الاعتراف أو سر التوبة

 

الاعتراف أو سر التوبة

سامر عوض

 

مقدمة

إن سر التوبة والاعتراف، من الأسرار المهجورة المنسية في حياتنا اليومية الكنسية، إذ إنه يحتشد في الكنائس أيام الآحاد والأعياد، الكثير من المؤمنين الذين يرتادون الخدم والأسرار، إلا أنه قلما نجد إنساناً تائباً، يحاول أن يعود إلى الكنيسة من خلال هذا السر العظيم. لذا كثيراً ما يجول بخاطري السؤال الآتي: لِمَا لا نعترف؟ هل السبب يعو د للكهنة أم للمؤمنين؟ في الحقيقة أنه في كل مشكلة أو معضلة، لابد أن تقع اللائمة على طرفي النزاع، إذ أن المؤمنين لا يتحركون، والكهنة لا يُحَركون، إذ يوجد تقصيرٌ مِن قِبَل الطرفين، وإن اختلفت النسب، قكثير من الكهنة لا يمنحون من وقتهم سوى ما فََضُُل لهذا السر، سواء تلقياً أم شرحاً أم اهتماماً. وفي الوقت عينه وبالنسبة للمؤمنين فالجسد يشتهي عكس الروح وضدها، إذ أنَّ الخطيئة تغلب آدم؛ لأنه يريدها.

ماهية السر

ليس في الكنيسة ما يُدعى بسر الاعتراف، بل سر التوبة والاعتراف. إذ كيف أقول سر القربان، إنه سر القربان المقدس، فالقربان بحد ذاته هو خبز، لكنه ليس بمُقَدَس إلا بحلول نعمة الروح الكلي قدسه. وكذا الأمر بالنسبة للاعتراف، إذ هو مجرد كلام لا أكثر ولا أقل، إذا اعتبرناه مجرد سرد للخطايا، إذ أحدث صديقي أو صديقتي، أخي أو أختي، بما يجول في خاطري، وبذلك أعترف بما عندي. لكن الاعتراف إن لم يقترن بالتوبة، فليس له علاقة بالناحية الأسرارية البنيوية المكونة له. فغرض الاعتراف بحد ذاته هو العودة للذات البشرية، فالتوبة هي عودة لله عبر الكنيسة. تاب المرء أي آب وعاد، إذ يرجع إلى الحضن الأبوي. لذا ففي الفكر الكنسي ليس الاعتراف بالخطأ فضيلة، بل يجب أيضاً أن يتوب الإنسان؛ لأن التوبة هي التاج المتربع على رأس الاعتراف والصولجان الذي يرتكز عليه. أمَّا السر وهو ما خَفِيَ، هذا في اللغة، أمَّا اصطلاحاً فإن الكنيسة تطلق هذه التسمية على مجموع الخدم والصلوات، التي ترقي بالإنسان، حين يتممها، وهو سر؛ لأن ما خفي منه (نعمة الروح القدس) هو الأساس، وأنه يَخفى عن غير المؤمنين به؛ لأن السر بداية بدايتها، ونهايتها، وتكملتها تتم معا، وفهم ماهية هذه الآلية تتطلب إيماناً عميقاً بيسوع المسيح.

أهمية السر

للسر لذة عودة الأبن الشاطر، وهجران الخطايا، والسر هو تلبية لمشيئة الروح (كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي قدوس)، إذ أنَّ درب التوبة هو درب قداسة، وليس بشائك كما يتصور البعض؛ لأنه (إن كان الرب معنا فمن عليا)، الله يساعدنا إن أردنا العودة إليه، إذ أنه يدعونا كل يوم، وكل ساعة وكل لحظة؛ كي نكون بالقرب منه. ولكن كما يقول الفيلسوف توما الإكويني: (الله الذي خلقك بدونك، لا يستطيع أن يساعد بدونك)، أيها الإنسان ساعد نفسك يساعدك الله؛ لأنه كريم وجواد يحب عودة الخاطئ، إذ يترك التسعة والتسعين؛ كي يعيد الخروف الضال.

