رداً على مقال كوستي بندلي

من أجل خطابٍ دينيٍّ أكثر توجّهاً إلى إنسان اليوم

الأب أنطوان ملكي

هذا المقال هو جزء من تعليق يعود إلى العام 2011. فقد كتب الأستاذ المرحوم كوستي بندلي مقاله “من أجل خطابٍ دينيٍّ أكثر توجّهاً إلى إنسان اليوم” وكما يذكر فهو خواطر على ما ورد حول الرسالة في عدد الكرمة 8 الصادر الأحد 20 شباط 2011. وفي مقال الأستاذ كوستي تعليقان الأول على ما كتب سيادة المطران في الافتتاحية والثاني على ما ورد في فقرة حول الرسالة.التالي هو جزء من التعليق نورده لأنه ما زال ينطبق على حاضرنا ولأن مقال الأستاذ كوستي منشور على صفحته. [1]

الرد الأول

الواقع هو أن العنوان أثار اهتمامي لكن المحتوى لم يكن على ما رجَوت. لكن كون ما كُتِب قد نُشِر ووُزِّع لذا وجدت لزوماً عليّ أن أعلّق. أمّا تعليقي فهو على الجزء الثاني المتعلّق بالرسالة.

1. يرى الأخ كوستي عدم جواز استخدام عبارة “أنا عبد للمسيح فقط”. هل هذه غير ما يقوله الرسول بولس في 1كورنثوس 22:7: “لأنّ مَن دُعي للرب وهو عبد فهو عتيق الرب. كذلك أيضاً الحر المدعو هو عبد للمسيح”. أكان ينبغي بالرسول بولس أن يقول “هو موالٍ للمسيح”؟ وفي حال اعتبرنا الأمر كذلك، ماذا نقول عن والدة الإله التي اعتبرتها الكنيسة “أرحب من السماوات.. وأرفع مجداً بغير قياس” من الملائكة، وذلك لمجرّد أنّها قالت “أنا أمة للرب”؟ والتزمت بقولها. لذا لست أرى سبباً لأن تكون عبارة “عبد” للمسيح أو “عبد” لله مكروهة، بحسب ما يعبّر الأخ كوستي. وأرى أنّها لو كانت مكروهة في تراثنا لما كان تسمّى بها هذا القدر من الناس وبينهم قديسون (عبد المسيح).

2. يعلّق الأخ كوستي على عبارة “حريتي تضبطها قواعد روحيّة بالدرجة الأولى وأخلاقيّة بالدرجة الثانية” بأن البعض ينفر من هذا الكلام. كما يعلّق أيضاً على عبارة ” هدف حريّتي الأول هو أن أختار ما هو خيرٌ وأرفض ما هو شرّ”.

نحن نؤمن الحرية التي “تحقق إنسانية الإنسان” هي تلك التي في المسيح، أي التي يقدّمها الإنسان طوعياً للمسيح، كقول الرسول بولس في 1كورنثوس 19:9: “فإنّي إذ كنت حرّاً من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح كثيرين”. وهنا أقتبس أفضل تعبير من المثلّث الرحمات الأب الياس مرقص في كلامه عن الاختيار (آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور. ص. 63):” إذا كانت الحرية محور كيان الإنسان فالاختيار باب تحقيق هذا الكيان. إن الاختيار وحده، على كل حال، يؤكّد الحرية الإنسانية ويظهرها. الحرية الإنسانية تقوم بالضبط في الاختيار. ولكن الناس إجمالاً لا يختارون… ذلك لأن كل اختيار –بالمعنى القوي للكلمة- يؤدي إلى التزام، والناس لا يريدون أن يلتزموا…” فالذين ينفرون من الكلام عن الحرية وضبطها أو يرون فيها، متفلسفين، ربطاً، فهُم لا يريدون أن يلتزموا وبالتالي هم لا يعرفون نسبية حريتهم، أي نسبية حرية المخلوقات واختلافها عن حرية الخالق الذي وحده حريته غير محدودة، بحسب ما يعبّر الأب صوفروني.

