الأب يوحنا رومانيدس

الأب يوحنا رومانيدس

الميتروبوليت ييروثيوس فلاخوس

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

درس الأب يوحنا رومانيدس في المدارس اللاهوتية الأميركية (الصليب المقدّس ويال وكولومبيا والقديس فلاديمير وهارفارد). كان تلميذًا مخلصًا للأب جورج فلوروفسكي، لكن مسارَ حياتهما كان مختلفًا. الأب جورج فلوروفسكي شقّ طريقه من الشرق الأرثوذكسي إلى الغرب، بينما الأب يوحنا رومانيدس بدأ من الغرب ووصل إلى الشرق الأرثوذكسي، حاملاً التعبير عن الروح الآبائية والكنسية والفيلوكالية الحقيقية التي كانت الردّ على السكولاستية والأخلاقية في الغرب. ومع ذلك، تشارك المعلمان بالاهتمامات وتقاسما التوجّه نفسه.. ـ

إنها لحقيقةٌ أن أي شخص يقرأ أو يسمع الأب يوحنا رومانيدس يدرك أنه عبّر عن لاهوت وحياة آباء القرن الرابع: آباء الكنيسة الكبادوكيين العظماء ونساك الصحراء، كما نرى هذا اللاهوت في كتاباتهم وفي أقوال الآباء وآباء الصحراء. عاش الأب يوحنا رومانيدس في القرن العشرين بمثابة “بقيّة” من القرن الرابع، أو  بعبارة أكثر ملاءمة، كان لاهوتيًا من القرن العشرين وأستاذًا في مدرسة لاهوتية، لكنه مشدود إلى “الروح” الذي عبر عنه قديسو القرن الرابع

بالطبع، لا يعبّر الأب يوحنا رومانيدس عن لاهوت خاص به بل عن لاهوت الكنيسة. إنه يعتمد على خبرة الأنبياء والرسل والآباء المُصاغَة بالتطهّر والاستنارة والتمجيد والتي تُختَبَر في صلاة القلب النوسيّة ومعاينة الله. لا يرتبط هذا اللاهوت بالمذهب السكولاستي أو الأخلاقي الذي نما في الغرب وانتقل إلى منطقتنا من العالم أيضًا، إما مباشرة من الغرب أو عن طريق اللاهوت الروسي الذي وقع تحت التأثير الغربي ولا سيما في زمن بطرس الأكبر

إن مفاتيح اللاهوت التجريبي هي تقدم الإنسان من صورة الله إلى شبهه، من حالة كونه خادمًا إلى عامل بأجر وابنٍ، ومن التطهّر إلى الاستنارة والتمجيد، ومن المحبة الأنانية إلى المحبة المتفانية. إنه لاهوت الوحي المرتبط بتمجيد الإنسان، وقد تمّت صياغته لاحقًا في العقائد والتعليم لعلاج أعضاء الكنيسة الآخرين وتوجيههم. أساس اللاهوت الأرثوذكسي هو على هذا القدر من البساطة

تكلّم الأب يوحنا كأستاذ للعقائد، ولكن أيضًا كناسك. عند قراءة كلماته، رأيت أنه يملك الخبرة في الأمور الروحية، لكنني لست في وضع يسمح لي بالبحث في مدى أو درجة خبرته. يعبّر تعليمه عن لاهوت الكنيسة وهو بسيط للغاية. إنه يشير إلى سقوط الإنسان وخلاصه، ورؤية النور غير المخلوق ، والتعبير عن هذه التجربة والطريقة التي يكتسب بها الشخص الخبرة الروحية. نرى لديه دائرة على غرار ما نجد في أعمال الآباء القديسين. قال الأب يوحنا نفسه: “اللاهوت الأرثوذكسي دائري الشكل. إنه مثل الدائرة. أينما تلمس الدائرة، تعرف الدائرة بأكملها، لأن الدائرة بأكملها هي نفسها. كل شيء يقود إلى العنصرة: أسرار الكنيسة كالكهنوت والزواج والمعمودية والاعتراف وما إلى ذلك، وقرارات المجامع وغيره. هذا هو مفتاح اللاهوت الأرثوذكسي: العنصرة. لذلك فإن أي شخص يصل إلى التمجيد بعد يوم الخمسين يُقاد إلى كل الحقيقة” ـ

هذا يذكرنا بالنص الرائع المحفوظ في “اللاهوت الصوفي” للقديس ديونيسيوس الأريوباغيتي. هناك “يُقتبس عن بارثولوميوس الإلهي قوله إن “اللاهوت واسع ومحدود، والإنجيل واسع النطاق وعظيم، ومع ذلك مبيّن بإيجاز.” يضيف القديس ديونيسيوس: “الأمر الصالح للجميع هو بليغ وقليل الكلام، في الواقع بلا كلمات. لا كلمة له ولا فهم، لأنه فوق كل هذه بطريقة تتخطّى الكينونة، ويظهر بوضوح وصدق فقط لأولئك الذين يتجاوزون كل ما هو دنِس ونقي…”ـ

كلمات الأب يوحنا رومانيدس توضح لنا بالفعل أن اللاهوت واسع ومحدود؛ وافر ومَسرُودٌ باختصار؛ فصيح، متحفظ في الكلام وصامت. وهكذا، عند تقديم الموضوعات اللاهوتية، غالبًا ما يحللها مطولًا، لكنه في أوقات أخرى يكون مقتضبًا ومختصرًا. بهذا المعنى، اللاهوت الأرثوذكسي الذي ليس كلمة عن الله والأشياء الإلهية وحسب، بل هو أيضًا خبرة الله والأشياء الإلهية، بسيط وعميق في نفس الوقت. إنه يكرر نفسه لكنه مفهوم ضمناً أيضًا. يمكن التعبير عنه بشكل إيجابي وسلبي. إنه اختبار والإشارة إلى المعاينة التي فوق البصر والسمع البشريين والتي تسمو على البصر والسمع

يمكن ملاحظة تكرارات مختلفة في تعليم الأب يوحنا. هذا أيضاً يمكن تفسيره بالطابع الدائري للاهوت الأرثوذكسي، كما ذكرنا سابقًا. لا أحد يستطيع أن يتحدث عن سقوط الإنسان دون الإشارة إلى ظلمة النوس وفقدان الشركة مع الله. لا يمكننا مناقشة استعادة الإنسان وتجاهل التعليم عن التطهّر والاستنارة والتمجيد. من المستحيل أن نغرق بالاهتمام بتمجيد البشر وأن لا نعرف شيئًا عن إعلان الكلمة غير المتجسد والمتجسد. من غير المقبول الحديث عن الكنيسة من دون معرفة أن الأسرار المقدسة مرتبطة بتطهّر القلب واستنارة الروح والتمجيد

*  Μητροπολίτης Ναυπάκτου Ιερόθεος Βλάχος. Εμπειρική Δογματική της Ορθοδόξου καθολικής εκκλησίας – τόμος Α΄.Ι. Μ. Γενεθλίου της Θεοτόκου (Πελαγίας). 2003