الكاهن المُعَرِِّف

ليس الكاهن بشخص لطيف محب، آتيه كي أعترف عنده. إذ أن المطران جورج خضر قد جاءه مرة رجلٌ، يقول: (أنا لا أتناول من يد هذا الكاهن)، فأجابه المطران جورج قائلاً: ( يا بني: الكاهن ليس عنده يد، يده هي يد المسيح). وكذا الأمر بالنسبة للاعتراف إذ أنَّ الكاهن ليس بكينونة في الاعتراف، بل هو السلك الذي ينقلنا إلى المسيح، وينقل المسيح إلينا. يشددنا بما أعطاه الله من قوة، ويرفعنا بما له من محبة لنا، وإخلاص تجاهنا. الكاهن هو أب لذا يسعد بعودتنا إليه، يَسعد بخاطئ يتوب؛ لأن الكنيسة هي: (جماعة التائبين) بحسب القديس أفرام السرياني؛ لأننا إن قلنا أنها جماعة المؤمنين فهذا يعني، أنَّها تجمع من آمن بالمسيح، والإيمان بالمسيح وحده لا يكفي، إذ (أرني إيمانك بأعمالك) والعمل الأجلى للتعبير عن الإيمان بيسوع، هو التوبة والعودة إليه، إذ نحن نخطئ كل يوم، لذا يجب أن نتوب كل لحظة. التوبة عن الخطيئة هي إيمان وتعبير عن الإيمان، بأن يسوع المسيح هو حاجة دائمة وماسة؛ لأنه ثابت وبه نولد ونتحرك ونوجد وبدونه لسنا بشيء. لذا أعجب من كثيرين يغضون الطرف، عن السعي لفهم هذه المبادئ والمفاهيم، ويخشون أن يتخذ الكاهن موقفاً منهم، فهل الكاهن بقادر (إن فرضنا أنه يستاء) أن يعادي كل مَن يعترف من خلاله، وإذا كان، هل يَقبَل أن يعاديه، الأب الذي يعترف من خلاله. وبذلك يسبب تلقي الاعتراف بحد ذاته خطيئة للكاهن، بدل أن يفرح بتوبة الخاطئ. وهل الكاهن أساس، أليس يسوع هو الأساس الذي وجدت فيه الكنيسة ومن أجله، وليس العكس. ومتى كانت الكنيسة بمعبد لأبنائها وجاذبة إياهم إلى إكليريكييها، أًما تصبح عند ذلك تائهة عن الهدف الحقيقي، لذا علينا التيقن بأن الكاهن يحبنا لذا يسُر بعودتنا، ولا يحق له أصلاً اتخاذ المواقف؛ لأنه معبر وليس مستقَراً لما تقول له.

سبب عدم الاحتفال بهذا السر

نعود للسؤال المهم: لماذا لا نعترف؟ وهذا ما يذكرني بالمهاتما غاندي، الذي يقول: (احتقرت الرياضة في شبابي، فاحتقرتني في شيخوختي). إذ حين أحتقر الاحتفال بهذا السر في طفولتي، لن أشعر بالحاجة إليه في شبابي، وكهولتي، وشيبي، وعجزي. ولكن ما الحل؟ الحل يكمن في الإرادة (إذ لا مستحيل لصاحبها)، ولندع الأهواء جانباً، إذ الجسد يشتهي عكس الروح، فهو ضعيف. لكن إرادتنا إن لم تتغلب على أهوائنا، نُصبحُ مُسَيَرٍين. يحيا الجسد في أهوائه وملذاته، وهنا محذور خطير، إذ يحيا الإنسان بالجسد ناسياً الروح التي تحاول أن ترقى بنا متى سمحنا لها، فالجسد أداة الروح. كما أن هذا الثنائي يشكل مع النفس ثلاثية مُقدسة، كما الثالوث القدوس. لذا لندع قصد الله يتحقق فينا؛ كي نصبح يسوعاً آخر كما أراد.

غرض السر

السر تفعيل للروح القدس فينا. هو عنصرة تتجدد بالإنسان؛ لأنه يجمع الكنيسة إلى واحد، ويقربها من بعضها؛ لأن القديسين(التائبين)، هم ثمرة الروح القدس، نعم نحن حين نتوب نبدو كالقديسين، إذ كان، في القديم، الاحتفال بسر التوبة والاعتراف يسبق تناول القربان المقدس، لذا يقول الإعلان السابق لمناولة القربان المقدّس: (القدسات للقديسين) فقداستنا من توبتنا، وتوبتنا من صدقية وجدية نيتنا في العيش بحسب مشيئة الروح القدس، وبمقتضى الإنجيل، والتعاليم المقدسة.