3. إن اشتمام الأخ كوستي في عبارة “مُحتَمِلاً الآلام بشكر”، ومعه آخرون، لماسوشية تتذرّع بالله، يثير لدي عدداً من الأسئلة: هل يدعو الرب يسوع إلى الماسوشية في التطويبات أو في قوله: “مَن أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومَن يهلك نفسه من أجلي فهذا يخلّصها” (لوقا 23:9). ثم هل يرِد في هذا النص أن الله هو مصدر الآلام؟ لا أظن. الشكر لله هو على كل شيء، لا على الآلام فقط ولا على الأفراح فقط. هذا تعليم الآباء والكنيسة والبيوت.

4. في التعليق على عبارة “غير ساعٍ وراء ملذّات الدنيا”. الكلام واضح بأنّ الملذّات غير الخيرات، لا من ناحية تركيبتها الفيزيائية بل من ناحية مقاربة الإنسان لها. لذا، الملذات مرذولة لا الخيرات.

5. التعليق على “مجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم”. النصّ واضح في اليونانية: “ἠγοράσθητε γὰρ τιμῆς: δοξάσατε δὴ τὸν θεὸν ἐν τῷ σώματι ὑμῶν” وفي النص الإنكليزي (King James II Version) ترد من دون الهلالين الذين يوحيان في النسخة العربية بأنها استلحاق. لذا لا مبرر لاعتقاد الأخ كوستي بأنها عبارة لتصحيح سهو وقع في النص.

أمّا الكلام عن الفكر العبري التوحيدي فلا ينطبق على الرسول بولس، وبالتالي على هذا النص، فالكلام عن الجسد عند الرسول هو غير الكلام عن الروح. فالرسول يعرف تماماً عن طريق الاختبار ثنائية الجسد والروح في الإنسان ويعبّر عنها في أكثر من مكان ولكن الأكثر تمايزاً هو قوله في غلاطية 17:5: “الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد”.

ختاماً، هذا ليس رداً بل تعليق من دون التعمّق أكثر. لطالما كنتُ أتمنّى لو أن أخانا الكبير كوستي يقرأ أكثر في مراجع أرثوذكسية ولكتّاب أرثوذكسيين، إذ لو كان يفعل لما كان ينفره أن يقرأ عبارة “أنا عبد للمسيح”، أو أنا أرفض “ملذات الدنيا”، بل لكان اعتاد عليها وفهمها في سياقها.

الرد الثاني:

مَن وماذا يحدد اللغة الحديثة وتلك القديمة؟ مثلاً استعمال “وجه” بدل “أقنوم” قد يكون ممكناً لأن الأقنوم لغوياً غير محدد. أمّا استعمال “عبد” فلها عمل تربوي في الكنيسة. مثلاً في Traduction OEcuménique de la Bible TOB التي يستند إليها الأخ كوستي، ترد الآيات من كورنثوس الأولى كالتالي:

7 :22 Car celui qui était esclave lors de son appel dans le Seigneur est un affranchi du Seigneur ; pareillement celui qui était libre lors de son appel est un esclave du Christ.

9 :19 Oui, libre à l’égard de tous, je me suis fait l’esclave de tous, afin de gagner le plus grand nombre.

فهل استعمال كلمة esclave لا ينفّر قرّاء الفرنسية أما “عبد” فينفّر العرب؟ هذا كيل بمكيالين.

أفهم أن ينفر الناس من تصرف الرعاة أمّا أن ينفروا من هذه العبارة أو تلك فمعناه أنهم لا يريدون إلا ما على ذوقهم، وأبونا الياس مرقص يصف هذا الوضع جيداً في مقالته عن الاختيار في “آمنوا بالنور…”. من جهة أخرى، دون أن أرفض وجوب تبنّي لغة أقرب إلى الناس، ما من شيء يؤكّد أن تغيير اللغة، وليس المنطق، يؤدّي إلى شدّ مَن لا يريد أن يأتي إلى الكنيسة.

[1] http://www.costibendaly.org/cms/content/article/catid/21/id/323