رسالة إلى المحبوبين مطارنة وكهنة الكنائس الأرثوذكسية في أميركا وكل مكان

رسالة إلى المحبوبين مطارنة وكهنة الكنائس الأرثوذكسية في أميركا وكل مكان

الأب بيتر هيرز

نقلتها إلى العربية اسرة التراث الأرثوذكسي

إلى المحبوبين مطارنة وكهنة الكنائس الأرثوذكسية في أميركا وكل مكان:

من أبناء رعاياكم

31 أيار، 2020 – أحد الآباء القديسين

في أيار 1848، كتب البطاركة الشرقيون رسالة عميقة للبابا رداً على ادعاءاته المعيبة حول أوليّة البابا. في نهاية هذا العمل الأهم والأعمق، نقل البطاركة إلى البابا أنه على عكس طريقة الإدارة الشمولية في كنيسته، في الأرثوذكسية “لا يمكن للبطاركة ولا المجالس أن يدخِلوا أي استحداثات، لأن حامي الدين هو جسد الكنيسة، الشعب أنفسهم، الذين يرغبون في أن تظل عبادتهم الدينية دون تغيير ومن نفس نوع عبادة آبائهم”

أيها الآباء القديسون، نحن مسيحيون أرثوذكسيون مؤمنون نرغب في القيام فقط بما يترتب على إدراكنا لتحذير الرب ” لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي” (رؤيا 16:3). وهكذا، نشعر بأننا مضطرون للرد على التغييرات المقترحة التي على وشك أن تحدث، تحت إرشادكم، لسر المناولة المقدسة، كما على المعلومات غير الدقيقة لاهوتياً التي يتم نشرها، للأسف، من كهنة ولاهوتيين أرثوذكسيين في كنيستنا

للأسف، هذه الأيام يُصنَّف المسيحيون الأرثوذكسيون الذين يدافعون عن إيمانهم بأنهم “أصوليون” و”تقليديون”، أو حتى متطرفون، لأنهم ببساطة يرغبون بالحفاظ على إيمانهم دون تغيير أو أذى بفعل ولايات دهرية أو أهواء مجتمعية. يجب ألا تخضع عقائد إيماننا الأرثوذكسي لأي منهما؛ بل يجب أن تبقى الكنيسة الأرثوذكسية وفية لتعاليم المسيح وآباء كنيستنا والمجامع المسكونية السبعة.

أيها الآباء القديسون، نطلب منكم بكل احترام أن تشرحوا لنا، كيف يمكن لله أن يدنّس أو يفسد الإنسان بأي شكل من الأشكال من خلال المناولة المقدسة بملعقة مشتركة فيما تلك الملعقة تتلامس مع جسد ودم ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي هو نار آكلة بحسب صلوات المناولة؟ استخدمت الكنيسة الملعقة المشتركة للمناولة المقدسة خلال عددٍ لا يُحصى من الأوبئة والأمراض المعدية لمئات السنين، ولم تكن مصدرًا للتلوث. ولكن الآن، ندّعي فجأة أن “الناس قلقون وخائفون بحق”. وكما يقول الأب كاليفاس في روايته: “يتسبب فيروس كورونا في إثارة تساؤل العديد من الناس حول الاستمرار باستخدام الملعقة المشتركة للمناولة المقدسة.” بالضَبط من هو الذي يطرح هذا السؤال، ولماذا كهنتنا ومطارنتنا لا يجيبون على هذه المخاوف والشكوك بتعاليم إيماننا الأرثوذكسي الصحيحة وحقائقه التي ستبدد بلا شك أي مخاوف قد تكون لدى المؤمنين؟ يواصل الأب كاليفاس كتابة ما يلي: “لا ينبغي تجاهل مخاوف الناس وتحفظاتهم ومخاوفهم الحقيقية… كما لو أن فعل المناولة خالٍ من الاعتبارات البشرية وحدود النظام المخلوق.” على العكس تماماً، فإن النقيض هو الصحيح! يجب أن تُبدَّد كل المخاوف حبياً من خلال تعاليم إيماننا الصحيحة. يجب تعليم المؤمنين الأرثوذكسيين حقائق كنيستنا والمعجزات التي لا حصر لها في تاريخ الكنيسة والتي تثبِت أن فعل المناولة يجب أن يكون خاليًا من كل تفكير ناكثٍ. إذا كنا نؤمن حقًا بالسرّ، فلا يمكن ولا يجب أن تكون هناك أي قيود مادية موضوعة على سرّ المناولة المقدسة

