فيروس كورونا والكنيسة

الميتروبوليت ييروثيوس فلاخوس، مطران نافباكتوس

نقلها إلى العربية كمال كدر

السؤال 1: ما هو الفيروس التاجي (covid-19)؟

الجواب: إنه فيروس، مثل معظم الفيروسات، يتكون من الحمض النووي الريبي (RNA)، ويستخدم بنية ونواة الحمض النووي للخلايا (DNA) لكي يعمل.

من المعروف أن المعلومات الوراثية من الحمض النووي (DNA)، الموجودة في نواة الخلية، يتم نقلها إلى الحمض النووي الريبي الموجود في السيتوبلازما، ثم يتم تحويلها إلى بروتينات. تعتبر عملية النسخ والاستنساخ نوعاً من الانتقال وهي الأساس المركزي لعلم الأحياء.

ولذلك، فإن التدفق العكسي للمعلومات من (RNA) إلى (DNA) يعطل هذا الأساس المركزي. بكلمات بسيطة، يشبه عمل الفيروس الشخص الخاطف، الذي ليس لديه طائرته الخاصة، ولا يعرف كيف يطير، لكنه يستخدم أدوات الطائرة والطيار لغرضه الخاص.

السؤال 2: لماذا هذا الخوف الهائل من الفيروس التاجي (covid-19)؟

الجواب: هناك العديد من الفيروسات، مثل الإيدز والتهاب الكبد والإنفلونزا والإيبولا والسارس وما إلى ذلك، والتي وجد العلم طرقاً لمواجهتها. عندما اندلعت المشكلة في أوائل التسعينات مع فيروس الإيدز، أصيبت البشرية بالذعر. وفي اليونان تم إنشاء لجنة وطنية للتوعية من الإيدز، والتي أصبحت مركز السيطرة على الأمراض الاستثنائية. في هذه الفترة كنت ممثل كنيسة اليونان، وأنا أتابع، منذ ذلك الحين، القضايا المتعلقة بالعدوى ذات الصلة، حتى أنني كتبت كتابًا بعنوان: الإيدز، طريقة حياة.

أذهل الفيروس التاجي المجتمع العلمي لكن ستتم مواجهته علمياً قريبًا. حتى ذلك الحين يجب أن نكون حذرين ونصلي.

السؤال 3: كيف تبرر الذعر الناجم عن فيروس كورونا؟

الجواب: في الواقع، وبصرف النظر عن الفيروس التاجي (covid-19)، هناك أيضًا فيروس الذعر الذي يتحدث عنه المختصون بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وعلماء النفس.ـ

يفسَّر الذعر بما قلته سابقًا، وفي الوقت نفسه يتم تفسيره بالخوف من الموت. الشخص الذي يحب الحياة يريد أن يعيش أطول فترة ممكنة إذ يخشى الموت. هذا هو ذعر الموت المزعوم. ليس هو الحال الآن مع الفيروس التاجي (كورونا)، ولكن الموت يقترب منا دائمًا بطرق متنوعة.ـ

يرتبط الخوف من الموت بكل مرض يقود الإنسان نحو نهاية حياته. يؤكد هايدجر[1] أن الإنسان يعمل بطريقتين، الأولى في ما يسمى بالطريقة اليومية، وهي مرتبطة بالقدرة والسلطة والصحة والنشاط الاجتماعي، أما الأخرى فهو بالطريقة الوجودية، التي ترتبط بحصول المرض و اقتراب الموت.ـ

عندما يدخل الإنسان إلى المستشفى بسبب مرض ما، تبدأ على الفور الأسئلة الوجودية، مثل مسألة معنى الحياة ومعنى الموت. وتُطرح العديد من الأفكار، مثل من هو المسؤول عن الوضع الذي وصلنا إليه، وبالتالي، ينشغلون بما يسمى “اللحظات الحدودية في حياتهم”، والتي تتحدث عنها الفلسفة الوجودية وعلم النفس الوجودي، لهذا السبب لا ينبغي معالجة المرضى جسديًا فحسب، بل كليًا.ـ

السؤال 4: ما هو الموت؟

الجواب: الموت ليس فقط ما يحدث في نهاية الحياة البيولوجية، بل هو قابلية الفساد وقابلية الموت الكامنة في الكائن البيولوجي ككل.ـ

