أصل الوباء الحاليّ وطبيعته ومعناه

أصل الوباء الحاليّ وطبيعته ومعناه

جان كلود لارشيه

نقلته إلى العربيّة راهبات دير القدّيس سمعان العامودي (حامات)

جان كلود لارشيه، أنتم من أوائل الذين عرضوا فكرًا لاهوتيًّا حول المرض والألم والطبّ. تُرجمَ كتابكم “لاهوت المرض” الصادر عام 1991 إلى لغاتٍ عدّة، وسيصدر قريبًا باليابانيّة لارتباطه بوباء كوفيد-19. لقد نشرتم أيضًا تأمّلاً حول الألم: “لا يريد الله أن يتألّم البشر”، والّذي نُشرَ أيضًا في بلدانٍ مختلفة.ـ

في البداية، ما رأيكم العامّ بالوباء الّذي نعاني منه حاليًّا؟

لا يدهشني الأمر: فمنذ آلاف السنين، ينتشر في كلّ قرنٍ حوالى وباءان كبيران وأوبئةٌ عدّة أخرى أقلّ أهميّة. إلاّ أنّ تواترها يتزايد أكثر فأكثر. إنّ الكثافة السكّانيّة في حضارتنا المدنيّة، والتنقّل الّذي تسهّله العولمة، فضلاً عن تعدّد وسائل النقل الحديثة وسرعتها، هذه العوامل كلّها تحوّلها بسهولةٍ إلى أوبئة. لذلك، كان الوباء الحاليّ متوقّعًا، وقد أعلن عنه العديد من علماء الأوبئة الّذين لم يشكّوا في مجيئه، جاهلين فقط اللحظة المحدّدة الّتي سيحدث فيها والشكل الّذي سيتّخذه. إلاّ أنّ ما يثير الدهشة هو عدم استعداد دولٍ معيّنةٍ (مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا على وجه الخصوص)، والّتي، بدلاً من توفير الطاقم الطبّيّ والمستشفيات والمعدّات اللازمة لمواجهة هذه المحنة، تركت المستشفيات تتراجع، واستعانت بمصادر خارجيّة (كالصين، مثل البقيّة) لإنتاج الأدوية والأقنعة وأجهزة التنفّس، والّتي نفتقر إليها بشدّةٍ حاليًّا.ـ

لطالما كانت الأمراض حاضرةً في تاريخ البشريّة، ولا يوجد إنسانٌ لم يصادفها في حياته. الأوبئة هي مجرّد أمراضٍ شديدة العدوى، تنتشر بسرعةٍ فتُصيب عددًا كبيرًا من السكّان. إنّ خاصيّة فيروس كوفيد-19 هي أنّه يؤثّر على نحوٍ خطيرٍ على الجهاز التنفّسيّ لدى المسنّين أو الذين أضعفتهم أمراضٌ أخرى، وأنّه معدٍ بدرجةٍ كبيرةٍ، ما يملأ سريعًا وحدات العناية المركّزة بعددٍ كبيرٍ من المصابين في الوقت عينه في فترةٍ زمنيّةٍ قصيرة.ـ

تفاعلت الكنائس الأرثوذكسيّة على مراحل، وبسرعةٍ متفاوتةٍ، وبأشكالٍ مختلفة. ما رأيكم بذلك؟

تجدر الإشارة إلى أنّ الوباء لم يُصِبِ البلدان المختلفة في الوقت نفسه ولا بالدرجة نفسها، وأنّ كلّ كنيسةٍ محليّةٍ استجابت بحسب تطوّر المرض والتدابير الّتي اتّخذتها الدول. في البلدان الأكثر إصابةً، اتُّخذ قرار تعليق الخدم بسرعةٍ، مع فارق بضعة أيّام فقط بينها. بعض الكنائس (كالكنيسة الروسيّة) التي لم تتوقّع مثل هذا التوقّف الفوريّ، اتّخذت إجراءات من أجل الحدّ من العدوى المحتملة التي قد تحدث أثناء الخدم الليتورجيّة أو المناولة؛ واليوم هي مضطرّة إلى أن تطلب من المؤمنين عدم الحضور إلى الكنيسة.ـ

أثارت هذه الإجراءات المختلفة نقاشاتٍ وحتّى سجالاتٍ في أوساط رجال الدّين والجماعات الرهبانيّة والمؤمنين واللاهوتيّين… وكان موضوع السجال الأوّل قرار بعض الكنائس تعديل طرائق المناولة الإفخارستيّة.ـ

في هذا الصدد، يجب التمييز بين أمرَين: ما يرافق المناولة والمناولة نفسها.ـ

قد يكون خطر العدوى موجودًا في “ما يرافق المناولة”: مثلاً مسح شفاه كلّ المشتركين في المناولة بالقماشة نفسها (مثلما يفعلون في بعض الرعايا في الكنيسة الروسيّة حيث يضغطون بها على الشفاه)، أو شرب الـ”zapivka” (وهو مزيجٌ من المياه العذبة والنبيذ) في الكؤوس نفسها، بعد المناولة، مثلما هي العادة في الكنيسة الروسيّة أيضًا. ولذلك، فتدابير استخدام المناديل الورقيّة في الحالة الأولى، واستخدام الأكواب الأحاديّة الاستخدام في الحالة الثانية، (وتُحرَق المناديل والأكواب بعد ذلك)، لا تستدعي أيّ اعتراضٍ برأيي.ـ

فيما يتعلّق بالمناولة نفسها، تخلّت العديد من الكنائس عن الطريقة التقليديّة لتقديمها للمؤمنين، أي وضعها في الفم بواسطة الملعقة المقدّسة. أوصَتْ بعض الكنائس بسكب المحتوى في الفم المفتوح مع الحفاظ على مسافةٍ معيّنةٍ منه، واقترح بعضها الآخر، مثل الكنيسة الروسيّة، تطهير الملعقة في الكحول بين المؤمن والآخر، أو استخدام ملاعق أحاديّة الاستخدام تُحرَق لاحقًا. أعتقد أنّ أيّ كنيسةٍ من بينها لم تفترض أنّ جسد المسيح ودمه، اللذَين تذكر جميع الصلوات قبل المناولة وبعدها أنّهما يعطَيان “لصحّة النفس والجسد”، هما عامل عدوى (لا نجد هذه الفكرة الأخيرة إلاّ في مقالةٍ واحدةٍ – انتشرت على الإنترنت، ولهذا السبب أذكرها – للأرشمندريت كيريل هوفورون، وهي عبارةٌ عن مجموعة هرطقات). ولكن، ثمّة شكوكٌ حول الملعقة نفسها، وهذا يستدعي نقاشًا، حيث يرى بعضهم أنّها تمسّ فم المؤمنين، بينما يرى بعضهم الآخر أنّ جسد المسيح ودمه يطهّرانها ويحميانها عند تغميسها فيهما. ويقول هؤلاء الأخيرون إنّ الكهنة، في كنائس كبيرةٍ يوجد فيها حتمًا بين المؤمنين مرضى من كلّ نوع، يتناولون في نهاية القدّاس ما تبقّى من القرابين المقدّسة، من دون أن يُصابوا بأيّ مرض. ويقولون أيضًا إنّ الكهنة كانوا يناولون المؤمنين المصابين خلال الأوبئة الكبيرة في الماضي، من دون أن تنتقل العدوى إليهم. فيما يتعلّق بهذه النقطة الأخيرة، لا أملك معلوماتٍ أكيدةً من وثائق تاريخيّة. على العكس، فإنّ القدّيس نيقوديموس الآثوسيّ (الّذي عاش في النصف الثاني من القرن الثامن عشر)، يعلّق في كتابه “البيذاليون” (ويعني بالعربية دفّة المركب ويضمّ القوانين الكنسيّة الأرثوذكسيّة وشرحها: المترجم)، على القانون 28 من المجمع المسكونيّ السادس مجيزًا أن يجري “الكهنة بعض التغيير في أزمنة الأوبئة” في طريقة إعطاء المناولة للمرضى، بحيث “يوضع الخبز المقدّس في إناء مقدّس، حتّى يتمكّن المدنفون والمرضى من تناوله بملعقةٍ أو بشيءٍ يشبهها”، “على أن يوضع بعدها الإناء والملعقة في الخلّ، ويُسكب الخلّ حيث لا تدوس الأقدام، أو تُستخدم طريقةٌ أخرى أكثر أمانًا وقانونيّة”. يفترض هذا أنّه في زمنه (وعلى الأرجح من قبل)، كان يجوز أن تُعطى المناولة في إناء وملعقة، وأن تُطهَّر هذه لاحقًا (إنّ الخلّ، بسبب درجة الكحول والحموضة الموجودة فيه، يحتوي على خصائص مطهّرة ومضادّة للفطرّيات، وهذه لن تكون كافيةً مطلقًا ضدّ كوفيد-19). إنّ الكنيسة الروسيّة استندت في التدابير التي اتّخذتها إلى هذا النصّ الذي ذكره أيضًا الليتورجيّ الروسيّ الكبير س. بولغاكوف في دليله المرجعيّ.ـ