ألا يحطّم الأب كاليفاس الفهم الأرثوذكسي للتألّه من خلال ادعائه العقلاني التالي: “ملعقة المناولة هي جسم مادي غير كامل. إنها لا تشارك في عدم فساد جسد المسيح القائم والمؤلَّه، الذي هو حاضر عندنا بالفعل من خلال العناصر الإفخارستية. بحد ذاتها، الملعقة هي ببساطة ملعقة ، إناء”؟ أقلّ ما يُقال أنها حجة مؤسفة من مثل هذا اللاهوتي المرموق!!! الخشب الذي صُلب المسيح عليه كان ببساطة صليباً خشبياً… المسامير المطروقة في يديه وقدميه كانت مصنوعة ببساطة من الحديد… زنار العذراء مريم هو قماش وحسب… رفات القديسين هي مجرد عظام… ومع ذلك، فإن الروح القدس تدفّق ويتدفق دائمًا عبر هذه الأشياء المادية المقدسة فيما هي تعمل كدليل على شفاء عدد لا يحصى من الناس المؤمنين

يعبّر القديس سمعان اللاهوتي الجديد في نهاية صلاة المناولة التي كتبها عن شعوره بأنه غير كامل كالقش، ولكن “بعد أن يشترك بنار الرب [القربان المقدس]، يصير كالعليقة التي رآها موسى”، التي مع أنها غير محترقة كانت تشتعل. مجد المسيح الإلهي خلال تجليه المقدس مجّد كل شيء من حوله وكمّله. نعم، حتى الأشياء تشترك في مجد الله! وفقاً للأرشمندريت زكريا زاكارو، “حيث يتدخل الروح القدس، يتوقف كل فساد”. كما نرى في أمثلة لا حصر لها في الكتاب المقدس، حيث يشاء الله، يُهزَم النظام الطبيعي للأشياء. إذا كان مجرد ظلّ الرسول بطرس يمكن أن يشفي اختلال الأجساد البشرية، فهل يمكن أن يكون هناك شك بأن الجسد الفائق النقاوة والدم الثمين للابن المتجسد وكلمة الله يمكن أن يقدس ويكمّل الملعقة المقدسة أثناء المشاركة في الأسرار المقدسة؟ لم يكن الأب كاليفاس على قيد الحياة وصحيحًا حتى يومنا هذا، بعد أن تناول بقايا الكأس المقدسة التي لامست لعاب مئات الآلاف من الأفواه خلال فترة أربع وستين سنة من الكهنوت الفعلي، لولا حقيقة أن سر المناولة المقدسة الإلهي كان ولا يزال بشكل مطلق وقطعي ووجودي دواء الخلود ولن يكون أبدًا مصدرًا لأي انتقال للأمراض

نكرر بكل احترام أن هذا الشكل من التعليم المسيحي يجب أن يكون أحد المهام الرئيسية لكهنتنا وأساقفتنا. هل يعلم إخوتنا الأرثوذكسيون عن الكاهن في كريت الذي خدم المصابين بالجذام الذين عاشوا في جزيرة سبينالونجا لمدة عشر سنوات على الأقل؟ الجذام كان مرضاً شديد العدوى. ومع ذلك، كان هذا الكاهن الأمين الكاهنَ الوحيد الذي يرغب في الذهاب لإقامة القداس الإلهي يوميًا، وكان يناول هؤلاء المصابين بالجذام. ما قد يفزع الكثيرين هو أنه كان يتناول بقايا الكأس المقدسة بأمانة بعد كل قداس إلهي. لقد رقد في الرب في شيخوخة متقدمة، دون أن يصاب بمرض الجذام الشديد العدوى (مرض هانسن). هل نتذكّر مثال القديس يوحنا ماكسيموفيتش الذي تناول من بعد امرأة مصابة بداء الكَلَب؟ …