الاحتفال بالسر منذ الصغر، وعلاقته بسر القربان المقدس

لم نُرَبََّ على الاحتفال بسر التوبة الاعتراف، مثلما أعتاد معظمنا، المشاركة في سر القربان المقدس. وهذا يعود، بحسب أكثرية الآباء القديسين، إلى أن الطفولة مفعمة بالخطايا والأخطاء، ولا يوازيها قوة (سر التوبة والاعتراف). فقد سَأَل مرة مطران حوران سابا أسبر (عندما كان علمانياً) من خلال صديق له يجيد اليونانية، أحد الآباء في الجبل المقدس قائلاً: (كيف لنا أن نعيش الحياة الروحية المُثلى التي تحدثونا عنها)، فأجاب الأب: (هل يصلّي والديك قبل تناول الطعام، وقبل النوم وبعده…)، فاستوضح سيادته من صديقه عما إذا كان قد ترجم بصورة صحيحة، فردَّ الأخير بالإيجاب، ولمَّا استوضح الأب أجابه: (بأن الحياة الروحية لا تُفعَّل بصورة جيدة اللهم إلا إذا عاش الإنسان الأسس الصحيحة للحياة المسيحية منذ الطفولة). لذا يجب التشديد على أهمية الاحتفال بهذا السر، منذ سنوات الطفولة الأولى. لنتعلم التوبة والتهيئة لها، كما المناولة والتهيئة لها، إذ نأتي يسوع بالأولى، ويأتينا بالثانية. فبالمناولة يدخل المسيح فينا لنصبح معه جسداً واحداً، وبالتوبة والاعتراف نعود إليه لنصبح وإياه روحاً واحدة. لذا للسرين ارتباط بنيوي يكمل في العنصران الجسدي والروحي، والعكس بالعكس. إذ الاعتراف هو تنظيف النفس، والمناولة تربع السيد على تاجها، إذ لا مناولة حقيقية بدون توبة حقيقية هكذا يقول الآباء، فأساس استحقاقنا الجسد والدم يكمن في الاستعداد، ومدماك الاستعداد هو التوبة، إذ كيف أتقدم إلى إنسان كي آكل وأشرب على مائدته، وأنا بإرادتي بعيد عنه، وكم بالحري إن كان يطعمني جسده ودمه اللذين أراقهما على عود الصليب من أجلي.

علاقة السر بالتجسد

بالتجسد أصبح يسوع ابن الله إنساناً، وبالتوبة يصبح الإنسان إلهاً؛ لأن التوبة تفعيل للتألّه الذي حلّ فينا، بتجسد الكلمة، الذي جاءنا؛ لأنه يحبّنا ويريد أن يخلّصنا، وامتداده هو العنصرة (الروح القدس) فبالتوبة يحلُّ الروح القدس فينا فنصبح في قبضة الله، الذي يقرع كل يوم، منتظراً إيانا كي نفتح له أبواب قلوبنا فيلجها ويَسعد، ونسعد نحن بما له من قوة وقدرة.

الاختلاف الطقسي بين الكنائس في الاحتفال بالسر

في المنهج الكاثوليكي، يتربع الكاهن على كرسي الاعتراف، على أن يجلس بالجهة المقابلة، مَن يريد الاحتفال بالسر. أمَّا المنهج الثاني، فيتمثل بما هو مُتَبع لدى الكنيسة الإنجيلية حيث يعترف فيها المؤمنون، قلبياً دون حاجة إلى ممارسة السر وحلول روح قدس. أمَّا المنهج الأرثوذكسي فيتبع مسلكاً وسطاً: إذ فيه يجلس الأب المعرِّف بالقرب من الابن؛ ليتحاورا ويتحادثا ندياً، يتناقشان ويتباحثان؛ كي يفهم كل واحد منهما، ماذا يريد الآخر. ليس العلاقة بينهما كعلاقة المُشَرٍِع والمشرَّع له، بل علاقة أب رؤوف يمثل يسوع المسيح، والابن الذي يمثل الابن الشاطر الذي يعود إلى حضن الكنيسة. نقاشهما بَنَّاء؛ لأن مادته هي الواقع، وغايته هي إصلاح هذا الواقع وتحويله إلى واقع أفضل. ليست العلاقة بينهما كعلاقة الجلاد بالمجرم؛ لأنه حتى الله ليس بديَّان بل محب، كم يالحري الأب الذي يخطئ هو أيضاً ومن ثم يتوب. إذ أنَّ ما يجمعنا ككنيسة حقيقية مجاهدة، هو التوبة (السير والسعي الدائم والدؤوب نحو الله).