من جهتي، أعتقد أنّ مَن يملك إيمانًا كافيًا ليتناول بواسطة الملعقة بثقةٍ، لن يكون معرَّضًا لأيّ خطر، وأنّ الكنائس الّتي اتّخذت تدابير خاصّة، إنّما فعلت ذلك من أجل المؤمنين الّذين يملكون إيمانًا أضعف من غيرهم وشكوكًا. وهي، على هذا النحو، اتّبعت إرشاد القدّيس بولس الّذي يقول: “صِرْتُ ضَعيفًا مَعَ الضُّعَفاء، كَي أَربحَ الضُّعَفاء” (1 كورنثوس 9، 22). يجب أن نذكّر أنّه ليس للمناولة مفعولٌ سحريٌّ: فكما هو الحال في جميع الأسرار، تُمنح النعمة فيها بملئها، ولكنّ تقبّل النعمة يكون نسبيًّا بحسب إيمان المتلقّي (يستخدم الآباء اليونانيّون الكلمة اليونانيّة “analogia” للإشارة إلى هذه النسبيّة)، ويذكر القدّيس بولس وصلوات المطالبسي أنّ مَن يتناول بغير استحقاقٍ قد يصبح مريضًا بالنفس والجسد (1 كورنثوس11، 27-31)، أو قد يتناول “لدينونته”.ـ

على أيّة حال، كلّ كنيسةٍ محليّةٍ لها السلطة في أن تتّخذ تدبيريًّا الإجراءات المفيدة في كلّ ظرفٍ خاصّ.ـ

الموضوع الثاني للسجال كان إغلاق الكنائس وتوقيف الخدم الليتورجيّة.ـ

تجدر الإشارة أوّلاً إلى أنّ معظم الدول لم تأمر بإغلاق الكنائس، ولكنّها فقط حدّت الوجود فيها بعددٍ قليلٍ من الناس، ثم حدّت زيارتها بأشخاصٍ منفردين؛ ولكنّ تدابير الحجر الصحّيّ جعلت التنقّل والزيارة مستحيلَين. مع ذلك، فالاحتفال بخدم القدّاس مستمرٌّ في معظم الكنائس المحليّة، من قبل الكاهن يرافقه مرتّلٌ وربّما شمّاسٌ وخادمُ هيكل (باستثناء اليونان حيث مُنعَ حتّى في الأديرة، وهو أمرٌ غريبٌ في بلدٍ ذات هويّةٍ أرثوذكسيّةٍ قويّةٍ تتمتّع فيه الكنيسة باعترافٍ رسميّ من الدولة).ـ

لقد بنى متطرّفون نظريّاتٍ تتعلّق بمؤامرة، فرأوا أنّ وراء قرارات الدولة رغبةُ بعض المجموعات النافذة بتدمير المسيحيّة. لقد قارنوا ذلك بفترة الاضطهادات في القرون الأولى، داعين المسيحيّين إلى المقاومة، ومستشهدين بأمثلة الشهداء. إنّ هذه المواقف مبالغٌ فيها بالطبع، وموازاتها بعصر الاضطهادات تعسّفيّ. فالمسيحيّون لم يُطلب منهم أن ينكروا إيمانهم ويعبدوا إلهًا آخر. لم تُغلَق الكنائس، والقيود المفروضة على ارتيادها مؤقّتة. إنّ الدول لم تَقُم سوى بواجبها لحماية السكّان عبر اتّخاذها الإجراء الوحيد المُتاح – أي الحجر الصحّيّ – لتحدّ من العدوى، وتتمكّن من توفير أفضل رعايةٍ للمرضى، وتحدّ من عدد الوفيات.ـ

أودّ أن أضيف أنّ الكنيسة ليست مكانًا سِحريًّا معزولاً كليًّا عن العالم المحيط، حيث لا يمكن للمرء أن يُصاب بأيّ مرض، لا سيّما إذا كان شديد العدوى. صحيحٌ أنّ موقف الناس كان مختلفًا خلال الأوبئة في العصور القديمة، فقد كانوا يجتمعون في الكنائس وتتكاثر الزياحات. ولكن ما ننساه هو أنّ الكنائس أصبحت أماكن للمدنفين. ولذلك، خلال الأوبئة الكبيرة الّتي عرفتها الإمبراطورية البيزنطيّة، لم يكن من النادر أن تتكدّس مئات الجثث في الكنائس.ـ

من واجب الكنيسة أن تحمي صحّة المؤمنين وحياتهم، وأن تحمي أيضًا مَن قد ينقل المؤمنون العدوى إليهم في الخارج. وعليها أيضًا ألاّ تعقّد عمل الفريق الطبيّ الّذي قد لا يتمكّن من معالجة الجميع إذا كانت المستشفيات ممتلئة، فيضطرّ إلى أن يفرز أي أن يهمل الأشخاص الأضعف ويتركهم يموتون. إضافةً إلى ذلك، إذا وُجد موتى كثيرون في الوقت نفسه، لن يكون بالإمكان تجنيزهم. شعرنا جميعًا بالحزن لرؤية موكبًا من شاحنات الجيش في إيطاليا، تقود عشرات الموتى مباشرةً إلى محرقة الجثث، من دون إمكانيّة أيّ حضورٍ عائليّ أو دينيّ… في الصين، أُحرقت آلاف الجثث بالتسلسل، ولم تتمكّن العائلات إلاّ بعد أسابيع عدّة من أن تأتي لأخذ رماد أهلها المتوفّين، عن منصّاتٍ تكدّست فيها الجِرار الجنائزيّة.ـ