كما تعلمون أيها الآباء القديسون، هذه ليست حكايات خرافية. ومع ذلك، يبقى لنا أن نتساءل ونأسف لماذا بدلاً من أن نخبر مؤمنينا عن هذه المعجزات والحقائق الأخرى المتعلقة بسر المناولة المقدسة، فإننا نلجأ إلى زيادة مخاوفهم وشكوكهم من خلال تغيير طريقة المناولة المقدسة واتّخاذ تدابير لا عمل لها غير زغل وتدنيس تعاليم وعقائد إيماننا. لماذا قد يهتم لاهوتي معروف مثل الأب كاليفاس بتخفيف “انتقال الميكروبات الطفيلية الخطيرة” من خلال اقتراح التخلص من و/أو تطهير الملعقة المشتركة، عندما يتم تغطيس “هذا الشيء المادي غير الكامل” في جسد ودم ربنا يسوع المسيح” بعد مناولة كل مسيحي أرثوذكسي؟ هل الكحول أو الخل أكثر علاجية من معالج جميع العلل؟ ألا يملك “مطهر الجميع” القدرة على تطهير شيء مخلوق عندما يطهّر هو نفسه المؤمنين من جميع الذنوب والتجاوزات؟

لأسباب سبق ذكرها، وبالنسبة للعديد من حقائق إيماننا الأرثوذكسي المقدس الخالدة، ببساطة، لا يوجد حجة مقنعة يجب الاستناد إليها لاستبدال الملعقة المشتركة كوسيلة لمناولة المسيحيين الأرثوذكسيين. وعليه نعلن أنه في ظل هذه الظروف، تغيير كهذا هو تجديف. المناولة المقدسة هي سر مقدس منحنا إياه المسيح مجاناً لتطهير أجسادنا وأرواحنا واتحادنا به. لا يوجد مجال على الإطلاق للعلم أو المنطق البشري للدخول باستخفاف إلى أرض الله المقدسة، قدس الأقداس، الأسرار المقدسة ومعجزات إيماننا الأرثوذكسي الغالي. يجب أن تكون كنيستنا خارج حدود “العلم”، أو أي منظمة أخرى قد تسعى لاستبدال عجائب إيماننا التي لا يمكن تفسيرها بالحدود التجريبية للعلوم. بالنسبة للمسيحي الأرثوذكسي، ليس هناك مجال للخوف. ولكن، لكي تتحقق هذه الجسارة، على المسيحي أن يفهم ما علّمه المسيح ووعد به مَن هو على استعداد “لحمل صليبه واتّباعه”. هل نحن على استعداد لحمل صليبنا واتّباعه أم أنه من الأسهل والأكثر ملاءمة الاستسلام للشكّ واتباع أي فكرة مضللة وخاطئة تريح مخاوفنا بشكل ملائم؟

في الأشهر القليلة الماضية ، ساد الخوف على العالم، وقامت حكومات دولنا ووسائل الإعلام بعمل ممتاز في السيطرة على الجماهير وفرض قيود عليها من خلال استخدام الخوف. لماذا كنائسنا وأماكن عبادتنا تقوم بالشيء نفسه وتتحول إلى معاقل واضحة للخطاب الدهري والسياسي في حين أنها يجب أن تنمو كأماكن سكن لجسد المسيح الذي ينبغي لممثليه من الرؤساء تبديد مخاوف الناس من خلال العقائد المعلنة إلهياً و تعاليم إيمان المسيح، لأن الكنيسة هي حرفياً مكان “خارج هذا العالم!” لماذا يفشل الكثير من كهنتنا وأساقفتنا في تعليم المؤمنين ومساعدتهم على فهم أسرار الكنيسة الأرثوذكسية الإلهية حتى يتمكن المؤمنون من الاقتراب بحرية وجرأة ليتناولوا الأسرار المقدسة دون خوف أو تردد؟ فقط عندما يفهم المؤمنون إيمانهم المقدس ويطورون علاقة مع ربنا يسوع المسيح، يمكن تبديد مخاوفهم واستبدالها بالسلام الذي يأتي من معرفته!

نحن، أبناؤكم، نناشدكم أيها الآباء القديسون، أن تبددوا فيروس الخوف هذا، وَثَن رهاب الموت، بتعليم المؤمنين الحقائق التي نتمسك بها على أنها مقدّسة وحقيقية. الحقائق التي تم ختمها بدماء قديسين وشهداء كنيستنا، الحقائق التي يجب أن تبقى دون تغيير وصافية، الآن وإلى الأبد وإلى أبد الأبد

مع الاحترام

(التوقيع) معلمو مدارس الأحد، المرتلون، قادة الجوقات وأعضاؤها، أعضاء الجمعيات ومجالس الرعايا، وكل أبنائكم في المسيح