق

انعقد لقاء 1923 التاريخي في القسطنطينية حيث قاطعت بعض الكنائس وأنطاكية كانت من بين الحضور. تقدّم بطريرك القسطنطينية في حينه ملاتيوس ميتاكساكيس. كان البرنامج مثقلاً بالأمور الخلافية حتى أن بعض الدارسين يعتبرونه انقلاباً على التقليد. من أهم الأمور التي كانت مطروحة في اللقاء المذكور إعادة النظر بالأصوام، وتحديداً الاستغناء عن صوم الأربعاء والجمعة وصوم الرسل، إعادة النظر بالتقويم اليولياني، زواج الأساقفة، التخلّي عن القيافة الكهنوتية التقليدية كتقصير الشعر وحلق اللحى واللباس المدني وغيره. الكنائس التي حضرت تبنّت التقويم المعدّل، المتّبع حالياً لدينا، بحيث نعيد كل الأعياد بحسب التقويم الغريغوري الغربي المتّبع في كل العالم ما عدا الفصح الذي نعيّده على التقويم اليولياني. أرجئ البتّ بالقضايا الأخرى، لكن عملياً وعلى غرار التقويم اعتُمِد أغلبها من دون قرار أرثوذكسي جامع.

في التحضير للقاء كريت المهزلة أعيد طرح العديد من القضايا التي لم تُعتَمَد في 1923. من أهمّ الأمور التي لم تصمد حتّى انعقاد اللقاء: 1) إعادة النظر في أصوام الأربعاء والجمعة والرسل و2) التقويم الأرثوذكسي. موضوع إعادة النظر في الأصوام لاقى ممانعة قوية وأسقِط باكراً. أما موضوع التقويم فأسقِط لاحقاً وتبيّن أن الهمّ فيه لم يكن إعادة النظر بكل التقويم بل فقط بتعييد الفصح ومحاولة ملاقاة الكثلكة والأقباط في السعي إلى تاريخ موحّد للتعييد بالفصح. أنطاكية لم تذهب إلى كريت لأن موضوع توحيد العيد لم يعد وارداً (بيان المجمع الأنطاكي في 6 حزيران 2016)، وها هي اليوم بقرار المجمع الأخير حول مواعيد الأكاليل تلغي عملياً صوم الأربعاء والجمعة وصوم الرسل.

ينظر الكثير من الدارسين إلى لقاء 1923 على أنه محاولة للخروج عن الأرثوذكسية تأتي قضية التقويم التي شقّت العالم الأرثوذكسي كإحدى ظواهر هذه المحاولة. واليوم تقوم أنطاكية لوحدها بهذا الخروج.