إنّ الشركات الرهبانيّة كلّها (بما في ذلك أديار جبل آثوس)، عبر إغلاقها أبوابها، اتّخذت القرار بحماية زائريها والحجّاج إليها من عدوى متبادلة، وبحماية أعضائها أيضًا، ما يسمح لهم بمواصلة الاحتفال بالقدّاس وإتمام إحدى مهامّهم الأساسيّة الّتي نحتاج إليها بشكلٍ خاصّ في هذه الفترة: الصلاة من أجل العالم.ـ

إنّ استحالة الاشتراك في المناولة مدّةً معيّنةً تطرح مشكلةً خطيرةً عند بعض المؤمنين. هنا أيضًا يرى بعض المتطرّفين المفعول الناجح لمؤامرةٍ معاديةٍ للمسيحيّةـ

أنا لا أتبنّى نظريّات المؤامرة هذه لا لأنّها تتّهم رجالاً أو منظّمات، بل لأنّ الأوبئة، كما ذكرت، متكرّرةٌ ودوريّةٌ في تاريخ البشريّة. مع ذلك، فإنّي أعتقد أنّ الشيطان يعمل في هذا الوباء وعواقبه. سأطلعك على السّبب في سياق حديثنا.ـ

فيما يتعلّق بالحرمان من المناولة يمكننا أن نقول أشياء عدّة. أولئك الّذين اعتادوا على الاشتراك في المناولة كلّ أسبوع (أو أكثر) ويأخذون منها مفاعيل كبيرةً لحياتهم، يعانون كثيرًا من هذا الوضع ونحن نفهمهم. ولكي نتعزّى، يمكننا أن نذكّر أنّ القدّيسة مريم المصريّة، الّتي نعيّد لها في قدّاس الأحد الخامس من الصوم الكبير، لم تتناول سوى مرّة واحدة في حياتها، مباشرةً قبل رقادها، وأنّ في عصرها (ويُذكر هذا في قصّة حياتها الّتي نقرأها في الكنيسة في عيدها)، جرَت العادة أن يعتزل الرهبان العائشون في شركةٍ إلى الصحراء في بداية الصوم الكبير، ولا يعودوا إلى الدير إلاّ يوم الخميس المقدّس للمساهمة في القدسات. ونذكر أيضًا أنّ العديد من الآباء الّذين تنسّكوا في الصحراء لم يعتادوا الاشتراك في المناولة سوى مرّة واحدة في السنة بالأكثر. نحن أُجبرنا على الابتعاد نفسه عن المناولة خلال هذا الصوم الكبير، وبذلك، أي بفضل الحجر الصحّيّ في منزلنا (الّذي أصبح بالنسبة إلى كثيرين قاسيًا مثل الصحراء، في عالمنا ذي الحركة الدائمة والانشغالات الخارجيّة)، يمكننا أن نشترك قليلاً في خبرتهم. يمكننا أن نجني من ذلك بعض الفوائد. أوّلاً في أيّامنا، لا سيّما في الشتات، صارت المناولة متواترة (في حين أنّها كانت في البلدان الأرثوذكسيّة نادرةً قبل عقودٍ قليلةٍ)، إلى حدّ أنّه بات هناك خطرُ الاستخفاف بها. كنتُ قد تحدّثتُ عن ذلك قبل بضع سنوات مع المطران أثناسيوس يفتيتش، الّذي أخبرني أنّه من المفيد أن نصوم من وقتٍ إلى آخر عن المناولة، من أجل استعادة إحساسنا بقوّتها، والاقتراب منها بشعورٍ حقيقيّ بالرغبة والحاجة إليها. نتذكّر أيضًا أنّ مفاعيل المناولة لا تزول بعد أخذها. فمفاعيلها تتناسب مع نوعيّة تلقّينا، ولا يقتصر هذا التلقّي على مدى استعدادنا للمناولة فحسب، بل على حالتنا تجاهها بعد أخذها. تقدّم لنا الكنيسة، لمساعدتنا، سلسلةً من الصلوات تُقال قبل المناولة وبعدها. أعرف العديد من الآباء الروحيّين الّذين يشجّعون أولادهم الروحيّين على قراءة صلاة الشكر كلّ يوم حتّى المناولة التالية، وذلك من أجل الحفاظ على الإحساس “بالعطايا المكرَّمة الّتي أخذوها”، والاستمرار في تفعيل النعمة الّتي جلبتها لهم.ـ

ماذا يمكن أن نقول حول استحالة المشاركة في الخدم الليتورجيّة؟

أعتقد أنّه يمكن إقامتها في المنزل بالأشكال المنصوص عليها في غياب الكاهن، لا سيّما عبر قراءة التيبيكا بدلاً من القدّاس، رغم أنّها لن تستطيع أن تحلّ مكانه بالكامل، وأنّها تفتقر إلى الأساس، وهو إقامة الذبيحة المقدّسة الّتي لا يمكن أن يتمّمها سوى الكاهن. إنّ الكثير من المؤمنين لديهم النصوص الطقسيّة في المنزل (وبخاصّةٍ كتاب الإفخولوجي الصّغير المخصّص للصلاة البيتيّة في حال عدم وجود كاهن)؛ وإلاّ يمكن إيجاد معظم النصوص على الإنترنت. يمكننا أيضًا التمرّس على صلاة يسوع. فالشركات الصغيرة في جبل آثوس أو النسّاك العائشين في “الصحاري” الذين ليس لديهم كاهن، يستبدلون الخدم بعددٍ معيّنٍ من التضرّعات الموجَّهة إلى المسيح ووالدة الإله والقدّيسين. قال القدّيس أفرام كاتوناكيا مستندًا إلى القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: “إنّ النّاس في العالم الّذين لا يستطيعون الذهاب إلى الكنيسة نهارَي السبت والأحد، يمكنهم في هذا الوقت أن يجعلوا من نفوسهم مذبحًا بقولهم الصلاة”.ـ

من الممكن أيضًا متابعة القدّاس المنقول مباشرةً على التلفاز أو على الإنترنت في البلدان الأرثوذكسيّة، كما يفعل عادةً العديد من المسنّين أو المرضى الّذين لا يستطيعون التنقّل. إلاّ أنّ هذا لا يحلّ مكان المشاركة الحقيقيّة بالحضور الجسديّ في وسط الجماعة. مع ذلك، يمكن للمرء على الأقلّ الانضمام إلى الاحتفال والشعور بالانتماء وبالنشاط الشركويّ في الوقت ذاته، بما أنّ الشركة الكنسيّة تمتدّ إلى ما هو أبعد من المنظور والأشخاص الحاضرين (وهذا ما يُدعى “شركة القدّيسين”).ـ

أدان مطران برغامون يوحنّا زيزيولاس، في مقابلةٍ أجريَت معه مؤخرًا، قرار بعض الكنائس بإغلاق كنائسها وتوقيف الخدم، وأكّد أنّه حين تتوقّف إقامة خدم القدّاس الإلهيّ، لا يعود هناك كنيسة. ماذا تظنّون؟