الكاهن ليس بكبش محرقة، وماهية الخطيئة

ليس الكاهن بكبش للمحرقة أعلق عليه شؤوني وشجوني، بل يأخذ الخطايا ويمحوها، لا يحملها أو يأتزر بها. فكما أن الخطيئة من زوال، كلك الأمر فإنها إلى زوال، فزوال الخطيئة من خواصها، لا تستمر إلا إذا، أرادها صاحبها. فالكاهن يساعد،ويعضد، ولا يُخلص أحد، دوره ثانوي؛ لأنه يوجه ويعلم ويعزي، لا يعمل عن أحد ولا يصلي ولا يصوم عن أحد. ففي المنطلق اللاهوتي: (الإنسان لا يخلص إنساناً)، إذ أنَّ لاهوتية يسوع هي التي خلصت إنسانيتنا البشرية، كما أن إرادتنا الروحية تخلص كينونتنا من سلطان الخطيئة، وتجعلنا ملاصقين لله في وجوده ومداه.

التبعية ليسوع

لا تبعية للأب المُعَرِف، إذ لست أنا من صُلِبَ لأجلكم يسوع هو من صُلبَ لأجلكم، يسوع هو الغاية العظمى التي من أجلها نعيش ونتحرك ونوجد. أمَّا الأب فهو مرآة نرى من خلالها سعينا لتأليه نفوسنا من خلال تعريفه لنا بالله، وبلوريته لمآثمنا، وإظهاره لحقيقتنا. فأب الاعتراف، هو أداة للوصول إلى الله. ويختلف الأب المعرف بحسب الطريقة من أب إلى آخر، حسب المنهجية التفكيرية التي يتبناها، فالله جعل من كنيسته بستاناً، تختلف فيه أنواع الشتول؛ كي تتناسب والرغبات والطبائع. لكن المؤدى وهو الأهم فواحد، وهو الله الواحد في وجوده وكينونته، لكننا نختلف بحسب طبائعنا، في كيفية فهمه، لذا ننتقل من خلال الأب إلى الله بحسب اختلاف ذواتنا، فعلينا أن نعمق حبنا لله، وننسى اختلاف آبائنا؛ لأن كل هذه لا ترقى إلى مستوى الخلاف، ولا يمكن أن تخلق شرخاً بين الأبناء؛ لأن التبعية واحدة (ليسوع)، والاختلاف للاغتناء، واستيعاب اختلاف التائبين، وليس للتحارب والتضاد. للارتقاء وليس للتركيز على الصغائر من الأمور، ونسيان كبائرها أو تناسيه، ألا وهو أن الله الثالوث في: آب، وأبن، وروح قدس. أي أن العلاقة بين الأب، والابن يجللها الروح القدس، وهذه هي النمطية الحقيقية للعلاقة السليمة بين الأب المُعَرِف، والابن المعترف، بأن تكون علاقة متساويين، ومحبين.

التوبة الحقيقية

إن التوبة تؤدي إلى الغفران، ولكن أي توبة؟ فالتوبة الحقيقية هي النابعة من القلب، والتي يتهيأ لها المؤمن بجدية. فالغفران الحقيقي يتبعه عيش مع الله، وبدون توبة حقيقية، لا يمكن العيش مع الله. والتوبة الحقيقية بحد ذاتها جهاد وكد وتعب. إذ يقول المطران جورج خضر: (الرقي الكبير بحاجة إلى شجاعة كبيرة)، وما الرقي الكبير كنسياً سوى العيش بحسب تعاليم الله والسعي إليه. حين أقف أمام ذاتي أولاً، ثم أمام الله عبر الكاهن، لأقول قد أخطأت. فالخطيئة ليست بعيب، بقدر ما أن الاستمرار فيها هو العيب الأكبر، فالشجاعة التي يتطلبها السر، هي كشجاعة المحارب في ساحة القتال؛ لأن دفاع المؤمن عن نفسه في ساحة المعركة الروحية، بمثابة هجوم على الشيطان، في مسعاه ومبتغاه في أن يدنسنا، لذا علينا دائماً أن نبادر نحن إلى الله بأن نتهجم على الشيطان، ونصارعه؛ كي يفقد سلطته علينا، ويجب ألا ننتظره، كي يأتي وينخر في ضلوعنا، وحنايا وثنايا روحنا ونفسنا، إذ عندما نواظب على محاربته، نعتاد التغلّب عليه.

أكاكيوس

يُحكى بأن، شاب أسمه أكاكيوس، قد قرر دخول الرهبنة في الجبل المقدس (آثوس). وأن يعترف عند أول كاهن يراه، وإذ بالأب (الأول) الذي رآه مجنون، لذا كان يكلفه بأن ينقل دلاء ماء من مكان إلى آخر، ومن ثم العودة بها إلى المكان عينه، وهكذا دواليك. إلا أن هذا الشاب قد تقدس وقدَّس أباه الروحي. هذه القصة لا تناقض طبعاً فقرة سابقة تتحدث عن الحوار والنقاش، بل تكملها، إذ الطاعة الكاملة هي أساس الممارسة الصحيحة، للسر. لذا عند الانتهاء من النقاش لابد من تنفيذ ما قد توصل إليه الأب والابن.

