رسالة من أم أرثوذكسية في أزمة الكورونا

رسالة من أم أرثوذكسية في أزمة الكورونا

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

أنا أم أرثوذكسية، وقد صرت أرثوذكسية منذ ثلاثين سنة وزوجي مولود أرثوذكسياً وقد تربّى في الكنيسة الأرثوذكسية. عندنا أربع أولاد هنا وواحد في السماء. في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لم أسمع أسقفاً واحداً، أو توجيهاً من أسقف، يحكي عن أطفالنا. الإشارة الوحيدة للأطفال كانت أن عليهم أن يبقوا في البيت إن كانوا غير قادرين على حفظ التباعد كما يجب

أنا حزينة للغاية من هذا، وبصراحة أنا غاضبة وأعتقد أن هذا من حقي. أنا وزوجي، مثل العديد من الآباء الأرثوذكسيين الآخرين، ناضلنا وقمنا بالعمل الشاق، أسبوعًا بعد أسبوع، عامًا بعد عام، لمدة اثنتي عشرة سنة الآن، لأخذ أطفالنا إلى الكنيسة وتعليمهم إيماننا

وبفيروس واحد، ونعرف الآن أنه ليس مميتًا بالقدر الذي حُكي عنه، سحبوا الخيط لا من اثني عشر عامًا من عملنا وحسب بل من آلاف السنين من العمل الذي راكمه كل الأهل الأرثوذكسيين، بجدية كاملة عاملين على نقل إيماننا الغالي والفريد لأطفالنا، كما فعل آباؤنا وأجدادنا. هذا كله خطأ

كنت آخذ أطفالي معي إلى الكنيسة طوال الأشهر التسعة قبل ولادتهم. كنت أرسم علامة الصليب على بطني لأنهم لا يستطيعون القيام بذلك بأنفسهم. كانوا معي بينما كنت أقف مع الجوقة أرتّل. عِبري، سمعوا الصلوات وتناولوا إلى أن ولدوا ثم عُمِّدوا في كنيسة تغصّ بالمؤمنين محاطين بالمحبة

بعد ولادتهم، توقفتُ عن الترتيل مع الجوقة لكي أتولاهم. عندما كانوا نيقين أو متعَبين، مشيت معهم حول الكنيسة وهم يقبّلون الأيقونات على الجدران. تلك التي لم يتمكنوا من الوصول إليها، جعلتهم يقبلون أيديهم ويتطاولون إلى أعلى ليضعوا قبلاتهم على الأيقونات. عندما كبروا بما فيه الكفاية، كانوا يدلفون إلى التقبيلات، وعندما لا يستطيعون الوصول إلى الأيقونات في الأعلى، كانوا يقبّلون الصليب الخشبي المحفور على مستواهم، وهو الذي صنعه والدهم بيديه قبل أن يولدوا

ما زلت أشاهد الأطفال يفعلون ذلك لأنهم يدركون غريزيًا الأشياء التي تمثّل الله ويأنسونها من دون أي خوف. في السنوات التي تلت، أسبوعًا بعد أسبوع، كانت عائلتنا تقطع ما يشغلها يوم السبت للتحضير لصلاة الغروب. كنا نأخذهم للتبرّك من الأيقونات كل مرة. ونأخذهم إلى المناولة كل مرة

كنا نستيقظ باكراً أحداً بعد أحد بعد أحد، لا مع طفل واحد، ولا اثنين، ولا ثلاثة، بل مع أربعة أطفال. نلبِسهم ملابسهم الكنسية، ونقودهم إلى الكنيسة ونثابر أثناء الخِدَم. ندخل إلى الكنيسة معهم ونخرج معهم، ننخزهم لمنعهم من الجري إلى الهيكل، ونأخذهم إلى النونية، ونسكِتهم أثناء الإنجيل، ونعلّمهم أن لا يتكلموا عندما يتحدث الأب. لطالما أخذهم العرابون من دون خوف لتقبيل الأيقونات وإعطائي استراحة. فاتني المئات من العظات إذ كنت أمشي في الخارج مع طفل صغير متعَب، ولطالما فعلت ذلك أسبوعاً بعد أسبوع بعد أسبوع