يُفهم موقفه من خلال عقيدته الشخصانيّة الّتي تعطي الأولويّة لما هو علائقيّ، وتحدّد تاليًا القدّاس باجتماع المؤمنين وليس بالذبيحة الإفخارستيّة نفسها. في الواقع، إنّ الاحتفال بالقدّاس مستمرٌّ في جميع الكنائس (في الأديار، ولكن أيضًا في الكثير من الكنائس بحضور عددٍ قليلٍ من الناس). وهذا ما يهمّ. لا تعتمد قيمة القدّاس على عدد الحاضرين، ولا تعتمد قيمة القدسات وقوّتها على عدد القداديس المُقامة. عندما تحتفل مئات الآلاف من الكنائس بالقدّاس في وقتٍ واحد، فهي تحقّق الآن ذبيحة المسيح الوحيدة (هذا معنى كلمة “ذِكري” الّتي تحدّد جوهر القدّاس). إذا لن يُقام سوى قدّاسٍ واحدٍ في كنيسةٍ محليّةٍ واحدةٍ، فهذه الذبيحة الواحدة ستتمّ بالقوّة نفسها لأنّها ستمتدّ إلى الكون كلّه. فيما يتعلّق بالمؤمنين، ينبغي التذكير بأنّ قدّاس القدّيس باسيليوس الّذي نقيمه في آحاد الصوم الكبير، يذكر غيابهم المُحتمل في صلاةٍ تطلب من الله أن يتذكّر “أولئك الّذين تغيّبوا لأسبابٍ مستصوبة”، وهذا يربطهم بطريقةٍ معيّنةٍ بالمؤمنين الحاضرين وبالنعمة المعطاة لهم.ـ

كيف يجب أن نعيش الحجر الصحّيّ؟ يبدو أنّ في الأمر مشكلةٌ بالنسبة إلى الناس في أيّامناـ

نحن محظوظون لأنّ الحجر الصحّيّ الّذي تفرضه الدولة يتزامن جزئيًّا مع “الأربعين المقدّسة” للصوم الكبير. من عادتنا نحن الأرثوذكسيّين أن نقلّل خلال هذه الفترة من نزهاتنا، وأنشطتنا الترفيهيّة، واستهلاكنا. من عادتنا أيضًا أن نستفيد من هذه الفترة حيث الهدوء والانفراد أكبر، لكي نعود إلى أنفسنا، ونزيد قراءاتنا الروحيّة ونصلّي أكثر. لدينا خبرة السنوات الماضية من أجل هذا كلّه. ينبغي لنا فقط أن نواصل الجهد بضعة أسابيع قليلة إضافيّة.ـ

عمومًا، يُعَدُّ الحجر فرصةً جيّدةً لاختبار الهدوئيّة العزيزة على الروحانيّة الأرثوذكسيّة، وهي حالةٌ تتضمّن الانفراد وبخاصّةٍ الهدوء الخارجيّ والداخليّ، فنرتاح بذلك ممّا يرتبط بالظروف المعيشيّة من حركةٍ متواصلةٍ وضوضاء وتوتّر، ونقيم من جديدٍ في مسكننا الداخليّ الذي يدعوه الآباء الهدوئيّون “مكان القلب”.ـ

يسمح الحجر الصحّيّ أيضًا للزوجَين والأولاد بالتواجد معًا أكثر من المعتاد، وهذا مفيدٌ للجميع. بالطبع، هذا ليس أمرًا عاديًّا، لأنّ الكثيرين غير معتادين على الحياة المشتركة مدّةً طويلة، ولكن قد يكون الحجر فرصةً لتوطيدها إيجابيًّا.ـ

هذه العودة إلى الذات وإلى الحياة الزوجيّة والعائليّة يجب ألاّ تكون نسيانًا للآخرين. إنّ الصدَقَة، وهي إحدى الممارسات الاعتياديّة في الصوم، يمكنها أن تكون عبارةً عن مساعَدةٍ داعمةٍ ومنتظمةٍ أكثر لمعارفنا الذين يعانون من المرض أو الوحدة أو القلق المفرط. ووسائل الاتّصال الحديثة جيّدةٌ لإتمام هذا العمل…ـ

ألاحظ أنّ العديد من مواطنينا يبتكرون نشاطاتٍ رياضيّةً منزليّة. نحن، خلال الصوم الكبير، من عادتنا أن نقوم بمطانيّاتٍ كبيرة. نستطيع مضاعفتها (لدى الرهبان قانونٌ أن يقوموا بثلاثمئة مطانيّة على الأقلّ في اليوم، وبعضهم يقوم بثلاثة آلاف مطانيّة!) إنّ البطريرك الصربيّ بولس الذي كان يقوم بذلك كلّ يومٍ حتّى سنّ الواحدة والتسعين (وحدها إصابةٌ في الركبة استطاعت أن توقفه عن ذلك!)، كان يقول، بناءً على دراساته الطبّيّة وصحّته الجيّدة، إنّها أفضل رياضةٍ بدنيّةٍ يمكن للإنسان القيام بها من أجل المحافظة على لياقته…ـ

لِنعالج الآن من فضلكم أسئلةً تتعلّق أكثر باللاهوت. أوّلاً، لمَن أو لما يمكننا أن نُرجِع الوباء الحاليّ والأمراض بعامّةٍ؟

الوباء مرضٌ مُعْدٍ ينتشر. ينطبق عليه كلّ ما يختصّ بالمرض، باستثناء أنّ طابعه الضخم الّذي يفرض نفسه على منطقةٍ أو دولةٍ ما أو على العالم كلّه، كما هو الحال حاليًّا، يثير أسئلةً إضافيّة. ليس مستغربًا أن نرى عودة تطرّق الخطاب الدينيّ إلى موضوع الرؤيا أو نهاية العالم، أو فكرة عقابٍ إلهيّ بسبب خطايا البشر، مع إشاراتٍ إلى الطوفان (تك 6-7)، أو إلى مصير سدوم وعمورة (تك 19)، أو إلى الطاعون الّذي أباد معسكر داود بعد الإحصاء (2 صم 24، 15-15)، أو إلى ضربات مصر السبع (خروج 7-11). لذلك، يجدر بنا التوضيح.ـ

وفقًا للمفهوم الأرثوذكسيّ الّذي طوّره الآباء انطلاقًا من الكتاب المقدّس، أنتجت الخطيئة الجَدّية (الّتي يسمّيها التقليد الغربيّ الخطيئة الأصليّة)، ثلاثة تأثيراتٍ على المستوى الماديّ: قابلية الهوى”passibilité” (والألم شكلها الرئيس)، والفساد (المرض شكله الرئيس)، والموت الّذي يَنتج عن الفساد. إنّ خطيئة آدم وحوّاء كانت انفصالهما عن الله، ما أدّى إلى فقدانهما النعمة الّتي كانت تمنحهما اللاهوى وعدم الفساد وعدم الموت. ولمّا كان آدم وحوّاء النموذجَين الأوَّلين للبشريّة، فقد نقلا إلى نسلهما نتيجةً لذلك طبيعتَهما البشريّة الّتي غيّرتها التأثيرات الضارّة لخطيئتهما. الاختلال الّذي طال الطبيعة البشريّة أثّر أيضًا على الطبيعة بأكملها، لأنّ الإنسان، بانفصاله عن الله، خسر مكانته كملكٍ على الخليقة، وحرم المخلوقات من النعمة الّتي كان ينقلها إليهم كوسيط. في البداية كانت الخليقة حسنةً بكليّتها، كما خلقها الله (وفقًا لما يخبرنا به الإصحاح الأول من سفر التكوين)، ثمّ دخل الشرّ فيها كما في الإنسان، شرٌّ ليس معنويًّا فحسب، بل جسديًّا أيضًا، ويتجلّى في اختلالٍ يؤثّر على ترتيب الخليقة الأصليّ، وفي عمليات تدميرٍ لما أنشأه الله. يشير فلاديمير لوسكي إلى أنّ عناية الله منعتْ الخليقة من أن تُدمَّر بالكامل، ولكنّ الطبيعة أصبحت ساحة معركةٍ يتواجه فيها الخير والشرّ باستمرار. تصارع الكائنات الحيّة باستمرارٍ للقضاء على الميكروبات، أو البكتيريا، أو الفيروسات، أو التغيّرات الجينيّة (الناتجة عن الشيخوخة أو العوامل البيئيّة)، الّتي تسعى إلى إبادتها، إلى أن يُضعفها التقدّم في السنّ الذي يخفّض مناعتها، فتُهزم أخيرًا وتموت. قد لا تؤثّر البكتيريا أو الفيروسات لآلاف السنين سوى على أنواعٍ حيوانيّة، أو قد تُحفظ فيها من دون التأثير عليها ثمّ تنتقل فجأةً إلى الإنسان. هكذا فعلت الفيروسات المختلفة الّتي سبّبت أوبئةً في العقود الأخيرة.ـ