أظهرت البيولوجيا الجزيئية أنه من بين 25000 جينة في الخلية البشرية، منذ اللحظة الأولى لتخصيب الخلية، هناك أيضًا جينات الشيخوخة (الموت) وجينات المرض. فمنذ اللحظة الأولى للحمل البشري، وقبل تمايز الخلايا الجذعية، وقبل نشوء الأنسجة والأعضاء، وقبل تكوين بنية الجنين، فإن هذه الجينات توجد بالفعل. وهذا يعني أن الموت هو “عبء” بيولوجي ونفسي نحمله منذ اللحظة الأولى من تكويننا إلى الأزمات التدريجية التي توصلنا للموت.ـ

السؤال 5: كيف نتعامل مع مشكلة الفيروس التاجي (covid-19)؟

الجواب: تتم الإجابة على عدة مستويات. العلم يقوم بدوره، وأعتقد أنه سيكون لدينا تطورات تبعث على الأمل في هذا المجال. تحاول الدولة بمؤسساتها تقييد انتشار المرض، لأن الفيروس لا يميز بين الإنسان والمواطن. كما تصب وزارات الصحة كل اهتمامها في مسألة تعاملها مع هذا المرض على أنها “مسألة حرب” لأنه عدو داخلي بحق. من ناحية أخرى يجب على المواطن مواجهته على المستوى الشخصي. بالطبع، في هذا الوقت الحرج، يجب علينا احترام وتكريم الأطباء وهيئة التمريض الذين يعملون بكل المسؤولية ووعي وشجاعة.ـ

السؤال 6: كيف نتعامل مع المرضى بشكل خاص والمجتمع بشكل عام في خضم المعاناة الناجمة عن الأسئلة الوجودية؟

الجواب: أكدّتُ سابقاً أن الدولة ومؤسساتها تتخذ القرارات اللازمة لحماية المواطنين. لكن هذا لا يكفي، لأن الإنسان ليس آلة، ولا حتى آلة حية، لكنه كائن ينشغل بمعنى الحياة ومعنى الوجود، يتساءل في كثير من الأحيان لماذا يجب أن يحمي نفسه من المرض إذا كانت الحياة لا معنى لها بالنسبة له. غالبًا ما يعبّر مدمنو المخدرات عن أنفسهم بهذه الطريقة، فعندما ننصحهم بالحذر يجيبون: “لا أريد أن أكون حذراً، لأن الحياة لا معنى لها بالنسبة إلي”.ـ

لذلك، لا يمكن للمرء أن يتعامل مع مثل هذه المواقف إلا من خلال تدابير موجهة إلى جسم الإنسان بشكل مباشر، كما لو كان الإنسان آلة بيولوجية، لكنه أيضاً بحاجة إلى دعم نفسي وروحي. لقد عرفنا هذا بالفعل أثناء مرورنا بالأزمة الاقتصادية[2]، وكان العديد من السياسيين والاقتصاديين يقولون إن الاقتصاد يحتاج أيضًا إلى علم النفس لتتم السيطرة عليه. وهنا أتساءل: إذا كان الاقتصاد يحتاج إلى علم النفس، ألا يحتاج المرض لعلم النفس الوجودي للتعامل معه؟

أكد فيكتور فرانكل[3] على أن البشر يشغلهم “ثالوث مأساوي”، الألم والذنب والموت. لذلك، يجب أن تتفاعل كل أنواع العلوم في معالجة المشكلة التي تنشأ عند الانسان حتى لا يُعتبر المرء مجرد آلة بيولوجية.ـ

السؤال 7: كيف ترى رد فعل الكنيسة على المشكلة التي نشأت اليوم؟

الجواب: أعتقد أن الكنيسة تفاعلت ولا تزال تتفاعل بهدوء واتزانٍ كبيرَين وهذا مرتبط بألفي عام مضت من الخبرة، في حين أن الحكومات لديها من الخبرة حوالي مائتي عام فقط.ـ

وهكذا، تفاعلت البطريركية المسكونية، وكنيسة اليونان، وكنيسة كريت، وكذلك الكنائس الأخرى، بكل مسؤولية وجدية، لأنها تعتبر الإنسان على صورة الله، الإنسان الذي لديه احتياجات بيولوجية، ولكن قبل كل شيء، لديه الاحتياجات النفسية والروحية أيضاً، من ناحية أخرى، فالكنائس لديها الوسائل التي تعالج بها جميع هذه القضايا.ـ