أبانا الذي

يُحكى أن راهبان قد تباريا، في مَن يصلي أكثر. فاحتكما لرئيس الدير، الذي طلب منهما أن يصليا في اليوم التالي (الصلاة الربية)، وأن يأتيا إليه مساءاً. وفي مساء اليوم التالي جاءا رئيس الدير، وعند سؤاله: (كم مرة صلى كل منهما الصلاة الربية؟) أجاب الأول: (9319مرة)، أمَّا الثاني فقد أجاب: (ما زلت عند كلمة (أبانا)). فتعلم الاثنان بأن قيمة الصلاة ليست بكثرتها العددية، بل بممارستها الفعلية والنابعة من القلب. وكذا الأمر بالنسبة لسر التوبة والاعتراف، فالكثرة والتكرار ليسا أساساً، الأساس هو أن تنبع التوبة من صميم القلب.

كلمة لا بد منها

ورد في البند الأول، من القانون رقم (736) المختص بتنظيم كيفية الاحتفال بسر التوبة والاعتراف، لدى الكنائس الكاثوليكية الشرقية، ما يلي: (يُحتَفل بسر التوبة والاعتراف في الكنيسة، إلا إذا حلَّ ظرف خاص كالمرض…). نعم، يُحتقل بالسر. فكما يُحتقل بسر (القداس الإلهي)، كذلك يتم الاحتفال بهذا السر. وكما أن الأسرار الستة الباقية يُحتفل بها في الكنيسة كذلك الأمر بالنسبة لهذا السر. لا بل ويجب أن يرتدي الكاهن (البطرشيل) أثناء الاحتفال به، كما باقي الأسرار.

السر وسيلة وليس غاية…

 

ليس السر بغاية، بل وسيلة للخلاص؛ لأننا به نرقى إلى السيد، لكنه وسيلة حتمية. إذ كما أنه (لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي) كذلك لا يأتي أحد إلى الابن إلا بالتوبة وبالرجوع إلى أحضانه، فهو كريم وجواد، يستقبل الكل، ويقبل الضعفات؛ لأنه يعرف علم اليقين، ما الجِبلة، وكيف تكونت، يعرف الله أننا نخطئ لكنه يعرف أيضاً، أن الخطيئة قد دخلت الطبيعة البشرية، ليس عنوة بل طواعية. وإذ جاءنا الله وعايشنا وخالطنا وشاركنا بكل شيءَ خلا الخطيئة، بما أنها دخيلة على طبيعتنا وليست من صميميتها وفطريتها. وكوننا قد وُلدنَا على صورة الله، أمَّا اكتسابنا لمثاله فيتحقق عندما نسعى كي نكون معه وفيه، إذ لم يخلقنا الله، كي نكون بعيدين عنه، خلقنا بالقرب منه، في فردوسه أوجدنا، ومن ينابيعه أسقانا الماء الحي، وهو يحبنا لذا يؤلف لنا وسائل للتقرب منه. محبته لنا مطلقة وجنوحه للتقرب منا مطلق أيضاً. إذ يقف دائماً على الباب ويقرع، هو لا يملّ ولا يكلّ، بل يقرع كل دقيقة وكل ساعة. لذا علينا ألا نهرع، بل أن نسمع الصوت ينادينا. فالضمير صوت الله الداخلي فينا، والكتاب صوت الله الخارجي الذي لا يتوانى وهو ينادينا. يصرخ الله دائماً كي نكون معه؛ لأنه يحبنا، لذا فما التوبة إلا نداء إلهي، واستجابة إنسانية، طلب علوي ورد سفلي. هو كالملك الذي لا يتعب عن العمل، وكالعامل الذي لا يكلّ وهو يسعى، إنه يتوسم فينا على الدوام أن نكون مستعدين ومتهيئين للمجيء إليه.

إنَّ الحجر صعب الحَمل، والخطيئة ثقيلة، (الحجر يا سيزيف ما أثقله!)، كما تقول إحدى الروايات الميثولوجية، إلا أن الله يحمل عنا، كما حمل سمعان عن يسوع صليبه. يحمل عنا؛ لأنه لا يحمِّلَنا ما يفوق طاقتنا، هو لا يجر بنا بل يسمح بذلك، أي أنه لا يسعى ولا يسمح أن نتعرض للأذى، بل عندما نختار طريقاً ما، يباركها ولا يتدخل.

 

 

Leave a comment