أنتم تشيرون إلى ذنب الجدَّين الأوَّلين في هذه العمليّة. هل تؤدّي ذنوب ذريّتهم، أي ذنوبنا الشخصيّة، دورًا في ذلك؟ إنّ صلوات الإفخولوجي الكبير التي تُقال في أزمنة الوباء، وخطابات بعض الأساقفة والكهنة والرهبان، تُرجِعُ الأوبئة إلى خطايا الجميع، وترى في ما يحدث نوعًا من عقابٍ بسبب هذه الخطايا، وتدعو إلى التوبةـ

وفقًا للمفهوم الأرثوذكسيّ (الّذي يختلف في هذه النقطة عن المفهوم الكاثوليكيّ للخطيئة الأصليّة)، فإنّ خطأ آدم وحواء هو خطأٌ شخصيٌّ لا ينتقل إلى نسلهم، بل تنتقل آثاره فقط. غير أنّ نسلهم، منذ البداية وحتّى يومنا هذا، وكما يقول القدّيس بولس في الفصل الخامس من رسالته إلى أهل رومية، أخطأوا مثل آدم، واقتفوا أثره، وثبّتوا خطيئته وآثارها بخطاياهم الخاصّة. إذًا، ثمّة مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ عن الشرور الّتي تصيب العالم الساقط، ما يعلّل إرجاعنا إيّاها إلى الخطيئة ودعوتنا إلى التوبة. ومع ذلك، ينطبق الأمر على مستوى عامّ لنوضح أصل الأمراض والشرور واستمرارها، وليس على مستوى شخصيّ لنوضح لمَ تحدث لشخصٍ معيّنٍ أو مجموعةٍ معيّنةٍ من الناس. إذا كانت بعض الأمراض مرتبطةً بخطايا أو أهواء شخصيّةٍ (مثلاً الأمراض المرتبطة بالأكل المفرط أو المشروبات الكحوليّة، أو الأمراض المنتقلة جنسيًّا)، فثمّة أمراضٌ أخرى تنشأ بصرف النظر عن مدى روحانيّة الأشخاص الّذين تصيبهم. إنّ الأطفال المرضى ليست لهم خطيئة. والقدّيسون لا يسلمون من الأمراض، وغالبًا ما تصيبهم أمراضٌ أكثر من ذوي السيرة الأخلاقيّة السيّئة. إنّ الأوبئة تقضي أحيانًا على أديارٍ بأكملها. على سبيل المثال، ضرب وباء الطاعون أديرة طيبة عام 346 بعد عيد الفصح، وقتل ثلث “آباء الصحارى” الّذين كانوا يعيشون هناك، بمَن فيهم القدّيس باخوميوس أبو الرهبنة الشركويّة، والخلَف الّذي كان قد عيّنه، وحوالى مئة راهبٍ في كلّ ديرٍ من الأديار الكبرى في المنطقة.ـ

خلال أوبئة الطاعون الكبيرة الماضية، تثبّتَ المسيحيّون من أنّ المرض كان يصيب الناس عشوائيًّا بغضّ النظر عن حياتهم الأخلاقيّة أو الروحيّة. لقد سُئل المسيح عن علاقة المرض بخطيئة الإنسان أو بخطيئة والديه، فأجاب تلاميذه حول الأعمى منذ ولادته قائلاً: “لا هو أخطأ ولا والديه…”. إذًا، للمرض علاقةٌ أصليّةٌ ورئيسةٌ وجماعيّةٌ بالخطيئة، وليست له علاقةٌ فعليّةٌ وشخصيةٌ بها سوى في بعض الحالات القليلة. لذلك، أعتقد أنّه يمكننا ذكر مسألة الخطيئة والتوبة في الصلوات أو في العظات، ولكن بحذر. لا يحتاج المرضى إلى أن نضيف على ألمهم اتّهاماتٍ بالذنب، ولكنّهم بحاجةٍ إلى أن ندعمهم، ونعزّيهم، ونعتني بهم برأفة، ونساعدهم أيضًا على استيعاب مرضهم وعذابهم بطريقةٍ روحيّةٍ، حتّى يتمكّنوا من تحويلها روحيًّا لصالحهم. معنى التوبة هو العودة وتغيير الذهن (هذا هو معنى الكلمة اليونانيّة metanoia). يثير المرض سلسلةً من التساؤلات لا أحد يُفلت منها: لماذا؟ لماذا أنا؟ لماذا الآن؟ إلى متى؟ ماذا سيحصل لي؟ كلّ مرضٍ هو استجوابٌ ذاتيٌّ حيٌّ وعميقٌ إذ إنّه ليس مجرّدًا أو اعتباطيًّا، بل جزءٌ من خبرةٍ وجوديّة. وغالبًا ما يكون هذا الاستجواب ضروريًّا. ذلك أنّ المرض دائمًا ما يدفعنا إلى إعادة النظر في أسس وجودنا وإطاره وأشكاله، والتوازنات التي اكتسبناها، والحالة الحرّة لمَلَكاتنا الجسديّة والنفسيّة، وقيمنا المرجعيّة، وعلاقتنا بالآخرين، وحياتنا نفسها – لأنّ الموت عادةً ما يلوح في الأفق حينئذٍ على نحوٍ أوضح من المعتاد (وهذا هو الحال مع هذا الوباء الّذي يخطف الأشخاص سريعًا بطريقةٍ غير متوقّعة، لا سيّما المسنّين، ولكن أيضًا الأصغر سنًّا رغم عدم معاناتهم دائمًا من أمراضٍ خطيرة أخرى). المرض هو فرصةٌ لكي يختبر كلّ شخصٍ هشاشته الوجوديّة واتكاليّته، ولكي يلجأ إلى الله ليساعده على تخطّيها، إن لم يكن جسديًّا (إذ ثمّة شفاءاتٌ عجائبيّةٌ إجابةً على الصلاة)، فعلى الأقلّ روحيًّا، ويسمح بجعله من أجل بنيان الإنسان الذي، إن تجاهل هذا المعنى، يقود نفسه نحو الدمار.ـ