السؤال 8: ما هي الخبرة الطويلة للكنيسة التي تتحدث عنها؟

الجواب: كما تعلمون، ظهرت على مر القرون العديد من الأمراض، ولم يكن العلم متطوراً كما هو اليوم. أما الكنيسة فكانت تتخذ دائمًا التدابير اللازمة للتعامل مع الأمراض الجسدية، وأيضًا لتلبية الاحتياجات الروحية لكل شخص.ـ

نأخذ، على سبيل المثال، مرض الجذام[4]. فقد كان مرضًا فظيعًا، ولم يكن له علاج لقرون عديدة وكان معديًا، لذلك كانوا يفصلون المرضى عن المجتمع ويضعونهم في الحجر الصحي بعيدين عن المجتمع.ـ

اهتمّ آباء الكنيسة بشكل خاص ليس فقط في علاج المرض، بل وأيضًا في علاج المريض الذي كان صلب اهتمامهم. فقد أوجد القديس باسيليوس الكبير مكاناً خاصاً لمرضى الجذام. وفي حين كان هذا المرض معديًا، إلا أنه كان يحتضنهم بنفسه ليُظهر لهم الحب.ـ

أعتقد أن ما وراء الفيروس التاجي وأي فيروس هو إنسان يعاني من مشاكله الوجودية والروحية وأسئلته عن الأبدية، ولهذا لم أرتبك بسبب فيروس العنصرية الاجتماعية أو فيروس الذعر الذي يحصل. لقد أكد كارل جاسبر[5] على أن البشر بشكل عام، وخاصة المرضى، بحاجة إلى “اتصال وجودي فعلي”.ـ

السؤال 9: في الآونة الأخيرة، كثُرتْ الأحاديث عن مسألة تقييد وإيقاف الخدمات الكنسية، وبشكل خاص عن موضوع الاشتراك بالمناولة المقدسة، فما هو رأيك؟

الجواب: بادئ ذي بدء، أودّ أن أقول أن الكنيسة تعمل بطريقة متناسقة. لدينا “قيادة كنسية” وهي المجمع المقدس، برئاسة غبطة رئيس أساقفة أثينا وكل اليونان ييرونيموس، وأعتقد أنه يعالج القضية بمسؤولية وجدية. هم الذين يجب أن نستمع إليهم في المقام الأول كأساقفة ورجال دين، فالكنيسة ليست هيئة غير منظمة، بل لديها مؤسسات تتخذ موقفًا بشأن القضايا الناشئة.ـ

لقد قلت سابقاً أن الكنيسة لديها خبرة كبيرة على مدى ألفي عام في التعامل مع هذه القضايا. وهكذا أوصت بأن نستمع للمتخصصين ومؤسسات الدولة التي تتعامل مع هذه القضية، وقررت تعليق نشاطها الرعوي، ونصحت بالحجر الصحي للمسنين والمرضى في منازلهم، ولكنها، وبطرق أخرى مختلفة، تركت النافذة مفتوحة للبشر للتواصل مع الله.ـ

وكما نحتاج إلى تهوية منازلنا، أي فتح النوافذ لتحديث الهواء والسماح بدخول أشعة الشمس، كذلك تكون الكنيسة كالنافذة في حياتنا، تنعش هواءها المصاب، وتساعد على رؤية أبعد وتسمح لشمس أخرى بدخول حياتنا، مما سيقتل الجراثيم والفيروسات الروحية.ـ

فيما يتعلق بالمناولة المقدسة، تتمتع الكنيسة أيضاً بقدر كبير من الخبرة على مدى زمن طويل. فكما هو الحال في التخصصات العلمية، حيث يتم التأكيد على القيمة العظيمة للببليوغرافيا أي المصادر المراجع المستعملة، كذلك لدى الكنيسة “ببليوغرافيا” خاصة بها، والتي تقول أنه في المناولة المقدسة، يُعطى المسيح الذي هو الحياة الأبدية والشافي أمراضنا الروحية، وأحيانًا الأمراض الجسدية، لا يمكن إجبار الكنيسة على إنكار هويتها.ـ

السؤال 10: كيف ترى رأي بعض الذين يوصون بعدم القدوم إلى الكنيسة ويحذرون من مساهمة القدسات الإلهية خوفًا من انتقال الفيروس التاجي؟