كنا نأخذهم أيضًا إلى المناولة أسبوعًا بعد أسبوع، عامًا بعد عام. بصبر، باستمرار، بإخلاص، لأن هكذا ننقل إيماننا إلى جيلنا التالي. إنهم يتعلمون منّا. إنهم يتعلمون من كل ما يرونه وما يفعلونه، أكثر مما يسمعونه لسنوات. لا يقوم الأهل بذلك لأنه سهل. ما من أهل يفعلون ذلك من أجل “المتعة” أو للعرض. إنه عمل كثير للغاية. إنه عمل شاق ودؤوب ومثابر. لذا، الكارثة هي أن مَن يضع البروتوكولات المناقضة التي قد نتخيلها هم أساقفتنا وكهنتنا من كل الكنائس

هم يريدونني الآن أن أسجّل لكي أحضر أطفالي إلى الكنيسة، حيث يرتدي جميع البالغين كمامات، وهو أمر مخيف للغاية بالنسبة للطفل. الأطفال مطالَبون بتطهير أيديهم عند وصولهم إذ يُنظر إليهم على أنهم مصانع جراثيم متنقلة إذا لا سمح الله سعلوا أو عطسوا. إثنان من أطفالي يرتدون كمامات واثنان لا بحسب أعمارهم. لا يُسمح لأي منهم بتقبيل الأيقونات أو معانقة عرابيهم أو أجدادهم أو أصدقائهم، الخائفون بدورهم من كل هذا، وقد يتراجعون إذا اقترب أطفالي منهم

من ثم آخذهم ليتناولوا حيث الكاهن يبدّل الملعقة بعد أن يتناولوا، بعد أن يكون قد غطّسها في جسد المسيح ودمه، وهو أقوى مطهّر لنا وصول إليه في هذا العالم. وإذ نترك الكنيسة دون أن نتحدث إلى أحد أتأمّل في ما إذا كان هذا ما أريد أن أريه لأطفالي بعد اثنتي عشر سنة من العمل الدؤوب والتعليم. فليرحم الله كل الذين يصنعون هذه القرارات المدمّرة. الأذى الذي يلحقونه بإيمان أطفالنا لا يُقاس

إذا كان إيماني “مُفرِط” كما قال لي أحد الأساقفة في آذار الماضي، فلربما أجداده وأهله كان إيمانهم ” مُفرِطاً” أيضاً، وقد يكون هذا ما قاده إلى الكهنوت وسنوات الخدمة في كنيستنا. لماذا قد يصير الإيمان فجأة مُفرِطاً؟ ولماذا هم يوبّخون الأرثوذكسيين الملتزمين واصفين إيانا بالتقوى المبالَغة بطريقة مسيئة، معتبرين أننا لا نهتمّ بإخوتنا من أبناء الرعية لأننا لا نتبنّى توجيهاتهم الجديدة؟ إذا كانوا فعلاً يؤمنون بأننا كذلك فهذا كذب صافٍ

عبر السنين، تغيّبت عن خِدم لا تُعدّ لأن أطفالي كانوا مرضى وعليّ كأمٍّ أن أبقى في المنزل. الآن، نحن الأصحاء وغير الخائفين، يُقال لنا أن علينا أن نتخلّى عن ممارسة إيماننا لِيرتاح أناس خائفون. علينا أن نبدّل إيماننا لكي يشعروا “بأمان”. إن إيماني وإيمان أطفالي قابل للنقاش وللإقصاء. ومع هذا أنا التي تُقرَّع على أني غير مُحِبّة

إذا كان الخائفون من ممارسة إيماننا يريدون المناولة، فعلى رعايانا أن تصنع ترتيبات حتّى يستطيع كهنتنا أن يخدموهم بشكل يريحهم. لكن ليس عليهم أن يعيدوا كتابة إيماننا بسبب فيروس عابر. هذا ليس محبة. لست أعرف ما هو لكنه ليس محبة. هذا خطأ وأتمنى أن المزيد من الآباء والكهنة الصالحين والمؤمنين سوف يرفعون الصوت ويدافعون عن أطفالنا الأرثوذكسيين وإيماننا ويقاتلون من أجل ما نعرف أنه نقي وحقيقي وصحيح

لن نأخذ أطفالنا إلى أي كنيسة حيث يرون البالغين مع كمامات، حيث لا يُسمح لهم بتقبيل الأيقونات، أو حيث يرون ملاعق مختلفة للمناولة. ليس عندي تفسير لهذا أقدمه لأطفالي. ما من تفسير. هذه ليست الأرثوذكسية. هذا ليس إيماننا

Source: Letter from An Orthodox Mom. https://orthodoxethos.com/post/letter-from-an-orthodox-mom