مع ذلك، نجد أحيانًا في صلوات الإفخولوجي الكبير نفسها أو في صلواتٍ أخرى (مثلاً القوانين والمدائح)، وكذلك في خطابات الإكليروس الّتي تكاثرت مؤخّرًا على الإنترنت، الفكرة القائلة إنّ هذا الوباء مُرسَلٌ من الله (أو من رؤساء ملائكته أو ملائكته) من أجل إيقاظ البشر ودفعهم إلى التوبة والاهتداء، في عالمٍ أصبح بكليّته مادّيًّا وناسيًا اللهـ

كما سبقَ أن أشرتُ، أوافقُ على القول إنّ هذه المحنة (مثل كلّ محنةٍ في الحياة) هي فرصةٌ لإعادة النظر، ولوعيٍ، ولعودةٍ إلى الله وإلى حياةٍ أكثر روحانيّة.ـ

لقد تحدّثتُ عن ذلك فيما يتعلّق بالأفراد. ولكن من الواضح – كما يبدو أيضًا في العديد من المقالات الصحفيّة – أنّ هذا الوباء يجعلنا أيضًا نعيد النظر في أسس مجتمعاتنا الحديثة وتنظيمها، وأسلوب الحياة المادّيّ والاستهلاكيّ فيها، فضلاً عن الشعور الزائف بالأمان الّذي استمدّته من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ. يُظهر هذا الوباء أيضًا أوهام “ما بعد الإنسانيّة” transhumanisme، إذ، بحسب ما يقوله الاختصاصيّون حاليًّا، ستظهر فيروساتٌ جديدة، ولن تنحصر الأوبئة، بل ستتكاثر في المستقبل، وغالبًا ما ستترك الإنسان عاجزًا (لاحظوا أنّه لم يُعثر بعد على لقاحٍ أو علاجٍ لنزلات البرد البسيطة، والّتي تصيب عددًا كبيرًا من السكّان كلّ عام، ويسبّبها فيروس من عائلة الفيروسات التاجيّة coronavirus.)ـ

ولكن، مع كلّ الاحترام الّذي أكنّه لما تشيرون من صلواتٍ أو إكليروس، لقد صدمتني طريقة فهمهم الله وعمله تجاه البشر. هذه النظرة كانت سائدةً في العهد القديم، ولكنّ العهد الجديد غيّرها. نجد في العهد القديم الفكرة القائلة إنّ الأبرار كانوا في رخاءٍ مكافأةً لهم من الله، في حين أنّ الخطأة كانوا مُعاقبين بعدلٍ بشتّى أنواع الشرّ. وضع العهد الجديد حدًّا لهذا “المنطق”، وقد سبق لأيّوب أن صوّر هذه الرؤية. إنّ خطابات الإكليروس الّتي تشيرون إليها، تشبه ما قاله أصدقاء أيّوب له استنادًا إلى القياس المنطقيّ التالي: “نزلتْ فيكَ كلّ أنواع الشرور، إذًا لقد عاقبك الله، وسبب هذا العقاب هو أنّك خاطئ”. أمّا أيّوب فيرفض فكرة عقاب الله له. إنّ العهد الجديد يكشف لنا إله محبّة، إلهًا رؤوفًا ورحيمًا، يسعى لإنقاذ البشر بواسطة المحبّة لا بواسطة العقاب. إذًا، إنّ الرأي القائل إنّ الله نشر هذا الفيروس في العالم، أو جَعَلهُ ينتشر بواسطة ملائكته أو رؤساء ملائكته (كما نقرأ بالفعل في بعض النصوص)، تبدو لي شبه تجديفٍ، حتّى عند الإشارة إلى تأديبٍ إلهيّ يستخدم الشرّ بهدف الخير، وسيجعل إذًا من الشرّ خيرًا، ما هو أمرٌ غريب. الله أبٌ لنا، ونحن أولاده. أيّ أبٍ بيننا، ستأتيه فكرة بثّ فيروس في أولاده بهدفٍ يزعم أنّه تربويّ؟ أيّ أبٍ لا يعاني من رؤية أولاده يمرضون ويعانون وفي خطر الموت؟

يعزو بعض اللاهوتيّين أسباب المرض والألم والموت إلى الله، لأنّهم يخشون أنّنا، إذا لم ننسبها إلى الله، سنعتبر مثل المانويّين أنّ هناك إلى جانب الله، الّذي هو مصدر الخير، مصدرٌ للشرّ ينافسه، ويحدّ تاليًا من قدرته الكليّة الّتي هي إحدى صفاته الأساسيّة. ولكن، إذا كان كلّ شيء يأتي من الله، فيجب علينا أيضًا أن نعترف بأنّه ليس سبب الأوبئة فحسب، بل أيضًا سبب الحروب والإبادات الجماعيّة ومعسكرات الاعتقال، وأنّه جلب إلى السلطة هتلر أو ستالين أو بول بوت، ليكونوا أدواتٍ لعدله المزعوم ولتأديب الشعوب…ـ

في الواقع، وفقًا للآباء، للشرور مصدرٌ واحدٌ فقط هو الخطيئة، وسبب الخطيئة هو سوء استخدام الإنسان لإرادته الحرّة. الشرور أيضًا نتيجةٌ لعمل إبليس والشياطين (الملائكة الساقطة الّتي بدورها أساءت استخدام إرادتها الحرّة)، والتي تمكّنت قدرتها من الاستقرار في العالم نتيجةً لخطيئة الإنسان الأوّل: فبَعد أن توقّف الإنسان عن أن يكون “ملك الخليقة”، استطاع الشيطان أن يصير “أمير هذا العالم”.ـ

أمّا فيما يختصّ بما يحصل في أيّامنا، فإنّ عمل الشيطان هو ما تجدر الإشارة إليه، لا عمل الله. وتجدر الإشارة أيضًا إلى خطأ الشخص الّذي أكل في الصين حيوانًا حاملاً الفيروس أو لمَسَهُ (هذا ما حدث أيضًا خلال الأوبئة السابقة كلّها)، فنَقَلَ تأثير خطئه إلى البشريّة جمعاء مثلما نقل آدم تأثير خطيئته إلى البشريّة كلّها.ـ

ما قلتموه للتوّ يثير أسئلةً عدّة. في البداية، يقول بعضهم إنّ الله خلق جميع الميكروبات والفيروسات، وإنّ الموت نفسه موجودٌ في الخليقة منذ البدء، وإنّ كلّ ما خلقه الله حسنٌ كما يقول سفر التكوين.ـ

هذه فكرةٌ نجدها بالفعل عند بعض اللاهوتيّين المعاصرين الكاثوليك (مثلاً عند Teilhard de Chardin وتلميذه Gustave Martelet)، وقد تبنّاها بعض اللاهوتيّين الأرثوذكسيّين (مثلاً يوحنّا زيزيولاس مطران بيرغامون، ومؤخّرًا الأرشمندريت كيريل هوفورون). هؤلاء يتبنّون المفهوم الطبيعيّ (أو الطبيعانيّة)، الذي يحاكي جزئيًّا مفهوم العلم الحديث. أمّا إيماننا الأرثوذكسيّ فمختلف: فالآباء يُجمعون مؤكّدين أنّ الله لم يخلق الموت، بل أنّ هذا الأخير نتج عن الخطيئة، تمامًا مثل المرض والألم اللّذين لم يندرجا في الحالة الفردوسيّة الأصليّة، والّلذين أيضًا سيبطلان في الحالة الفردوسيّة المستقبليّة، في مملكة السماء.ـ