الجواب: توصي الكنيسة دائمًا أن من يريد أن يتناول بأن يفعل ذلك في ظل ثلاث شروط يُعبَّر عنها في العبارة “بخوف الله وإيمانٍ ومحبة تقدَّموا”. فكل فعل في الكنيسة بحاجة إلى تهيئة بمعنى آخر أن يتم ضمن قواعد روحية معينة. برأيي الشخصي رأيت أنه في السنوات الأخيرة بات الكثيرون يعيشون بدون هذه القواعد والشروط الروحية مثل التوبة والاعتراف والصوم، وقد أزعجني ذلك. لهذا، أحث المؤمنين على عدم المناولة بدون تهيئة ضمن تلك القواعد والشروط الكنسية الضرورية.ـ

لكن، كما قلت سابقًا، يناول الكهنة المرضى من دون الاعتقاد أنهم ينقلون الأمراض إلى باقي الناس أو أنهم أنفسهم سيصابون بالأمراض. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر الكنائس المقامة في المستشفيات، حيث يتناول فيها المرضى والأصحاء وجميع أعضاء الكنيسة من نفس جسد ودم الرب يسوع المسيح، على الرغم من مختلف الفيروسات والجراثيم الموجودة حولها.ـ

وقد لاحظنا أيضًا، ما أثنى عليه الجميع حتى الآن، كيف عمل الكهنة ومساعدوهم في المصحات والمستشفيات الحاوية العديد من الأمراض المعدية وغيرها من الأماكن، ولذلك لا أفهم ما تغير منذ ذلك الحين.ـ

السؤال 11: هناك من يجادل بأن الهلع والخوف من المناولة المقدسة لا علاقة له بإيمان الإنسان المسيحي. ماذا تقول عن ذلك؟

الجواب: تتعلق كل القضايا في حياتنا وطريقة تعاملنا معها بإيمان الشخص وتظهر مدى الإيمان الحقيقي بالله. المحبة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان، فلا يوجد محبة بدون إيمان أو إيمان بدون محبة. لكن الكنيسة تتعامل مع كل القضايا بطريقة رعائية، وبالطبع فإن التوبة هي عنصر من عناصر الروحانية الأرثوذكسية.ـ

السؤال 12: ما هي وجهة نظركم النهائية بشأن القضية التي أثيرت؟

الجواب: أعتقد أن الهدوء والحكمة والجدّية ضرورية، وسيجد كل شيء طريقه. وأعتبر أن فيروس الذعر وما يسمى “بجنون العظمة” أسوأ من الفيروس التاجي. سيتخذ المجمع المقدس القرارات المناسبة مع تطورات هذه القضية، لكننا بعد الاحتياطات اللازمة، نحتاج إلى الثقة بالعناية الإلهية.ـ

* مقابلة بتاريخ 14-3-2020

[1] مارتن هايدغر: فيلسُوف أَلَمَّانِي. ولد في أواخر القرن التاسع عشر. وجّه اهتمامه الفلسفي إلى مشكلات الوجود والتقنية والحرية والحقيقة.ـ

[2] هي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني منذ عام 2010مـ

[3] فيكتور إميل فرانكل: طبيب أعصاب وطبيب نفسي نمساوي. هو أحد مؤسسي شكل من أشكال العلاج النفسي الوجودي. يصف في كتابه الشهير الانسان يبحث عن المعنى تجربته كسجين في معسكرات الاعتقال النازية، والتي قادته إلى اكتشاف المعنى في كل أشكال الوجود، حتى في الأشكال الأشد قسوة، وبالتالي إلى اكتشاف دافع للاستمرار بالحياة. أصبح فرانكل شخصية أساسية في مجال العلاج النفسي الوجودي، ومصدر إلهام كبير لعلماء النفس الإنسانيين.ـ

[4] الجذام أو ما يعرف بمرض “هانسن” هو مرض يسبب تقرحات جلدية حادة ومشوهة، وتلف الأعصاب في الذراعين والساقين ومناطق الجلد حول الجسم، وهو مرض معدي ـ

[5] كارل تيودور جاسبر: فيلسوف ألماني وبروفيسور في الطب النفسي. ينتمي إلى التيار المؤمن في الفلسفة الوجودية. فضّل كارل جاسبر خط الوسط الذي يجمع بين العقل والإيمان، والعلم والدين في قضايا مناقشة العلاقة بين العلم والإيمان، أو الفلسفة والدين.ـ