إنّ التساؤل إذا ما كان المرض والألم والموت شرورًا يتطلّب إجابةً مزدوجة.ـ

أوّلاً، على المستوى المادّيّ، إنّها شرورٌ بلا شكّ، لأنّها، كما سبق أن ذكرت، اختلالاتٌ واضطراباتٌ تصيب السير الحسَن للكائنات الحيّة الّتي خلقها الله. وحتّى من وجهة النظر الطبيعانيّة، فإنّ الصحّة والحياة هي الحالة الطبيعيّة لدى الكائن الحيّ؛ أمّا المرض والعجز والموت، فهي غير طبيعيّة. إنّ المرض، كما ذكرت، هو شكلٌ من أشكال الفساد، هو عمليّة تدهورٍ وتدميرٍ وإبادة. والألم عنصرٌ يرافق هذه العمليّة، ويشهد أنّ شيئًا ما في جسدنا “ليس على ما يرام”. يظهر الطابع الشيطانيّ البحت للأمراض بوضوحٍ شديدٍ في بعضها. على سبيل المثال، نجده في أمراض المناعة الذاتيّة auto-immunes، حيث تستخدم الأعضاء موارد الكائن الحيّ لتدمّر نفسها (إنّه نوعٌ من الانتحار). نجده أيضًا في السرطان، الّذي، من خلال تغيّرٍ جينيّ، يُنتج أورامًا عبثيّةً (لا تؤدّي أيّ دور له معنى في الجسم)، ولا غرض لهذه الأورام سوى نموّها الخاصّ على حساب الأعضاء الأخرى، فهي تمتصّها وتدمّرها تدريجيًّا، وتستخدم في وجه العلاجات المستعملة ضدّها، جميع الموارد الّتي خزّنها الكائن الحيّ منذ ملايين السنين من أجل نموّه وحفظه. ونجد هذا الطابع أيضًا في الفيروس الحاليّ الّذي، مثل سائر الفيروسات التي تنتمي إلى العائلة نفسها، يتسلّل إلى خلايا الرئتين ثمّ إلى أعضاء حيويّةٍ أخرى، ويغزوها (كما يغزو عدوٌّ دولةً ما)، ويستعمرها، ويعيق عملها، أو يزعجها بطريقةٍ خطيرةٍ إلى حدّ التسبّب في الموت.ـ

على المستوى الروحيّ، إنّ المرض والألم والموت شرورٌ بسبب أصلها الأوّل (الخطيئة)، ولكن من الممكن مقاربتها وعيشها روحيًّا بطريقةٍ بنّاءة، فتصبح بذلك خيراتٍ، ولكن خيراتٍ روحيّة فقط. كما ذكرتُ، يمكن للإنسان أن يلجأ إلى الله عند المرض والألم أو اقتراب الموت، وأن يقترب منه وينمّي فضائل مختلفة (أي أن ينمّي الحالات الدائمة، أي حالاتٍ تقرّبه من الله وتوحّده به). يقول القدّيس غريغوريوس النزينزي إنّ الكثير من الناس صاروا قدّيسين من خلال المرض.ـ

إذا كان المسيح قد مات من أجلنا، فذلك لكي يتغلّب على الموت ويتيح لنا أن نقوم في نهاية الأزمنة كما قام هو نفسه. إلاّ أنّ لآلامه ولموته على الصليب معنى آخر يفوتنا أن نشدّد عليه: فهو، بآلامه وموته، أبطل قوّة الألم والموت؛ لقد أعطانا، إذا اتّحدنا به وحصلنا بذلك على النعمة الّتي منحنا إيّاها، ألاّ نخاف الألم وأن نتحسّن روحيًّا من خلاله، وألاّ نخشى الموت، بل أن نضع رجاءنا في الحياة الأبديّة، إلى حدّ قولنا مع القدّيس بولس في الفصل الخامس عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: “أين شوكتكَ يا موت؟ أين غلبتكِ يا جحيم؟”.ـ

يُطرحُ سؤالٌ آخر استنادًا إلى كلامكم السابق: إذا كان الله صالحًا وكلّيّ القدرة، فلماذا لا يلغي المرض والألم من هذا العالم، ولماذا لا يزالان موجودين في حين أنّ المسيح غلبهما من أجل كلّ البشريّة الّتي أخذها على عاتقه؟

هذا ما يُنشئ اعتراضًا قويًّا لدى الملحدين، وغالبًا ما يثير الشكّ بين المؤمنين.ـ

جواب الآباء هو أنّ الله خلق الإنسان حرًّا، وهو يحترم إرادة الإنسان الحرّة بكلّ عواقبها. وإذ إنّ الخطيئة تدوم في العالم، فعواقبها تستمرّ في التأثير على الطبيعة البشريّة والكون بأكمله.ـ

لقد أزال المسيح ضرورة الخطيئة، وأنهى استبداد الشيطان، وجعل الموت غير ضارّ، ولكنّه لم يلغِ الخطيئة، أو فِعل الشياطين، أو الموت الجسديّ، أو عواقب الخطيئة بشكلٍ عام، حتّى لا يُرغم الإرادة الحرّة الّتي تسبّبت بها، أو ينكر هذه الإرادة. على المستوى المادّيّ، يخضع العالم الساقط إلى منطقه الخاصّ. ولهذا السبب أيضًا يصيب المرض الواحد والآخر على نحوٍ مختلفٍ، ما يتّضح بخاصةٍ عند حلول وباءٍ ما: فبحسب تركيبة الناس الجسديّة الفرديّة، يصيب الوباء بعضهم ويستثني بعضهم الآخر؛ ويؤثّر على نحوٍ طفيفٍ على بعضهم، وعلى نحوٍ خطيرٍ على بعضهم الآخر؛ ويجعل بعضهم يموت ويترك بعضهم الآخر على قيد الحياة؛ ويقتل مراهقين ويستثني مسنّين.ـ

فقط في نهاية الأزمنة سيتجدّد كلّ شيء، وستظهر سماءٌ جديدةٌ وأرضٌ جديدةٌ، حيث سيُردّ ترتيب الطبيعة وتناغمها الّلذان دمرتهما الخطيئة، في طبيعةٍ أرفع وجودًا، حيث سيُشرك المسيح جميع الّذين سيتّحدون معه، في الخيرات الّتي أحرزها في عمله الخلاصيّ والمؤلّه طبيعتنا.ـ

الإنسان الّذي يحيا في المسيح داخل الكنيسة، حيث يوجد ملء النعمة، يتلقّى “عربون الروح القدس”، ويعرف روحيًّا بواكير الخيرات الآتية. على هذا المستوى الروحيّ، لا يعود للخطيئة والشيطان والموت والفساد من سلطةٍ أو تأثيرٍ عليه؛ هو حرٌّ روحيًّا إزاءها. ولكن إذا ضَمِنَ عدم الفساد وعدم الموت، فهذان لن يتحقّقا في جسده إلاّ بعد القيامة والدينونة، تمامًا مثل تألّه كيانه كلّه الذي لن يكتمل كلّيًّا سوى في هذه اللحظة الأخيرة (راجع 1 كو 15: 28).ـ

خلال هذا الانتظار، تظهر المسيحيّة حريصةً على تخفيف معاناة البشر وشفاء الأمراض، ولطالما شجّعَتْ من أجل ذلك الوسائل المتاحةـ

محبّة القريب هي مع محبّة الله الفضيلة الأهمّ الّتي تدعو إليها المسيحيّة. إنّ محبّة القريب تشمل تعاطفًا، ورغبةً في مساعدته في كلّ شيء، وفي تعزيته، ودعمه، وتخفيف آلامه، وعلاج أمراضه، وحفظه في صحّة جيدة. وقد أظهرت المثال على ذلك المعجزات الّتي اجترحها المسيح والرسل. لهذا السبب، اعترفت المسيحيّة منذ البداية بمزايا الطّبّ، ولم تتردّد في أن تضمّ الطبّ “الدنيويّ” المُمارس في المجتمع الذي نشأت وتطوّرت فيه، وحتّى أنّها أوّل مَن أنشأ مستشفيات. كانت الممرّضات راهباتٍ في الشرق والغرب، لقرونٍ عدّة وحتّى عصرٍ قريبٍ نسبيًّا لنا (في ألمانيا، لا يزالون يدعون الممرّضات “Schwester” أي أخوات!). خلال الوباء الحاليّ، أظهر جميع الباحثين والأطبّاء والممرّضين والمسعفين، وأيضًا جميع العمّال التقنيّين وموظّفي الصيانة، تفانيًا وروح تضحية، إلى حدّ وضع صحّتهم وحياتهم في خطر، وهذا يتوافق تمامًا مع القيَم المسيحيّة. إنّ الكنائس كلّها تباركهم، وعلينا أن ندعمهم بقوّةٍ بصلواتنا.ـ

بما أنّكم قلتم إنّ الطبيعة الساقطة تتبع نوعًا ما منطقها الخاصّ، فهل يمكن أن تؤثّر صلواتنا على هذا الوباء، من أجل إبطائه أو إنهائه؟

من واجبنا أن نصلّي إلى الله لإنهاء هذا الوباء. ولكن من أجل أن يحدث ذلك، يجب أن يلجأ إليه جميع الناس طالبين منه ذلك، وإلاّ، فهو لن يفرض نفوذه الكلّيّ القدرة على مَن لا يريدون أن يعرفوه ويطلبوا مساعدته، احترامًا لخيارهم الحرّ. ولهذا السبب لم يتجلَّ الفعل الإلهيّ من أجل إيقاف الأوبئة الكبيرة في الماضي. إلاّ أنّ الله، من ناحيةٍ أخرى، استجاب لطلب مجموعاتٍ صغيرةٍ متّحدة، وأوقف عجائبيًّا أوبئةً محلّيّة. ولطالما حصلت فجواتٌ في منطق العالم الساقط لصالح أشخاصٍ معيّنين، من خلال تدخّل الله أو والدة الإله أو القدّيسين. إلاّ أنّ المعجزات، بحسب تعريفها، هي استثناءاتٌ للنظام العامّ والعاديّ. لم يَقُم المسيح نفسه بشفاءاتٍ جماعيّة، بل دائمًا بشفاءاتٍ فرديّةٍ. وهذه كانت دائمًا تتعلّق (أشدّد على كلمة دائمًا) بهدفٍ روحيّ وعملٍ روحيّ يرافقه (غفران الخطايا)، مرتبطٌ بالحياة وبمصير الشخص. وهنا أذكّر بأنّه كما يمكن للمرض أن يتحوّل روحيًّا إلى مصلحتنا، قد يكون الحفاظ على الصحّة أو استعادتها عديمَي الفائدة إذا لم نستخدمهما جيّدًا على المستوى الروحيّ. أحد الأسئلة الإضافيّة الّتي يطرحها علينا الوباء الحالي هو التالي: ماذا فعلنا بصحّتنا حتّى الآن، وماذا سنفعل بها إذا بقينا على قيد الحياة؟

أمّا فيما يختصّ بالشفاءات العجائبيّة الّتي أجراها المسيح، فإنّنا نرى أنّها مُنحت أحيانًا بناءً على طلب الأشخاص الّذين شفاهم، وأحيانًا بناءً على طلب أقربائهم. وهذا يذكّرنا بأنّه من المهمّ أن نصلّي من أجل أنفسنا، من أجل الحصول على الحماية والشفاء، ولكن أيضًا من أجل أقربائنا، وعلى نطاقٍ أوسع من أجل جميع البشر، كما يفعل جميع القدّيسين الّذين يصلّون من أجل العالم كلّه، لأنّهم يشعرون أنّهم متحدّون مع الجميع.ـ

أزهرت الصلوات على أنواعها على المواقع الأرثوذكسيّة في الأسابيع الأخيرة. ما الصلاة (الصلوات) الّتي توصون بها بالأخصّ؟

كلّ صلاة جيّدةٌ لأنّها تقرّبنا من الله ومن قريبنا. يمكننا أن نتوجّه إلى المسيح، وإلى والدة الإله وجميع القدّيسين، إذ، كما أخبرني القدّيس باييسيوس الأثوسيّ خلال أحد لقاءاتي به، يمكن لكلّ قدّيسٍ أن يشفي جميع الأمراض، والقدّيسون لا يغارون بعضهم من بعض.ـ

على الرغم من كلّ شيء، لا أزال أشكّك قليلاً في بعض أشكال التقوى الّتي تلامس الخرافة، ولكن لا مفرّ منها في مثل هذه الظروف: مثلاً، أخرجنا مؤخّرًا من المخبأ قدّيسةً اسمها كورونا. لا شكّ في أنّنا سنرى قريبًا القدّيس فيروس (أسقف فيينا من القرن الرابع) يوافيها. من ناحيتي، أحبّ كثيرًا الصلاة الّتي كتبها البطريرك دانيال الرومانيّ وأستخدمها مراتٍ عدّة في اليوم، وهي قصيرةٌ وبسيطةٌ وكاملة. لقد عدّلتُ قليلاً النصّ:

“أيّها الربّ إلهنا، الغنيّ بالرحمة والّذي يوجّه حياتنا بحكمةٍ دؤوبة، استمعْ إلى صلاتنا، وتقبّلْ توبتنا عن خطايانا، وضعْ حدًّا لهذا الوباء. أنتَ يا طبيب أرواحنا وأجسادنا، امنحِ الصحّة للّذين أصابهم المرض، مُنهضًا ايّاهم بسرعةٍ من فراش ألمهم، حتّى يتمكّنوا من تمجيدكَ أنتَ المخلّص الرحيم. احفظْ من كلّ مرضٍ مَن هُم في صحّةٍ جيّدة. إحفظنا نحن أيضًا، نحن خدّامكَ غير المستحقّين، وكذلك والدينا وأقرباءنا. يا ربّ، باركْ وقوِّ واحرسْ بنعمتك كلّ الّذين يعتنون بالمرضى في منازلهم أو في المستشفيات، بمحبّةٍ للبشر وروح تضحية. أبعدْ كلّ مرضٍ وألمٍ عن شعبك، وعلّمنا أن نقدّر الحياة والصحّة كعطايا تأتي من لدنكَ. امنحنا يا ربّ سلامك، واملأ قلوبنا بإيمانٍ غير متزعزعٍ في حمايتك، وبرجاءٍ في عونكَ وبمحبّةٍ لكَ ولقريبنا. لأنّ لكَ أن ترحمنا وتخلّصنا، يا إلهنا، ولكَ نرسلُ المجد أيّها الآب والابن والروح القدس، الآن وكلّ أوانٍ وإلى دهر الداهرين، آمين.ـ

* مقابلة أجراها جيفكو بانيف في 6 نيسان 2020

***